كيف أصبح عبد الإله وصيا على عرش العراق ؟
كان مصرع الملك غازي بن فيصل ليلة 3-4 نيسان 1939 الجانب الأول من مؤامرة دبرتها السفارة البريطانية في بغداد ، لتأتي حكومة نوري السعيد وتكمل الجانب الثاني بتنصيب عبد الأله وصيا على عرش العراق ووليا للعهد .
فعلى أثر إعلان وفاة الملك غازي تولى مجلس الوزراء حقوق الملك الدستورية وفق المادة الثانية والعشرين من الدستور، حتى تعيين وصي على العرش.
ومنذ الساعات الأولى لمقتل الملك عمل نوري السعيد جاهداً ليقنع مجلسا النواب والأعيان، والشعب العراقي بما أدعاه بوصية مزعومة للملك غازي، بتكليف عبد الإله بالوصاية على العرش فيما إذا حصل له أي مكروه له.
ففي الرابع من نيسان 1939عقد اجتماع في البلاط الملكي برئاسة رئيس الوزراء نوري السعيد ورئيس مجلس الأعيان السيد محمد الصدر ورئيس مجلس النواب السيد مولود مخلص ورئيس الديوان الملكي رشيد عالي الگيلاني وعدد من الوزراء ، وأقروا حصر الوصاية بالبيت الهاشمي وعرضت الأراء والمقترحات حول المرشحين وهم كل من الأمير عبد ألله أمير شرق الأردن والأمير زيد بن الحسين عم الملك غازي والأمير عبد الإله خال الملك فيصل الثاني وشقيق الملكة عالية.
وبعد ساعات قليلة من الاجتماع حضرت الملكة عالية وأعلنت أمام مجلس الوزراء بأن الملك غازي أكد في مناسبات عدة بأنه في حالة حدوث أي شيء فأن الأميرعبد الإله هو الذي سيكون وصياً على إبنه فيصل.
و على أثر هذه الشهادة أتخذ مجلس الوزراء قراره بتولي عبد الإله الوصاية على العرش، وولاية العهد، ودعا نوري السعيد مجلسا النواب والأعيان إلى عقد جلسة مشتركة يوم الخميس 6 نيسان 1939، وكان عدد الحاضرين 122 عضواً فقط من مجموع المجلسين، وكلهم من مؤيدي نوري السعيد، حيث قاطع الجلسة عدد كبير من النواب والأعيان، لكي لا يكونوا شهود زور على جريمة الاغتيال، وقد عرض عليهم نوري السعيد قرار مجلس الوزراء، وتمت الموافقة عليه بإجماع الحاضرين، وبذلك تم تنصيب عبد الإله وصياً على العرش.
وقد أيدت الأميرة راجحة شقيقة الملك غازي شهادة الملكة عالية ، وأخبر نوري السعيد مستشار السفارة البريطانية (التي كانت تميل الى عبد الأله أكثر من ميلها للملك غازي) بأن الملكة عالية سوف تعلن عن وثيقة كتبها الملك غازي يعلن فيها عن رغبته في وصاية الأمير عبد الإله، أذا ما حصل له أي حادث لأن أبنه ما زال قاصراً، ولكن هذه الوثيقة لم تظهر فيما بعد ، وقدمت الملكة عالية بياناً عاماً وبناءً على هذا البيان أعلن مجلس الوزراء تنصيب فيصل الثاني ملكاً على العراق وبتسمية الأمير عبد الإله وصياً عليه بالنظر لعدم بلوغ فيصل الثاني سن الرشد القانوني.
وقد كانت للملكة عالية أسبابها في تنصيب شقيقها الأمير عبد الأله وصياً على العرش حيث يذكر الدكتور سندرسن باشا بأن الملكة عالية كانت جريئة جداً عندما أصيب الملك غازي وقد طلبت منه أن يعمل على أفاقته بما يكفي لكي يقول بأنه يرغب بتخويل عبد الأله بالوصاية على الطفل وقد نفذ الدكتور سندرسن ما طلبت منه ولكن دون جدوى ، لم يسترجع الملك وعيه حتى وفاته .
كان للملكة عالية دورا كبيرا في إسناد الوصاية لأخيها ، فقد طلبت من سعيد حقي ناظر الخزينة الملكية الخاصة الذي حضر في أحد مجالس الأسرة المالكة الذي ضم الملك غازي والأمير عبد الإله ونوري السعيد عندما أفصح الملك عن رغبته في تولي عمه الأمير زيد الوصاية على إبنه فيصل فيما لو حدث شيء على حياته ، وبعد وفاة الملك غازي طلبت الملكة عالية من سعيد حقي عدم ذكر ما سمعه في تلك الجلسة العائلية كما طلبت منه أن يدلي برأيه لصالح الأمير عبد الإله ، ولكن سعيد حقي طلب من الملكة عالية إستبعاده ، وقد حظي موقفه هذا بتقدير الملكة على عكس الأمير عبد الإله الذي ظل يمقته ولا يرتاح اليه.
ويذكر محمد حسين الزبيدي نقلاً عن السيد سامي عبد القادر مرافق الملك غازي عن دور الملكة عالية في تنصيب عبد الإله للوصاية على العرش"عقد في قصر الزهور اجتماع ضم رئيس الوزراء لإقرار فيصل الثاني ملكاً على عرش العراق ومناقشة من يكون وصياً على العرش وقد شاءت الأقدار أن اجلس مع الأمير زيد في أحدى غرف قصر الزهور التي تقع عند مدخل باب القصر ، وأن أتتبع سير الأجتماع ، فقد كان يطمح لتولي منصب الوصاية ، وبينما كنت في غرفة الاجتماع دخلت الملكة عالية يصحبها الأمير عبد الإله وتحدثا باللغة التركية التي كنت أجيدها فسمعت الملكة تعاتب شقيقها قائلة له : لماذا جعلت من طفلي يتيما ؟
فأجابها قائلاً، أتركي هذا الموضوع الآن وعليك أن تشهدي بأن غازي أكد أكثر من مرة بأن عبد الإله يكون وصياً على فيصل من بعدي ، لذلك أفادت الملكة عالية في الاجتماع بما أراد ولم تحلف اليمين ، وهكذا أستطاعت عالية تثبيت من كانت تريده وصياً ".
لم تكن الملكة عالية ترغب في ترشيح عمها الأمير زيد الذي يعد الشخص الأنسب لكونه احد أنجال الملك حسين ، وقد أشترك في الثورة العربية الى جانب أخيه الملك فيصل الأول كما ناب عنه في مناسبات عديدة في سوريا والعراق ، ويبدو أن الملكة لديها سبب خاص في تفضيل أخيها حرصاً على بقاء العرش لها ، كما أن شقيقها كان أعرف بأمور العائلة المالكة، فضلاً عن العلاقة السيئة بين الملكة عالية والأميرة راجحة المعروفتين بحفاظهما على العادات والتقاليد مع زوجة عمهن الأمير زيد التي كان سلوكها لا يتناسب مع طبائع العائلة المالكة ، فقد كان معروفاً عنها موالاتها للألمان فضلاً عن تأثيرها الشديد في شخصية الأمير زيد وهذا ما يجعل الملكة عالية بعيدة عن المركز الرئيس لأتخاذ القرار. ولعل مشاعر الكراهية تجاهها هي التي أبعدت الأمير زيد عن الوصاية على الملك فيصل.
كانت الملكة عالية متحمسة وإيجابية في تأكيدها الوصاية ، فقد كانت شهادتها ومدى صحتها موضع شك من عمومتها الأمير زيد والأمير عبد الله.
تطابقت رغبة الملكة عالية في تنصيب شقيقها مع رغبة البريطانيين ونوري السعيد الذي ساندها في ذلك فقد كانت الملكة سنداً قوياً لنوري السعيد عند الملك غازي ، وذلك لأن بامكانها السيطرة على عبد الإله لخموله وقلة ثقافته وعدم معرفته بالأمور السياسية ، وطلب نوري السعيد من الملكة عالية رفع كتاب إلى مجلس الوزراء للنظر في إقامة وصي على العرش، تشهد فيه بالوصاية لشقيقها .
جرت محاولات عدة مع الأطباء لإقرار الوصاية للأمير عبد الإله ويذكر عبد الرزاق الحسني نقلاً عن الدكتور صائب شوكت الذي فحص الملك غازي وتأكد من وفاته بأن رئيس التشريفات الملكية تحسين قدري طلب منه بأن يدلي بشهادته لصالح الأمير عبد الإله أذ كان يائساً من نجاة الملك ، لكنه رفض الاستجابة لهذا الطلب الأمر الذي أغضب الأمير عبد الإله وقال بأن أخته سوف تشهد بذلك ، وكرر المحاولة ذاتها وزير المالية رستم حيدر مع الدكتور سندرسن باشا لحمله على القول بأن الملك قد عبر عن رغبته قبل وفاته بأن يكون الأمير عبد الإله وصياً على إبنه من بعده ، لكن الدكتور سندرسن رفض ذلك لأن الملك غازي لم يستعيد وعيه لحظة واحدة بعد الحادثة وإذا ما أقر مثل هذا الادعاء الكاذب فلابد أن يكون هناك الكثير من المستعدين لتكذيبه.
ومن الجدير بالذكر أن الوصاية أحدثت انشقاقاً في الأوساط السياسة العراقية فجميل المدفعي مثلاً كان ميالاً لتولي الأمير زيد،لكنه في النهاية أستسلم إلى رأي الأغلبية.
أما طه الهاشمي فقد ساند وصاية الأمير عبدا لإله وقد برر ذلك بقوله أنه خال الملك وأخو الملكة وانه يميل إلى الصدق والعفة والوقار وعدم شيوع ما يسيء الى سمعته، أما الأمير زيد فأنه متزوج من تركية. ويتبين لنا من هذه الآراء والأحداث التي أثيرت حول وصاية العرش بأن للملكة عالية الدور الكبير في إسناد الوصاية إلى شقيقها بإعلانها أمام مجلس الوزراء بأنها رغبة الملك وبأنه أعلنها قبل وفاته. وبما أن هناك انقساماً في الأوساط السياسية إذ ان هناك من أيد وهناك من مال إلى الأمير زيد فان هذا الانقسام في الرأي أثار الشك في صحة الوصية فقد وصفها طالب مشتاق في مذكراته " أنها وأيم الحق ملفقة لحمتها الكذب وسداها التزوير والافتراء"
ان الذي جعل الملكة عالية موضع شك هو ان طبيعة العلاقة بين الملك غازي وإبن عمه عبد الأله لم تكن ودية ، فقد أمر سامي عبد القادرعدة مرات بمنعه من دخول القصر.
وعلى العموم يمكن القول بأن الملكة عالية على الرغم مما قيل عن صدقها وعلو أخلاقها وسماحتها وتواضعها ألا أن تفاصيل موضوع الوصية المذكورة ومداخلات الساسة وآراء المرافقين لزوجها الراحل والمقربين الى البلاط الملكي يشير بشكل واضح لاغموض ولا لبس فيه أن الملكة عالية لم تكن صادقة في هذا الامر الذي رتب في عجالة وبخطة بارعة اسهم في وضعها بعض السياسيين الذين أرتبط مصيرهم ومستقبلهم بالعائلة المالكة وفي مقدمتهم نوري السعيد ورستم حيدر.
كان وضع وصاية الأمير عبد الإله في مدة وصايته على عكس ما كان عليه عمه الملك فيصل الأول الذي حظي بحب وأحترام السياسيين والشعب ، كذلك الملك غازي الذي أحبه الشعب ،أما وصاية عبد الأله فقد تميزت بابتعاده عن الشعب وتجاوبه مع الساسة البريطانيين ولم تكن الملكة عالية راضية عن تصرفات شقيقها وكانت تخشى بأن هذه التصرفات ستعود بالوبال على وحيدها الملك فيصل وقد صدق حدسها.
1395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع