في ذكرى وفاته الحادية عشرة السد العالي جمولي .. الانسان النموذج في عزة النفس والكرامة
كتب / د.عبدالقادر زينل
اعتزازاً ومحبةً واحتراماً لهذه الشخصية الرياضية الاجتماعية المرموقة والمتميزة بدماثة الأخلاق العالية والمستوى الفني العالي، والذي لُقّبَ بـ (جمّولي)، لمناسبة ذكرى وفاته الحادية عشرة في السادس من تموز عام 2005، أكتب عن سيرته ودماثة خلقه لأنه يستحق الأكثر.
مرّة , التقيت وعن طريق الصدفة بأحد الاصدقاء ممن يتابعون الرياضة بشكل جيد وما يكتب في وسائل الإعلام الرياضية سواء العربية أو المحلية, ولكونه متابع, سألني عن من ستكتب في حلقتك القادمة؟ يقصد حلقات ذكرياتي مع الاوفياء التي تنشر على صفحات المدى الرياضي, أجبته الحلقة القادمة ساكتب عن أسطورة الكرة العراقية والعربية الراحل (جمولي) بأعتباره أفضل قلب دفاع انجبته الملاعب العراقية والعربية, اضافة الى انه مثال يُحتذى به في السلوك الاخلاقي والتصرفات الرزينة ورغم شهرته فإنه كان قمة في التواضع
,انه اللاعب المرحوم جميل عباس، الشهير بجمولي, وقد سألني صاحبي بطريقة استفزازية, وأأمل انها غير مقصودة ولكنها أثارتني بقوله : (ألا يكفي عن ما كتب عنه ! ولماذا لم تكتب عن فلان وفلان ؟!) قلت له مع احترامي لك ولرأيك لوكنت تعرف تلك الشخصية عن كثب وما قدمته للكرة العراقية وما يتسم به من سمو الاخلاق والتواضع لما استكثرت عليه ذكراه! وأكاد أجزم أنه من اللاعبين القلائل في تاريخ كرة القدم العراقية التي لم تشهده الملاعب.. انه شخصية نادرة جمعت صفتين وهما الاخلاق النموذجية الفاضلة وموهبة الفن الكروي المتميز, انه حقا يستحق الذكر الطيب والاشادة بتاريخه بشكل مستمر, ليكون قدوة للاجيال الرياضية الحالية واللاحقة ، فالتوثيق الذي فقدناه ولم نعطيه اهميته مع الأسف هو نبراس الشعوب المثقفة وهو جزء من الحضارة والأصالة والوفاء.
مواجهة السد
في منتصف الستينيات كنت أحد لاعبي فريق مدارس الشرطة الذي كان يمثل منتخب الشرطة وهو الفريق الوحيد الذي يلعب آنذاك بالدوري ومن بعد تلك الفترة اصبح للشرطة ثلاثة فرق تلعب ضمن فرق الدوري منها القوة السيارة والآليات والنجدة، ومن ضمن منهاج الدوري كان لفريقنا مدارس الشرطة مباراة مع الفرقة الثالثة التي كان يقودها الكابتن المرحوم جمولي وفي نفس يوم المباراة التي كان مقرر لها ان تقام في ملعب الكشافة عصراً بدأت أشعر بالقلق بسبب التفكير بالمباراة لاهميتها بالنسبة لي وانا في بداية المشوار الكروي، وراودتني افكار عدة منها في حالة مشاركتي كيف سأواجه هذا اللاعب الكبير لاسيما ان مركزي في الفريق آنذاك مهاجم وهو في مركز شبه وسط وغيرها من حالات القلق ولغرض القضاء على هذا الوقت العصيب، قررت ان اذهب مبكراً الى دار زميلي في الفريق اللاعب العزيز فانوس الأسدي الذي كان يسكن قرب ملعب الكشافة في منطقة الكسرة، لنذهب سويةً الى الملعب من هناك، ولله الحمد سارت المباراة بشكل طبيعي وبنتيجة التعادل بعد أن ضيَّع المرحوم جمولي ركلة جزاء بسبب ارتطام الكرة بالعامود واعتبرت النتيجة مكسبا لفريقنا وذلك لما كانت تضمّه الفرقة الثالثة من لاعبين بارزين على مستوى المنتخب الوطني وفي مقدمتهم - جمولي- وانور مراد وطرزان ولسن ومحمود اسد وخيري عبد الحسين وعلي عطية ونوري ذياب وشامل فليح حيث شاركت في تلك المباراة في شوطها الثاني وكان ذلك اول لقاء ميداني لي مع اللاعب الكبيرالذي كان يطلق عليه (السد العالي) وبالفعل كان سداً منيعاً للحد من خطورة اي مهاجم وباعتقادي انه واحد من اللاعبين القلائل اللذين يجيدون السيطرة الكاملة في خط الدفاع ويمتلك دقة متناهية في توقيت الخروج على الخصم والاستحواذ على أغلب كراته . لقد تحققت رغبتي من خلال تلك المباراة الصعبة التي واجهت فيها المبدع الراحل جمولي ولازلت اعتز بتلك المواجهة والمباراة.
مدرسة التدريب الرياضي العسكري
عام 1972 كلفت ومعي اللاعب المعروف المرحوم جليل شهاب بتدريب منتخب الشباب العسكري وهو اول فريق يتم تشكيله على مستوى القوات المسلحة وقد اخترنا اللاعبين آنذاك من الشرطة والجيش وكان تدريب الفريق في ساحة مدرسة التدريب الرياضي العسكري التابعة الى مديرية العاب الجيش وكان تواجدنا اليومي في المدرسة أتاح لنا الفرصة للالتقاء المستمر بالكابتن المرحوم جمولي, حيث كان احد الضباط من منتسبي تلك المدرسة وغالباً كان يحضر تدريبات الفريق, ومن خلال احاديثنا , سألته أكثر من مرة عن سبب عدم امتهانه التدريب لما يمتلكه من خبرة ودراية وسمعة طيبة في الوسط الرياضي والاجتماعي, مما تساعد تلك الصفات في نجاح مهمته التدريبية ، وكعادته فهو معروف بقلة الكلام وهدوئه, اجاب...لا أجد في نفسي امكانية المدرب وليس كل لاعب نجم ومشهور ينجح في مهمته التدريبية .
وهكذا بكل بساطة وتواضع يقول لا أمتلك المقدرة على التدريب!! مضيفا ان على الجهات المعنية الرياضية سواء وزارة الشباب اواللجنة الاولمبية أو الاتحادات الرياضية ان تضع شروطاً دقيقة ومدروسة لإختيار المدربين , منها وهي الأهم في نظره الشهادات والنهج العلمي لان الرياضة مقبلة على آفاق وتطلعات علمية بحتة.
وفي حديث آخر معه يرحمه الله والذي شاركني فيه زميله في المنتخبين العسكري والوطني اللاعب القدير جليل شهاب الذي شغل مركز المدافع الايسر, قلت له يا أبو عصام لماذا اعتزلت واغلب المتابعين ونحن منهم نرى انك كنت تستطيع الاستمرار باللعب للمحافظة على مستواك الفني وأيّدني بذلك المرحوم جليل شهاب , الا انه اجاب بثقة ومصداقية - نعم- كنت استطيع الاستمرار ولكني تركت من يجيد مركزي بكفاءة واقتدار واعتقد انه كان يقصد اللاعب المكافح ذو السيطرة والامكانية العالية – الكابتن جبار رشك -وفي نفس الوقت والكلام له اتطلع ان تبقى صورتي في ذهن جمهوري جيدة كما كان يراها وانا لاعب. برغم ظروفه المعاشية الصعبة, إلا انه بقى أبي النفس ولم يطلب ؟
شخصيا كنت متأثرجدا بالكابتن جمولي اداءً وخلقاً , وعلى الرغم من عدم التقائنا بشكل مستمر بسبب ظروف العمل , الا اني كنت اعرف أغلب اخباره وظروفه من خلال شقيقيه الاعزاء والاوفياء نوري واسماعيل , فالاخ نوري تجمعني به صداقة قديمة مذ كان لاعبا وحكما ومن ثم عملنا سويا في اتحاد الكرة واسماعيل احد ابناء دورتي في كلية الشرطة وكلانا شاركنا ضمن منتخب العراق المدرسي في الدورة العربية التي جرت في دمشق في الستينيات , وبسبب هذا التقارب كنت اعرف ظروف المرحوم المادية الصعبة اضافة الى أحواله الاجتماعية ورغم ذلك كان يأبى طلب المساعدة ولم اسمع منه في يوم شكوى او تذمر , كما فعل غيره من المشاهير حتى وصل بهم الحال الى الاستجداء رغم امكانياتهم الجيدة مع الاسف الشديد ؟؟
اعود لأهمس في اذن أحد معارفي الذي تطرقت اليه في بداية الحلقة, لأقول له هذا هو المرحوم جمولي اللاعب والكابتن بقيادته المخلصة لمنتخب بلده والانسان النموذج في عزة النفس والكرامة, فحرام عليك أن تستكثر الكلمة الطيبة على الاوفياء لمهنتهم وكانوا ناكري ذات, وتطلب منا الثناء والمديح لناكري الجميل المحسوبين على الرياضة الذين أخذوا الكثير والكثير منها ولم يعطوها والله الا الشيء القليل؟
الرحمة من الله عليك واسكنك فسيح جناته - يا جمولي - لقد كنت جميلاً في لعبك وجميلاً في اخلاقك ولم ننساك ماحيينا برغم مرور 11 عاماً على رحيلك عنا.
إن تمثالك امام ملعب الكشافة والذي تستحقه شرف لنا جميعا كأسرة كروية ولمحبيك.
الگاردينيا:كل الشكر للكابتن الدكتور/ عبدالقادر زينل على هذه المادة الرائعة بحق اللاعب المرحوم / جمولي وهذا يدل على وفائه وعراقيته الأصيلة فبارك الله فيه فهو عودنا على هذه المبادرات الجميلة..
1901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع