مطربات بغداد أصواتهن أنغام موسيقية تطرب النفوس
قدرات فنية شكّلت ظواهر على المستويين المحلي والعربي
الزمان/صباح الخالدي:تميزت مراحل الاربعينات في المجتمع العراقي بثراء فني وثقافي وفولكلوري زمنا طويلا ، ضمن فضاء واسع ومتنوع خاصة في مجال الاغاني العراقية وما يتصّل بها من موسيقى وفنون وحناجر وكلمات واشعار والحان وانغام ومقامات والوان واشكال ولزمات وعرب موسيقية وشخصيات من كل بيئات العراق ..فقد تميز هذا المجال اي فنون الغناء المتنوعة واسعة بكل موروثاته الفولكلورية ومدارسه الثقافية وتلوناته الحضارية واشكاله البيئية وتقاليد مقاماته المتنوعة لان فن الغناء الذي عرفه العراقيون منذ الاف السنين ، بل وعرف العراقيون الموسيقى والالات الموسيقية منذ الاف السنين ..
وددت في هذا المقال الاشارة الى مطربات العراق منذ تلك الحقب وكيف بزغ نجم العديد منهم على المستوى ليس المحلي فحسب بل العربي فيما يرى المؤرخون ان بدايات بزوغ اصوات فنية نسائية عراقية يرجع الى عام 1913 عندما قررت دائرة بلدية بغداد ان تشيد مسرحا للغناء للترفيه عن سكان بغداد شاركت فيه عدد من المغنيات منهن بديعة لاطي و اختها خانم لاطي وفي بداية احتلال بغداد شيد ملهى ( ماجستيك – ثم سمي (الهلال) في ساحة الميدان ثم انشيء بعد ذلك ملهى في الشورجة غنت فيه – روزة نومة – و الراقصة – هيلة – كما شيد القهواتي – سبع – مسرحا وسط حديقة الميدان عملت فيه الراقصة رحلو جرادة – كما شيد حسن صفو مسرحا في مقهى – الشط – حيث غنت فيه – طيرة المصرية – وفي سنة 1916 شيد ملهى – الشط – وقد غنت فيه المطربة – روزة نومة – وقد اتسع الملهى عام 1917 فعملت فيه اختها – ليلو نومة – وبعد ذلك شيد مقهى – طويق – الذي عملت فيه الراقصة – آلن – و الراقصة – ماريكا دمتري – والدة المطربة عفيفة اسكندر .
وقد برزت في تلك الحقبة مطربات منهن جليلة ام سامي ومنيرة الهوزوز ولقبت بذلك كونها أول مطربة غنت الأغنية الشعبية (الهوزوز) وقد عرفت برقة وعذوبة صوتها وكانت إحدى شركات التسجيل الأجنبية سجلت الأغاني الشعبية والمقامات العراقيه وكانت منيرة واحدة من مطربات الملاهي البغدادية ، إلى جانب مجموعة من المطربات أمثال جليلة أم سامي وبدرية أنور سليمة مراد وخزنة إبراهيم وغيرهن. ومن مطربات ذلك الزمن بدرية انور ذات الجمال الاخاذ و الصوت الذي لا يقل جمالا والتي كانت تردد الاغاني القديمة و غنت على مسارح بغداد و في ملاهي بغداد ، و عند نجاحها بعدما اصبحت حديث الناس بفنها دعتها شركة الجرامافون لتسجيل بعض اغانيها .. كما ان المطربة سلطانة يوسف اشتهرت عام 1927 ببغداد بملهى نزهة البدور ،ثم سافرت الى الموصل لتغني هنالك ثم عادت لبغداد لتسجيل اسطوانات منها 22 اغنية من بينها ( يلمنحدر خذني وياك و اشلون اصبر الروح و يكفي الهجر يهواي )وغيرها , والمطربة صديقة الملاية فكانت نجمة ليالي الطرب منذ العشرينات من القرن الماضي حتى حلول الستينات منه سجلت عام 1923 مجموعة من الأسطوانات ومن أغانيها التي اشتهرت بها هذه المطربة والتي لا تزال تتردد على ألسن العراقيين أغنية (الأفندي ) و( الجار خويه الجار ) و( يا صياد السمك ) و(فراقهم بكاني ) و( على جسر المسيب ) و (ياكهوتك عزاوي ) اما المطربة سليمة مراد (الباشا) والتي تعد إحدى قمم الغناء العراقي منذ أواسط العقد الثاني من القرن المنصرم ، مطربة تعد إحدى قمم الغناء العراقي منذ أواسط العقد الثاني من القرن
امرأة تنال لقب الباشا
المنصرم، حيث احتلت مكانة مرموقة في عالم الغناء وهي أول امرأة تاخذ لقب باشا وكغيرها من المطربات نشأت في بيئة بغدادية وتعرفت على الجوق الموسيقى وعلى الجالغي البغدادي، وعلى مشاهير المطربين والعازفين آنذاك ..صوت ذو قيمة فنية كبيرة ومن أشهر الأصوات العراقية بل والعربية مغنية قديرة و تـُعدُّ من ألمع النجوم المشعة ما يتيح لها انطلاقها في الغناء من الأنس ومراح النفوس ، واخذت من الفن حظا وافرا وصيتا بعيدا فكانت فيه البلبلة الصداحة المؤنسة ، حيث فتنت المسؤولين والشعراء والكتاب الذين ألفوا عنها ونقلوا ما كانت تقول من كلمات مغناة ، وانها صدحت بأرق الكلمات وأعذبها أيام كانت بغداد تحتضن الفن والطرب وقد تعرفت بالشاعر عبد الكريم العلاف الذي كتب لها أجمل الاغاني منها (خدري الجاي خدري وكلبك صخر جلمود وعلى شواطىء دجلة مر) وغيرها كما كان يلحن لها صالح الكويتي وفي عام 1935 التقت بالفنانة ام كلثوم في مسرح الهلال عندما قدمت إلى بغداد أول مرة وتاثرت باغنية (كلبك صخر جلمود) وحفظتها منها وسجلتها على اسطوانة نادرة وقد استمع لها الاديب زكي مبارك في احدى الحفلات واطلق عليها لقب (ورقاء العراق),اما المطربة زكية جورج تعد أول مغنية عراقية في الثلاثينات ، ولدت في مدينة حلب ، جاءت الى بغداد عام وقد عملت زكية في ملهى صالح بطاط سنة 1926 ولكنها سرعان ما جذبت الأنظار إلى صوتها الدافئ ساعدها في ذلك اتجاه الشعراء والملحنون اليه والاهتمام بموهبتها .
اما المطربة عفيفة اسكندر التي بدأت مشوارها الفني عام 1935 في الغناء في ملاهي ونوادي بغداد وغنت في ارقى ملاهي العاصمة بغداد حينها وتحولت إلى نجمة من نجوم الفن بسرعة كبيرة، والتف حولها شخصيات مهمة وذات مكانة اجتماعية، وغنت لهم المونولوج باللغة التركية والفرنسية والألمانية والإنكليزية سافرت إلى القاهرة خلال العام 1938وغنت هناك وعملت لمدة طويلة مع فرقة بديعة مصابني في مصر أشهر راقصة وممثلة مصرية في الأربعينات، وعملت اسكندر أيضا مع فرقة تحية كاريوكا وابرز مشاركاتها العربية هي التمثيل في فيلم يوم سعيد مع الموسيقار محمد عبد الوهاب والفنانة فاتن حمامة ومثلت في أفلام أخرى في لبنان وسوريا ومصر منها القاهرة ـ بغداد إخراج احمد بدرخان ومثل فيه حقي الشبلي وإبراهيم جلال وفخري الزبيدي ومديحة يسري وبشارة واكيم وكذلك فيلم (ليلى في العراق) مع الفنانين جعفر السعدي و محمد سلمان والفنانة نورهان وعبدالله العزاوي ثم عادت إلى العراق واستقرت في بغداد وكانت لعفيفة تقاليد خاصة في الفن والحياة، حيث كانت تملك صالونا في منزلها الواقع في منطقة المسبح في الكرادة انيقا وفاخرا، وضم مجلسها في ذلك الوقت ابرز رجالات السياسة والادب والفن والثقافة في البلاد ومن أكثر الملحنين الذين تعاملت معهم هم احمد الخليل و خزعل مهدي والملحن ياسين الشيخلي ومن الاغاني التي قدمتها هي( يا عاقد الحاجبين وياسكري يا عسلي واريد الله يبين حوبتي بيهم و قلب.. قلب وغبت عني فما الخبر وجاني الحلو لابس حلو صبحية العيد), وفي نهاية الثلاثينات شهدت ساحة الغناء والطرب في العراق تطورا ملحوظا في هذا المجال وذلك من خلال بروز مطربين ومطربات قدموا عطاء غنائيا زاخرا ومن تلك الاصوات صوت جميل يحمل الحنان والعاطفة (تتخلله بحه محببة للقلوب) هكذا قال عنها الملحن الكبير عباس جميل انها المطربة (زهور حسين) . كانت من الاصوات الغنائية النسائية كظاهرة متميزة
بحة الصوت ميزة زهور حسين لتنوعها في أداء كل الالحان العراقية وخاصة المستمدة من المقام العراقي وعدم توفر الاجهزة الحديثة للصوت وتضخيمها كما هو الآن في أغاني هذا الزمان الذي لايتعدى صوت المطرب نصف (اوكتاف) الا ان أستخدام الاجهزة الحديثة تجعل صوته الفقير (يلعلع) … ولكن الفنانين القدامى كانت قوة صوتهم وتنوعه وقدرته على الاداء هو الطريق الى النجومية, فقدت لمعت اصوات كثيرة تركت الأثر في مسيرة الغناء العراقي.. تفتحت صوت زهور حسين في بواكير طفولتها وصباها، وانتشر صيتها في خمسينيات القرن الماضي، وصار القاصي والداني يعرفها ، ويعي مدى استقرار صوتها الشجي في آذانهم، لذلك تشوقوا لرؤيتها، وكانت تقصد اذاعة بغداد في الصالحية، للغناء تلبية طلبات المستمعين ، مرددين لها كلمات الحب والاحترام والاعجاب غير المحدود، .. أحبوا صوتها الذي يفيض عذوبة . اما الاطوار التي غنتها زهور حسين هي (الدشت و العنيسي و المحبوب و المستطيل ) . ومن مطرب الزمن الفنانة لميعة توفيق المولودة في منطقة الكرخ والتي أكملت دراستها الثانوية في مدارسها ثم دخلت مدرسة الموسيقى عام 1950 ثم معهد الفنون الجميلة في عام 1959 وقد انضمت الى اذاعة بغداد سجلت العديد من الأغاني لشركات بابل وسومر وجقماقجي التجارية ثم سافرت الى دمشق فأطربت عشاقها غنت أطواراً الفنون العراقية من الريف الأبوذية والنايل انغام تتصف بالحنين والعواطف الجياشة عرفت بحلاوة صوتها قدمت من الاذاعة العراقية اغاني جميلة وعندما بدأ بث تلفزيون بغداد عام 1956 قدمت لميعة توفيق العديد من الحفلات على الهواء مباشرة لعدم توفر التسجيل والفديو تيب صوتها وادائها كانا بارزين وقريبين للمستمع ومن أغانيها (شفته وبالعجل حبيته والله..نيشان الخطوبة ..هذا الحلو كاتلني ياعمة..يلماشية بليل إلهلج..يمة إهنا يمة …جينا نشوفكم )
اما المطربة أحلام وهبي من المطربات العراقيات اللواتي تغنن بالاغنية البغدادية في زمن ازدهارها من المطربات البارزات وحيدة خليل مطربة جزيلة عطاء تملأ ذكراة المكتبة الغنائية بأعذب اغانيها فقد كانت شجية الصوت ادت الغناء الريفي الاصيل القريب من اذن المدينة نشأت وهي تستمع الى اطوار الابوذيات والمواويل المليئة بالحزن والشجن , وفي صباها تعرفت على الاصوات المعروفة بالغناء الريفي مثل الفنانون حضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم اتقنت فنون الاداء فضلا عما تميزت به من اناقة وحضور وخصصت لها الاذاعة العراقية مكانا برزا بين المطربين كونها الصوت النسائي الوحيدفي بداية الامر قبل ان تظهر الفنانة لميعة توفيق ..وقد لحن لها اهم الملحنين انذاك عباس جميل ومحمد نوشي واخرون ومن اشهر اغانيها ( انا اوخلي تسامرنه او وحجينة ,ولاهو جرح ويطيب و عليمن يا كلب تعتب عليمن وحرت والله بزماني وسبحانة الجمعنة بغير ميعاد..وهذا منو ادك الباب ..
وعلى بالي و بسكوت اون بسكوت) ومن جيلها ايضا الفنانة مائدة نزهت فنّانة مبدعة يعدها المهتمون بالموسيقى والغناء علامة مميزة في خارطة الإبداع الفني في مسيرة الغناء العراقي وشجن السبعينات تتعامل مع الألحان الصعبة بجمالية وتفردة كتشف قابلياتها العازف منير بشير والملحن خزعل مهدي وهي من اهم المجددات للأغنية البغدادية مع قدرتها الفائقة على اداء المقامات العراقية، التي كانت حكرا على المطربين الرجال انذاك ومن أبرز أغانيها (الروح محتارة) و(أصيحن آه والتوبة) للملحن أحمد الخليل، و(سألت عنك) للملحن فاروق هلال. وبعدها انوار عبد الوهاب وسيتا اوكوبيان .وتقريبا بعد هذا الجيل ظهرت بعض الاصوات النسائية القليلة في مجال الغناء سوى أربعة أصوات هي الأبرز والأكثر شهرة وتحقيقاً لمعاني الفن الغنائي في العراق، متمثلة في أمل خضير وأنوار عبدالوهاب وسيتا هاكوبيان وفريدة التي اتجهت إلى المقام العراقي لتكون أول مطربة عراقية تؤدي هذا اللون الذي كان مقصوراً على الرجل، فأبدعت فيه، ولا تزال تواصل نجاحها. أما أنوار فانقطعت عن الحياة الفنية العراقية بعد هجرتها أواخر سبعينات القرن العشرين.
465 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع