عندما تضامن وزيران كردي وتركماني مع الوزراء القوميين وقدما استقالتيهما من منصبيهما في حكومة عبدالكريم قاسم
بقلم: هارون محمد
يعيد التهافت على الوزارات في العراق عقب احتلاله في نيسان 2003 وطرق الحصول عليها والرشاوى التي تصرف والاغراءات التي تقدم للاستحواذ على الوزارات ذات التخصيصات المالية العالية والعقود والمقاولات الكثيرة الى الذاكرة العراقية اسماء شخصيات سياسية وعسكرية واكاديمية اعتذرت عن تولي وزارات عرضت عليها او غادرت مقاعدها الوزارية اعتزازا بسمعتها واحتراما لمواقفها.
ومن ابرز شخصيات العهد الجمهوري الاول التي استقالت من مناصبها الوزارية لعدم انسجامها السياسي مع الزعيم عبدالكريم قاسم رئيس أول حكومة تشكل عقب ثورة 14 تموز 1958:
ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية وصديق شنشل وزير الارشاد وعبدالجبار الجومرد وزير الخارجية وفؤاد الركابي وزير الاعمار وجابر عمر وزير المعارف ومحمد صالح محمود وزير الصحة وبابا علي الشيخ محمود الحفيد وزير المواصلات في شباط 1959 احتجاجا على سياسة الزعيم قاسم وابتعاده عن الدول العربية واحتضانه للشيوعيين واليساريين الذين عارضوا أي شكل من اشكال الوحدة او التضامن العربي وناهضوا الجمهورية العربية المتحدة التي تشكلت من وحدة مصر وسوريا بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر.
ولما كان وزيرا الصحة والمواصلات من القوميتين التركمانية والكردية فان رئيس مجلس الوزراء الزعيم عبدالكريم قاسم تملكته الحيرة من تضامنهما مع زملائهما الوزراء القوميين والناصريين فطلب استدعاءهما والحديث معهما، ولما حضرا الى مكتبه في وزارة الدفاع قال لهما : ما شأنكما مع (ربع) جمال عبدالناصر وهم قوميون ووحديون وانتما تركماني وكردي؟
فرد عليه الدكتور صالح وزير الصحة المستقيل انه يؤيد موقف زملائه الوزراء القوميين العرب مؤكدا للزعيم بانه يحب عبدالناصر ومعجب به، فيما قال بابا علي الشيخ محمود انه يعترض على سياساته باحتضان الحزب الشيوعي وتسليط الشيوعيين على البلد وانه يشاطر زميله وزير الصحة في حب عبدالناصر رغم كرديته، وبهت الزعيم عبدالكريم وسمعه مرافقوه ومنهم جاسم العزاوي وحافظ علوان وهو يقول بلغته البسيطة : هذا جمال (بلوّة) ساحر العرب والاكراد والتركمان..!
وبعد اسبوع من استقالة هؤلاء الوزراء، قدم وزير الارشاد الجديد حسين جميل الذي استقدمه الزعيم عبدالكريم من مقر عمله كسفير في الهند وعينه وزيرا للارشاد بدلا من صديق شنشل استقالته من منصبه ولم يكن قد داوم فيه غير 48 ساعة احتجاجا على تدخل رئيس الوزراء في شؤون وزارة الارشاد وسماحه بصدور صحيفة (اتحاد الشعب) المملوكة للحزب الشيوعي العراقي وكان الوزير قد عطلها لنشرها تعليقات سوقية مبتذلة ضد الوزراء المستقيلين.
حسين جميل
وعبثا حاول الزعيم قاسم اقناع الوزير حسين جميل بسحب استقالته الا ان الاخير قال له: اسحبها في حالة واحدة، اذا سحبت انت قرارك بالسماح للجريدة بالصدور ! وسكت عبدالكريم قاسم وهو يتميز غيظا.
وفي العهد الجمهوري الثاني وبعد حركة 18 تشرين الثاني 1963 تمنى الرئيس عبدالسلام عارف على الدكتور عبدالعزيز الدوري رئيس جامعة بغداد ان يتولى وزارة المعارف بدلا من الدكتور احمد عبدالستار الجواري (البعثي) الا ان الدكتور الدوري اعتذر للرئيس عارف انه لا يصلح للوزارة ومكانه الحقيقي الجامعة والتدريس والقاء المحاضرات وتأليف الكتب.
طاهر يحيى
ولما الح عليه الرئيس عبدالسلام عارف ورئيس وزرائه المكلف الفريق طاهر يحيي وناشداه ان يرشح لهما شخصية تربوية لشغل الوزارة التي اعتذر عن توليها قال لهما ان الدكتور عبدالعزيز البسام تربوي من الطراز الاول واداري ناجح في ادارات الكليات والمعاهد والاقسام الجامعية ولكنه شخصيا لا يعرف مدى استعداده للعمل للوزير.
وكلف الرئيس عارف مرافقه عبدالله مجيد بالبحث عن الدكتور البسام واستقدامه الى وزارة الدفاع حيث كان طاقم الحكومة مجتمعا باستثناء وزير المعارف.
وبحث النقيب عبدالله مجيد عن اسم الدكتور عبدالعزيز البسام في (دليل التلفونات) الى ان عثر على هاتف منزله فاتصل به راجيا منه القدوم الى وزارة الدفاع لمقابلة رئيس الجمهورية، فرد عليه البسام انه لا يملك سيارة وقد لا يجد سيارة اجرة يأتي بها في هذا الليل !
وهنا بادر عبدالله مجيد الى ارسال سيارة جيب عسكرية الى منزله بعد ان اخذ عنوانه في منطقة الوزيرية.
صبحي عبدالحميد
وحضر الدكتور البسام واستقبله وزير الخارجية المعين صبحي عبدالحميد لمعرفة سابقة بينهما كجيران في منطقة واحدة وقابل الرئيس عبدالسلام ورئيس وزرائه المكلف الفريق طاهر يحيي اللذين عرضا عليه منصب وزير المعارف في الحكومة الجديدة، وبلا تفكير اعتذر الدكتور البسام عن تولي الوزارة لانه يعرف نفسه وامكانياته.
وسأله الرئيس عبدالسلام: هل لديك اعتراض علينا او لديك ملاحظات على توجهاتنا السياسية؟ فرد الدكتور البسام: لا فانا مثلكم قومي عربي ووحدوي ولكني غير مؤهل لتولي وزارة المعارف التي سينشغل الوزير فيها بالقضايا الادارية والترفيعات والاجازات والتنقلات وينسى ابحاثه ومؤلفاته ومحاضراته.
وشكره الرئيس عبدالسلام على صراحته واعتزازه بعلميته وتواضعه وشد على يديه مودعا طالبا ايصاله الى بيته بسيارة الجيب العسكرية التي جاءت به.
احمد حسن البكر
وهنا تدخل نائب رئيس الجمهورية احمد حسن البكر يعاونه وزير الدفاع المكلف العميد الطيار حردان التكريتي وتمنيا على الرئيس عارف ابقاء الدكتور احمد عبدالستار الجواري في منصبه كوزير للمعارف الذي كان قد عين فيه عقب حركة 8 شباط 1963 ولكن عبدالسلام قال لهما ولكنه بعثي؟ فرد عليه الاثنان انه بعثي مثلنا فلماذا الحذر منه!
حردان التكريتي
فقال الرئيس عبدالسلام عارف ضاحكا: خلاص اذا بعثي مثلكما (جيبوه) والتفت الى الفريق طاهر يحيي وقال: ابو زهير سجله وزير معارف بكفالة ابو هيثم وابو سعد (في اشارة الى البكر وحردان) علما بان الدكتور الجواري يعد من المع اساتذة جامعة بغداد ولديه الكثير من المؤلفات والدراسات اضافة الى انه نقابي عريق وقاد نقابة المعلمين لعدة دورات.
632 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع