عبد السلام محمد عارف.. كما رأيته (الحلقة العاشرة)
عبد السلام عارف يبدد شائعات وجود خلافات بين القاهرة وبغداد ويلقي خطابا يؤكد أهمية وحدة العراق والجمهورية العربية المتحدة
عبد السلام يزور القوات المصرية في معسكر التاجي
بعد تلك الأزمة التي تسببت في خروج اثنين من أقطاب الكتلة القومية من الوزارة ومن عضوية المجلس الوطني لقيادة الثورة، بات الخلاف الذي كان قائماً بين الكتلة ورئيس الجمهورية جلياً وعلنيا، وعلي الرغم من استمرار قادة الكتلة الآخرين في مناصبهم العليا سواءً بصفة أعضاء في ذلك المجلس، أو في بعض دوائر القوات المسلحة، الا إن الشارع العراقي أمسي يتحدث جهاراً، عن احتمالات وقوع مواجهات مسلحة وشيكة بين هذه الكتلة القوية ورئاسة الدولة، فيما ركزت وسائل الاعلام العالمية في نشرات أخبارها وتقارير مراسليها علي احتمال نشوب خلافات سياسية كبري بين القاهرة وبغداد في المستقبل القريب، إلا أن تلك الاشاعات خمُدت كثيراً، وذلك عندما ألقي الرئيس عبد السلام عارف بنفسه خطاباً مقروءاً بمناسبة الذكري السابعة لثورة 14 تموز (يوليو)، وفيه عبارات عديدة ومركزة عن أهمية وحدة العراق مع الجمهورية العربية المتحدة، مذكرا انها ستكون نقطة انطلاق لجمع شمل الامة العربية، ومؤكدا ان العراق سائر بخطوات ثابتة وواقعية لبناء الوحدة علي الوجه الأكمل، وأنه سينهض بالاتحاد الاشتراكي العربي علي دعائم شعبية ثابتة.
استقبل عبد السلام عارف السفير المصري في العراق أمين هويدي، في الثاني عشر من تموز (يوليو) 1965 في مكتبه بالقصر الجمهوري، وقام بزيارة خاصة للقوات المصرية المستقرة في معسكر التاجي ببغداد في الثالث والعشرين من الشهر نفسه لمناسبة الذكري السنوية (الثالثة عشرة) لثورة 23 (تموز) يوليو في مصر، حيث استقبله المقدم الركن إبراهيم عرابي، وألقي عبد السلام خطاباً ارتجالياً وسط ضباط وجنود تلك القوة مؤكدا: إننا نعتز بالقائد الرائد الكبير جمال عبد الناصر. وفي الاسبوع الاخير من شهر تموز (يوليو)، كانت وسائل الإعلام تنشر عناوين كبيرة تكّذب الأقاويل والإشاعات الدائرة حول خلافات بين العراق ومصر، مبرزة عبارات أوردها الرئيس عبد الناصر في خطابه الرسمي لمناسبة ذكري ثورة (تموز) يوليو قال فيه: إن علاقة بغداد بالقاهرة قوية، وستظل كذلك، وإن الجمهورية العربية المتحدة تؤيد ثورة العراق رغم أكاذيب الاستعمار والرجعية.
الأخضر الابراهيمي في بغداد
وهدأت الاوضاع في الجزائر بعد انقلاب العقيد هواري بومدين، وتوقّفت وسائل الإعلام العراقية عن إبراز موقف العراق المتشنج تجاه الحركة الانقلابية تلك، وخصوصاً بعد أن وصل السيد الأخضر الإبراهيمي سفير الجزائر في القاهرة حاملاً رسالة شفهية من الرئيس الجزائري الجديد الي الرئيس عبد السلام عارف في الحادي والثلاثين من تموز (يوليو) في حين ظهرت عناوين جديدة في صفحات الصحف العراقية وهي تركز أواسط أيام شهر آب (اغسطس) 1965 علي احتمالات التوصل الي حل نهائي للقتال الدائر منذ سنوات في اليمن...
وقرار الرئيس عبد الناصر بالقيام بزيارة رسمية الي المملكة العربية السعودية بدعوة من عاهلها الملك فيصل بن عبد العزيز، وقد تمت الزيارة فعلاً، وأدي الرئيس عبد الناصر مناسك العمرة في مكة المكرمة حيث توصل البلدان المتخاصمان والمتحاربان منذ سنوات عديدة الي اتفاقية سلام في الرابع والعشرين من آب (اغسطس) 1965نصت ضمن اُمور عديدة اخري علي إيقاف الاشتباكات المسلحة وقيام القاهرة والرياض بالتعاون لعقد مؤتمر انتقالي للقوي الوطنية اليمنية، وسحب القوات المصرية المتواجدة في اليمن خلال مدة عشرة أشهر ابتداء من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1965، وأن تتعهد السعودية بعدم استخدام أراضيها ضد اليمن تمهيداً لإجراء استفتاء شعبي هناك لتقرير نوع الحكم.
وفي محاولة لتحسين علاقات العقيد هواري بومدين مع بعض الزعماء العرب، الذين لم يؤيدوا الانقلاب الذي قام به ضد بن بلا، فقد أوفد الي بغداد بعثة رسمية رأسها وزير الدفاع وعضو مجلس قيادة الثورة العقيد طاهر الزبيري، حيث استقبله عبد السلام عارف في القصر الجمهوري في الثامن والعشرين من آب (اغسطس) 1965.
عارف عبد الرزاق رئيسا للحكومة بدلا من طاهر يحيي
كان بادياً علي سطح الساحة السياسية في العراق، ان الامور والعلاقات القائمة بين رئيس الجمهورية والكتلة القومية ربما عادت الي بعض مجاريها بشكل أو بآخر، بعد أن رجّتها أزمة تموز (يوليو) الوزارية رجّاً غير مسبوق، بل كانت هناك مفاجأة أكبر انفلقت مساء يوم الاثنين السادس من ايلول (سبتمبر) 1965 عندما كان الألوف من العراقيين جالسين أمام شاشات التلفاز يشاهدون عبد السلام عارف وهو يستقبل رئيس الوزراء المستقيل الفريق طاهر يحيي، مع كامل أعضاء وزارته الثالثة، ورئيس الحكومة الجديدة التي كلّف بتشكيلها عميد الجو الركن عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية وعضو المجلس الوطني لقيادة الثورة، وبرفقته (15) وزيراً يحملون حقائب وزارته وهم:
عارف عبد الرزاق رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع، عبد الرحمن البزاز نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية ووزيراً للنفط وكالة، سلمان عبد الرزاق الأسود وزيراً للمالية، عبد اللطيف جاسم الدراجي وزيراً للداخلية، حسين محمد السعد وزيراً للعدل، خضر عبد الغفور وزيراً للتربية، جمال عمر نظمي وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، الدكتور عبد اللطيف البدري وزيراً للصحة، الدكتور محمد ناصر وزيراً للثقافة والارشاد، اسماعيل مصطفي وزيراً للمواصلات وللشؤون البلدية والقروية وكالةً، أكرم الجاف وزيراً للزراعة، عبد الرحمن القيسي وزيراً للاصلاح الزراعي وللاوقاف وكالةً، جعفر علاوي وزيراً للاشغال والاسكان، شكري صالح زكي وزيراً للاقتصاد، مصطفي عبد الله وزيراً للصناعة والتخطيط وكالة، الدكتور عبد الرزاق محي الدين وزيراً للوحدة، سلمان الصفواني وزيراً للدولة.
كان التغيير الوزاري أساسياً وجذرياً، وهو يشير الي سياسة حكومية خارجية وداخلية جديدة، ما دام قد شمل وزارات الخارجية، الدفاع، النفط، المالية، الثقافة والارشاد، والاقتصاد بشكل خاص، وباقي الحقائب علي وجه العموم، إذ لم يحتفظ بمنصبيهما السابقين سوي وزيري الداخلية والوحدة.
لقد فوجئ الشارع العراقي بهذا الخبر، من حيث أن كل تغيير وزاري ـ أو حتي التعديلات الوزارية التي اُجريت في السنوات الماضية ـ كان يسبقه انتشار شائعات واسعة، حتي إن بعض الصحف اليومية كانت تنوّه إليه من قريب أو بعيد، وبشكل مباشر في بعض الاحيان، أو غير مباشر في حالات اخري.. ولربما يعود سبب ذلك الي انشغال العراقيين بأخبار القتال الدائر في شمال وطنهم الحبيب، بين وحدات الجيش والاكراد الذين يتزعّمهم الملا مصطفي البارزاني خلال أيام ذلك الصيف اللاهب..
وفي ذلك الوقت ايضا اعلن عن وفاة الزعيم الوطني رشيد علي الگيلاني الذي انتقل الي جوار ربه في الثلاثين من آب (اغسطس) 1965 وشارك عشرات الآلاف في تشييعه.
وفي كتاب التكليف الذي عنونه رئيس الجمهورية الي رئيس الوزراء الجديد عارف عبد الرزاق، نقرأ نقطتين مهمتين هما:
ـ العمل علي تحقيق الرفاه التام لأبناء الشعب كافة في ظل (اشتراكية عربية رشيدة) تهدف الي زيادة الانتاج وعدالة التوزيع، وترعي القطاعين العام والخاص في آن واحد.
ـ الإسراع في تحقيق الحياة الديمقراطية وتشكيل المجلس الوطني.
ومما جلب الانظار في هذا التغيير ايضاً، استقبال رئيس الجمهورية لرئيسي الحكومتين المستقيلة والجديدة، مع كامل أعضاء وزارتيهما، ظهيرة السادس من ايلول (سبتمبر)، وتناولهم طعام الغداء معاً علي موائد القصر الجمهوري، والذي اُعتبر سابقة جديدة لم تحدث من قبل..
لماذا عارف عبد الرزاق دون غيره؟
قد يتساءل أي متتبع لأوضاع العراق،وخصوصاً خلال عام 1965، والخلافات القائمة بين رئيس الجمهورية والكتلة القومية، وبالأخص بعد احتدامها بسبب أزمة تموز (يوليو) الوزارية والتي لم يمض عليها سوي شهرين،عن الأسباب التي حدت بـالرئيس عبد السلام عارف أن يكلّف من أمسي خصماً سياسياً قوياً له، بتشكيل وزارة جديدة بدلاً من صديقه الفريق طاهر يحيي أو أشخاص آخرين لهم ثقلهم السياسي.
وللسيد صبحي عبد الحميد رأي خاص في أسباب تكليف عبد السلام عارف لـعارف عبد الرزاق لتشكيل الوزارة دون أي شخص آخر، فيقول:
كان عبد السلام عارف قد اتخذ قرار التخلص من كتلتنا قبل أن نقدّم الاستقالات التي تسبّبت في أزمة تموز (يوليو) الوزارية، وذلك بتمزيق الكتلة من داخلها، حين بدأ يتقرب من عارف عبد الرزاق ذي المنصب الخطير كقائد للقوة الجوية محاولاً كسبه الي جانبه تمهيداً لإبعاده عنّا..
فقد أوعز الي العميد سعيد صليبي قائد موقع بغداد والعقيد حميد قادر مدير الشرطة العام، وهما صديقان حميمان لعارف عبد الرزاق بالتأثير عليه واستمالته فسايرهم عارف، وصمم أن يكشف جميع خطط عبد السلام عارف ونيّاته ومناوراته، متردداً عليه دوماً، ومبدياً له الود والإخلاص، ومحاولاً في أول الامر نصحه وإعادته الي النهج القومي السليم، مؤكداً له أن الجميع يحبّونه ويحترمونه، وأن معارضة قادة الكتلة القومية لبعض قراراته ليس دافعها سوي الحرص علي المصلحة العامة.
وخلال الايام الاولي من شهر ايلول (سبتمبر) 1965، استدعي الرئيس عبد السلام عارف وزير الدفاع اللواء الركن محسن حسين حبيب ليسلّمه قائمة أسماء عشرة ضباط، طالباً نقلهم الي خارج بغداد، وكان علي رأس القائمة العميد الركن محمد مجيد معاون رئيس أركان الجيش والعقداء الركن هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية، ومحمد يوسف طه مدير الحركات العسكرية، وعرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية.
ولم يقتنع وزير الدفاع ـ والحديث للسيد عبد الحميد ـ بعد أن تشاور مع زميله وزير الخارجية اللواء الركن ناجي طالب بتنفيذ الامر، ولما أيقنا غرض عبد السلام عارف من ذلك، قرّرا تقديم استقالتيهما من منصبيهما المهمين، رافضين أن يتحوّلا الي (معول) بيد عبد السلام عارف لتهديم علاقاتهما الحسنة القائمة مع زملائهما الضباط وأقرانهما من الوزراء الذين استقالوا من مناصبهم أوائل تموز (يوليو) 1965، وهكذا انهارت وزارة الفريق طاهر يحيي بخروج وزيرين آخرين منها، عندها عجّل عبد السلام عارف في تكليف عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية بتشكيل الوزارة الجديدة، وفي الشأن نفسه يتحدث السيد ناجي طالب قائلاً:
أعتقد ان تكليف الرئيس عبد السلام تشكيل تلك الوزارة الي عارف عبد الرزاق لم يكن سوي محاولة منه لتقريبه الي جانبه بغية إحداث شرخ في صفوف الكتلة القومية التي بات عارف عبد الرزاق يقودها، وذلك بهدف إضعافها أو إنهاء نشاطها السياسي، بعد أن تم ذلك نظرياً بإلغاء البند الخاص بالمجلس الوطني لقيادة الثورة في الدستور المؤقت، والذي كان بعض أبرز قادة تلك الكتلة أعضاء دائمين ومتحكّمين فيه، ومن ناحية اخري يُحتمل أن عارف عبد الرزاق هو الذي استطاع إغراء الرئيس عبد السلام، بطريقة أو باُخري كي يكلّفه دون غيره بتشكيل الوزارة ليتسني له ولكتلته القومية السيطرة علي السلطة، إذ تبين ذلك جلياً في محاولته الانقلابية التي قادتها (الكتلة) بعد أقل من اسبوعين علي تشكيل وزارته هذه.
أحداث متسارعة سبقت محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية
عندما نستقرئ الاحداث التي سبقت المحاولة الانقلابية، يتبين ـ وفق رؤيتنا ـ وكأنّ الامور التي وقعت لم تكن متسارعة فحسب، بل ربما تبدو وكأنها مرتبة، ويمكن إيجازها وفق المعطيات السياسية التي حصلت وأبرزها:
الإعلان يوم السابع من ايلول (سبتمبر)، بأن عارف عبد الرزاق سوف لن يحضر اجتماعات مؤتمر القمة العربي الثالث المقرر عقده في المغرب في الثالث عشر من الشهر ذاته، علي الرغم من تسمية وزير الدفاع السابق اللواء الركن محسن الحبيب بإلاسم ضمن تشكيلة الوفد العراقي، إذ يفترض في هذه الحالة ان يحضر وزير الدفاع اللاحق وهو عارف عبد الرزاق نفسه بدلاً من السابق.
إلغاء المجلس الوطني لقيادة الثورة المشكل منذ آذار (مارس) 1964 بمثابة أعلي سلطة تشريعية في الدولة العراقية، وإناطة سلطاته التشريعية الي مجلس الوزراء الجديد وفق تعديل محّدد للدستور المؤقت.
صدور مرسوم جمهوري في التاسع من ايلول (سبتمبر) 1965 اجري تعديلا آخر علي الدستور المؤقت نصه:
(يشكّل رئيس الجمهورية، عند غيابه عن العراق، أو عند تعذّر قيامه بواجباته لسبب ما، مجلساً جمهورياً للنيابة عنه، قوامه ثلاثة اعضاء يختارهم من بين اعضاء مجلس الوزراء او مجلس الدفاع الوطني، او منهما معاً) وبعد يومين صدر مرسوم جمهوري آخر قضي بتشكيل مجلس الدفاع الوطني من أصحاب المناصب الآتية:
رئيس الجمهورية رئيساً للمجلس، رئيس الوزراء نائباً لرئيس المجلس، وعضوية وزراء الدفاع والداخلية، والخارجية، والمالية، ورئيس اركان الجيش، وقائد القوة الجوية، وقائد القوة البحرية.
واستناداً الي تلك التعديلات والمراسيم الجمهورية، فقد غدا عارف عبد الرزاق ناهيك عن منصبيه السابقين نائباً لرئيس مجلس الدفاع الوطني المتشكّل حديثاً بحكم كونه رئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع وقائداً للقوة الجوية معاً، إذ لم يتم تعيين خلف له بعد تسنّمه منصبه الجديد، ولم تُسند قيادة القوة الجوية إلاّ (وكالة) لضابط مهندس بحكم القدم العسكري.
واستكمالاً لمعلومات هذا التعديل المهم في الدستور المؤقت، فإن المرسوم نفسه كان قد نصّ علي إضافة أعضاء آخرين غير دائمين، لا يحضرون اجتماعات هذا المجلس إلا عند استدعائهم.. وهم وزراء الاقتصاد، المواصلات، التخطيط، الثقافة والارشاد، يضاف اليهم قادة فرق الجيش، ومعاونو رئيس أركان الجيش، وقائد موقع بغداد، عند الحاجة لحضورهم، وقد تبع ذلك المرسوم، مرسوم ثان في اليوم نفسه، نص علي تشكيل (مجلس جمهوري) للنيابة عن رئيس الجمهورية مدة غيابه عن العراق لحضور اجتماعات مؤتمر القمة العربي الثالث، ويخّول بالتوقيع علي المراسيم الجمهورية جميعاً، عدا ما يتعلق بإقالة الوزارة أو قبول استقالتها أو تأليفها، وذلك من الآتية أسماؤهم:
(1) عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء، وزير الدفاع وكالة.
(2) عبد اللطيف الدارجي وزير الداخلية.
(3) اللواء عبد الرحمن عارف رئيس أركان الجيش وكالة.
تشكيلة الوفد العراقي الي مؤتمر القمة
ضم الوفد العراقي الذي رافق الرئيس عبد السلام عارف الي مؤتمر القمة العربي الثالث في الرباط السادة:
السيد عبد الرحمن البزاز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير النفط وكالة، وشكري صالح زكي وزير الاقتصاد والأمين العام للقيادة السياسية الموحدة، وحسن الدجيلي سفير العراق في المملكة المغربية، والدكتور بديع شريف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، والعميد الركن محمود عريم قائد الفرقة المدرعة الثالثة، والعميد زاهد محمد صالح المرافق الاقدم لرئيس الجمهورية، وعبد الله مجيد سكرتير عام ديوان رئاسة الجمهورية، وعبد الجبار الهداوي نائب رئيس التشريفات، والدكتور محمود علي الداود المدير العام للدائرة العربية في وزارة الخارجية، وعبد الودود الشيخلي المدير العام لدائرة التشريفات في وزارة الخارجية.
رئيس الجمهورية يغادر الي الرباط
كان كاتب هذه السطور في صباح يوم الاحد الثاني عشر من ايلول (سبتمبر) 1965 ضابطاً برتبة (ملازم ثان) يحمل علم العراق ضمن تشكيلة حرس الشرف، وواقفاً أمام ثلّة الحرس المؤلفة من ثلاثة ضباط وثمانية وتسعين من المراتب ضمن إجراءات مراسيم التوديع الرسمية الاعتيادية لرئيس الجمهورية وهو يغادر القطر من مطار بغداد وسط العاصمة العريقة، والتي استمرت حوالي ساعة، منذ وصوله الي أرض المطار ولحين صعوده الطائرة.
أقلعت الطائرة الخاصة من طراز (توبوليف 124) التي قادها الرائد الطيار عدنان أمين خاكي، في رحلة دامت اكثر من ساعتين، قبل أن تهبط في مطار القاهرة الدولي، ويستقبله هناك المشير عبد الحكيم عامر النائب الاول للرئيس عبد الناصر والقائد العام للقوات المسلحة المصرية وسط مراسيم من الدرجة الاولي وفي طريقها الي المغرب هبطت طائرة الرئيس كذلك في مطار العاصمة الجزائرية حيث استقبله الرئيس الجزائري الجديد العقيد هواري بومدين، قبل ان تصل مساءً الي الرباط حيث كان في استقباله الملك الحسن الثاني.
مؤتمر القمة يبدأ اجتماعاته
مرّت أيام الاحد والاثنين والثلاثاء التي صادفت 12 و13 و14 ايلول (سبتمبر) بسلام ودون أي طارئ يذكر، إذ كنا نسمع الاخبار أو نقرأها ونشاهد كذلك وصول الملوك والرؤساء العرب الي الرباط تباعاً، ونتابع اجتماعات القمة في الصحف وشاشات التلفاز، وعمّا كانت تدور في أروقته من لقاءات هامشية ومناقشات حادّة، خصوصا ما طرحه السيد أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من آراء ومقترحات طموحة، وما أبداه آخرون من طروحات وافكار وخطوات واستحضارات لحرب قادمة مع الكيان الصهيوني خلال مدة لا تزيد عن سنتين، مستهدفة تحرير كامل التراب الفلسطيني، اضافة الي تلك التقولات التي دارت علي وجه الخصوص حول مقترحات مستغربة غير مسبوقة قدمّها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة تمحورت حول ضرورة فتح حوار وصولاً الي التصالح مع اسرائيل، والتي هّيجت مشاعر الجماهير العربية والإسلامية علي السواء.
إنذار مفاجئ وحالة تأهب قصوي
كنا، بطبيعة الحال ـ وكما هو الحال في جميع وحدات الحرس الجمهوري او الملكي او الرئاسي لدول العالم كافة، وخصوصاً دول العالم الثالث ـ نتسلّم بين آونة واُخري أوامر تقضي باتخاذ تدابير اليقظة والحذر في الايام التي كانت هناك معلومات تشير الي احتمال حدوث محاولة انقلابية أو تحركات مشبوهة قد يقوم بها هذا أو ذاك، وهذه الفئة أو تلك، ولكننا ـ نحن صغار الضباط ـ لم نكن نطّلع بطبيعة الحال علي الجهة المخبرة أو الفئة المحدّدة أو الاشخاص المناوئين المحتلمين، بل كان الواجب علينا في مثل تلك المواقف، ان نحمل الاسلحة والاعتدة من المشاجب قبل أن ننتشر حسب خطة موضوعة سلفاً كنا قد أجرينا ممارسات عديدة لتنفيذها في مواقع محددة حوالي القصر الجمهوري، أو علي مقربة منه.
والحقيقة أنني لم اُصادف حالة من الإنذار والتأهب طيلة اكثر من ثلاثة عشر شهراً مضت علي تعييني في الحرس الجمهوري سوي مرتين، لم يحدث خلالهما أي أمر خطير، إذ لم نخرج حتي من ثكنة الفوج إلا لمجرد التفرّق الفعلي في المواقع المحددة لكل سرية او فصيل، ولكن المرة الوحيدة التي حصل فيها تطبيق خطة أمن وحماية القصر الجمهوري من خارجه، هي تلك التي لم نكن قد بُلّغنا قبلها بأي إنذار، حيث كان ضباط فوجنا ـ عدا اولئك الذين كانوا قد غادروا المعسكر الي منازلهم منذ ظهر يوم الاربعاء الخامس عشر من ايلول (سبتمبر) ـ جالسين بملابسهم العسكرية في حديقة الثكنة، يتداول بعضهم أحاديث عامة، ويتابع آخرون برنامج التلفاز الاعتيادي، بينما يمارس آخرون ألعاب (الطاولي والدومينو) أو تنس الطاولة، عندما طلب آمر الفوج في حدود الساعة الثامنة مساءً، حضور المساعد وآمري السرايا الجالسين الي مكتبه فوراً.
ساد الصمت بين الجميع، وترك الضباط ألعابهم دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، وتكّدرت الوجوه وبان عليها القلق، فالاستدعاء غير اعتيادي، وقلّما كان آمر الفوج، المعروف بهدوئه، يطلب كبار ضباط الفوج بهذا الاسلوب ليلاً.. اذن هناك ثمة شيء خطير قد حدث، أو أن أمراً كبيراً سيحدث.
لم تمض سوي بضع دقائق حتي عاد آمرو السرايا مسرعين، وصاحوا من بُعد عشرات الامتار علي الضباط جميعاً بالتوجّه ركضاً الي قاعات منام جنودهم، وان يتسلّم الجميع الاسلحة والعتاد حالاً، وان يتوجهوا بها كل الي قاطعه المحدد وفقاً لخطة الطوارئ.
سادت الثكنة، بجميع ممرّاتها وقاعات منامها، حركة هائلة، حيث أكمل المراتب ارتداء ملابسهم وتجهيزاتهم مسرعين، ووقفوا ضمن صفوف طويلة ليخطفوا بسرعة أسلحتهم المخصصة من مسالح المشاجب.
اجتمع كل فصيل علي حدة، وقاد كل منا فصيله بالهرولة الي موقعه المحدد، وانتشر البعض علي رصيفي الشارع العام المار من امام القصر الجمهوري باتجاهي الجسر المعلّق وجسر الجمهورية، وآخرون اتخذوا مواضعهم باتجاه الطريق المؤدي الي قاعة الخلد والمنطقة المشجرة المحيطة بها.. حيث أصبحنا مستعدين لتنفيذ أي أمر يصدر بفتح نيران أسلحتنا كافة تجاه أية أرتال أو مجاميع جنود أو اشخاص يمكن أن يتقدموا نحونا، وبأقصي ما يمكن من الشدة. وعندما وقفتُ أمام آمر سريتي الملازم الاول يوسف خليل أحمد متسائلاً عن السبب الذي دعانا لاتخاذ كل هذه الإجراءات، فإنه لم يستطع ـ كالعادة ـ الاجابة، فلم يكن علي علم مما يجري وراء الكواليس، حاله حال باقي آمري السرايا جميعاً وصغار الضباط.
ومن الجهة المقابلة لمبني القصر الجمهوري، كنا نسمع هدير محركات دبابات عديدة باتت تتحرك من داخل ثكنة مؤقتة، كانت قد استقرت فيها سرية دبابات واحدة مؤلفة من 15 دبابة من طراز تي 54 سوفييتية الصنع، تشكلت خلال الاشهر الاخيرة كنواة لكتيبة دبابات الحرس الجمهوري بقيادة الرائد الركن فيصل عبد الحليم، حيث اتخذ عدد منها مواقع حول سياج القصر، فيما وقفت دبابات اخري نسقاً واحداً قبالة القصر علي الرصيف، وأطفأت محركاتها.. وكان أقرب رعيل دبابات من قاطع سريتنا بقيادة زميلي الملازم سمير أحمد أيوب.
كان المنظر العام مرعباً، وسط ذلك الصمت الهائل ومنع التجوال غير المعلن، اللذين خّيما علي منطقة القصر في حي كرادة مريم وبالأخص عندما قطع الشارع العام تجاه مرور السيارات والأهلين مما أوحي الي قرب وقوع معركة وشيكة دامية بين قوات الحرس الجمهوري، وقطعات اُخري من الجيش العراقي قد تتقدم نحونا وتتوجّه نحو القصر الجمهوري لتحاول قلب نظام الحكم القائم، حيث لا بدّ وأن مذبحة بين الطرفين ستقع، وسيكون وقودها هؤلاء الشباب الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كراسي الحكم والمتصارعين علي الجلوس فوقها.
ساعات انتظار صعب
مضت ساعات الليل ثقيلة علي نفوس الضباط والمراتب المنتشرين في العراء أو قرب السياج، فالجنود جالسون وهم يمسكون أسلحتهم بين أيديهم، بينما يتجول ضباط الصف بينهم يحثونهم علي الانتباه وعدم النوم، فيما الضباط واقفون ينظرون إلي هنا وهناك، وأسماعهم منتبهة الي أي صوت غير عادي، وأنظارهم متجهة الي أية حركة قد يُشكّ في أمرها.
انتصف الليل، ومرّت عليه ساعات اخري، حين رأيتُ آمر لواء الحرس الجمهوي العقيد الركن بشير الطالب وبصحبته آمر فوجنا الرائد الركن عبد الرزاق صالح العبيدي وقد أدّيا تحية عسكرية قوية لضابط وقف بسيارته العسكرية الفخمة قربهما، لم أستطع تشخيصه أول الامر، ولكنه كان العميد سعيد صليبي قائد موقع بغداد وآمر الانضباط العسكري، بجثته الضخمة وطول قوامه ووجهه الجميل، وأحد أكثر المقربين من شخص عبد السلام عارف، وقد وقفت علي مبعدة منه سيارتان عسكريتان تابعتان للانضباط العسكري وعلي متنهما عشرون من جنود الانضباط المدجّجين بأسلحتهم الشخصية الرشاشة.
لم تمض سوي دقائق حتي انضّم إليهم آمر كتيبة الدبابات الرائد الركن فيصل عبد الحليم الذي جاء مسرعاً علي قدميه، وذلك قبل ان تحضر سيارتان عسكريتان مسرعتان تحملان هوائيات لأجهزة لاسلكية، ترجّل من إحداهما المقدم إبراهيم عبد الرحمن الداود آمر فوج الحرس الجمهوري الثاني، ومن الثانية المقدم داود عبد المجيد آمر فوج المشاة الآلي الثاني المرابط في معسكر الوشاش والتابع أصلاً الي اللواء المدرع العاشر المنتشر في بعض شمالي العراق، حيث وقفوا جميعاً علي الرصيف المقابل لقاطع فصيلي قرب سياج القصر الجمهوري المطل علي الشارع العام لمنطقة كرادة مريم حيث كانت بضعة امتار تفصلني عنهم.
ظل العميد سعيد صليبي المتحدث الوحيد، ويبدو أنه هو الذي ترأس ذلك الاجتماع الذي بدا رسمياً جداً رغم بعده عن المكاتب الرسمية، بينما استمع الآخرون وقوفاً لحوالي نصف ساعة، قبل أن يتفرقوا بسياراتهم العسكرية علي عجل، كلٌ باتجاه.
كنا مع جنودنا، ما زلنا في وضع من التهيؤ والمراقبة، حتي بانت خيوط فجر يوم الخميس السادس عشر من ايلول (سبتمبر) 1965 لكن عدداً غير قليل من الجنود كان قد أعياهم السهر، فخلدوا الي الغفوة جلوساً لبعض الوقت، وقبيل طلوع الشمس، صدرت الأوامر الشفهية بضرورة الحيطة والحذر والانتباه الأشد.. ولكننا لم نسمع أي إطلاق نار من قريب أو بعيد، وسطعت الشمس، ومضي الوقت حتي قارب الساعة الثامنة صباحاً، وبدا الوضع هادئاً بعض الشيء، إذ بُلّغنا بجمع نصف موجود مراتب فصائلنا لإعادتهم الي الثكنة، لينالوا قسطاً من الراحة حتي الظهر، ويتهيأوا لواجب الحماية بعد ظهر اليوم نفسه، بدلاً من الذين سيستمرون في الخارج نصف النهار.
للراغبين الأطلاع على الحلقة التاسعة:
http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/9704-2014-03-28-20-22-19.html
679 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع