والصورة من تصوير المصور الخاص بوزارة الدفاع .إثر إخفاق حركة الشواف في الموصل في يوم 9 آذار سنة 1959 . قامت المحكمة العسكرية العليا الخاصة برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي ( محكمة المهداوي) بمحاكمة كل أركان الجهات التي ساهمت في الثورة أو آزرتها و على نحوٍ خاص الضباط العسكريون .
الـوجـبـة الأولــى الـتـي صـدرت بـحـقـهـم أحـكـام الإعـدام رمـيـاً بـالـرصـاص حـتـى الـمـوت ونــُـفـِـذت بـتـأريخ 30 آذار - مارس سنة 1959 وهم الشهداء ( في الصورة ) :-
1- العقيد الجو عبد الله ناجي – آمر قاعدة الموصل الجوية .
2- الرئيس (النقيب ) الجو قاسم محمد أمين العزاوي .
3- الملازم الأول الطيار أحمد مهدي عاشور .
4- الملازم الطيار فاضل ناصر .
إن كل من يعتقد بأن أحداث 14 تموز عام 1958م كانت ثورة شعبية فهو واهم إلى حد بعيد برغم الاحتقان الموجود آنذاك وإختلاط الأوراق، وكل ما حدث كان انقلاباً عسكرياً أملاه صراع الدول الكبرى على المصالح ومناطق النفوذ والبترول، وتشير كل الشواهد بأنه كان انقلاباً إنكليزياً برداء شيوعي فضفاض، وأغطية شعوبية تضمر العداء للعرب والمسلمين، وذلك لإعطاء الإنقلاب بعداً تقدمياً حسب موضة ذلك الزمان، حيث التقدمية بمسايرة الشيوعية ومن والاها وما عداها تخلف ورجعية! رافق الانقلاب "حفلات" قتل وسحل وتعذيب مما لا يعرفه تاريخ العراق الحديث، وكان قتل العائلة بتلك الصورة البشعة وصمة عار في التاريخ العراقي الحديث، وما صاحب القتل من فظائع لا توصف.وينقل د.صادق البصام في مذكراته، بأن المستر فول الملحق الشرقي في السفارة البريطانية وأثناء حفلة في داره يوم 10 تموز، بأنه تحدث عن ضرورة تغيير الوضع السياسي في العراق، وفي يوم 15 تموز أي بعد الانقلاب أخبر السيد عبد الجبار الجلبي قائلاً بالفارسية (هلا خوب شد) أي الآن صار أحسن، ولكنه تأسف لسفك الدماء! اتكأ عبد الكريم قاسم على الشيوعيين والشعوبيين أعداء الدين وأطلق لهم يد العنان في كل شيء مما شكل تحدياً نفسياً وفكرياً للتيارات الدينية والقومية، ولتيار عريض من الضباط الأحرار الذين قاموا بالإنقلاب منخدعين بالشعارات الرنانة. ارتأى العقيد عبد الوهاب الشواف بحكم موقعه العسكري في الموصل أن يتمرد على الحكم في بغداد، ولكن الحركة كانت إنفعالية وغير مدروسة بشكل كافٍ ففشلت بسرعة، وأعلن المهداوي رئيس محكمة الشعب أمام وسائل الإعلام عن الزهو بإعدام عبد الوهاب الشواف والذي قتل في غرفة بالمستشفى بعد أن نقل إليها أثر قصف مقره. واستمرت حفلات القتل حيث أُعدم كل من أُتهم من الضباط بالتعاون مع الشواف في منطقة الدملماجة شرق الموصل بعد محاكمة هزيلة، وشملت حفلات الإعدام لاحقاً كل من كان على هذا الخط حيث أُعدم رئيس التنظيم رفعت الحاج سري ورفاقه في ساحة أم الطبول في بغداد، وكانت المهازل تعم العراق وأكبر مهزلة ما يسمى بـ(محكمة الشعب) التي ترأسها المهداوي، وعندما حكم على سعيد القزاز بالإعدام وهو متصرف الموصل السابق ووزير الداخلية متهماً إياه بـ(العروبة) ضحك القزاز (رحمه الله) وقال له بأنه (يعتز بالتهمة رغم أنه كردي الأصل).
الثمن ... في هذه الأجواء المفعمة بالشيوعية والشعوبية والتي انفلتت من عقالها، كانت تدور في الكواليس مؤامرة لإحداث مجزرة في الموصل باسم الشعب وحمائم السلام، وذلك عقوبة لها لاحتوائها لحركة الشواف ولعدم إعطائها الولاء لما فعله عبد الكريم قاسم، خصوصاً بعد انكشاف علاقته المشبوهة مع الشيوعيين والشعوبيين. تم عقد اجتماعات لكل مندوبي الأحزاب الشيوعية من داخل العراق ومن خارجه في الموصل تمهيداً للمؤامرة ومن ضمنهم مندوب الحزب الشيوعي الإسرائيلي، واتفقوا على إقامة مهرجان للسلام في الموصل على طريقتهم الخاصة، فحضرت الحمائم من أنحاء العراق كافة بالقطارات وبالحافلات التي وفرتها شركات النفط مجاناً، وبعد الإنتهاء من المهرجان الذي أُقيم في أحد الملاعب بدأت حفلات القتل والتعذيب والسلب والنهب والحرق واستمرت لعدة أيام. ومازلت أتذكر كيف علقت الجثث على طول شارع الفاروق الممتد من منطقة المستشفى إلى الباب الجديد على أعمدة الكهرباء وأعمدة العمارات، وأخرى تم سحلها بالحبال بواسطة السيارات أو عربات الخيول، كانت هنالك محلات وبيوت تحترق وأخرى تُنهب، وكان الضحايا إجمالاً ممن حسبوا على الخط القومي أو الديني، الرافضين للإلحاد والشعوبية، وتمت هذه الأجواء المفعمة بالقسوة والقتل والتعذيب وسط مظاهرات صاخبة بحياة الزعيم الأوحد، ومحبوب الشعب المنتظر الذي حارب الإستعمار والإمبريالية! وكان للرموز الدينية نصيبها الوافر من مهرجان السلام، حيث أُقتيد الشيخ هاشم عبد السلام إمام وخطيب جامع النبي دانيال الكائن في منطقة باب المسجد عنوة، والحبل في عنقه وقد حلقت نصف لحيته، والغوغاء تضربه وتشتمه، ويطوفون به في الأزقة والشوارع قبل أن تفارق روحه إلى بارئها،حيث تم إعدامه لاحقاً بعد تعذيبه، وكان من أبرز شهداء هذه المجزرة المروعة، وقد بلغ عدد الشهداء من عائلة واحدة عشرة أشخاص. ولا تزال منارة جامع الجويجاتي الكائن في نهاية شارع الفاروق والى يومنا هذا شاهداً على استهداف هذا الدين برجاله ومساجده ورموزه، حيث مازالت آثار الرصاص بادية للعيان. وعلى طريقة محكمة المهداوي أُقيمت محكمة (شعبية) برئاسة أحدهم عبد الرحمن القصاب، حيث كانت المدة الزمنية بين محاكمة الشخص وإعدامه لا تتعدى النصف ساعة. لم تكن هذه الأعمال عفوية أو رد فعل أو انتقاماً لعمليات بدأ بها أهل الموصل، وإنما كانت عملية جرى لها التخطيط بدقة لمعاقبة أهل الموصل على مواقفهم المناهضة لكل ما يمس مشاعرهم الدينية والقومية ذات الجذور العميقة في التاريخ كما بينا ذلك آنفاً. لقد كانت مجزرة الموصل صورة مخزية لما يمر به العراق من مهازل منذ أكثر من نصف قرن ولله في خلقه شؤون ! .
المصدر: منتديات عراق الخير والبركة
الكاتب : سعد سعيد الديوه جي
836 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع