جلسة تأمل وتفكير.. السيدان توفيق السويدي وحسين الخالدي وزيرا خارجية العراق والاردن في اجتماع مجلس الدفاع الاعلى بالقاهرة سنة 53
قراءة في مذكرات توفيق السويدي: توفيق السويدي سفيرنا في طهران
طالبت أيران في مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى بأراضي شرق العراق الى نهر دجلة ، كما رفضت أيران الأعتراف بالدولة العراقية ، وكانت تتدخل بحجة مواطنيها في العراق( التبعية )وحمايتها للمراقد المقدسة( تعتبر نفسها ممثله و حامية للشيعة، و حتى العرب منهم )،كان الشاه ( العريف) رضا قد منع الزوار الأيرانيين من زيارة العراق( لتوفير المبالغ المحولة ) .
أوفد الملك ( الشريف / الأمير) فيصل الأول رئيس ديوانه محمد رستم حيدر( شيعي المولد من بعلبك ، العلماني الأتجاه) عام 1929 م الى طهران ، لتقريب وجهات النظر ، وصل بعدها أول وزير مفوض أيراني الى بغداد ( عناية الله سميعي ) ، كان رجلا ذكيآ بارعآ (بخلاف باقي الأيرانيين كما كتب السويدي ) بعيد عن الغطرسه و التفاخر ، وقع معه السويدي معاهدة في 11 آب 1929 م ( أول معاهدة بين البلدين ) بصفته وزيرآ للخارجية [ بالأضافة الى منصبه كرئيس لوزراء العراق ( 28/4/1929 - 18/9/1929 ) ] .
غادر السويدي الى طهران في آذار 1931 م ، حيث أستأجر دار كبيرة تعود الى بيت صوفير ( يهود عراقيين / بهائيين؟ ) لمدة ثلاثة سنوات ( عدة أبنية موزعة في حديقة غناء مساحتها عشرة الاف متر مربع ) بمائتي دينار في السنة ( 3000 روبية ) ، ثم أحتاج الى مائتين أخرى للتأثيث ( كانت مخصصات المفوضيه محددة بمئتين ) فقام السويدي بالأتفاق مع الخارجية بأن يصرفها من ماله الخاص على أن تدفع له من مخصصات 1932 .
زار السويدي السفارة البريطانية يوم 17 آذار ، ونظرآ لغياب السفير في أجازة قابله القائم بأعمال السفارة مستر يار وحضر المقابلة السكرتير الشرقي في السفارة ( مستر هاوارد ) ، طويل القامة يتكلم الفرنسية بطلاقة وهو في هذه الوظيفة مدة تناهز العشرين سنه ، قال هاوارد بأن الوضع السياسي في غاية الأضطراب بسبب النظام الأقتصادي الذي وضعته الحكومة ( الأشراط على المستوردين بأن يصدروا بقدر ما يستوردون ) ، و قال كيف يمكن أرغام التجار على تصدير كميات غير موجودة في أيران او غير مطلوبة في الخارح ؟
ثم أظهرا بأن بريطانيا غير متضايقة من سياسة أيران بخصوص التجارة مع روسيا ، و أظهرا شكوكآ حول أهداف روسيا ( الشيوعية ) في الأقتصاد و غير الأقتصاد .
بعد أحتفالات نوروز،ذهب ليقدم أوراق أعتماده الى الشاه في قصر ( گلستان ) ، كان الى يمين الشاه وزير البلاط تيمور طاش و الى يساره وزير الخارجية السيد فروغي ، ألقى السويدي خطبة بالعربية التي قرأها بعده رئيس شعبة الترجمة في وزارة الخارجية بالفرنسية ، بعدها أخذ الشاه من وزير البلاد ورقة بالفارسية فقرأها بصعوبة قليلة ، ثم قرأها المترجم بالفرنسية .
بعدها سأله الشاه أن كان قد زار أيران فأجابه السويدي بالنفي ثم علق بأنه لا يحس بالغربة فيها لأن الأشياء متشابهة مع العراق ، بعدها قدم أعضاء المفوضية للشاه ( عباس مهدي و أحمد وصفي ) ، فسأله الشاه هل هما عربيان ؟ فرد السويدي بالأيجاب .
قام السويدي بعد ذلك بزيارت رسمية الى رئيس الوزراء ( آغاي مهدي هدايت ) ، شيخ وقور جاوز السبعين ، يحسن الفرنسية و الألمانية و الروسية .
و يعتبر السويدي أن أهم زيارة كانت لوزير البلاط عبد الحسين تيمور طاش في قصر الشاه في خيابان بهلوي ( مبني على النمط الأوربي ) .
تيمور طاش أصله من شمال أيران (كانت سابقآ تحت النفوذ الروسي ) ، خريج مدرسة الأركان العسكرية في بطرسبرغ / لينينغراد ( الشاه كان عريف في الجيش الذي أشرف عليه الروس ) ، يتكلم الروسية و الفرنسية ( توفيق السويدي خريج جامعة السوربون في باريس ) ، و يقول السويدي عن تيمور بأنه كريم المحتد و ذكي و نشيط للغاية و مظهره لا يختلف عن اي أوربي ممتاز ، كما يقول بأنه ورغم تجواله في كثير من دول المنطقة لم يشاهد رجلآ أذكى و ألبق و أليق منه ، وجده يعالج المشاكل بإحاطه تامه كما أخبره بأنه يكره الأوربيين و يعدهم بلاء على الشرق بسبب طمعهم الذي لا حد له ، ثم تناقشوا حول المواضيع المشتركة و أهمها :
قضية الأكراد- (كان الأيرانيين و الأتراك يتبعون سياسة الحسم بالقوة)، فسأل طاش السويدي عن آخر المستجدات في حركة الشيخ محمود البرزنجي ، و ذكره بالثائر الكردي / الأيراني أسماعيل سمكوا الذي هرب الى تركيا ، كما قال بأنه يعتقد بأن اللأجانب (يقصد الأنكليز) يشجعون هذه الحركات حتى لايستتب الأمن ، أجابه السويدي بأنه لا يعتقد أن حركة محمود مسنودة من الأنكليز لأنه معارض لهم .
نهضة الشرق و مطامع الغرب ( النفط ) قال طاش بأنه لا ينكر احد أن في الشرق و بلاد العرب نهضة ، و هذا يسد أبواب الأستعمار و أستثماراته ، التي كانت لثصريف بضائعه ، و لأنكلترا مطامع و منافع منها النفط المصدر الى حيفا و السكك الحديدية ، و نفوذها في الخليج ، فكيف يطمأن الأنسان الى عدم وجود دسائس للتفريق بين العرب و الأكراد في العراق . أجابه السويدي بأن الأنكليز يحصلون على ما يؤمن مصالحهم بسهولة ، فلا يحتاجون الى الدس حاليآ ( لعدم وجود خلاف يهدد مصالحهم ) .
ثم قال طاش بأنه يقدر موقف العراق في مفاوضات النفط ، لأنه سمع السرجون كدمن ( رئيس شركة النفط العراقية ) يتذمر منها ، وفهم منه بأن العراق أتخذ موقف رزين .
روسيا و السوفيات ( تغير سياستهم بعد مجئ السوفيات / الشيوعيون )
قال طاش أن روسيا خطر مداهم ، بسبب الأزمة العالمية من كثرة الأنتاج ،و روسيا تؤجج نار هذه الكثرة لتحرق بها أوربا{ تنبأ بالكساد} ، و في الزمن القريب ستظهر حقيقة روسيا ( الحاجات الضرورية فيها لم تزل أقل مما يتطلبه الشعب الروسي)، أجابه السويدي بأنه لا يعتقد بأن هذا ممكن طالما كانت شعوبها مستسلمة خانعة للقوة ، ولا يهمهم أن مات 15 من 150 مليون من شعوبهم .
بعدها زار السفير الروسي ( من باب المجاملة أذ لم يكن للعراق صلات دبلوماسيه معهم )
( كانت سياسة بريطانيا تنحو نحو أيجاد تباعد بين روسيا و العراق ) كان السفير بتروسكي أقرب الى السمرة يناهز الثالثة و الأربيعين ، أستقبل السويدي بكل لطف و عناية و تكلم معه بالفرنسية ، فأخبره بأنه كان محاميآ في فار صوفيا قبل الثورة ، وقد نكلت به الحكومة القيصرية و أرسلته الى سايبيريا ، و لما جاء السوفيات قدموه و دخل السلك الدبلوماسي ، ثم أوضح بأن سياسة بلده مع أستقلال و حرية البلدان العربيه ، و لكنها ترى بأن الأسراع في هذا الأمر لا يخلوا من خطرعلى العرب أنفسهم ، لأنها ليست في حالة تمكنها من ذلك بين يوم وليلة
بل يجب التدرج في سبيل الأستقلال، و بأنهم يعاملون البلدان العربية و الشرقية معاملة تجارية خاصة و متساهلة، وعندما سأله السويدي بخصوص العراق ، أجابه بأن بضائعهم وصلت العراق ، و بنيتهم تأسيس ممثلية تجارية .
ثم زار السفير الفرنسي (مسيو غاستون موكرا) وسأله عما تنوي فرنسا بخصوص ترشيح الملك علي بن الحسين على عرش سوريا ، فأجابه بأنه لا يعلم شئ ، و أن السوريين منقسمين بين ملكيين و جمهوريين .
بعدها زار وزير الخارجية السيد محمد علي فروغي ( من كبار رجالات أيران ) وهو متضلع بالفلسفة و من الكتاب القديرين ، ومما قاله للسويدي بأنه كلما فكر في صلتهم مع العرب وجد من المستحيل أن يعتريها خلل إذ إننا جميعآ مسلمين ، و نحن نتكلم لغتكم مع تحوير بسيط ، هل تعلمون أن 80 % من الفارسية عربية الأصل و ما يتبقى منها ليس إلا روابط وأدوات ، و ثقافتنا مشتركة فلماذا لا نستمر على صداقتنا و إخوتنا ؟
بعدها زار السفير البريطاني ( السر روبرت كلايف ) ، الذي عاد من الأجازه ، فسأله عن الوضع السياسي في إيران ، فأجابه كلايف بأن الوضع أحسن من السابق ، فقد بذل الشاه (رضا ) جهودآ كبيرة ، فقوى سلطة الحكومة المركزية و قضى على ملوك الطوائف ، و أدخل تحسينات أقتصادية و أجتماعية كبيرة ، و لكننا لا نفهم سياسته العسكرية ، فقد زاد عدد الجيش من 30 ألف الى 50 ألف، و ينوي زيادته الى مائة ألف ، وهذا لايكفي للدفاع عن إيران ، و لكنه أعظم من حاجتها لتأمين الأمن الداخلي،و هذا يكلف كثيرآ .
أما عن الأكراد فقال إن تركيا تتبع سياسة الشدة و الإفناء بكل الوسائل ثم التتريك ، أما ايران فسياستها إهمال العنصر الكردي أصلاحيآ و صحيآ و ثقافيآ حتى يصبح هزيلآ ، فيضطر للأندماج بالعنصرية الأيرانية و يختفي ، و قال بأن تيمور طاش قال له مرة بأنه لو كان كرديآ إيرانيآ لفضل أن يكون عراقيا ( سياسة اللين و الأعتدال في العراق ) .
لقاء السفير التركي ( ميثاق سعد آباد) عند لقائه مع السفير خسروا بك وضعوا أسس ميثاق سعد آباد للتعاون الأسلامي بين العراق و تركيا و أيران و أفغانستان ( شبيه بحلف بغداد لمواجهة روسيا بدعم غربي ) .
مواضيع أخرى
أحتجاج الحدود ( تجاوز الشرطة الأيرانية ،بحجة قبة أحد الأولياء ) إذ تقدمت قوة من الشرطة الأيرانية و عسكرت داخل الحدود العراقية ، و بعد أشهر من المخاطبات الدبلوماسية ( لم تسفر عن نتيجة ) ، تقدمت سيارات شرطة مسلحة على المجموعه الأيرانية وهددتهم فأنسحبوا صاغرين .
زرباطيا كانت أيران تقطع المياه عن زرباطيا و شمار و مندلي وغيرها خلال الصيف، مما يضر بالمزارعين العراقيين ، و كانت هناك مراسلات كثيرة بين الطرفين لحل المشكلة و لكن الأيرانيين كانوا ينكرون ذلك .
العرب في خوزستان (عربستان ) كانت أيران تعتقد بأن العرب فيها يجدون نوعآ من التشجيع من العراق ، وكان العراق يعتقد بأن سياسة أيران أتجاه العرب يلحق إرهاقآ شديد عليهم ، مما يؤدي الى أنتفاضات كثيرة ضد الظلم مما يضطرهم الى الهروب الى العراق عند ملاحقتهم .
شط العرب كان مجرى شط العرب (بضفتيه) من حق العراق،وكان الأيرانيين يرغبون بتغيير هذا الحق المطلق ، فكان طلبهم ( حينها ) أن تكون لعبدان منطقة ساحلية تؤمن أحتياجاتها كمرفأ ( لكنهم طالبوا بعدها بمراقبة مشتركة للملاحة في الشط ، للحصول على جزء من واردات ميناء البصرة ) .
زيارة الملك فيصل لطهران بعد أن قام الملك بزيارة السعودية ( لأزالة الجفاء بين الهاشميين و السعوديين ) ، قام بزيارت تركيا ( لإزالت التشنجات الناجمه من مطالبة تركيا بالموصل ) ، قرر إزالة الفتور مع إيران ( لعدم إعترافها بالعراق سابقآ ) ، فطلب توفيق السويدي ليكون من ضمن الوفد المرافق مع أخاه ناجي السويدي و نوري السعيد (رئيس الوزراء) و المرافقين جودت العزاوي و شاكر الوادي و رئيس التشريفات تحسين قدري و معاونه السيد باقر الحسيني و طبيبه سندرسن ، وصل الوفد الى خانقين (25 نيسان) و باتوا في مزرعة الملك ، استقبلهم في الحدود وفد يضم رئيس التشريفات ومندوبين عن وزارتي الخارجيه و الحربية و سفيرهم في بغداد ، و مضوا الى شاه آباد ( قرية يملكها الشاه ؟ ) ، وصلوها ظهرآ و تغدوا فيها ، ثم إستمروا الى كرمنشاه التي وصلوها قبل الغروب فتعشوا و باتوا فيها ، في اليوم التالي وصلوا قزوين ظهرا فتغدوا فيها و باتوا ، في اليوم التالي باتوا في كرج ( تبعد 15 كلم عن طهران ) ، في الحادية عشر من الصباح التالي وصلوا الى طهران حيث كان الشاه في إستقبالهم مع وزرائه و حاشية كبيرة من رجال الدولة في سرادق بمدخل المدينة ، بعد تعانق العاهلين و تعارف الحاشيتين، ركب الشاه الى يسار الملك وسار الموكب بحفاوة عظيمة وسط طرقات غاصة بالجماهير الهاتفة بحياة ملك العراق ، وكان السويدي مع وزير الحربية الإيراني أسعد بختياري ، خصص قصر كلستان للملك و الوفد المرافق ، وفي القصر أقام الشاه مأدبة رسمية لملك العراق .
أن الإيراني بالرغم من زيارته العتبات المقدسة في العراق ، لم يكن يعرف شيئآ عنه ،سوى إنه كان جزء من دولة عدوة ( العثمانيين ) ، إ ضافة الى إنقطاع الزوار منذ مجئ الشاه رضا للحكم ، و مع التطور الذي تم في زمن الشاه جعلهم يعتقدون بأنهم في مستوى أعلى من كل دول الجوار ، فكانت زيارة ملك العراق و حاشيته كشرارة جعلتهم يعتقدون بأن وراء حدودهم الغربية شعب يستحق التعارف عليه .
بقى الوفد ثلاثة أيام ، شرف خلالها الملك السفارة بزيارة و تغدى مع العاملين ، و في اليوم الثالث ( 28 نيسان) دار إجتماع في البلاط الشاهي ، نوقشت فيه ثلاثة مواضيع شط العرب و الأكراد والتعاون بين البلدين ( نفطيآ) ، ولم يبت شئ في أي منها .
في اليوم الرابع غادروا قصر كلستان الى كه ريزك ، حيث نصبت السرادق لحفلة الوداع ، بعدها ساروا الى قم فوصلوها ظهرآ و تغدوا فيها ، ثم ساروا الى سلطان آباد التي باتوا فيها ، في اليوم التالي باتوا في بروجرد ، في اليوم التالي ساروا الى خرم آباد و تغدوا فيها ثم إستمروا الى صالح آباد التي باتوا فيها ، في اليوم التالي وصلوا الأهواز ظهرآ فتغدوا فيها ثم ساروا الى المحمرة (خرم شهر ) فوصلوها عصرآ فشربوا الشاي في مركز شركة النفط الإيرانية الإنكليزية ، ثم ركبوا الباخرة الخاصة ( نياركوس ) فتعشوا و باتوا فيها في طريقهم الى البصرة ، التي وصلوها صباحآ ، و عند المساء ركبوا القطار الى بغداد ( 1 أيار ) .
كان تأسيس المفوضية في طهران عملآ بارزآ في حياة الدولة العراقية ( إذ كانت أكثرهم عملآ وأوفرها إنتاجآ ) ، إذ لم يكن للعراق عند إنشائه غير واحدة في لندن ( مشلولة بسبب تولي السفارة البريطانية في بغداد جميع المراسلات و الأتصالات ) ، و المفوضية الثانية ( أنقرة / تركيا ) لم يتسنى لها القيام بعمل بارز ، لقلة المصالح بين البلدين و سياسة تركيا الجديدة منصبة نحو الغرب .
بعدها ضرب الشاه ضربته و أعلن فسخ أمتياز النفط مع شركة داسي الأنكليزي ( كان كولبنكيان / الوسيط ، قد أعانه للحصول على إمتياز نفط جنوب إيران ) ، لم تستطع بريطانيا أن تضعف إيران دوليآ ( فتمنح روسيا فرصة تستغلها ) ، و بالرغم من الصفعه القاسية أشارت على الشركة ( البريطانية الإيرانية ) بالتفاهم مع إيران ، فزادت حصة إيران من 11% من الأنتاج الى 22% ، وزادت وارداتها من 4 إلى 8 ملايين دينار تقريبآ .
من كتاب : مذكراتي ( توفيق السويدي ) الطبعه الثانية ، 2010
917 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع