الحياة .... حكايات الشهيد عقيد الشرطة الحقوقي حسين مولود الشيرواني

  

الحياة .... حكايات/الشهيد عقيد الشرطة الحقوقي حسين مولود الشيرواني

 

 

              محي الدين محمد يونس
 
 

في معرض تعريفه بروايته (الماضي يعيش) يذكر الكاتب الكبير الأستاذ انيس منصور:

الذي مضى من الزمن لا يمضي ...

يبقى هناك في مكان من العقل ...

ويمكن استدعاؤه والنظر إليه بنشوة أو بقرف ...

وكل ماضي ...يمضي ناحية ولا يمضي من ناحية أخرى ...

فالماضي يمضي ويعود بل دائما يعود ...الذكريات الحلوة ... والذكريات الأليمة كلها أفلام يديرها العقل من أولها ومن أخرها ...

ونتدخل في اخفائها وتعديلها ...

ويكون التعديل نوعاً من الندم على ما حدث ... أو الندم على أنه لم يحدث بالصورة التي بدت بعد ذلك أنها صحيحة ...ولكن الماضي لا يمكن تغيره ...  ما حدث لنا فقد حدث ...

  

تخرجت من كلية الشرطة في 8 شباط 1969 ومنحت رتبة ملازم شرطة ونسبت إلى الفوج العاشر من اللواء الثاني من تشكيلات آمرية ( قوة الشرطة السيارة) وكان مكان مرابطة الفوج المذكور يقع في منطقة شيوه سور( الوادي الأحمر) بين ناحيتي شوان وطق طق وواجبه تأمين جزء من الطريق الواصل بين محافظتي كركوك وقضاء كويسنجق .

    
 كاتب المقال مع زميله المرحوم ملازم الشرطة أحمد عبود الدليمي في شيوه سور (الوادي الأحمر) في 15 آذار 1969
  

كاتب المقال مع مجموعة من ضباط مقر القوة السيارة في بغداد بتاريخ 15 شباط 1972
بعد صدور بيان الحادي عشر من آذار في عام 1970 وانتهاء الوضع الشاذ وحالة الاقتتال الداخلي في المنطقة الشمالية تم سحب معظم القطعات العسكرية والشرطة منها وكان فوجنا من ضمن هذه القطعات التي سحبت إلى محافظة بغداد وبعدها بفترة قصيرة صدر أمر نقلي إلى شعبة المشاور القانوني في مقر الآمرية المذكورة .
           

المرحوم عقيد الشرطة الحقوقي حسين مولود الشيرواني

في منتصف عام 1971 جرى نقل عقيد الشرطة ( حسين مولود الشيرواني ) إلى نفس الآمرية ونسب بمنصب مدير الإدارة فيها , لم تكن بيننا معرفة سابقة إلا أنه وبحكم كونه من محافظتي أربيل دخلت عليه وقدمت له نفسي متحدثاً باللغة الكردية ومبدياً استعدادي لانجاز ما يطلبه مني من عمل لكوني أعمل في هذه الدائرة منذ فترة طويلة , استغرب وتفاجأ .. قائلاً : (( تعال أجلس .. أنت منين )) وعندما أجبته من أربيل استفسر عن عائلتي وأقربائي وسبب وجودي في هذه الدائرة ... أخبرته بأننا نسكن محافظة بغداد منذ عام 1950 , وبعد أن ذكرت له أسماء أقربائي في أربيل تبين بأنه على علاقة صداقة متينة مع خالي المرحوم  ( شيخ محمد رسول خليفاني).استمرت علاقتي به من خلال زيارته بين فترة وأخرى بحكم وجودنا في دائرة واحدة.

  
الفقيد مع مجموعة من ضباط مقر القوة السيارة في بغداد عام 1971
في نهاية شهر تشرين الأول عام 1971 أبلغنا من قبل شعبة الاستخبارات في الدائرة بأن العقيد  (حسين مولود الشيرواني ) محجوز في غرفته في الدائرة بقرار من جهة عليا , ولا يجوز لأي منتسب زيارته أو الالتقاء به ومن يخالف هذا القرار يعرض نفسه للمسائلة ولأشد العقوبات.
استمر في الحجز لأيام دون معرفة الأسباب والجهة التي أمرت بحجزه وكنت خلال هذه الفترة اتحاشى المرور من امام غرفته تجنباً لمشاهدته لي , في أحد تلك الأيام وتبين فيما بعد بأنه كان اليوم الأخير من وجوده في الحجز في الدائرة والرحلة الأخيرة حياً إلى حيث يلاقي حتفه , كنت أسير في الساحة المقابلة لغرفته ومن مسافة بعيدة تفاجأت بالمرحوم وهو يفتح شباك غرفته ومنادياً بأعلى صوته : (( ملازم محي الدين )) تسمرت في مكاني وأنا أجيبه : (( نعم سيدي))
أجابني : (( تعال )) لم أكن أعرف بأنك جبان لهذه الدرجة , كان موقفاً محرجاً للغاية لا أدري كيف اتصرف هل اذهب عنده , وماذا سيكون مصيري أو اعتذر منه , تشجعت وأخذت الموقف الأول  ومهما تكون النتائج , فدخلت عليه وقبلته بعد أدائي للتحية العسكرية والسلام عليه والجلوس معه ... كانت معنوياته عالية وثقته بنفسه كبيرة والابتسامة تعلو شفتيه ومخاطباً إياي : (( محي الدين – أنا برئ ولم ارتكب أي جريمة وأنا متفائل بأنني سأخرج من هذه المحنه بعد أيام قليلة , لماذا انقطعت عن زيارتي في حين أنني بأمس الحاجة إليك في هذه الظروف, لا اعتب على الآخرين ولكنني اعتب عليك لأنك من مدينتي وربما احتاجك في أمر ما ولحين انتهاء القضية التي أنا محجوز من أجلها وهي قضية بسيطة وفي حكم المنتهي في الأيام القادمة , وأكبر دليل على بساطة الموضوع هو حجزي في غرفتي في الدائرة مفتوحة الشبابيك والباب وبدون حراسة.))
كنت وأنا جالس بالقرب منه اسمع كلماته وانظر في وجهه ولكن تفكيري وذهني منشغل بما سيؤول إليه مصيري من مخالفتي لأوامر الدائرة في عدم اللقاء به , جلست عنده لمدة نصف ساعة حسبتها دهراً ولم يكن بمقدوري مغادرة الغرفة لاستمراره في الحديث معي في مختلف الأمور وكان في حالة طبيعية ولم أشاهد على قسمات وجهه أي علامات تدل على الخوف أو القلق.
خرجت من عنده وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشرا ظهراً وبعدها بساعة واحدة حضرت الدائرة مفرزة تابعة لمديرية الأمن العامة يستقلون سيارتين صالون بأرقام مدنيه ومن نوع مرسيدس , وبعد أن دخل آمر المفرزة على رئيس الدائرة ( آمر قوة الشرطة السيارة ) العميد ( عبد الودود محمد بسيم) من اجل إخطاره بالمهمة التي جاؤوا من أجلها حيث أوقفوا السيارتين أمام غرفة ( الفقيد) والذي استقل احداها وهو يحمل حقيبة صغيرة بيده ومن ثم انطلقوا به إلى مكان يفتقر فيه الى أبسط القيم الأخلاقية والتعامل الإنساني , ربما تغيرت هواجس ( الفقيد) وهو يستقل السيارة مع جلاديه , وأحس بالخوف على مصيره والندم في عدم اختياره طريقاً أخر للنجاة بنفسه من هذه النهاية القاسية التي كانت تنتظره , حيث كان بإمكانه الهرب من الدائرة بكل سهولة ويسر لعدم وجود رقابة مشددة عليه وعبوره سياج الدائرة معناه وصوله إلى الشوارع والأزقة الخلفية المتشعبة  والمعقدة في المنطقة والمحلات المجاورة للكلية وهي مناطق السعدون والباب الشرقي وشارع الشيخ عمر ومنها محاولة ايجاد مخبأ وقتي والتخطيط لغرض الانتقال إلى المنطقة الشمالية (كردستان).
وفي الوقت نفسه ازدادت المخاوف عندي حيث لم تمض إلا فترة دقائق من الوقت وجاءني رئيس العرفاء( صبحي) من شعبة الاستخبارات يطلب مني مصاحبته إلى مدير الاستخبارات العقيد ( اسماعيل ملا حويش) وفي الطريق إلى غرفة المذكور سألت ( صبحي ) : (( ها شكو )) أجابني : (( سيدي شنو شكو انت شسويت مو مبلغيكم ما تقابلون العقيد حسين الشيرواني ... سيدي .. بس الله يخلصك لأن شغله هذا الرجل صعبة وانت اش ورطك وياه ))
دخلت غرفة مدير الاستخبارات وكان جالساً عنده الملازم ( قيس نجيب) ضابط الاستخبارات , أديت التحية للمدير (( تعال ملازم محي الدين – إحنا مو بلغناكم ما تزورون وتقابلون العقيد حسين الشيرواني )) أجبته : (( نعم سيدي بلغتونا ... لكن العقيد صاحني وما كَدرت ما أروحله)) فرد علي: (( زين من الساعة 11.5 وللساعة 12 , اش جنتو تحجون واش طلب منك احجينا ))
أجبته: (( سيدي الحجي اقتصر على مسائل اعتيادية ولم يتطرق العقيد لأي أمور أخرى ذات أهمية ولم يطلب مني أي شي )) استمر في مناقشتي عن ما دار بيننا في هذا اللقاء واستمريت انفي له بأن ما دار بيننا هو كلام لم يكن له علاقة بالأمور السياسية والأمنية , عندها طلب من الملازم ( قيس) : (( كَوم سويله كتاب ارسال الى مديرية الأمن العامة واذكر لهم بموضوع لقاء الملازم محي الدين مع العقيد حسين هذا اليوم من الساعة 11.5 ولغاية الساعة 12 بالرغم من تبليغنا له بعدم اللقاء به ولا ندري ما دار بينهما من كلام وأمور نرسله اليكم للتحقيق معه)).
أودعني الملازم ( قيس) أحد غرف مديرية الاستخبارات بعد غلق باب الغرفة من الخارج , لحظات عصيبة عشتها وأنا افكر في مصيري وما سيؤول إليه , راودتني وتزاحمت الأسئلة والإجابات في ذهني ...
بالتأكيد أنا مقبل على مصير سيئ
لا لن يكون كذلك لأنني لم اقترف أية جريمة
ولكنني كيف يمكنني اقناع زمرة هذا الرجل ( ناظم كزار )بأنني بريء
 حتى لو لم تثبت بحقي أية تهمة فإنني سأخرج من هذه الدائرة ( الأمن العامة) نصف إنسان ,إن لم يكن أقل من ذلك
 ماذا سيكون مصير عائلتي
وأنا في خضم هذه الافكار وإذا بالملازم (قيس) يفتح باب الغرفة ويطلب مني مرافقته قائلاً له : (( ها ملازم قيس راح تودوني للأمن العامة ))

أجابني : (( يمعود صارلي ساعة ادافع عنك ... تعال المدير رايدك ))
دخلت الغرفة وأصبحت بمواجهة المدير الذي كان واقفا وخاطبني قائلاً :

(( ملازم محي الدين ... سئلنا عليك والكل يمدحون بيك وخاصة الملازم قيس أريد أساعدك بس إذا طلبتك الأمن العامة ما راح أكَدر اسويلك شيي )) شكرته على هذا الموقف الإنساني والذي لا يمكن أن أنساه ما حييت , ثم أردف المدير سائلاً : (( ملازم محي الدين ... أنت بعثي لو لا )) أجبته :

(( لا آني مو بعثي ))

ثم وجه الاستفسار للملازم قيس : (( ملازم قيس – ليش – باقي لي هسه وما صاير بعثي ))

رد عليه الملازم قيس مجاوباً : (( سيدي – كل ما نكَله تعال صير بعثي يكَول آني كردي شلون أصير بعثي ))

فرد عليه المدير قائلاً: ((ملازم قيس أخذه نظمله اضبارة حزبية أقل شي حتى نكَدر ندافع عنه))
خرجت من غرفة مدير استخبارات القوة السيارة العقيد ( اسماعيل ملا حويش) والذي كان من عائلة بغدادية طيبة وخيرة برفقة الملازم (قيس) والذي تولى تنظيم إضبارة حزبية لي والتاريخ لا يمكن أن أنساه لأنه كان يوماً مؤثراً في حياتي ومصيري وهو يوم 5/11/1971
قارئي العزيز والآن لنترك ما سيؤول اليه مصير هذا الرجل من هذه الرحلة المشؤومة ونعرج قبل ذلك على سيرته الشخصية.

  

سيرته:

ولد المرحوم ( حسين مولود نبي الشيرواني) في مدينة أربيل عام 1930 من أسرة فلاحية بسيطة كانت قد نزحت من ناحية شيروان مزن التابعة لقضاء ميرگه سور / محافظة أربيل.
قتل والده عندما كان عائداً من السوق إلى مسكنه في إحدى الأزقة الضيقة القديمة في محلة خانقاه في مدينة أربيل حيث صادف مروره في الزقاق المذكور مشاهدته لشخصين سكيرين وهما يتحرشان بإمرأة وهي تصرخ وتستنجد به , دفعته شهامته وغيرته الى ترك الحاجيات التي كان يحملها على الأرض والاندفاع نحو الشخصين لإنقاذ المرأة وتشابك معهما بالأيدي واستطاع أحدهما طعنه بسكين يحمله عدة طعنات قاتلة اسقطته على الأرض ويفارق الحياة وهو ينزف الدم الغزير.
هرب الجناة وتخلصت المرأة من شرور هذين المجرمين ولكن بعد أن دفع المرحوم ( مولود) حياته ثمناً لهذه التضحية وترك عائلته المتكونة من زوجته ومن الابن الاكبر ( اسماعيل) والأصغر (حسين) وشقيقتهما الوحيدة (حنيفة) التي توفيت بعد فترة قصيرة من مقتل والدها.
تفرغ المرحوم ( اسماعيل ) وأخذ على عاتقه إعالة العائلة وشجع شقيقه ( حسين) على مواصلة الدراسة لغاية انهائه مرحلة الدراسة الاعدادية وحصوله على معدل يؤهله للقبول في أي كلية يختارها إلا أنه فضل التقديم لكلية الشرطة لسببين أولهما حادث مقتل والده ليتخرج ضابطاً في الشرطة ويحقق العدالة التي لم ينلها والده الذي ذهب غدراً ولم تستطع الشرطة وأخفقت في كشف الجناة.
والسبب الأخر هو الوضع الاقتصادي الذي كانت تمر به العائلة وما تكلفه نفقات الدراسة في بغداد والتي كانت الكليات فيها فقط في ذلك الزمان , كما أن تحمل الدولة لنفقات الطالب الدارس في كلية الشرطة من مأكل وملبس ومنام ومصروف الجيب , هو عامل اضافي في توجهه هذا.
قبل في كلية الشرطة عام 1948 الدورة رقم (5) وتخرج منها بعد ثلاثة سنوات أي في عام 1951 وقد تدرج في الرتب والمناصب وعمل في مختلف دوائر الشرطة في أماكن عديدة من مناطق العراق ويمكن أن نذكرأهمها :

(مديرية شرطة محافظة بغداد , مديرية شرطة قضاء راوندوز , مديرية شرطة نفط كركوك , مدارس الشرطة , مديرية شرطة محافظة الحلة (بابل)، مديرية شرطةمحافظة السليمانية , آمرية قوة الشرطة السيارة).


  
مشاركة الفقيد في الاستعراض بمناسبة عيد ميلاد الملك فيصل الثاني في شارع الرشيد في 2 مايس 1952
  

الممارسة التدريبية لطلاب كلية الشرطة في منطقة بغداد الجديدة بتاريخ 25 نيسان 1950


      

     الفقيد بعد تخرجه وهو برتبة ملازم  في عام1951

في عام 1968 صدر أمر تعيينه مديراً لشرطة محافظة أربيل واستمر في هذا المنصب لغاية صدور بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 , كانت هذه الفترة من خدمته الوظيفية هي الفترة الذهبية والتي امتازت على الصعيد الشخصي والرسمي من خلال تسخيره لجهوده وإمكانياته في خدمة المواطنين وتدخله الشخصي لمساعدتهم دون استثناء واثمرت جهوده في هذا المجال إلى بروز صيغ جديدة من نمط العلاقة الإيجابية بين جهاز الشرطة في المحافظة والمواطنين وتبع ذلك بروز مركزه وسيطه واتساع أفق علاقاته الاجتماعية.
 
   

مفاوضات السلام في آذار 1970 ويظهر في الصورة الفقيد مع القائد الكردي الراحل مصطفى البارزاني ومحافظ أربيل خالد عبد المنعم

   
جومان – نوروز 1970 مع السيد مسعود البارزاني ومحافظ أربيل خالد عبد المنعم
 

ندوة جماهيرية في ملعب الإدارة المحلية في أربيل  1970

لقد كان رجلاً طموحاً وعصامياً ويظهر ذلك بشكل جلي في محاولته الاستمرار في صقل شخصيته الثقافية والعلمية , فقد حصل على الشهادات الدراسية التالية:-
بكالوريوس في علوم الشرطة كلية الشرطة 1951 بغداد
بكالوريوس في اللغة الانكليزية معهد اللغات العالي 1964 بغداد
بكالوريوس في القانون جامعة المستنصرية 1968 بغداد
قبل في دراسة الماجستير في القانون للسنة الدراسية 1969 -1970 جامعة القاهرة – ولم يكمل دراسته بسبب اعتقاله واستشهاده

      

أوفد مع مجموعة من ضباط مديرية الشرطة العامة والأمن العامة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للفترة من 20/6/1958 ولغاية 6/1/1959 في أكاديمية الشرطة الدولية في واشنطن نال فيها على شهادة الدبلوم الاساسية في علم التحقيق الجنائي والتخصصات الشرطوية الأخرى.


  
في مدرسة تدريب الطرق العامة في ولاية فلوريدا  الامريكية - مدينة تاك هاي 23 تشرين الأول 1958

 

شهادة تقديرية 1958 دورة تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية

نهايته المفجعة
بعد سردنا لسيرة هذه الشخصية نعود لنبحث في مصيره من هذه الرحلة الى قصر النهاية حيث اعتقل فيه على ذمة الهيئة التحقيقية الثانية التابعة لمديرية الأمن العامة

      

والتي كان يقوم على ادارتها ( ناظم گزار) , والتي مارست معه أقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي الذي لا يحتمل طيلة سنة ويزيد , حيث وافته المنية بتاريخ 23 تشرين الثاني 1972 , وأرسل جثمانه الى مدينة أربيل مع شهادة وفاته المدرج فيها بأن سبب الوفاة ( موت مشتبه به) لا ندري كيف يكون موتاً مشتبهاً به وهو في الاعتقال لدى هذه الزمرة الشيطانية التي كان يترأسها هذا المجرم المتعطش للدماء ( ناظم كَزار) ودون صدور أي قرار قضائي بحقه.
   

شهادة وفاة المرحوم

نظمت له شهادة وفاة جديدة بناء على طلب ذويه في عام 1989 وبنفس تاريخ وفاته ولم يوفق منظموها حينما ذكروا في حقل سبب الوفاة بأنه توفي نتيجة (آفه مرضية) , ربما في سبيل تسهيل حصول عائلته على حقوقهم التقاعدية دون أن يذكروا نوع الآفة المرضية , وفيما إذا أصابته لوحده أو أصابت موقوفين آخرين معه في نفس ذلك المكان الرهيب.
على كل حال فالعبارتين المدرجتين في شهادتي وفاته (موت مشتبه به , آفه مرضية) تدلان وفي ذلك الظرف الزمني من تاريخ العراق على موت هذا الإنسان تحت تأثير التعذيب الوحشي القاسي وإملاء الشهادتين بهذه الصيغة من قبل الجهات الصحية جاء تماشياً مع إرادة الجهات الأمنية القائمة بالتحقيق معه لتهربهم من مسؤوليتهم الإجرامية في قتله بعد إصرارهم ومحاولتهم انتزاع الاعتراف منه قسراً عن جريمة لم يقترفها , وإصراره هو على براءته وعدم ارتكابه لأي فعل يشكل جريمة بمنظور القانون الجنائي العراقي.
لا نجانب الصواب عندما نؤكد من أنه لو عرضت جثة المغدور على لجنة طبية مختصة وقت وفاته ودون تدخل أو تأثير من السلطات الأمنية لكانت النتائج المستخلصة لهم نتيجة الكشف وتشريح الجثة تفصح وبشكل لا يقبل الشك تعرض المجني عليه إلى تعذيب جسدي مادي ونفسي فضيع من خلال الآثار والعلامات البادية على الجثة والتي لاحظها ذووه والمقربون منه عند استلامهم لها.
ما دمنا نتحدث عن هذا المكان الذي شهد معاناة هذا الرجل ونهايته آثرنا أن نعرج على ما كتبه زميله في الجيرة ( في سجن قصر النهاية) في نفس المكان ( عبد الحميد العباسي) حيث يذكر في كتابه الموسوم ( صفحات سوداء من بعث العراق) ص 108 , وهو يتطرق للمعتقلين وأفرد صفحة خاصة للحديث عن المرحوم( حسين مولود الشيرواني ) وكان نصها بهذه الصيغة :

(( والمعتقلون في قصر النهاية كثير منهم يشكو الضغط والسكر وحالات مرضية أخرى تستدعي المريض أن يأكل أكلا خاصاً ولكن هذه العناية بالأكل إنما تكون على وجه الأرض أما الذين يعتقلون في قبور قصر النهاية وزنزاناته فلا يطبق هذا بحقهم.
كان أمام زنزانتنا وبالضبط بالزنزانة رقم 17 العقيد الكردي حسين الشيرواني مدير شرطة أربيل وكان مصابا بمرض السكر وكان رجلا خلوقا ومؤدباً جداً , فكنت أسمعه أحيانا يتكلم مع أحد الجلاوزة من وراء الباب وبصوت هادئ جدايقول لهم – إنني مريض ولو سمحتم لي أن أخابر أهلي ليبعثوا لي أكلاً خاصاً وفراشاً كافياً ؟
فيجيبونه – مت مت . إن أهلك يرسلون لك الملابس والأكل والغطاء فنرجعه ونقول لهم إن معتقلاً بهذا الإسم لا يوجد عندنا . وعندما اشتد به المرض بحيث لم يكن يرجى شفائه أخرجوه من قصر النهاية ومات بعد شهر واحد من إطلاق سراحه , وكثير من أهالي أربيل يعرفون ذلك ))
هذه شهادة حية عن معاناة المرحوم في قصر النهاية يرويها أحد المعتقلين معه , والذي أفرج عنه بعد سنوات الاعتقال المريرة. وقام بتأليف الكتاب المذكور والذي وقع في خطأ غير مقصود عندما اعتقد بأنهم أخرجوه من قصر النهاية ومات بعد شهر واحد من إطلاق سراحه , والحقيقة غير ذلك حيث لم يطلق سراحه وإنما تم نقله من قصر النهاية عند تردي حالته الصحية إلى مكان أخر حيث وافته المنية فيه وأرسلت جثته إلى ذويه .

 
مباراة منتخب أربيل والفرقة الأولى ويظهر مع الفقيد الملازم صلاح شهاب
  
مع محافظ اربيل خالد عبد المنعم وفاروق سيد حسن رئيس نادي أربيل والمناسبة تكريم منتخب أربيل

  

مع قائد الفرقة الأولى طه  الشكرجي ومدير أمن أربيل عبد الجبار الدليمي والمناسبة مباراة كرة القدم بين  فريقي شرطة أربيل والفرقة الأولى

 انهيت حياة هذا الإنسان الوديع الخلوق بتهمة باطلة ألا وهي ضلوعه في تسهيل هروب (عبد الجبار الدليمي) مدير أمن محافظة أربيل إلى إيران وبذلك انهيت طموحاته المشروعة في الحياة وهو في قمة العطاء وفي الأربعين من عمره وحرمت عائلته المتكونة من زوجته وأولاده الأربعة وبنته الوحيدة من عطف وحنان الأبوة وكانوا في مقتبل العمر.

  

الفقيد وابنه كوفند مع القائد الكردي الراحل مصطفى البارزاني في حاج عمران 6/6/1970
  

المرحوم سعدون غيدان مع اولاد الشهيد دلسوز وكوفند في فندق بيرمام /مصيف صلاح الدين 1968


جرى للمرحوم عقيد الشرطة الحقوقي ( حسين مولود الشيرواني ) تشييع مهيب رسمي وشعبي في مدينة أربيل شاركت فيه جماهير المحافظة بمختلف فئاتهم وشرائحهم بالإضافة إلى مسؤولي دوائر المحافظة وموظفيهم حيث وري جثمانه الثرى في مقبرة الإمام محمد في مدينة أربيل كما أقيمت له مجالس العزاء في عدة أماكن من مدينة أربيل وأقضيتها.

             

قرائي الأعزاء الأفاضل – أشكركم على متابعتكم قراءة ما كتبت في سيرة هذا الرجل وما لحقه من ظلم وغدر وعساني قد حظيت برضاكم وأوفيت هذه الشخصية حقها في خلود الذكر الطيب مع رجائي من الله العلي القدير أن يشمله برحمته الواسعة وإن يكون مثواه الجنة مع الشهداء وهو على كل شيء قدير.

                     
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

522 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع