اللواء الركن عبد العزيز العقيلي ١٩١٩ – ١٩٨١
حظي الجيش العراقي،خلال مسيرته ألظافرة منذ تشكيله في السادس من كانون الثاني –يناير سنة 1921 وحتى حلته سلطات الاحتلال الاميركي البغيض 2003 ، بمجموعة متميزة من الضباط اللامعين الذين تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخه الناصع.
ولعل من هؤلاء المرحوم اللواء الركن عبد العزيز العقيلي الذي تسنم مناصب عسكرية ،ومدنية كثيرة منها توليه منصب وزير الدفاع 1965-1966. وبالمناسبة فأن كاتب هذه السطور قدم دراسة مفصلة إلى هيئة كتابة التاريخ العسكري – دائرة التطوير القتالي- وزارة الدفاع العراقية كجزء من متطلبات التفرغ العلمي هناك صيف (تموز-يوليو-آب-أغسطس سنة 2002 ). كما كتب عنه الدكتور ستار نوري العبودي اطروحة ماجستير طبعت ككتاب سنة 2009 بعنوان :"عبد العزيز العقيلي :حياته ودوره العسكري والسياسي 1919 -1981 " وقد اعتمد فيها على دراسة كاتب هذه السطور فضلا عن العديد من المصادر الاخرى .
اللواء الركن عبد العزيز العقيلي –اختلفنا معه أو اتفقنا – شخصية عراقية مؤثرة ، كان لها دورها السياسي والعسكري في العراق ابان الستينات من القرن الماضي ، وتلك حقبة مهمة وحساسة في تاريخ العراق المعاصر حيث الصراعات بين الاحزاب والقوى السياسية العراقية المختلفة وحيث تأثير العسكر في الحياة السياسية العراقية لما يزل طاغيا.
وليس من شك في ان تلك الحقبة من تاريخ العراق المعاصر شابها ما شابها من الاتهامات والأقاويل والدعايات واختلطت فيها الامور اختلاطا غريبا بحيث ان مجرد التفكير في الكتابة عن شخصية مثل عبد العزيز العقيلي لم يكن مركبا سهلا . واليوم وبعد مرور كل هذه السنوات لابد ان نتحلى بالموضوعية قدر الامكان ، ولابد ان نلتمس الاعذار لمن كان يقدم خدمة عامة فأصاب او اخطأ .
ولابد اولا وأخيرا ان نضع الحدث في اطاره المكاني والزماني الصحيح بدون زيادة ونقصان ونعتقد دوما بأن مهمة المؤرخ الحقيقي هي ان يعيد كتابة الحدث كما وقع بالضبط وتلك هي الموضوعية التي تحدث عنها المؤرخ الالماني الشهير ليوبولد رانكة .
اللواء الركن عبد العزيز العقيلي موضوع حلقتنا هذه شخصية عراقية فذة خدم العراق اجتهد وكانت وحدة العراق ورفاهية العراقيين هدفه السامي .هو من عشيرة عراقية معروفة في العراق ..انه من بني عقيل هذه العشيرة التي نزحت -شأنها شأن الكثير من العشائر العربية – من الجزيرة العربية لظروف اقتصادية واجتماعية ،وتوجهت نحو العراق وبلاد الشام والخليج العربي . دخل بنو عقيل الاسلام منذ بواكير ظهوره الاولى . وعقيل من كعب وكعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر ووالد عبد العزيز هو السيد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد وينتهي الجد الاخير بعدنان ، ومعنى هذا ان العقيليين هم عدنانيون .. وليس ثمة علاقة بين بنو عقيل أو بنو عكيل أو بنو عجيل فتلك عشائر اخرى وقد حكم العقيليون الموصل بعد الحمدانيون وضمن الفترة من 990 ميلادية الى 1095 ميلادية ومن امرائهم المشهورين ابو الدرداء محمد بن المسيب بن رافع بن المقلد الاكبر بن جعفر بن مهند العقيلي وهو المؤسس الاول لدولة بني عقيل في الموصل ومن امرائهم كذلك شرف الدولة ابو المكارم مسلم بن قريش الذي ملك الموصل وحلب والجزيرة الفراتية وكان شجاعا جوادا ذا همة وعزم وقد زوجه السلطان السلجوقي الب ارسلان اخته .
يقول المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور خاشع المعاضيدي في دراسة له عن "الموصل في عهد الادارة العقيلية " : ان شرف الدولة ابو المكارم بقي في السلطة نيفا وعشرين عاما ، وقد احتاجه خلفاء بنو العباس والسلاطين السلاجقة وخطب له على المنابر من بغداد الى حلب ومنبج وديار بكر وربيعة .وقد عمر سور الموصل وكانت وفاته بداية زوال امارة بني عقيل في الموصل والعراق والشام حيث سار، تاج الدولة تتش وهو اخو ملكشاه السلجوقي الى حلب واستولى عليها من بني عقيل .
ولد اللواء الركن عبد العزيز العقيلي في محلة حمام المنقوشة بمدينة الموصل سنة 1919 وهي من المحلات الموصلية القديمة ،وهناك من يقول سنة 1920. دخل المدرسة الاسلامية في الموصل سنة 1926 وكانت في الجامع النوري الكبير ثم انتقلت الى بناية اخرى وتغير اسمها سنة 1928 الى المدرسة الفيصلية الابتدائية . وفي سنة 1932 انتقل عبد العزيز الى المدرسة الثانوية الوحيدة في الموصل ،وهي ثانوية الموصل وفي السنة الاخيرة من دراسته الثانوية حدث انقلاب بكر صدقي سنة 1936 واعلن بعد نجاح الانقلاب عن افتتاح دورة خاصة للضباط يقبل فيها طلاب السنة الاخيرة من الدراسة الثانوية أي الصف الخامس الثانوي فتقدم عبد العزيز الى تلك الدورة
اذا دخل العقيلي الكلية العسكرية أيام الفريق بكر صدقي العسكري قائد اول انقلاب عسكري في الشرق الاوسط في العراق سنة 1936 ، وضمن الدورة التي سميت في حينه "الدورة المستحدثة " سنة 1937 بتاريخ الأول من كانون الثاني سنة 1937. وقد تخرج في الكلية العسكرية في الاول من كانون الثاني – يناير سنة 1938 .ومن الطريف انه تقدم كطالب خارجي سنة 1942 وأدى الامتحان وحصل على الشهادة الثانوية .
كتب عنه المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور سيار كوكب الجميل يقول : " انه ومنذ صباه ونشأته الأولى ُعرف بذكائه واستقلاليته وطموحه وجدّيته التي تفوق الوصف في كل مراحل دراسته ، وكان صديقا صدوقا لوالدي القاضي المرحوم كوكب علي الجميل ( توفي عام 1968) أيام الدراسة ، إذ كانا في صحبة دائمة ، كما حدثني عن ذلك صديقهما الأستاذ إبراهيم الدباغ ، وبرفقتهما صبري الصمدي .. ثم غادرهم ملتحقا ب( الدورة المستحدثة) سنة 1936 . التي اسموها بدورة ( قادة المستقبل ).
كان العقيلي قارئا من طراز خاص ، ويتمتع بذاكرة حادة ، وكان يكتب ملاحظاته على هوامش الكتب التي يقرأها .. لم يكن انعزاليا ، ولكنه كان يختار أصدقاءه بعناية بالغة ، فوصفوه بالمتكبّر ، وبالفعل ما كان يطيق الانسجام مع أناس أغبياء أو سّذج أو كسالى ! كان لا يطيق الكذب والكاذبين ودفع ثمنا كبيرا لجرأته وصراحته مع غيره . حصل على شهادة الكلية العسكرية بعد تخرجه بالدورة 15 في الكلية العسكرية عام 1938 ، وعلى شهادة البكالوريوس في الحقوق ، فكان أن تناصف في ثقافته عسكريا ومدنيا ، ولكنه تفوق في حياته العسكرية ، وتدّرج في مراتبه وحصل على شهادة أركان حرب ، وقد عرف منذ بداياته العملية انه رجل صاحب مبدأ ومعرفة ورأي .. كما ٌعرف بين أقرانه الضباط عسكريا منضبطا ، وصارما ،ونزيها ، ولكنه كان يميل للانفراد بالرأي والمعاندة ، ولا يمكنه أن يتنازل أبدا عن أي قرار يتّخذه .. وبقي على امتداد حياته لا يميل للحياة الاجتماعية العراقية ، ولم يعرف اللهو طريقه إليه أبدا ، فبدا يختلف عن بقية الضباط العراقيين ، ولكنه كان يقّدر الموهوبين والأذكياء واللامعين ويعتمد عليهم ، ولا يهتم بالجهلة وذوي السوابق .. كان كتوما ، قليل الكلام ولا يضحك الا مع من يعرفهم معرفة عميقة ، ويهوى الشعر ، وقراءة الأدب .
انخرط في الحياة العسكرية العراقية منذ الثلاثينيات من القرن العشرين ، واشتهر بتفوقه قبل تدرجه بالرتب العليا .. ودرس في كلية الأركان وتخرّج بتفوق ونبوغ ، فأرسل إلى بريطانيا للدراسة سنة كاملة في كامبرلي وعاد متفوقا وبلغة انكليزية لا بأس بها .. ثم انخرط لدراسة الحقوق وهو ضابط أركان في النظام المسائي فحصل على شهادة البكالوريوس في القانون ..ولكنه احترف صنف المدفعية ، وعشق الحياة العسكرية ، وتنّقل في عدد كبير من وحدات الجيش العراقي شمالا وجنوبا ، وكان محل تقدير واعتزاز كل القادة والآمرين ، وحصل على عدة أنواط شجاعة .. بل رشّح ليكون آمرا للحرس الملكي بديلا عن اللواء عبيد الله المضايفي..لكنه أستبدل بطه البامرني.
يعد اللواء الركن عبد العزيز العقيلي ، احد ابرز الزعماء العراقيين الذين اشتهروا بمواقفهم القوية ، وبصلابتهم التي لا تلين ، واحترامهم للقانون ، وتقديسهم للمال العام ، مع منجزاتهم الكبيرة وعدم تراجعهم عن قراراتهم ، ومحاربتهم للفساد والرشوة والوساطة والعصيان .. عاش ومات اعزبا بلا زواج..." .
بعد تخرجه من الكلية العسكرية انتمى إلى صنف المدفعية .ثم دخل كلية الأركان سنة 1943 وتخرج فيها سنة 1945، وقد أسهم في حركات برزان الأولى (أيلول-سبتمبر 1945)، وكان يقوم بمهام ضابط ركن حركات للقوة التي كان يقودها آنذاك اللواء مصطفى راغب.
عمل العقيلي في الحرس ألملكي وكان برتبة مقدم. وفي سنة 1946 دخل كلية الحقوق ،وفي سنة 1950 تخرج فيها، وقد حصل على شهادة الليسانس بدرجة جيد جدا.
انضم إلى حركة الضباط الأحرار سنة 1957. يقول الاستاذ صبحي عبد الحميد أن أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار اتخذوا جملة من القرارات قبل تنفيذ الثورة بسنتين وكان من بينها مفاتحة كبار الضباط من ذوي الكفاءة والسمعة الطيبة، والوطنية العالية، وبصورة خاصة أولئك الذين يقودون الوحدات والتشكيلات. وقد وقع اختيارهم على الزعيم (العميد) الركن عبد العزيز العقيلي آمر اللواء الرابع والزعيم الركن ناظم الطبقجلي آمر اللواء الخامس، والعقيد الركن خليل سعيد آمر اللواء الثالث محيي عبد الحميد ..وقد كلف رجب عبد المجيد بمفاتحة العقيلي، و بمفاتحة الطبقجلي وكلف صبحي علي غالب بمفاتحة خليل سعيد، فتمت مفاتحة الطبقجلي وخليل سعيد في أوائل سنة 1957، وتأخرت مفاتحة العقيلي لان رجب كان لا يعرفه معرفة وثيقة. وبعد ذلك جرت مفاتحته.
وفي بداية شهر أيار-مايو 1958 ،اجتمع الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بالزعيم الركن ناظم الطبقجلي ،والزعيم الركن عبد العزيز العقيلي ،والعقيد خليل سعيد في (الرطبة) أثناء اشتراكهم في تمرين الرطبة سنة 1958 الذي طبقته (الفرقة الأولى، وتداولوا في تنفيذ حركة ضد النظام الملكي في ذكرى يوم تأسيس الجيش العراقي (6 كانون الثاني 1958) مستفيدين من القطعات العسكرية التي تجمعت في معسكر الرشيد للاشتراك في العرض العسكري الذي تقرر إجراؤه في ذلك اليوم. وقد تداولوا في موضوع تنفيذ الحركة وأقسموا جميعا على التعاون وإسناد الثورة حالما تبدأ. وكانت تلك أولى محاولات تنفيذ الثورة.
عندما وقعت الثورة، ثورة 14 تموز –يوليو 1958، كان الزعيم (العميد) الركن عبد العزيز العقيلي يشغل منصب امر اللواء الرابع للفرقة الثانية ومقرها كركوك .وكان قائد الفرقة الزعيم الركن عبد الوهاب شاكر وكان دوره المطلوب في الحركة يتمثل بضمان الامن والهدوء في لواء كركوك لكي تسير الامور في بغداد وفقا للخطة المرسومة .
يقول صبحي عبد الحميد: إن الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي آمر اللواء الرابع تردد في اتخاذ أي إجراء ضد الزعيم الركن عبد الوهاب شاكر قائد الفرقة الثانية وبعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 صدرت قرارات عديدة، وأحيل عدد من الضباط ممن هم أقدم رتبة من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. كما صدرت تعيينات جديدة منها ان العميد الركن عبد العزيز العقيلي أصبح قائدا للفرقة الأولى.
تصدى عبد العزيز العقيلي لمحاولات تسلط عبد الكريم قاسم على مقدرات الثورة وسعيه لتشجيع القوى الشيوعية لاستفزاز العناصر القومية.. فحين كان قائدا للفرقة الأولى أستغل الشيوعيون بعض الأحداث، منها تحريض الجنود ضد ضباطهم في البصرة وحين أمر العقيلي بتوقيف رؤوس المسؤولين عن تلك الاحداث ، وتشكيل مجلس تحقيقي للتحقيق معهم وسوقهم للمحاكم، تدخل قاسم وأمر بتجميد التحقيق وإطلاق سراح الموقوفين.
وقد ساعد هذا الإجراء وغيره على "فقدان الضبط في الجيش" إلى درجة أن العقيد المرحوم جلال احمد، قتل وقام عدد من الجنود بسحل جثته في شوارع البصرة،
وكان العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب) ، وهو ابن خالة عبد الكريم قاسم، يشجع هذه الأعمال خلال المحاكمات التي كانت وسائل الإعلام تنقلها، فيمدح القائمين بأعمال الشغب ويشكرهم على إخلاصهم وتفانيهم في خدمة الزعيم اضطر ستة من الوزراء الوطنيين والقوميين وهم:
ناجي طالب، وصديق شنشل، وفؤاد ألركابي، وعبد الجبار الجومرد، وبابا علي الشيخ محمود البرزنجي، ومحمد صالح محمود، إلى الاستقالة وقبل قاسم استقالتهم، وعين بدلا منهم وزراء جدد معظمهم من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي. وبعد التعديل الوزاري ركز الشيوعيون حملاتهم على قادة الجيش، واخذوا يضغطون على عبد الكريم قاسم لإبعادهم عن مناصبهم الخطيرة ليخلوا لهم ولأعوانهم الجو.
وقد تركزت هذه الحملات بصورة خاصة ضد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية، والزعيم الركن عبد العزيز العقيلي قائد الفرقة الأولى والزعيم الركن شاكر محمود شكري معاون رئيس أركان الجيش، والعقيد رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات العسكرية.
وقد قرر قاسم إبعاد هؤلاء الضباط واحدا بعد الآخر، فابتدأ بالعقيلي حيث اصدر مرسوما جمهوريا في الأول من كانون الثاني 1959 بتعيينه سفيرا في إيران ، لكنه لم يلتحق بسبب قيام حركة الموصل 1959.
أسهم العقيلي في التخطيط لحركة الموصل سنة 1959.
وذكرصبحي عبد الحميد انه كان من واجب قطعات بغداد-معسكري الرشيد والوشاش مساندة الثورة في الموصل والإسراع في اعتقال قاسم، والسيطرة على دار الإذاعة وأضاف: في صباح 8 آذار-مارس 1959 دخل إلى غرفتي المقدم محمد خالد، وقال لي لقد بدأت الثورة في ألموصل فقلت له ما هو واجب قطعات بغداد قال الانتظار. قلت يجب الإسراع بأعتقال عبد الكريم قاسم.. وكان وقتذاك يلقي خطابا في سينما الخيام لمناسبة الاحتفال بيوم المرأة، وكان من المقرر أن يتولى قيادة قطعات معسكر الوشاش الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي وقيادة وحدات معسكر الرشيد العقيد الركن خالد سعدي المدفعي.. وفي الساعة الرابعة صباح 9 آذار طرق الانضباط العسكري باب داري وقادني الى السجن رقم (1) في معسكر الرشيد.. وترددت المعسكرات كلها في تأييد الثورة، وبقي اللواء الخامس وحده في الموصل.. وكان سبب ذلك عدم علم قطعات بغداد بالتوقيت وتفاصيل الخطة..
قال العميد خليل إبراهيم حسين وكان معاوناً لمدير الاستخبارات العسكرية آنذاك للمؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف : إن العقيلي شكل كتلة من الضباط والمدنيين بعد فشل حركة الموصل 1959 وإعدام الطبقجلي ورفاقه سميت بكتلة أو (جماعة القسم) ومن أهدافها الأخذ بالثأر من عبد الكريم قاسم. اعتقل قاسم، عبد العزيز العقيلي ثم أطلق سراحه وأحاله على التقاعد،
وبعد 8 شباط-فبراير 1963 ، عين في 9 آذار-مارس 1963 مديرا عاما للموانىء، لكنه رفض الالتحاق بمنصبه الجديد ويقول العميد خليل إبراهيم حسين انه التحق بمنصبه بعد توسطات ومكالمات هاتفية مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويبدو ان سبب رفضه الالتحاق، هو ان متصرف البصرة آنذاك كان أقل منه قدما عسكريا .اما شقيق عبد العزيز العقيلي (غانم العقيلي ) فقال للمؤرخ العراقي الدكتور ستار نوري العبودي : "ان سبب رفضه الالتحاق هو شعوره بالغبن وبأن تعيينه في البصرة يعني ابعاده عن مكان اتخاذ القرارات بغداد العاصمة .وعلى الرغم من ذلك فأنه التحق بتلك المسؤولية ومارس عمله لمدة قصيرة الا انه استقال بعد ثلاثة أشهر نتيجة خلافات بينه وبين المسؤولين البعثيين انذاك وبعد حركة التغيير الي قام بها عبد السلام عارف وبعض الضباط في 18 تشرين الثاني –نوفمبر 1963 عاد ثانية الى الوظيفة نفسها وظل يشغل منصب المدير العام للموانئ العراقية في البصرة حتى يوم تكليفه بمنصب وزير الدفاع في حكومة عبد الرحمن البزاز الاولى في 21 ايلول –سبتمبر 1965 .
تميزت ادارته للموانئ العراقية بالنظافة والكفاءة العالية وقد قدم انجازات عديدة منها شراء بواخر للادلاء والانقاذ وتبليط شوارع في مناطق الابلة والحي المركزي وانشاء مخازن ودور للعمال واضافة صفوف لمدرسة الفاو الابتدائية وانشاء دائرتي التبخير والملاريا وافتتح متنزه الاندلس في البصرة .
في الوزارة الأولى التي شكلها الأستاذ عبد الرحمن البزاز، في 20 أيلول-سبتمبر سنة 1965، تولى اللواء الركن عبد العزيز العقيلي منصب وزير الدفاع.
يقول الدكتور مجيد خدوري في كتابه "العراق الجمهوري" ::
كان العقيلي يعارض الوحدة العربية، ويشدد على استقلال العراق في الشؤون الداخلية والخارجية، وكان الأهم من ذلك كله هو موقف عبد العزيز العقيلي من المشكلة الكردية، فقد ظل يلح حين كان وزيرا للدفاع ومنذ أن انضم إلى الحكومة في وجوب استعمال القوة . كما انه كان يعتقد بان الحكومة العراقية لن تستطيع تنفيذ جهودها في الإصلاح الداخلي قبل إيجاد تسوية نهائية للمشكلة الكردية.كان يرى ان المشكلة الكردية تشكل مشكلة مهمة للعراق وقد اسهمت في تخلفه لذلك ظل يعتقد بضرورة تصفية الحركة الكردية المسلحة عسكريا وقد خالفه كثير من السياسيين القوميين العرب ومنهم المرحوم الاستاذ فائق السامرائي احد قياديي حزب الاستقلال في العهد الملكي وسكرتير التجمع القومي العراقي في القاهرة سنة 1959 وقال في اجتماع رسمي ضمه والعقيلي ايار-مايو 1966 انه "ضد كل ماقاله السيد عبد العزيز العقيلي جملة وتفصيلا فأن الاكراد هم مواطنونا وبوسعنا ان نتفاهم معهم ومع شخص زعيمهم مصطفى البرزاني " . ومما يذكر في هذا الصدد كذلك ان العقيلي كان ضد بيان 29 حزيران –يونية 1966 الذي طرحه الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء والذي تصدى لحل القضية الكردية حلا سلميا وكان يرى فيه استسلاما كاملا من جانب الحكومة وان تطبيقه سيؤدي الى فصل الشمال عن بقية الوطن كله .ومهما يكن من امر فأن العقيلي ظل ينظر الى القضية الكردية برؤية عسكرية صرف ..
ومن مفارقات القدر ان الملا مصطفى البرزاني لم يكن يحقد على العقيلي وكان يرى بأن موقفه يجيئ انسجاما مع عقليته وثقافته العسكرية وبلغ به الامر ان ارسل رسالة الى نائب الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين عن طريق السيد صالح اليوسفي يلتمس منه العفو عن العقيلي المعتقل انذاك مما يؤكد رجاحة عقل البرزاني وتوجهه الوطني العراقي .
عندما قتل عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية في حادث سقوط طائرته المروحية في البصرة يوم 13 من نيسان-ابريل 1966، أستمر عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء في ممارسة صلاحيته استنادا إلى ألدستور وعقد اجتماعا لمجلس الوزراء ولمجلس الدفاع الوطني للبحث في التدابير الواجب اتخاذها، ولإجراء الانتخابات على منصب (رئيس الجمهورية) وفقا للدستور المؤقت. وقد اختلفت الآراء وتعددت في اختيار الشخصية المناسبة وجرت اتصالات بين عدد من الشخصيات البارزة في النظام آنذاك قبل تشييع جثمان الرئيس الراحل عبد السلام محمد عارف. ويشير الدكتور محمد كريم مهدي المشهداني في كتابه الموسوم: ((عبد الرحمن البزاز: دوره الفكري والسياسي في العراق حتى 1968، بغداد، 2002)) بأن الآراء قد تبلورت في اتجاهين رئيسيين كان الاول منها ان المصلحة العامة ومصلحة الاستقرار السياسي لنظام ألحكم وحفاظا على السلطة تتطلب ان يكون رئيس الجمهورية من العسكريين الذين اسهموا في تخطيط وتنفيذ ثورة 14 تموز 1958. في حين يذهب الاتجاه الثاني الى ان يكون رئيس الجمهورية من المدنيين المعروفين بوطنيتهم وإخلاصهم. وكان البزاز من مؤيدي الاتجاه الثاني. وقد بدأت الصحف الموالية له تدعم هذا الاتـجاه.
كان مجلس الوزراء يتألف من عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، والعميد الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع، وشكري صالح زكي وزير المالية ووكيل وزير النفط، والدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والإرشاد، والدكتور عبد الرزاق محي الدين وزير الوحدة، وسلمان عبد الرزاق الأسود وزير التخطيط، والدكتور عدنان الباجه جي وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومصلح النقشبندي وزير الدولة للشؤون القانونية، وخضر عبد الغفور وزير التربية، والدكتور عبد اللطيف البدري وزير الصحة، والدكتور عبد الحميد الهلالي وزير الاقتصاد وفارس ناصر الحسن وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وكاظم الرواف وزير العدل، والدكتور حسن ثامر وزير الاشغال والبلديات، واحمد عدنان حافظ وزير المواصلات، ومحمود حسن جمعة وزير الإصلاح الزراعي ووزير الزراعة وكالة.
أما (مجلس الدفاع الوطني) ، فكان يتألف من العميد الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع، والفريق عبد الرحمن محمد عارف رئيس أركان الجيش بالوكالة، واللواء الركن سعيد قطان معاون رئيس أركان الجيش، واللواء حمودي مهدي، المعاون الإداري لرئيس أركان الجيش، والعميد سعيد صليبي قائد موقع بغداد، والعميد الركن زكي حلمي، قائد الفرقة الأولى واللواء الركن إبراهيم فيصل الأنصاري قائد الفرقة الثانية، واللواء الركن محمود عريم قائد الفرقة الثالثة، والزعيم الركن يونس عطار باشي، قائد الفرقة الرابعة، واللواء الركن نوري خليل قائد الفرقة الخامسة، ولواء الجو منير حلمي قائد القوة الجوية.
عقد مجلسي الوزراء والدفاع الوطني في بناية المجلس الوطني، يوم السبت السادس عشر من نيسان –ابريل سنة 1966، جلستان مشتركتان وذلك للنظر في أمر اختيار رئيس الجمهورية. وقد تنافس على المنصب كل من الفريق عبد الرحمن محمد عارف رئيس أركان الجيش بالوكالة، وعبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء والعميد الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع. وكانت نتيجة الانتخابات في الجلسة الثانية التي جرت يوم 17 نيسان-ابريل 1966، حصول البزاز على (14) صوتا من مجموع (27) صوتا. أما الفريق عبد الرحمن محمد عارف فحصل على (13) صوتا. ولم يحصل العميد الركن عبد العزيز العقيلي إلا على صوته فقط.
ووفقا لما نص عليه الدستور فقد تقرر أعادة التصويت بين البزاز وعبد الرحمن محمد عارف، فوافق الجميع، لعدم حصول أي منهما على ثلثي الأصوات.. وهنا تنازل البزاز للفريق عبد الرحمن محمد عارف لاعتبارات عديدة أهمها: كونه شقيقا للرئيس الراحل كما انه، كما قال البزاز نفسه، أحق منه، وكونه من الضباط الأحرار ومن رجالات الثورة وقد قدم الفريق عارف الشكر للبزاز على موقفه هذا. .
يقول الدكتور مجيد خدوري " قد يكون من المفيد أن نحلل القوة التي حددت اختيار عبد الرحمن محمد عارف بدلا من عبد العزيز العقيلي، وخاصة ان الرأي كان في الاصل يميل الى أختيار العقيلي، أولا: إن الطريقة المفجعة التي فقد فيها عبد السلام محمد عارف حياته وهو مازال في أوج شبابه وأثناء قيامه بواجبه، دفعت الرأي العام إلى الوقوف وراء اختيار أخيه الأكبر خلفا له، وعلاوة على ذلك فأن عبد الرحمن محمد عارف معروف بأنه مرشح معتدل، ومقبول لدى جميع أصحاب المذاهب السياسية بمن فيهم دعاة الوحدة العربية.
كما ان عبد الرحمن محمد عارف كان من الضباط الأحرار - وقد اشترك في ثورة 14 تموز 1958- وأحيل على التقاعد في عهد قاسم. وبعد أن أصبح أخوه رئيسا للجمهورية أعيد إلى الخدمة في سنة 1963 وبعد عام تولى منصب رئيس أركان الجيش وكالة (كان لا يحمل رتبة ركن) وعلى الرغم من انه لم يسمع عنه او منه بأنه يؤيد الوحدة العربية، فأن الضباط الوحدويين أيدوه بقوة ضد عبد العزيز العقيلي.
ويرى الاستاذ الدكتور مجيد خدوري ان الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) كانت تحبذ اختيار عبد الرحمن محمد عارف وان المشير عبد الحكيم عامر نائب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والقائد العام للقوات المسلحة نقل، أثناء حضوره تشييع جنازة الرئيس الراحل عبد السلام محمد عارف، رسالة شخصية بذلك إلى رئيس الوزراء العراقي تشدد على أهمية الوحدة وضرورة السير في السياسة التي تم الاتفاق عليها بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، ومما أثار مخاوف القاهرة ما أشيع بأن (العقيلي) يضع (الوحدة العراقية) فوق (الوحدة العربية).).
في يوم 18 نيسان-ابريل 1966 صدر بيان رسمي جاء فيه أنه قد أنتخب بالإجماع يوم 17 نيسان 1961 الفريق عبد الرحمن محمد عارف وفي جلسة مشتركة لمجلسي الوزراء والدفاع الوطني، عقدت حسب أحكام المادة الخامسة والخمسين من الدستور المؤقت، رئيسا للجمهورية خلال فترة الانتقال والى حين انتخاب رئيس ألجمهورية بحسب ما ينص عليه القانون الدائم على ألا يتجاوز سنة واحدة من تاريخ يوم صدور البيان.
قدم عبد الرحمن البزاز، استقالة وزارته إلى الرئيس الجديد الذي كلفه يوم 18 نيسان 1966 بتشكيل وزارة جديدة. وقد فضل الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع في الوزارة ألسابقة البقاء خارج هذه الحكومة.
يقول العميد خليل إبراهيم حسين في رسالة شخصية إلى المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف : جمع عبد العزيز العقيلي مجلس الدفاع الوطني عند البدء بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وقال لأعضائه صديقك من صدقك لا من صدقك، أرجو أن تبينوا رأيكم بصراحة، حيث رشحت نفسي لمنصب رئيس الجمهورية طبقا للدستور. وبينما هو يتبادل الحديث مع المجتمعين أستأذن للدخول المقدم الركن بشير الطالب آمر الحرس الجمهوري آنذاك قائلا: سيدي ان الحرس الجمهوري انتخبك رئيسا للجمهورية، وها أنا إذا وافقت في طريقي للإذاعة، لإذاعة النبأ وتأمين حمايتها ..فرد عليه العقيلي: " بشير اذهب إلى وحدتك من يأتي عن طريق القوة سيخرج من الحكم بالطريق نفسه. لقد آمنت بالدستور وبالديمقراطية وسأدخل الانتخابات وسأحترم النتيجة" .
ويعلق الأستاذ خليل إبراهيم حسين رحمه الله على ذلك بقوله: " وهكذا ضَيّع العقيلي على نفسه فرصة العمر لتولي رئاسة الجمهورية ولو وافق على اقتراح آمر الحرس الجمهوري لأصبح رئيسا للجمهورية" .
أما بشأن رفضه الاشتراك في وزارة البزاز الثانية التي تشكلت في 18 نيسان 1966 فيقول الأستاذ خليل إبراهيم حسين ((إن العقيلي أشترط لقبول منصب وزير الدفاع، تعيين ثلاثة وزراء من جماعته وهم كل من اللواء الركن حسين العمري والزعيم رشيد مصلح وهاشم الحلي، لكن البزاز رفض طلبه فسار كل منهم في طريقه)).
اعترف عبد الرحمن محمد عارف خلال مقابلة الباحث الدكتور محمد كريم مهدي المشهداني له بان العملية الانتخابية لاختيار رئيس الجمهورية، جرت على وفق القانون وسيادته وقد تنازل البزاز بمحض أرادته.
يقول الدكتور مجيد خدوري ان عبد العزيز العقيلي كان ضابطا لامعا في الجيش، ولا غبار على مسلكه ألعسكري وقد استطاع كسب ثقة الجيش واحترامه، ويبدو انه ضمن تأييد عدد كبير من ضباط الجيش قبل أن تبدأ القوى المؤيدة لعبد الرحمن محمد عارف العمل ضده، ولو أراد فرض نفسه بالقوة كما قال لي أثناء مقابلته يوم 21 كانون الأول-ديسمبر 1966 لاستطاع جمع عدد كاف من الضباط والاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري، ولكنه أراد الوصول إلى الرئاسة بالطريق الدستورية.
ويقول عبد العزيز العقيلي للدكتور مجيد خدوري كذلك ان الذي حمل الاجتماع المشترك الذي عقده مجلس الوزراء والدفاع الوطني على اختيار عبد الرحمن محمد عارف في ألنهاية هو الضغط الذي مارسته سلطات القاهرة على الزملاء المدنيين و العسكريين. باعتبار أن العقيلي كان يعارض الوحدة العربية ويشدد على استقلال العراق..وهنا لابد من الاشارة الى ان التوجهات القومية العربية في العراق سعت لسنوات طويلة الى القفز فوق القضايا الوطنية العراقية لصالح القضايا القومية وقد دف العراقيون ثمنا باهظا لهذا الموقف الذي يجعل مصلحة العراق في الترتيب الثاني من حيث الاهمية بالنسبة للحكومات العراقية وحتى في السنوات اللاحقة وهذا ما جعل العقيلي وكثيرون مثله يتمسكون بالوحدة الوطنية العراقية لكن هذا لايعني انهم ضد الاماني والطموحات القومية العربية .
وكان الأهم من ذلك هو موقف عبد العزيز العقيلي من القضية الكردية.
أما الأستاذ خليل إبراهيم حسين فيقول: "كان العقيلي يؤمن بالوحدة العربية دون المضمون الاشتراكي، حيث كان يعتقد أن الاشتراكية هي مدخل للشيوعية، وأن اشتراكية التأميم هي رأسمالية الدولة".
يقول عبد المجيد حسيب القيسي الذي ترجم كتاب اديث وايي اف بنروز الى العربية عن اللواء الركن عبد العزيز العقيلي: انه كان رجلا جريئا صريحا وضابطا جيدا، لكنه لم يكن محبوبا من أقرانه أو تابعيه، فقد كان عنيدا صلبا، والعناد آية الغرور، وضيق الأفق، لكنه كان مخلصا نزيها)).أما الأستاذ خليل إبراهيم حسين فيقول:
إن العقيلي لم يتزوج، وكان نبيلا شجاعا مقداما صريحا لا تأخذه في الحق لومة لائم.. وكان نزيها ومستقيما ومتدينا.
وبعد التغيير السياسي الذي حدث في 17 تموز 1968، رفض العمل في وزارة الخارجية كسفير ،كما رفض التعاون مع السلطة الجديدة.
لذلك أعتقل وحكم عليه بالإعدام ، ثم استبدل بالسجن المؤبد وفي السجن تمرض ودخل في غيبوبة، وبعد فترة قصيرة توفي رحمه الله يوم 7 مايس/أيار سنة 1981.
1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع