أول مقابلة مع وزير الدفاع الأسبق منذ نيسان ٢٠٠٣
سلطان هاشم: خير الله كسبني لحزب البعث وليتني سمعت كلام أبي مربي الجِمال
أنقذت 60 ضابطاً من الإعدام وطلبت من الرئيس إبقائي رئيساً للأركان بدل تعييني وزيراً للدفاع
اجرى الحوار: علي السعدي صحيفة الزمان طبعة العراق
قصتي مع سلطان هاشم
اهتمامي بقضية الفريق أول ركن سلطان هاشم احمد الطائي ، في مقال كنت قد نشرته على موقع صحيفة ( المثقف ) العراقية بتاريخ 12/ 6/ 2011، مشتقّ من دراسة عن الجيش العراقي ودوره في الدولة العراقية الحديثة مثبتة في كتابي( العراق الجديد – قلق التاريخ وعقدة القوة ) ص184، وقد ذكرت فيه قضية وزير الدفاع الأسبق بعد الحكم عليه بالإعدام وما إثارته من لبس .
ومما جاء في بعض فقرات المقال مايأتي :
((من الفصول النادرة في تاريخ العراق الحديث، الذي يكاد يجمع فيه العراقيون ـ أقله في مكونهم العربي بشقيه الشيعي والسّني ـ على إظهار تعاطف بهذه التلقائية مع شخصية عسكرية،إذ ان قصّة العراقيين مع عسكرهم، لا تسودها في الغالب صفحات ودّ كثيرة، نظراً لما في سجل ذلك العسكر من دماء ومجازر، لكن الجنرال سلطان هاشم وزير الدفاع في عهد “صدام” إخترق الذاكرة العراقية ليصل الوجدان، والأغرب انه الوحيد الذي شذّ عن قاعدة العداء لقادة نظام البعث الذي يحملها أغلب العراقيين))
وكان تفسير ذلك التعاطف برأيي ، ربما يعود في بعض وجوهه إلى إنه (واحد ممن نالوا رتبتهم بكفاءته الشخصية وبإستحقاق تراتبيته العسكرية)
وقد ذكر المقال ان الجنرال المذكور ونظراً لما (عُرف عنه من الهدوء والإتزان، وكان نادر الكلمات، يميل الى الصمت والإختصار، وفيما كان القادة الآخرون يكيلون المديح لصدام ويعدونه بالنصر، أدلى الجنرال سلطان هاشم برأي أكد فيه استحالة الصمود ، وقد صحتّ تقديرات الرجل التي حسب فيها أن العراق سيهزم في بضعة أسابيع وان زمن صدام قد انتهى لامحالة)
(لقد تبيّن ان الجنرال هاشم عسكري محترف، يجيد قراءة الوقائع ، كما انه صادق الكلمة قد يضطر للصمت في المواقف الحرجة،لكنه لا يلجأ إلى المراوغة والخداع ، أما التحول الأكثر وضوحاً، فتمثّل بما ذُكر عن موقف المرجع السيد علي السيستاني الذي كان قد نصح الحكومة بإيجاد مخرج قانوني لقضية سلطان هاشم، يمكنها من تخفيف حكم الإعدام بحقه).
وقد خلص المقال إلى نتيجة مفادها إن الرجل إذا صحّ فيه العفو ، فيمكن الإستعانة بخبرته العسكرية لإعادة بناء وتأهيل الجيش العراقي الجديد ، آخذاً بنظر الإعتبار مقياساً لما كان يتداول عن نسبة ( الضباط ) غير الكفوئين ممن أفرزتهم الأحزاب والقوى السياسية من محازبيها ،دونما أي إعداد وتهيئة كافيين لما تتطلبه المهمة الصعبة للعمل بصفة ضابط ، كذلك مفصلية المرحلة التي كان يمرّ بها العراق .
بعد نشر المقال ،تعرضت لانتقادات شديدة تخللتها اتهامات وطعونات قاسية ،لكن ذلك ما كان ليوقفني عن عزمي في تأليف كتاب عن الجيش العراقي في مرحلة هي الأصعب والأكثر دموية في تاريخ العراق ، خاصة تلك الممتدة منذ عام 1970 – ولغاية 2003- وقد وضعت في اعتباري أن أقابل القادة من الضباط الكبارالذين لعبوا دوراً محوريا في معارك مصيرية فاصلة ، ومن ثم فعلى رأسهم سلطان هاشم الضابط الأكثر شهرة وألمعية من بينهم – أقله فيما ارتسم عنه في أذهان الكثير من العراقيين والعرب – .
لكن الطريق الى لقائه لم تكن ميسرة ،فالرجل سجين مهم ومحكوم بالإعدام ، لذا فمقابلة من هذا النوع لإجراء حوار شامل معه ،هي سابقة لم تحدث من قبل ،لافي العراق ،ولافي بلد آخر .
لكن قيض لي أن أجد من يتعاطف مع طلبي ،بل ويشجعني عليه ،فبصرف النظر عن الموقف من النظام السابق وما ارتكبه بحقّ العراقيين ،إلا ان ماحدث أصبح جزءاً من تاريخ مازال ينعكس بكل ثقله على العراق وشعبه ، لذا فمن حقّ أجيال العراق أن تعرف ماحدث ،وهكذا بدأ المشوار الطويل لترتيبات اللقاء مع سلطان هاشم .
وكان أول المستجيبين النائب الدكتور ابراهيم بحر العلوم ،الذي تحدث شخصياً مع وزير العدل حيدر الزاملي ، ثم تقدم بكتاب رسمي يطلب فيه من الوزير المعني ،مساعدتي في إجراء الحوار مع سلطان هاشم بكوني باحثاً يكتب عن تاريخ الجيش العراقي السابق .
استجاب وزير العدل للطلب وفق الضوابط والاجراءات المتبعة ،وكانت تتضمن الحصول على موافقة النزيل كشرط مسبق ،فضلا عن شروط محددة منها عدم استخدام أية وسيلة لتسجيل اللقاء سواء بالصوت والصورة أو بالصوت وحده ،ومن ثم كان الشرط أن أدخل وحدي على أن تنتدب لي ادارة السجن من يتولى تدوين اللقاء .
ولأن الموضوع أمانة تاريخية ينبغي أن تذكر فيها الحقيقة وحدها ،وكي لايفسح المجال لأيما تشكيك في ما ذكره الفريق أول سلطان هاشم حرفياً ،لذا حاولت أن يكون اللقاء بالصوت والصورة كي تبقى وثيقة قاطعة في صدقيتها ،ومن أجل ذلك ،قمت بزيارة خاصة لوزير الخارجية الدكتور إبراهيم الجعفري الذي رحب بالفكرة واتصل مباشرة مع وزير العدل حيدر الزاملي في محاولة لاقناعة باللقاء المصور لسلطان هاشم وصابر الدوري محافظ كربلاء السابق ،وقد ذكر له مثلاً بأن وفداً من كربلاء جاء لمقابلته حينما كان رئيساً للوزراء ،وذلك كي يتوسط بتخفيف الحكم عن محافظهم السابق صابر الدوري الذي يحفظون له الكثير من المواقف الطيبة لصالحهم .
لكن وزير العدل أصرّ على الإلتزام بالإجراءات المتبعة، وهكذا كان .
بعد المخاطبات الرسمية بين الدوائر المختصة ،جاء اليوم الموعود في 28/2/2016 – التاسعة صباحاً .
خصص لنا المكتب الخاص لمعاون مدير السجن ،وحين دخلت ،كان الفريق أول ركن ووزير الدفاع الأسبق ،يجلس بانتظاري وهو يرتدي بيجامة بنية اللون ، مورد الوجه مبتسم ، وقد بدا عليه الانشراح في معرفته بأني جئت لأجري معه حواراً شاملاً ، لذا رحب بي أكثر بعد أن اهديت له كتابي (العراق – غمد السيف أم درب المعبد)الصادر في بيروت عام 2012 وأريته ما كتبته عنه .
وما أن قرأ قليلاً عن ذلك ،حتى قال مبتسماً :عليك أن تكتب عني كتاباً بإسم سلطان هاشم ،فأخبرته بأني فعلاً أنوي تأليف كتاب عن الجيش العراقي ،سيكون له فصل كامل إضافة الى بقية القادة – وذكرت له بعضهم مثل صلاح عمر العلي والفريق رعد الحمداني .
قرأت عليه محاور اللقاء والأسئلة الموضوعة لكل محور ،كي يستعيد ترتيب ذاكرته كما قال ،ثم بدأنا رحلتنا التي تواصلت دون انقطاع ، من العاشرة الإ ربع صباحاً ،حتى الساعة الثانية بعد الظهر،أي أكثر من 4 ساعات ، وقد تركته يتحدث كما يشاء ،ولم أتدخل سوى في عنونة وترتيب المحاور كي يأتي اللقاء وفق التسلسل الزمني للأحداث .
وفي نهاية اللقاء ،طلبت منه أن يكتب أذا شاء ،إنطباعه عن هذا اللقاء ،فاستجاب مشكوراً وكتب ما يأتي :
أخي الدكتورعلي السعدي
كنت مسروراً بلقائك هذا اليوم 28/ شباط 2016 في سجن الناصرية المركزي ، وكان الحديث الذي جرى بخصوص مواضيع مختلفة في الجوانب العسكرية وفي مراحل مختلفة والحروب التي خاضها الجيش العراقي طيلة هذه الفترة بايجابياتها وسلبياتها وكان الحوار جيدا وكانت تعليقاتك اللطيفة التي كان لها تأثير جيد على سير الحوار بيننا وكنت مرتاحا جدا لأني تحدثت بكل صراحة عن أرائي بهذا الخصوص ، اتمنى لك التوفيق في مسعاك في ايصال الحقائق التاريخية وتثبيتها بكل امانة وإخلاص واتمنى للعراق العزيز المجد ولشعبه الرفاه والأمان وادعو العلي القدير ان يحفظ العراق وشعبه الأصيل .
سلطان هاشم احمد
28/شباط/2016
– الأفضل أن يكون أصل الحوار هو كتاب بعنوان سلطان هاشم ،هكذا بدأ لقاؤنا بطلبه بعد قراءته مقتطفات مما كتبته عنه شخصياً وكما ورد أعلاه.
{سيكون لسلطان هاشم نصيب كبير في الكتاب الذي أنوي تأليفه عن الجيش العراقي في العقود الثلاثة الأخيرة التي سبقت انهيار نظام صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 بفعل التدخل الأمريكي ،وهي العقود التي شهدت أطول حرب عرفتها المنطقة عبر تاريخها ،أي حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران وماتبعها ونتج عنها ،فمن ترشح أن يشاركك الكتاب ؟؟
– هناك قادة كبار كان لي شرف معرفتهم والعمل معهم مثل الفرقاء (صلاح عبود) و (محمد عبد القادرالداغستاني ) و(عبد الواحد شنان) و(أياد خليل زكي) و(نزار الخزرجي ) وغيرهم .
لكن ما أود قوله إني سوف أجيب عن الأسئلة التي تخصّ ماعشته وشهدته وكنت جزءا منه ، أما حول ما لا أعرفه شخصياً ، فسوف اذكر عمن رواه ، لذلك سنركز اللقاء فيما يعرفه (سلطان).
{ نعم وهذا ما نريده تحديداً ،إذ نريد أن نستفهم من سلطان هاشم شخصياً عمّا جرى ، لكننا أولاً بحاجة الى معرفة من هو سلطان هاشم ؟وعلى لسانه ، فهل تسرد لنا عن حياتك ،المدنية أو العسكرية ؟
سلطان هاشم أحمد : من مواليد الموصل عام 1945 كما هو مذكور في السجلات الرسمية ،أما في الحقيقة فمواليدي هي 1944 .
أنا من عائلة بسيطة تعتاش على تربية الجمال ورعيها ،وحين عرف أبي عن نيتي التطوع في الجيش لأكون ضابطاً ،نصحني بأن لا أفعل وأبقى مدنياً ،وكأنه كان يشعر بأن العسكرية ستكون عبئاً كبيراً وإن نهايتها لن تكون جيدة .
{ومن كان يستطيع مقاومة إغراء أن يكون ضابطاً في الجيش ،حيث الهيبة والموقع المتميز والمكانة الإجتماعية البارزة ومحبة البنات؟
– ربما، لأني في كل حال، لم أكن بوارد الإستماع الى نصيحة الوالد، لذا ما أن حصلت على الشهادة الإعدادية، من الإعدادية المركزية في الموصل، حتى تقدمت بطلب الإنتساب الى الكلية العسكرية ، فقبلت في الدورة (43) عام 1963 ثم تخرجت منها برتبة ملازم عام -1966 م.
{ وماذا عن ذكريات الشباب وزهوه خاصة بعد أن أصبحت ضابطاً ؟؟
– لقد تزوجت من ابنة عمي في العام 1970 بشكل عائلي ، فنحن من قبيلة طي كما هو معروف ،وقد أنجبت منها عشرة أبناء – إبنتان وثمانية ذكور- أكبرهم أحمد مواليد 1975،وأصغرهم هاشم مواليد 1995،وهم الآن يعملون في مهن مدنية مع أعمامهم ولم يدخل أي منهم السلك العسكري أو الوظيفة الحكومية رغم أن خمسة منهم اكملو الدراسة الجامعية ، أحدهم ماجستير بايولوجي.
{ ربما بعد أن شهدوا مصير والدهم ،لم يرغبوا بتكرار التجربة ، لكن لنتابع معاً سيرتك العسكرية ،التي لاشك إنها حافلة مليئة بالتفاصيل .
– تدرجت في الجيش من آمر فصيل ، ثم آمر سرية ثم مساعد آمر فوج ، وفي سنة 1995 دخلت كلية الاركان وكنت برتبة رائد وتخرجت منها بعد سنتين عام 1977 .
حين تخرجي من كلية الأركان ،عينت آمرفوج تابع للواء الخامس/ الفرقة الرابعة ، بعدها تسلمت آمرية لواء ، ثم قائد فرقة ، حيث قدمت كل من الفرق التالية : 18 – 15 – 5 – 4 والفرقة 8 .
بعد قيادة الفرق ، تم تعييني رئيساً لأركان فيلق عام 1985 ، ولم يطل الأمر لأتسلم بعدها قيادة فيلق لأبقى في هذا المنصب لمدة خمس سنوات أما الفيالق التي قدتها ،فكانت على التوالي الفيلق السادس ثم الفيلق الأول ، نقلت بعدها الى معاون شؤون الميرة ،ثم مناقلة أخرى كرئيس شؤون العمليات ، بعدها تسلمت منصب رئيس أركان الجيش ثم وزيراً للدفاع من 1995إلى 2003 .
قبل تعييني وزيراً للدفاع ،أرسل الرئيس صدام حسين بطلبي ،وقد كان وحده باستثناء مرافقه الدائم عبد حمود ،وحين أخبرني بقراره ،رجوته أن أبقى كرئيس للأركان ،لكن الأمر قد صدر ،وليس هناك من إمكانية لتغييره.
{ دعني أستفسر حول هذه النقطة ،أليس وزير الدفاع أعلى منصباً من رئيس الأركان ؟؟ ألا يعد ذلك بمثابة تكريم لك ؟
سلطان هاشم :رئاسة الأركان هي الأقرب الى ما يحصل في الجيش والأكثر قدرة على تقدير الموقف وتحريك القطعات وسواها من القضايا التي تخصّ القوات المسلحة ، في رئاسة الأركان كنت أرى الرئيس مرة كل بضعة أشهر ،أما حين أصبحت وزيراً للدفاع ،فكنا نجتمع معه أسبوعياً كمجلس وزراء .
{ هل كانت رؤية الرئيس تثير في نفسك الخوف ؟
– ليس خوفاً بل حذراً ،كنت حذراً على سمعتي الشخصية والعكسرية أن تمسّ من خلال اتهامي بالخيانة أو ماشابه .
{ هل كانت لك هوايات معينة ؟
– نعم ،كنت رياضياً بارزاً في مسابقات الركض ، أما الجيش ،فلم يكن حرفتي وحسب ،بل هوايتي الكبرى كذلك .
{ كيف كانت علاقتك برجالات الحزب أو بالشخصيات المقربة من صدام حسين كعدي وقصي وقيادات الحزب ؟
– قد تستغرب إذا قلت لك أن معرفتي بالسياسيين تكاد أن تكون معدومة ، فليس هناك ما يمكن وصفه عن علاقتي برجال السياسة ،بمقدار علاقاتي بالقادة العسكريين التي تكاد تقتصر عليهم .
{ على هذا يمكن القول إنك لابد تأثرت ببعض أولئك القادة من العسكريين ؟ هل يمكن ذكرأمثالهم عمن ترك منهم أثراً في حياتك العسكرية ؟
– هناك كثيرون مازلت أحمل لهم الإعجاب واعتبرهم بمثابة معلمين ومربين ،يأتي في مقدمهم شخصية (سعيد حمو) فقد كان قائداً يعيش حياة العسكري المحترف بمناقبية عالية وكان مربياً بحقّ،كذلك عبد الجبار شنشل الذي يمثل ضابطاً نموذجياً ،
وأذكر كذلك عبد الجواد ذنون وهو جميل في التعامل والسلوك وكان أعلى مني رتبة،
أما نزار الخزرجي ،فكان مثلي الأعلى ،وعن الذين عملت معهم ،هناك أياد خليل زكي – حسين رشيد – عبد الستار المعين ، أحمد ابراهيم عماش – أياد فتيح الراوي – سعدي طعمة فياض وكان وزيراً للدفاع.
{من كل هؤلاء أو غيرهم ،هل كان لك أصدقاء مقربين ؟بمعنى أن تبوحوا لبعضكم بعض معاناتكم ؟خاصة في سنوات الحرب الطويلة مع إيران مثلاً أو ما تبعها من وقائع ؟
سلطان هاشم (مبتسماً ): إلا هذا ،لم يكن من الوارد أن يبدي أحد منا تذمره أو انتقاده أمام أي ّ كان ،تلك حالات لم تكن مأمونة ، لذا كان الحذر وارداً في كل حال.
{ذكرت ان علاقتك بالسياسيين لم تكن وثيقة ،ألم يكن لك دور في حزب البعث ؟
– هل تصدق بأني لم أكن أميل للحياة الحزبية ؟ لذا بقيت حتى عام 1975 ، قبل أن أنتمي للحزب وبتأثير شخصي وإلحاح من عدنان خير الله طلفاح ، كذلك لم أنل العضوية في حزب البعث العربي الاشتراكي إلا عام 1982، وبعد حصولي على أنواط شجاعة، جاءت ترقيتي الى عضو قيادة فرقة 1989 من دون المرور بالترشح كما هو معتاد ،ثم في 1996-1997 أصبحت عضو شعبة بعد أن عينت وزيراً للدفاع ، لأني أساسا لم أكن أميل أن أكون حزبياً ، كانت ميولي تتمحور حول الجيش والعمل العسكري وحسب ،وكان طموحي أقصى طموحي أن أنجح في الجانب العسكري ولولا الحياء من عدنان خير الله طلفاح ،فربما لم أصبح عضواً حزبياً.
{هل تعتبر إن انتماءك كان خطأ ؟ أو هل كانت لديك أخطاء ندمت عليها وتمنيت لو أنها لم تحصل ؟
– ليس هناك من إنسان دون أخطاء، لكن معظمها كانت أخطاء ميدانية ، ربما كان خطأي الأبرز إني لم أستمع الى نصيحة والدي الذي لم يكن راغباً في دخولي العسكرية ،وإلا لما كنت تعرضت الى ما أنا فيه الآن .
{لكن لا تنس إنك كذلك عشت أيام عزّ ومجد ونفوذ ،ألم يكن ذلك كافياً كي لاتندم عليه ؟
–لم تكن حياتي العسكرية دونما فائدة للآخرين ، أذكر إني في سنوات الحرب العراقية/ الإيرانية ،تمكنت من انقاذ حياة العشرات من الإعدام ، يومها نُقلت من قيادة الفيلق السادس الى قيادة الفيلق الأول وكان ذلك في منتصف العام 1988 م ،أي قبل أشهر قليلة من انتهاء الحرب ، فوجدت أمامي أضابير لمايقرب من (60) عسكريا برتب مختلفة بين ملازم أول وملازم وضباط صف ، سجل عليهم الهروب من الجيش فأحيلوا الى المحاكم وحكم عليهم بالإعدام ، ثم جاء الأمر بتنفيذ الحكم .
أرسلت آمر لواء ومشاور قانوني اسمه (علي) لدراسة أوضاعهم ، وكانو معتقلين بقاعة تابعة للفيلق ، فقدم لي تقريراً إن أكثرهم لديه شهيد أومعاق من ذويه ، يومها كنا نخوض معركة بنجوين وكانت النتائج جيدة بالنسبة لقواتنا ، لذا اتصلت بعدنان خير الله طلفاح بشكل خاص ،ورجوته التدخل مع الرئيس لايقاف التنفيذ أو اصدار عفو بعد أن شرحت له أحوالهم ، وبعد ساعتين تقريباً ، جاء الرد بأن العفو قد تم .
كانت تلك مفاجأة مفرحة ، فأصدرت أمراً بجمعهم في بناية نادي السليمانية العسكري ، وتم أبلاغهم بقرار العفو ، ثم منحت لكل منهم إجازة لمدة 10 أيام ،على أن يتعهدوا بالعودة الى وحداتهم فور الانتهاء من الإجازة ،وفعلاً عادوا جميعا ً دون أن يتخلف منهم أحد.
{لقد تعدينا هنا تسلسل الأحداث ،فما رأيك لو عدنا الى بدايتها ،هل كان الجيش مستعداً للدخول في حرب كهذه ؟ هل كنتم تتوقعون حصولها ؟ وأنت شخصياً ماذا كنت تشغل يومها ؟
–عام 1979- تسلمت آمرية الفوج الخامس مشاة جبلي ، وبقيت فيه الى 1980، قبيل اندلاع المعارك ،حدثت اشتباكات عنيفة في النقاط الممتدة من العمارة الى خانقين ، شملت القصف المتبادل بالمدفعية ، ثم أجريتْ مناورات مفتوحة للجيش العراقي على الحدود ، لكن لم تكن هناك تهيئة نفسية مسبقة لإمكانية حصول الحرب ،لذا جاءت مفاجئة.
كان سبب الحرب في البداية ،عدم تنفيذ إيران لاتفاقية الجزائر ،التي تنصّ على استعادة أراض عراقية لم تنسحب منها إيران طبقاً لبنود الإتفاقية المذكورة ، ومنها (زين القوس) و (سيف سعد).
{ ثمان سنوات من الحرب المتواصلة لابد انها شهدت الكثير من المعارك البارزة التي تركت صداها في نفسك أكثر من غيرها ،فماهي تلك المعارك ؟سواء من حيث عنفها وشدتها أو في نتائجها ؟
– قبل أن أجيبك ،سألخص المراحل التي مرت بها سنوات الحرب ، في بداية الحرب التي ابتدأت فعلياً في أيلول 1980 كما هو معروف ،كانت قواتنا في موقع الهجوم ، وقد اخترقت الدفاعات الإيرانية ومن ثم توغلت في العمق الإيراني ، لكن ومع نهاية العام المذكور وتحديداً 1981 ، جمع الإيرانيون قواتهم وبدأوا بشن هجوم مضاد،ورغم ان القوة الإيرانية اعتمدت بشكل رئيس على المتطوعين من (الحرس) الثوري ،وهم قوات غير نظامية ،الإ انهم كانوا مقاتلين يمتلكون روحاً معنوية عالية ربما بسبب عقيدتهم الدينية .
المرحلة الثانية بدأت مع معركة شرق البصرة في تموز 1982 ،كذلك معارك كَيلان غرب التابعة الى منطقة كرمنشاه، وهذه المرحلة جعلت الحرب تشهد نوعاً من التوازن ،وصولاً حتى معركة الفاو التي احتلها الإيرانيون بخطة جيدة وحركة مباغتة استخدموا فيها المناورة حيث حشدوا باتجاه قوات الفيلق السادس في جبهة ميسان ،ليموهوا على استهداف الفاو ، ثم قاموا بمهاجمة أقصى الجنوب أي شبه جزيرة الفاو ، وحين احتلوها ،أقاموا فيها تحصينات قوية وأغرقوا طرق الوصول اليها بالمياه ،لذا استمر احتلالها لمدة سنتين قبل التمكن من استرجاعها.
أما المرحلة الثالثة ،فقد بدأت مع معركة استرجاع الفاو ، وكانت الفترة الزمنية الموضوعة لإنجازها ،مقدرة بشهرين ،رغم ان المعركة كانت معقدة جدا ، لكن الخطة كانت محكمة كذلك جرى تدريب القوات المشاركة في ميدان تم أعداده خصيصاً لهذه الغاية ، بما فيه كيفية تجاوز الأرض الرخوة المحيطة بأرض الفاو ، وبعد الإستعداد التام ، بدأ تنفيذ الخطة في 16-17/4/1988 ، وبعد نجاحنا في استعادة الفاو ، شنت قواتنا هجوماً كبيراً في الشمال لاسترجاع كافة الأراضي التي احتلتها القوالت الإيرانية ، وصولاً إلى توقف الحرب وفيها استعدنا زمام المبادرة ،أما أهم معارك التحرير في تلك المرحلة فهي :
1- الفاو
2- الشلامجة
3- مجنون
4- العمارة / زيدان
5- محور خانقين
6- محمد رسول الله
أما أكثر المعارك دموية ،فكانت نهر جاسم والشلامجة ،فلم تكن تلك معارك ، بل مطحنة لم تشهد لها الحروب مثيلاً ،تصور جيشان ضخمان يزجان بأعداد كبيرة من المقاتلين وتستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة في بضع كيلومترات مربعة .
{ طبعا هذه أحداث باتت معروفة ،لكن مانود معرفته ،أين سلطان هاشم في تلك المعارك ؟مادوره فيها ؟
–في العام 1983كنت قائد الفرقة الخامسة في البصرة ،التي شاركت في (معركة الشيب) وهي من المعارك الكبيرة ذات النتائج الجيدة وقد استمرت حوالي شهر، كذلك معارك شرق البصرة في شباط 1984،بعدها أصبحت قائد فيلق ،وقد تسلمت أكثر من فيلق منها الفيلق السادس والفيلق الأول ، وفيه وقعت معركة الأنفال الأولى عام 1988م.
{ماهي الأنفال بالضبط ؟ولماذا أخذت كل تلك الشهرة ؟ أعتقد أنك حكمتَ بالإعدام بسببها ؟
–الأنفال منطقة تقع شمال شرق السليمانية وتحديداً بين السليمانية ودوكان ، وكانت منطقة (موت) أي لايوجد فيها أية قرى أو تجمعات مدنية ، فقد كان المدنيون قد هجروا قبل ذلك بسنوات أي 1979 ،لذا حينما حصلت المعركة كان البيشمركة هم من يتواجدون في تلك المنطقة ، وكانوا متعاونين مع القوات الإيرانية .
{وهل أصدرت أمراً باستخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم ؟
–لم أصدر أمراً باستخدام أي سلاح غير تقليدي لأن السلاح الكيمياوي لم يكن بعهدتي ولا تحت أمرتي ،كان بيد القيادة العليا والتصنيع العسكري حصراً.
كان الهدف هو إلحاق الهزيمة بالبيشمركة لتعاونهم مع القوات الإيرانية ، لكن بالنسبة لاستخدام الكيمياوي لا أستطيع اثباته ،كما لا أستطيع نفيه .
كنت أقود الفيلق السادس إضافة الى منطقة الأنفال المبينة أعلاه ،وهي منطقة محدودة في الشمال ، وكانت مهمتي تقتضي تحرير كل المناطق المحتلة من قبل إيران ، من سدّ دربندخان جنوباً ، الى قلعة دزة شمالا- تلك المعارك أطلق عليها (محمد رسول الله) وقد بدأت في شهر أيار 1988 واستمرت الى نهاية الحرب.
{ماذا عن حلبجة ؟ ماالذي حصل هناك بالضبط ؟
–أشير هنا أن برئت من موضوع حلبجة، فلم تكن في المنطقة التي تقع تحت أمرتي ، كانت متمركزة هناك الفرقة 44 تحت قيادة (كامل ساجت عزيز) فتعرضت لهجوم من قبل البيشمركة والقوات الإيرانية ، فسقطت بأيدي المهاجمين الذين توغلوا بعمق حوالي 30 كم ،وهددوا بالوصول الى (سيد صادق) أما استخدام الكيمياوي في تلك المنطقة ، فقد سمعته من خلال الإتصالات بين الكرد ، ولم ابلغ رسمياً بذلك ، كما لم أطلّع على أية وثيقة حول المصدر الكيمياوي والجهة التي أمرت باستخدامه.
{هل من علاقة خاصة ربطتك بالدائرة المقربة من صدام حسين؟ كولديه عدي وقصي ،وحسين كامل حسن ،وعلي حسن المجيد ؟
–ليس هناك من علاقات خاصة أو معرفة مقربة ربطتني بأي منهم ، ولم اجتمع معهم بشكل خاص، فقط كانت الإجتماعات معهم تتم بصفة رسمية ضمن إجتماعات اعتيادية .
{هم كانوا في الصف الأول والتقرب منهم لاشك له فوائده؟ .
– كنت أعتقد وما أزال ،إن العسكري دائماً ضحية السياسي ،لكن الكلام في ذلك على المستوى الخاص ،لابد إنه يشكل خطراً وقتذاك.
{مما هو متداول أن هناك الكثير من الدول ساعدتكم في حرب الثمان سنوات ،هل كان هناك مستشارون عسكريون من دول أجنبية ؟
– شخصياً لم أر أي خبراء أو مستشارين عرباً أو أجانب من أية دولة كانت ، خاصة في جبهات القتال ،أما دول الخليج ،فكانت هي الممول الرئيس في الأموال لشراء الأسلحة والمعدات ،وكان السلاح الذي بحوزتنا مصدره روسي فقط .
{هل من دور لعبته (مجاهدي خلق) في المعارك ؟
– كنّا نبلّغ بتسهيل مهماتهم بالدخول الى العمق الإيراني ،فكنا نفتح لهم ممرات في حقول الألغام ونتركهم يمرون ،وحين ينفذون مهمتهم ويعودون جالبين أسرى أحياناً ،نقوم بغلق الممرات مرة أخرى .
{ماذا عن الجيش الشعبي ؟هل لعب دوراً في الحرب ؟ ومن كان يقيم مفارز الإعدام للهاربين ؟
–الجيش الشعبي لم يؤد دوراً بارزاً في المعارك ، ولم يتم استخدامه بشكل فاعل ، وكان معظمه من كبار السن ،أما المفارز الخلفية لمطادرة الهاربين ،فكانت تتشكل من الحزبيين ،ولم يحدث ضمن قاطعي أن وقعت حالة إعدام واحدة بيد مفارز التفتيش .
{بعد خوض كل هذه المعارك منذ بدء حياتك العسكرية ،هل أصبت بجراح ؟؟
– نعم أصبت خمس مرات(رفع قميص بيجامته ليريني شقاً طويلاً في الجانب الأيسرمن بطنه) إثنان منها بالرصاص ، وذلك في معارك الشمال وكنت يومها آمر سرية ،أما الثلاث الباقية فكانت بشظايا مدفعية على جبهة ميسان.
{كيف تصف طبيعة علاقتك مع صدام حسين ؟هل لك ذكريات خاصة معه ؟ هل كان يستمع الى مقترحاتك وآرائك كقائد عسكري ؟؟
– كانت علاقة رئيس بمرؤوس بطبيعة الحال ، لكن حدث أكثر من مرّة أن ألتقيه بمفرده وبناء على استدعاء منه ، كان إنطباعي عنه من الناحية العسكرية باعتباره قائداً أعلى ، إنه يراقب ويتابع كل مايحصل ، ويستمع جيداً للإجابة عما يسأل عنه ،لكن إذا أراد شيئاً فهو صاحب قرار لا نقاش فيه ، أذكر إن هناك أمراً صدر بإخلاء لواء مدرع وإحالته الى المشاة ، وفعلا تم تنفيذ الأمر ، وحين اللقاء شرحت له أن تحويل لواء مدرع بكل ضباطه ومنتسبيه وبكل ما اكتسبه من خبرة وتدريب على سلاح الدروع ، لا يخدم الجيش تحويله الى مشاة ، وشرحت له الأسباب واقترحت أن يتم جمعه مجدداً واعادته كلواء مدرع ، وفعلاً أخذ الرئيس بالمقترح وتم تحويل اللواء المذكور الى لواء 17 حرس جمهوري مدرع.
وفي مثال آخر على استماع صدام حسين للقادة:
في زيارة أخرى ، كان هناك مقترح بتجميع الضباط من عدة أماكن بشكل تطوعي للقيام بمهام خاصّة محددة ، وفعلاً تطوع عدد من الضباط وضباط الصف لتلك المهمة ،وقد سألني الرئيس عن رأيي في أمر كهذا ،فقلت أن هذا يحدث شرخاً بين الضباط المتطوعين وبين زملائهم ، فالذين لم يتطوعوا سيشعرون بالتقصير ،والذين تطوعوا سيشعرون بالتميز ،وهذا قد ينعكس سلباً على نفسياتهم ، فقال :وماذا تقترح ؟
قلت :أقترح أن يتم تكريم هؤلاء ثم يوزعون على التشكيلات أو إعادتهم الى وحداتهم من دون جعلهم وحدة خاصة ، وفعلاً تم الأخذ بالمقترح – وكنت حينها قائد فيلق.
أما في مناسبة أخرى وقعت عام 1986 ،فحدثت عندما كنت قائد الفيلق السادس ، وكان الرئيس قد استدعاني بعد أن تخلى عن قراره بتغييري ، يوماً طلب مني الذهاب بإجازة ((روح إجازة لأن الوقت عيد اقضيه عند عائلتك ) ثم أمسكني من يدي قائلاً : (محتاج شي؟) وكنت قد سمعت من بعض القادة انه يحب أن نطلب منه ،لكني قلت : سيدي (إذا أحتاج شي اگلك سيدي) ثم سألني :(( شلون أمور الحرس الجمهوري اللي يمك ؟)) أجبته : هناك نوعان ، القديم المنضبط والفاعل بقيادة (ابراهيم عبد الستار) والآخر غير الفاعل بقيادة (فوزي لطيف) فقال ((وين الخلل برأيك؟ )) فقلت : الثاني ليس مدرباً جيداً وتنقصه الكثير من مستلزمات التهيئة والتدريب وأقترح أن يحولوا الى مدرسة قتال للتدريب ، وفعلاً تم الأخذ بالمقترح .
{هل كانت أوقات اللقاء صعبة عليك؟ هل كنت تخشى أن تخطىء بكلمة ما مثلاً ؟
– كنت أشعر بالقلق ازاء صدام حسين في المقابلات ،وذلك للحفاظ على نفسي وعلى سمعتي الاجتماعية والعسكرية وممكن أن أصف شعوري بأني كنت حذراً جداً.
{لننتقل الى حرب أخرى أكثر كارثية ،حرب الخليج الثانية ،أو حرب الكويت ،ماذا جرى قبل حدوث غزو الكويت ؟ هل كانت هناك خطط تناقش ؟وتحضيرات تجري ؟؟
سلطان هاشم (مبتسماً) هل تصدق لو قلت لك إني سمعت بها من الإذاعة كأي مواطن ؟؟ كنت يومها معاوناً لرئيس الأركان ، وكنت مجازاً في الموصل ،فاتصل بي رئيس الأركان وقال لي هل رأيت الأخبار ؟؟ لقد دخلنا الى الكويت ، ثم طلب أن أقطع إجازتي والتحق.
{سمعت ما يشبه ذلك من الفريق ركن رعد الحمداني ،فرغم انه كان قائداً لقوات الحرس الجمهوري التي دخلت الكويت ،الا إنه أمر بالتحرك نحو الحدود من دون أن يبلغ بطبيعة المهمة حسب قوله .
– من قام بدخول الكويت هو الحرس الجمهوري فقط ولم يكن للجيش دور يذكرعند حصول المعركة ،كما إن القرار كان مفاجئاً لنا كقادة عسكريين .
{ هل كنتم تتوقعون النجاح بضم الكويت ؟
– بل شخصياً كنت أتوقع إننا مقبلون على كارثة ،خاصة بعد التحشدات الأمريكية ضدنا ،لكننا مع ذلك أصبحنا كبعيرالبيت (جمل المحامل ) نتصور إننا يمكننا تحميله كل شيء ،ونبقى نفعل ذلك حتى ينهار .
لقد فعلنا في معركة الكويت كل مانستطيعه وكل ما تتطلبه العلوم العسكرية ولم نقصر بأي شيء ، لكن ذلك لم يكن ليجدي في منع حصول الكارثة حيث تعرضت قواتنا للتعرية من دون غطاء جوي كما عانينا من نقص خطير في المعدات ، لكن نفذنا الأوامر بحرفيتها لكن ذلك لم يكن مجدياً في ظل تفوق أمريكي كبير.
{من كان وزير الدفاع يومها ؟ وماذا فعلتم بالضبط ؟
–كان وزير الدفاع (سعدي طعمة) وقد سألني(( اشگد نحتاج من وقت لسحب الجيش؟؟ )) فقلت : من عشرة الى خمس عشر يوما ، فطلب وضع الخطة لعرضها على الرئيس .
وقد وضعنا خطة للإنسحاب في مدة أقصاها 8 أيام ، وقدمناها الى القيادة، لكن الرد ّ لم يأتنا سوى بعد عشرة أيام من تاريخ تقديم الخطة ، وكان الأوان قد فات ،فالوقت لم يكن يقدر بثمن وقواتنا تحت القصف .
{هل تعتقد إن الهدف الأمريكي كان تدمير الجيش العراقي أيا تكن المبررات؟
–كنت أعتقد إن الغاية الأمريكية تتركز في طرد الجيش العراقي من الكويت أولاً ، لكن حينما إجتمعت مع القائد الأمريكي شوارسكوف في خيمة سفوان ،سألته لماذا قصفوا الجيش العراقي المتمركز داخل الأراضي العراقية وعلى بعد 40 كم من الحدود ،وذلك بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار ؟
أجابني قائلاً: لو بقينا نناقش ذلك أشهراً ، فلن نتوصل الى نتيجة ، لذا دع ذلك السؤال للتاريخ .
{لكن الأ تراه غريباً أن الأمريكان ساندوا صدام حسين في قمع انتفاضة المناطق الجنوبية بعد الهزيمة في الكويت ؟
–المناطق الجنوبية كانت قد حدثت فيها حركات احتجاج واسعة ، وفي الحقيقة لم يبق للحكومة سوى مناطق محدودة بعد أن خرجت عن سيطرتها معظم المناطق العراقية ، لكن القوات المنسحبة من الكويت كانت قد تجمعت في البصرة وجوارها ، كما إن هناك قوات لم تدخل الكويت أصلاً وبقيت في مواضعها ، لذا سهل استعادة السيطرة على تلك المناطق ، أما لماذا وافقت أمريكا على ذلك ،فلا أعلم الأسباب بالضبط .
{كنت أنت في موقع نائب رئيس الأركان في ذلك الوقت ، فلماذا أنتدبت الى خيمة سفوان دون غيرك من القادة؟
– لا اعرف بالضبط لماذا اخترت لذلك تحديداً ،لقد بلغني صابر الدوري إن الرئيس صدام حسين اختارك لترأس وفد العراق ،وأعتقد ان ذلك تم لسببين :
1- ان الشخصية العراقية المفاوضة ، لابد ان تكون برتبة أدنى من قائد أركان الجيش ، أي مساوية لرئيس الوفد الأمريكي الجنرال شوارسكوف قائد القوات الأمريكية في المنطقة وليس رئيس الأركان .
2- كنت متواجداً في البصرة، ومن ثم قريباً من المكان المحدد للتفاوض .
كان وقف إطلاق النار قد أعلن من قبل وزراء الخارجية السوفيتية والأمريكية والعراقية ، لذا كانت المهمة تقتصر على أمرين :
1- تثبيت وقف أطلاق النار ميدانياً
2- الإيعاز بتبادل الاسرى
كذلك تسليم الخرائط والتنسيق اليومي حول مشكلات الإنسحاب .
في اليوم المحدد رافقني وفد مكون من ستة ضباط أذكر منهم :
– الفريق صلاح عبود
– العميد بحري لؤي كرم
– اللواء الركن خالد حسين مدير التخطيط
– اللواء ركن محمد عبد العزيز
– اللواء ركن طه المشهداني
كانت هناك خيمة وضع داخلها طاولة على مصطبة ،وكان بانتظارنا شوارسكوف وخالد بن سلطان بن عبد العزيز، ومترجمان
كان على الداخل الى مكان الإجتماع أن يتعرض للتفتيش ،وقد طلب مني شوارسكوف أن أدخل قبله ،لكني رفضت خشية أن يكون التفتيش مقتصراً عليّ فقط ،لذا طلبت منه أن يدخل أولاً كي يفتش ،وفعلاً لم يعارض وتقدم قبلي ليخضع للإجراءات تبعه خالد بن سلطان ثم دخلت أنا وتبعني صلاح عبود ، وكل منا تعرض للتفتيش ذاته ، جلست مقابل شوارسكوف فيما جلس صلاح عبود مقابل خالد بن سلطان .
(لقد تبيّن ان الجنرال هاشم عسكري محترف، يجيد قراءة الوقائع ، كما انه صادق الكلمة قد يضطر للصمت في المواقف الحرجة،لكنه لا يلجأ إلى المراوغة والخداع ، أما التحول الأكثر وضوحاً، فتمثّل بما ذُكر عن موقف المرجع السيد علي السيستاني الذي كان قد نصح الحكومة بإيجاد مخرج قانوني لقضية سلطان هاشم، يمكنها من تخفيف حكم الإعدام بحقه).
{عجرفة المنتصر مقابل كبرياء المهزوم ،هل لاحظت في تصرف شوارسكوف مايشير الى ذلك ؟
–أتعرف،لم ألحظ في تصرفه أيما شعور بالتفوق ،وبصراحة (يقولها مبتسماً) لو كنت مكانه ،لطلبت منه أن يدخل الخيمة ويتعرض للتفتيش دون أن افعل مثله بالمقابل ، لكنه تصرف بلباقة ،كذلك لم تجر عملية استسلام ولم يتم التوقيع على أية وثيقة من أي طرف ،تبادلنا الخرائط واتفقنا على تسليم الأسرى ومعالجة أية خروقات ،وقد اكد لي إثناء الحديث بأن أمريكا لا تطمع بشبر واحد من الأرض العراقية ، أما خالد بن سلطان ،فقد سأل عن الأسرى السعوديين والكويتيين ، لكني لم أرد عليه ، بل توجهت بالرد لشوارسكوف بأن الأسرى السعوديين قد تم تسليمهم .
لم يستغرق اللقاء طويلاً ،وحين خرجنا ،طلبت نسخة من التسجيل الصوتي للقاء وكان الرد بالقبول، لكنه طلب أن ننتظر لحين الإنتهاء من النسخ ،ثم خرجنا من الخيمة فرأينا شاشة عملاقة تظهر فيها مشاهد المعركة كاملة بما فيها خريطة العراق تفصيلياً ،فقلت لصلاح عبود :أنظر بأية وسائل يقاتلوننا ،وكيف نقاتلهم
{ ماكان شعورك وأنت تتجه الى هناك؟ فأيا تكن الطريقة التي تم فيها الإجتماع، والأسلوب الذي تعامل به الجنرال الأمريكي ،الإ ان ذلك لايخفي الحقيقـة .
– سأذكر لك حادثة ،عام 1989- على ما أذكر- ذهبت على رأس وفد بدعوة من الإمارات العربية ،وجاء المكان المخصص لي ، الى جانب مكان شوارسكوف ،لكني طوال فترة المناسبة ،لم أبادله كلمة واحدة ،وقيل بانه سئل لاحقاً عن سلطان هاشم فاجاب :أليس هو من جلسنا الى جانب بعضنا فلم ينتبه إلي ؟
من الطبيعي انها لم تكن لحظات مريحة بالنسبة لي ، ويمكن قول الكثير عن تلك الأوقات الصعبة ، لكني حاولت أن أفعل كل ما أستطيعه .
{لنخرج من تلك المرحلة ،كي ندخل في المرحلة الأهم التي ماتزال مستمرة ، أي الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط النظام – بداية متى تسلمت مهمة وزير الدفاع ؟ ولماذا تم اختيارك ؟
– كنت عام 1995 ،في منصب رئاسة الأركان ، وكنت منهمكاً في إعادة هيكلة وبناء الجيش العراقي بعد الكارثة التي شهدها ، ولم يكن لدينا أي شيء ، منع علينا حتى طلقات البنادق ، فكنا نعتمد على أنفسنا في إصلاح ماتوفر لنا من دبابات ومصفحات وآليات ، كانت أصعب السنوات في تاريخنا العسكري ،
أبلغني صابر الدوري أن الرئيس يطلبك ، وحين حضرت أمام الرئيس وكان ذلك في تموز من العام المذكور ،أبلغني برغبته في تعييني وزيراً للدفاع .
لم أكن راغباً بذلك المنصب ،لأنه منصب سياسي أكثر من كونه عسكرياً ،ورئاسة الأركان أكثر قرباً من روحية العسكري وأكثر أهمية كما رأيتها ،لذا كنت ارغب في بقائي رئيس اركان الجيش ، لأن صلاحياته أكثر من الوزير كما في النظام الداخلي ، لكن القرار قد صدر وتسلمت ذلك المنصب لثمان سنوات متتالية ، أي حتى التاسع من نيسان 2003 .
{هل كنت شخصياً تتوقع أن يدخل العراق حرباً جديدة ؟
–بل كنا نطمح أن يعود الجيش قوياً معافى كما كان ،لكن الواقع لم يكن كذلك ،لقد عانينا نقصاً في كل شيء ،وفوق ذلك عزلت وزارة الدفاع عملياً عن الإشراف على الجيش وأصبحت مهماتها تقتصر على التعداد العام والشؤون الإدارية ،ولم يكن من صلاحياتي كوزير للدفاع تحريك أية قطعات أو نقلها ،لقد قسم العراق الى 4 جبهات رئيسة تشكلت على الشكل التالي :
– قائد الجبهة الجنوبية – علي حسن المجيد
– قائد الجبهة الوسطى – الفريق الأول عزة إبراهيم
– قائد الجبهة الشمالية – قصي صدام حسين
– أما الجبهة الغربية ،فكانت بقيادة مزبان خضر هادي
وهكذا ،لم يبق لوزراة الدفاع ماتفعله ،حيث ربطت الصلاحيات كل ضمن جبهته والقوات التابعة له.
{ذكر إنك توقعت إن العراق سيهزم في أيام قليلة – بل أعلنت ذلك فعلاً ؟
–نعم توقعت إن الأمريكان سيدخلون بغداد في خلال أسبوع ،لم أكن أحمل أوهاماً ،كنت أعرف إن قدراتنا متواضعة بحيث لا يمكن الحديث عن صمود طويل ، وقد أبلغت رأيي للرئيس ، فقال بإمكان التصريح بذلك ، وربما كان تقديره إن ذلك سيرفع من التحدي ويوضح المخاطر أمام العراقيين .
لكن ذلك لم يمنع من تقديم مقترحات في خطة لحماية بغداد تتكون من ثلاثة أنساق ،وقد زرت المطار قبل ذلك ورأيت كيف إن الدفاعات لم تكن جيدة ، وكنت قد توقعت إن المطار سيكون الهدف الحيوي الأول ، كما قد اقترحت عليه تدمير بعض الجسوركجزء من الخطة الدفاعية عن بغداد ،فكان رده :
كيف ندمر مابنيناه؟؟
{كيف تقيم زملاءك من القادة العسكريين ؟ ولنأخذ ممن عرفتهم جيداً أو خدمت معهم – عدا من ذكرتهم أعلاه:
-1- سعدي طعمة
2- اياد فتيح الراوي
2- وفيق السامرائي
– هؤلاء جميعاً مازلت أحفظ لهم الكثير من التقدير والإحترام ،فكل منهم يتمتع بما يستحق ذلك ، فسعدي طعمة قائد مهني متدين ،يتمتع بنظافة ضمير وأخلاق عالية ، وهذا الوصف ينطبق كذلك عن أياد فتيح الراوي بمهنيته العسكرية وكفاءته .
أما وفيق السامرائي ، فكان ضابط استخبارات جيدا ومتميزا في هذا الجانب ،وفي معارك الفاو كان يخدم بالفيلق السابع ،بصفة ضابط أركان، فيما كانت إدارة الأستخبارات بقيادة محمود شكرشاهين ، وقد أعيد وفيق بعدها الى الأستخبارات ،وبقي فيها حتى عام 2000حينما شعر بأنه بات مستهدفاً فخرج من العراق، هذا ما أعرفه عنه .
{قابلت الكثير من الضباط الذين خدم بعضهم تحت أمرتك – خاصة في حرب الثمان سنوات ،وقد اجمعوا على إنك من أكثر القادة إحتراماً لجنوده ورأفة بهم ،لكنهم ذكروا إن ماهر رشيد هو الأقسى بين القادة .
– ( يبتسم وعلائم الرضا والإرتياح بادية عليه) .
{هل فكرت يوماً بالانقلاب على النظام لتخليص شعبك مما كان يعانيه ؟
–هذا أمر لم أفكر به يوماً ،ولم يخطر ببالي أن أقدم عليه ،فلا أحب خيانة ما أقسمت عليه .
{هل كانت لك اتصالات بالأمريكان ؟ هل وعدوك بشيء معين ؟
– بعد أن احتلت بغداد ،انسحبت الى الموصل ،وبقيت مختفياً هناك ،وحين صدر إسمي مع قائمة الـ55 – قام الأمريكان بتكليف أحد شيوخ العشائر(تحفظ عن ذكر إسمه) بالوساطة معي كي أقوم بتسليم نفسي لهم طوعاً ، مع وعد بضمان سلامتي وعدم تعرضي لأي أذى ، وهكذا كان ، لكني ندمت على ذلك ،فليتني لم أسلم نفسي ، إذ لم يصدقوا بما وعدوني به.
{بعد مايقرب من أربعين عاماً في مراتب عسكرية مختلفة وصولاً الى وزير دفاع ، ومما كان معروفاً إن صدام حسين يصرف بسخاء على المخلصين له ،فما مقدار ثروتك بعد هذا كله ؟
– لأعددها لك ، أملك منزلاً في الموصل مازالت عائلتي تسكنه حتى اليوم ، كذلك منزلاً في بغداد منطقة القادسية أستمر بناؤه 8 سنوات قبل أن أتمكن من إتمامه ،وقد سمعت إنه الآن يسكنه عبد الكريم العنزي ،كما اشتريت قطعة أرض في الموصل وذلك بعد أن بعت عشرة دونمات حصلت عليها من وسامين نلتهما وهما من درجة (وسام الرافدين ) وكان المتبع إن كل وسام من هذا النوع يمنح من يناله خمسة دونمات من الأرض ، لذا بعت القطعتين معاً واشتريت بثمنهما قطعة أرض في الموصل كما ذكرت لك.
{ هل هذا كل ماحصلت عليه من أوسمة؟
– بل حصلت على 28 نوطاً للشجاعة في مراحل مختلفة من حياتي العسكرية ، لكن وسام الرافدين يعتبر ذا ميزة خاصة .
{كم كان راتبك حينما كنت وزيراً ؟
– الراتب الإسمي للوزير كان يبلغ (100) مئة ألف دينار ،لكن المخصصات والمكافآت ، تصل به الى حوالي مليونين وسبعمائة ألف دينار ، وكان هذا راتبي الفعلي .
{مارأيك أن ننتقل الى الوضع الحالي الذي يعيشه العراق ، سؤال شخصي ،هل تزورك عائلتك ؟ هل تلتقي في السجن بالقادة المسجونين معك ؟
– نعم تزورني زوجتي والبنات بين حين وآخر ،أما القادة من السجناء ، فنعم نرى بعضنا دائماً .
{كيف ترى سقوط الموصل بيد داعش ؟ وهل لديك تصور معين حول خطة لتحريرها ؟
–نعم أملك تصوراً يتلخص في مجموعة من النقاط التي أراها ضرورية ، مما هو معروف إن حرب المدن هي الأصعب بالنسبة للجيوش النظامية ،لذا حينما سقطت الموصل بيد داعش ،كان اداء الجيش العراقي هناك سيئاً ،لم يستعد لهذا الإحتمال وطريقة مواجهته .
أما اليوم ،فينبغي إتباع الوسائل التالية :
1- قطع جميع طرق الإمداد وإغلاق الحدود نقاط العبور حتى لو تطلب الأمر تلغيم المعابر والجسور .
2- إيجاد نقاط تجمع آمنة لانطلاق القوات المكلفة بالتحرير،وأرى مخمور مناسبة على أن لايقتصر التجمع عليها فقط .
3- توزيع الواجبات بين الشرطة والجيش والحشد الشعبي
4- ضرورة أن تفصل معركة مركز المدينة عن معركة تحرير الأقضية .
5- إذا دخل الجيش من الشمال ،فعلى الحشد أن يتقدم من الجنوب ،ليقوم بعزل المناطق واحدة تلو الأخرى وجعلها نقاطاً منعزلة بحيث لاتعطي العدو حرية الحركة .
{دعني أستفسر منك ،ذكرت هنا دوراً للحشد الشعبي ،هل ترى مشاركته ممكنة أو ضرورية ؟
– أنا أتحدث هنا من الناحية العسكرية البحتة ،ولا يعنيني جانبها السياسي ، وفي التقييم العسكري ،يعتبر الحشد الشعبي قوة أكتسبت مهارة ميدانية في القتال ، صحيح أني أتحفظ على تدخل العقائد في العسكر أو ما كنا نسميه الجيش العقائدي ،فذلك ما دمر الجيش ،لكن الحشد الشعبي يتكون من مقاتلين متطوعين ومتحمسين للقتال ،لذا من الضروري استخدامهم شرط عدم تركهم في المدن ،أي يتم تكليفهم بمهام محددة ثم يجري سحبهم بمجرد إنجاز المهمة الموكلين بها ،وهذه مسألة ضرورية أيضاً ،فلكل حالة إيجابياتها وسلبياتها ،فلنستفيد من إيجابيات الحشد ونتجنب سلبياته .
الجيش وأية قوات مسلحة ،لم تخلق للتماس مع المدنيين ،ولم تدرب على ذلك ،صحيح إننا قاتلنا الكرد 30 عاماً وتعلمنا من التجربة ، لكن جيشنا الحالي لم يتعلم منها في الموصل قبل سقوطها بيد داعش.
{يحكى عن تدخل قوات سعودية وخليجية في العراق ،هل تراها تنجح في ذلك التدخل إن حصل ؟
–لا أعتقد إن أية قوات تدخل العراق ستنجح ،الإ إذا توفر لها غطاء جوي أمريكي ، لكن حتى لو حققت نجاحات أولية ، فلن تنجح لأنها ستتعرض الى خسائر كبيرة ، لكني لا أتوقع تدخلاً سعودياً ،فلايمكن القبول بأي جيش آخر بديلاً عن الجيش العراقي.
{وماذا عن داعش ؟؟ ماهو تقييمك لأدائها القتالي ؟
–عصابات الإرهاب ، هي نمط جديد وتحديات لم يعرفها الجيش العراقي من قبل ضمن هذه الأساليب الإرهابية التي يمارسونها ، خاصة حينما كانوا يتحركون بسرية ، لكن داعش ارتكب خطأ استراتيجياً قاتلاً جعل هزيمته حتمية ،وهناك قاعدة عسكرية تقول (أخطاء السَوق ، لا تعالجها اتجاهات التعبئة)
لقد اعتقد تنظيم داعش إنهم في موقع باتوا فيه أقوى من الجيش العراقي، لكن على الصعيد الاستراتيجي ، لم يكن ذلك صحيحاً ،فقد نظمت المعارك اللاحقة ،وسجل الجيش نجاحات ، والجندي العراقي صاحب نخوة ومرؤة ، وهذه الصفات جعلته يكتسب احترام الناس ، على أن لايطيل الإحتكاك معهم كما أسلفنا
{ماهي المعارك التي تتوقع أن يخوضها العراق في المستقبل ؟
سلطان هاشم: ذات يوم ،ذهب ضباط عراقيون لحضور أحد المؤتمرات العسكرية في أمريكا ، وكانت الندوات تابعة للحلف الأطلسي ،ومما جاء في أحدى المداخلات سؤال للمندوب التركي مفاده (ماهي حصة تركيا من انهيار العراق؟) يمكننا معرفة انهم منذ ذاك الوقت يخططون لاحتلال مناطق من شمال العراق ،لكن تركيا لديها نقاط ضعف كثيرة ،وأهمها الأكراد في تركيا وهم يزيدون عن 18 مليوناً ، لذا فهي ليست بلداً آمناً كما تتصور ،كما انها لاتحب العرب ولا العرب يحبونها كذلك – خاصة العراقيين – لكن رغم ذلك على العراق الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الجوار ،فقد اجتمعت مع اليوغسلافي ميلوسيفيتش ،فقال لي إن خطأه الأكبر كان بعدم عمله على كسب دول الجوار ، فلا تقعوا أنتم العراقيون في هذا الخطأ .
{ماذا تتوقع لمستقبل العراق؟ هل سيطاله التقسيم كما نسمع من بعض الأصوات ؟
–لست متشائماً من هذه الناحية ،أراهن على أن وعي العراقيين كفيل بالحفاظ على وحدة بلدهم ،وذلك ما يجعل العراق يستطيع تحدي أي قرار أو مخطط لتقسيمه .
{هل من دوريمكن أن تلعبه المرجعيات الدينية في هذا الصدد ؟؟
–في العراق نموذج خاص للمرجعيات الدينية ،فهي تتكلم بمباديء وقيم وتوجهات عامّة ، وتترك للعراقيين حرية التصرف ، وهذا موقف لايرضي الجميع ،وهناك من لايحب هذه الصفات، تابعت الخطبة الأخيرة التي أعلنت فيها المرجعية عدم تدخلها في السياسة ،وذلك موقف في محله .
{ماذا عن السعودية؟ هل ترى مصلحة لها في تقسيم العراق ؟
– أرى العكس تماماً ،فتقسيم العراق سينعكس بشكل سلبي على السعودية ،إذ إن مجتمعها كذلك متنوع في مذاهبه بين شيعة وسنّة وزيدية ، وإذا حدث تقسيم طائفي في العراق ، فحتماً ستجد السعودية نفسها في المطب ذاته .
{وإيران ؟ كيف يمكن للعراق إقامة علاقة متوازنة معها ؟
سلطان هاشم: منذ كنت وزير الدفاع ربطتنا مع ايران علاقة تعامل رسمي وتبادل الإحترام والمصالح ،وأذكر إن بعض الشخصيات الإيرانية زارتني للبحث في موضوع الأسرى والقتلى ومنهم قائد في الحرس الثوري أسمه على ما أذكر (زهرابي حسن ) ،وأعتقد ان العراق تجاوز آثار حرب الثمان سنوات ،ولا مصلحة له في معاداة دولة مثل إيران .
ملاحظة :في نهاية اللقاء ،تركت الجنرال سلطان لدقائق يكتب انطباعاته عن اللقاء ،وذهبت لاستئذان مدير السجن كي يسمح لنا بأخذ صور تذكارية مع ضيفي سلطان هاشم ، فوافق المدير ،وأعطى جهازه الشخصي
910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع