لمحات من تاريخ المخابرات العراقية 1968-2003
قبل مجيء البعث الى الحكم في17تموز / 1968 لم نكن نعرف في العراق جهازا باسم المخابرات.. بل كانت هنالك شعبة خاصة ضمن (الأمن العامة) على الأكثر كانت تسمى بـ(الشعبة الثانية) مهمتها العمل على مطاردة ومتابعة كل المخاطر التي تسيء الى الوطن ومكافحتها.. وكانت لتلك الشعبة الكثير من الانجازات وقد استطاعت أن تضع اليد على العديد من الشبكات (السرية) التي كانت تدار من قبل بعض (اليهود) في العاصمة وبقية المدن الأخرى.
مؤسس المخابرات العراقية وعقلها المدبر الأول هو (صدام حسين).. حيث اقترح على القيادة وعلى شخص الرئيس الأسبق / أحمد حسن البكر انشاء جهاز (أمني واستخباراتي) للحفاظ على بقاء وديمومة (الحزب والثورة) على حد قوله وحماية القيادة الحزبية والسياسية في ان واحد!!
وقد برر تلك الخطوة وربطها بما يلي: كي لاتتكرر تجربة (ردة تشرين وفشل تجربة انقلاب 8 شباط) حينما أقدم / عبد السلام عارف في تشرين عام / 1963 بضرب البعث والحرس القومي لابل طاردهم وزج بقادتهم في السجن..أنشأ المخابرات بامكانيات (مادية وبشرية) متواضعة وسماها في البداية بـ(مكتب العلاقات العامة) الذي ضم ابرز عناصر جهاز (حنين) الحزبي الذي شكل سريا بعد انقلاب 18 تشرين الثاني وربط المكتب بمجلس قيادة الثورة...
على الرغم من اشرافه الشخصي على الجهاز..الا أنه وضع صديقه ورفيقه المقرب (سعدون شاكر) كمدير ومسؤول ثان من بعده.. استمر في ذلك المكان لسنوات وحينها يتغير الاسم الى (جهاز المخابرات).. يبقى سعدون (ورور) على رأس ذلك الجهاز لغاية / 1979 ويساعده كمعاون أول (برزان التكريتي).. ولكن في تموز من العام 1979 حينما أصبح (صدام) رئيسا على العراق صدرت عدد من القرارات منها: اعفاء / سعدون شاكر من جهاز المخابرات وتعيينه بمنصب وزير للداخلية. تعيين / برزان أبراهيم الحسن التكريتي بمنصب رئيسا لجهاز المخابرات!
برزان ابراهيم الحسن التكريتي : احد الاخوة غير الاشقاء للرئيس السابق ومستشاره الرئاسي وقد اعتقل في 16 نيسان (ابريل) عام 2003 في بغداد وكان الثاني والخميسن على لائحة ال55. وقد تولى برزان التكريتي رئاسة جهاز المخابرات العراقية عام 1979 ثم مثل بلاده في الامم المتحدة في جنيف 12 عاما. عاد الى العراق في ايلول (سبتمبر) عام 1999 ضمن اطار تعيينات دبلوماسية ووسط معلومات متضاربة تحدثت بعضها عن انشقاقه حين افادت معلومات نشرتها وسائل اعلام حينذاك ان صدام حسين وضعه تحت المراقبة بعد ان رفض التعبير عن ولائه لقصي الابن الاصغر للرئيس السابق الذي قتله الجيش الاميركي مع شقيقه عدي في تموز (يوليو) عام 2003 وقد اشرف خلال عمله في جنيف على شبكات المخابرات العراقية في اوروبا وتولى التوجيه في شراء الاسلحة. ومنذ فرض الحظر الدولي على العراق في 1990 شكل شبكة هدفها الالتفاف عليه وتم تكليفه ادارة ثروة صدام حسين المودعة في مصارف اوروبية. وقد ولد برزان في عام 1951 في مدينة تكريت.
ظل (برزان) في ذلك المنصب من 1979 ولغاية 1983... كانت أسوأ أيام العراقيين.. حيث زرع الرعب في الشارع العراقي لابل داخل كل عائلة.. كان يمتلك صلاحيات مطلقة..كان فوق القانون.. يتصرف بأموال العراق وتحت يديه ملايين الدولارات!!.. وسع المخابرات الى (رئاسة) وعين العشرات من المدراء العامين وأوفد المئات من الضباط الى الخارج لغرض أشراكهم في دورات (تدريبية وفنية) وعلاوة على ذلك استورد العديد من الأجهزة الغريبة والدقيقة كأجهزة (تنصت ومتابعة) وغيرها.
اشترى (برزان التكريتي) أكثرية فنادق بغداد... ومئات سيارات الأجرة (التاكسي) وكلها تعمل لصالح المخابرات ونقل الأخبار كل يوم لابل كل ساعة.. وجعل من (المخابرات العراقية) جهازا رهيبا.. وصل به الأمر اصدر قرار تم بموجبه أن ينادونه بالسيد الرئيس!!
جهاز المخابرات العراقي كان الجهاز الرئيسي للمحافظة على أمن دولة العراق من الجهات الخارجية، وكان أقوى أجهزة المخابرات العربية على الإطلاق إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين و كانت ما تسمى بالمديرية الثالثة للمعلومات و القيود من الجهاز مختصة بجمع وتحليل المعلومات التي كانت تهم أمن الدولة. كانت من أهم المديريات المديرية الرابعة حيث كانت تضم أعضاءً سريين اندمجوا مع الدوائر الحكومية والسفارات والنقابات واحزاب المعارضة خارج العراق.
كانت المخابرات العراقية غالباً ما تنسق أعمالها مع مديرية الأمن العامة التي كان اختصاصها أمن العراق الداخلي، في حين كان تخصص المخابرات العراقية أمن العراقي الخارجي كما أسلف ذكره علاوة على ما تقدم، فقد زعم أن الشعبة الثانية من المخابرات العراقية كانت هي المسؤولة عن عدد من الاغتيالات..
كاغتيال الشيخ طالب السهيل التميمي في بيروت نيسان 1994 ومهدي الحكيم في السودان كانون الثاني 1988 و د. اياد حبش في روما تشرين الثاني 1986 و جورج بوش الأب عند زيارته الكويت في نيسان 1993 والتي اسفرت عن قصف انتقامي لمقر المخابرات العراقية في بغداد في 26 حزيران من قبل الطائرات الأمريكية. رسميا، كانت المخابرات العراقية تابعة لوزارة الداخلية في العراق إلا أنها كانت تستلم أوامرها من مجلس قيادة الثورة.
نبذة عن نشوء جهاز المخابرات في العراق
بين عامي 1964 و 1966 انيط بصدام حسين الذي كان في وقته عضوا شابا في حزب البعث مسؤولية الجهاز الخاص لأمن الحزب والذي كان يسمى جهاز حنين، بعد عام 1968 ومجيء حزب البعث للسلطة بعد الاطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف, طور صدام حسين جهاز حنين ليشمل اختصاصه الأمن الداخلي للدولة وسماه بالجهاز الخاص وفي عام 1973 وبعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس احمد حسن البكر من قبل ناظم كزار الذي كان بمنصب مدير الامن العام في ذلك الوقت قام صدام حسين بتغييرات جذرية في الجهاز الخاص الذي تغير اسمه الى رئاسة المخابرات ومن ثم تم تغيير الاسم في 1983 الى جهاز المخابرات وارتبط بمجلس قيادة الثورة.
في عام 1979 طرأت على جهاز المخابرات العراقي تغييرات كبيرة حيث كان في ذلك الوقت يترأسه سعدون شاكر لكن عملية الاغتيال الفاشلة التي قام بها اعضاء من حزب الدعوة الإسلامية أثناء مرور موكب صدام حسين في مدينة الدجيل حدى بصدام تعيين شقيقه برزان إبراهيم التكريتي. ومن الجدير بالذكر ان قضية الدجيل كانت أول قضية حوكم بها الرئيس السابق صدام بعد خلعه من الحكم.
في التسعينيات ترأس المخابرات العراقية الشقيق الاخر لصدام حسين, سبعاوي إبراهيم التكريتي الذي عزل من منصبه عام 1992 لعدم كفاءته كما عزل برزان إبراهيم التكريتي قبله والذي عين سفيرا دائما للعراق في منظمة حقوق الأنسان التابعة لـ الأمم المتحدة ومقرها جنيف...وحل محلهم عبد حسن المجيد الذي كان بن عم صدام حسين وشقيق علي حسن المجيد.
في عام 1999 كان رئيس المخابرات العراقية رافع دحام مجول التكريتي الذي كان في السابق سفير العراق في تركيا قد توفي هذا الشخص في ظروف غامضة حيث نشرت وكالات الأنباء العراقية والدولية خبرا مفاده انه توفي بسكتة قلبية في مستشفى ابن سينا حيث كان يسكن في منطقة العامرية غرب بغداد...
ولكن هذه الحادثة حدثت بعد ثلاثة ايام فقط من تخليه من منصبه لطاهر جليل الحبوش (مدير الأمن العامة سابقا) وقد زعم البعض انه تم اغتياله.
تم حل المخابرات العراقية مع دوائر أخرى بأمر بول بريمر رقم 2، رئيس الحكومة العراقية المؤقتة. وتم إنشاء جهاز المخابرات الوطني العراقي بعد ذلك. و كان للعراق ابان حكم البعث عدة أجهزة أمنية وليست جهاز المخابرات رغم أن هذا الجهاز يحتل المرتبة الأولى من حيث الاهمية الا انه يختص بالدرجة الأساس بالحفاظ على امن العراق الخارجي والتصدي للعمليات الخارجية وفيما يلي ترتيب تلك الاجهزة:
1. جهاز المخابرات التابع إلى رئاسة الجمهورية وليس وزارة الداخلية.
2. مديرية الاستخبارات العسكرية العامة التابعة إلى رئاسة الجمهورية.
3. جهاز الامن الخاص المسؤول عن امن الرئاسة والمناطق الرئاسية والتابع إلى ديوان رئاسة الجمهورية.
4. مديرية الامن العام التابعة إلى سكرتير رئيس الجمهورية عبد حمود التكريتي.
5. وزارة الداخلية التي تضم مديريات الشرطة بمختلف التخصصات.
6. جهاز مراقبة الكفاءات العلمية في خارج العراق وهو جهاز سري وله ارتباط مباشر برئاسة الجمهورية ولقد اشرف علية العديد مثل عبد السلام قاسم العواد, طلعت زامل البو نمر و احسان رضا الدلوي.
عندما شعر صدام بخطورة الموقف وبطموح (شقيقه) أبعده من المخابرات لابل وضعه تحت الاقامة الجبرية لسنوات.. بعدها عينه بدرجة سفير وعمل (ممثل العراق في المنظمة الدولية في العاصمة السويسرية) ولسنوات عديدة..
المصدر:http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=69156
635 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع