مواهب رؤساء مصر: من تمثيل «عبدالناصر» وغناء «السادات» إلى أدب «نجيب»
المصري اليوم/أماني عبدالغني:جوانب خفية عن حياة الرؤساء لم تظهرها المنصات الإعلامية التي ركزت على المنجزات وتفاصيل الحياة العسكرية والقرارات الرئاسية وعلاقات ومواقف جمعتهم ببلدان ورجالات دول آُخر، لعلها الخلفية العسكرية، وربما المكانة الاجتماعية أو طبيعة المنصب الذي شغلوه هو ما دفع إلى التركيز على جوانب دون آخرى، ولكن رؤساء مصر كغيرهم من البشر قد تنضوي حياتهم الخاصة على تفاصيل تتطلع الشعوب إلى معرفتها، خاصة إذا كانت تلك الجوانب تتعلق بخصيصة في الشخصية أو موهبة ربانية.
ويرصد «المصري لايت» في التقرير التالي مواهب ثلاثة من رؤساء مصر الجمهورية هم الرئيس محمد نجيب، وجمال عبد الناصر وأنور السادات.
1. محمد نجيب أديب بدرجة رئيس جمهورية «سابق»
رغم قصر مدته فترته الرئاسية، لم يخف الرئيس الأسبق لمصر، محمد نجيب الجانب الأدبي بداخله، فأثرى حياة الأدب بمجموعة قليلة وقيمة من الكتب، ظلت عشقه، كما أمضى أيامه الأخيرة، تحت الإقامة الجبرية قارئا، بعد عزله من قيادة الثورة، بعيدا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة.
اسمه بالكامل محمد نجيب يوسف نجيب، أول حاكم مصري يحكم مصر حكماً جمهورياً بعد أن كان ملكياً قبل قيام ثورة 23 يوليو، التى انتهت بخلع الملك فاروق وإسقاط الملكية، وهو الذي أعلن مبادئ الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية .
ولد محمد نجيب يوسف فى 20 فبراير عام 1901 بالخرطوم لأب مصري وأم سودانية، وكان الأخ الأكبر لتسع أبناء وعاش مع والده البكباشي بالجيش المصري يوسف نجيب حتى عام 1917، حين حصل على الثانوية العام، التحق بالكلية الحربية في مصر في أبريل عام 1917 وتخرج فيها في 23 يناير 1918، ثم سافر إلى السودان في 19 فبراير ،1918 والتحق بالكتيبة 17 مشاة، المصرية التي كان يعمل بها والده.
حصل على شهادة الباكلوريا عام 1923، والتحق بكلية الحقوق، ليصبح أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ثم دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931واشترك في القتال ضد القوات الألمانية عام 1943.
وإلى جانب الدرجة العلمية والمكانة العسكرية، فإن الرئيس الأول لجمهورية مصر العربية كان يتمتع بمهارة الكتابة، ففي عمر الأربعين، ألف «نجيب» كتابه الأول، وهو «رسالة إلى السودان»، وكان عبارة عن مجموعة من الرسائل التي بدأ أولاها بعنوان :«ماذا يجري في السودان؟» عام 1943، تبعها برسالتين هما: «يد الاستعمار على حدود السودان» و«اللغة والأدب في جنوب الوادي»، وهدفت رسائله إلى التعريف بالسودان ونشر الحقيقة عنه، سواء كانت مجهولة أو مستورة عن عيون المصريين.
غير أن المحنة التي عرضت بحياته بعد إقصائه من منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية بقصر المرج عام 1954، أبرزت موهبته الكتابية، فلم يعد لديه ما يفعله سوى الاطلاع على الكتب والتفرغ لكتابة كتب آخرى، جعلت منه أديب بدرجة رئيس جمهورية، حيث كان يقضى معظم وقته في غرفته أثناء فترة إقامته الجبرية، والتى كانت مهملة وبها سرير متواضع، تخفي ملامحه كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان في هذه الحجرة الفقيرة يداوم على قراءة الكتب المختلفة في شتى أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، كما ألف «كلمتي للتاريخ» و«مصير مصر»، واختتم كتاباته بمذكراته التي جمعها في «كنت رئيسًا لمصر» عام 1984.
2. جمال عبدالناصر وموهبة التمثيل
ثوري منذ نعومة أظفاره، شارك في أول مظاهرة وهو في المرحلة الثانوية، ولكن الرجل العسكري والوجه الأبرز بمجلس قيادة الثورة 1952، كان قارئًا نهمًا وممثلًا بارعًا.
ولد جمال عبد الناصر حسين في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية، وكان الابن الأكبر لأبيه الذي ولد في عام ١٨٨٨، بقرية بني مر في صعيد مصر لأسرة من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة.
التحق جمال عبد الناصر بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة عام ١٩٢٣، وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة، وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ لجده لوالدته ليقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة «العطارين» بالإسكندرية، ثم التحق في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي بمدرسة حلوان الثانوية، وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي ١٩٣٠، إلى مدرسة «رأس التين» الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك، وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور وكانت تلك هي المظاهرة الأولى التي يشارك فيها جمال عبد الناصر.
جمال عبدالناصر كان منذ شبابه قارئاً نهماً ومن الكتب التي قرأها «طبائع الاستبداد» و«أم القرى» لعبدالرحمن الكواكبي، و«حماة الإسلام» لمصطفى كامل، كما قرأ كتب أحمد أمين، خاصة كتاباته عن حركات التجديد في الإسلام التي تحوي دراسات جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، وقرأ كتاب «وطنيتي» للشيخ على الغاياتي.
وفي الأدب قرأ جمال عبدالناصر رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو و«قصة مدينتين» لتشارلز ديكينز، كما قرأ في الموسوعات الفرنسية عن أشهر الشخصيات التاريخية الفرنسية مثل فولتير وجان جاك روسو ونابليون بونابرت ومارا وروبسبيير.
كان للأدب الإنجليزي تأثير ملحوظ على وجدان «عبد الناصر» الذي لم يكتف بالقراءة، بل كتب مقالاً في مجلة مدرسة النهضة الثانوية بعنوان «فولتير رجل الحرية»، كما انضم لفريق المسرح بالمدرسة، وقام بتمثيل مسرحية «يوليوس قيصر» لشكسبير، مع فريق المدرسة في حفل أقيم يوم 19يناير1935، في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.
ومن المفارقة أن «عبد الناصر» جسد من بين شخصيات المسرحة الشكسبيرية، دور يوليوس قيصر نفسه، الذي لقى مصرعه بعد خيانه مجلس الشيوخ له، وهو ما قد يفسره النقاد الأدبيين في ضوء ما يعرف بالإنجليزية باسم (Foreshadowing) أو الإنذار، لو صحت الأقاويل التي تشير إلى أن جمال عبد الناصر مات مسمومًا، ولم يمت إثر أزمة قلبية.
كما قرأ كتاب «عودة الروح» لتوفيق الحكيم فقد ترك أعمق الأثر في شخصية جمال عبدالناصر وإحساسه بأهمية دور الزعيم، وكانت النسخة التي قرأها موجودة في مكتبة الرئيس في منزله بمنشية البكري ومخططاً بقلمه تحت بعض العبارات التي لفتت نظره، ومن بينها المحادثة التي جرت بين عالم الآثار الفرنسي ومهندس الري الإنجليزي حول الشعب المصري الذي يفتقر إلى قائد مصري مخلص يقوده من الظلمات إلى النور، ثم تأتي بعد ذلك كلماته الشهيرة في كتابه «فلسفة الثورة»، عن الدور الذي يبحث عن بطل يقوم به وبعد أن تكون هوية هذاالبطل قد تحددت بالفعل، فهو ينهي كتابه بهذه الكلمات: «… ثم أعود إلى الدور التائه الذي يبحث عن بطل يقوم به.. ذلك هو الدور، وتلك هي ملامحه، وهذا هو مسرحه.. ونحن وحدنا بحكم المكان نستطيع القيام به».
1. السادات متعدد المواهب كتابة وغناء وتمثيل
قائد الحرب والسلام وثالث رئيس لمصر كان فنانًا موهوبًا ، بل كان يتمنى أن يصبح الفن مهنته، وصرح أنه «أخطأ الطريق إلى أمله، وهو أن يكون ممثلًا أو مطربًا، حسبما روي الكاتب الراحل أنيس منصور.
ولد محمد أنور السادات في قرية ميت أبو الكوم، مركز تلا، محافظة المنوفية في 25 ديسمبر 1918، التحق بكتاب القرية ثم انتقل إلى مدرسة الأقباط الابتدائية بطوخ دلكا، وحصل منها على الشاهادة الابتدائية، وفي عام 1925 انتقل محمد أنور السادات إلى القاهرة بعد عودة أبيه من السودان، إثر مقتل السير لي ستاك، قائد الجيش الإنجليزي بالسودان، وهو الحدث الذي كان من تداعياته أن فرضت بريطانيا على مصر عودة الجيش المصري من السودان، حيث كان والده يعمل كاتبًا بالمستشفى العسكري بالسودان.
التحق السادات بالعديد من مدارس القاهرة، ومنها مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم مدرسة السلطان حسين بمصر الجديدة، فمدرسة فؤاد الأول الثانوية، ثم مدرسة رقي المعارف بشبرا، وحصل من الأخيرة على الثانوية العامة.
وفي عام 1936 أبرم مصطفى النحاس باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك معاهدة 1936 مع بريطانيا، والتي سمحت باتساع الجيش المصري، ودخل على إثرها أنور السادات وجمال عبد الناصر ومجموعة كبيرة من رموز ثورة يوليو الكلية الحربية.
تخرج السادات في الكلية الحربية عام 1938 وألحق بسلاح المشاة بالإسكندرية، وفي العام نفسه نقل إلى منقباد وهناك التقى لأول مرة بالرئيس جمال عبد الناصر، وانتقل في أول أكتوبر عام 1939، لسلاح الإشارة، وبسبب اتصالاته بالألمان قبض عليه وصدر في عام 1942 النطق الملكي السامي بالاستغناء عن خدمات اليوزباشي محمد أنور السادات.
اقتيد السادات بعد خلع الرتبة العسكرية عنه إلى سجن الأجانب، ومن سجن الأجانب إلى معتقل ماقوسة، ثم معتقل الزيتون قرب القاهرة، وهرب من المعتقل عام 1944،وأثناء هروبه عمل تباعًا على عربة لوري، كما عمل تباعًا ينقل الأحجار من المراكب النيلية لاستخدامها في الرصف، وظل مختبئًا حتى عام 1945، حيث سقطت الأحكام العرفية، وبذلك انتهى اعتقاله حسب القانون.
عام ١٩٤٦ اتهم السادات في قضيه مقتل أمين عثمان، الذي كان يعد صديقا للانجليز ومساندا قويا لبقائهم في مصر، وبعد قضاء ٣١ شهرا بالسجن حكم عليه بالبراءة , ثم التحق بعد ذلك بالعمل الصحفي، حيث عمل بجريدة المصور، وأخذ في كتابة سلسله مقالات دوريه بعنوان ٣٠ شهرًا في السجن بقلم اليوزباشي أنور السادات، ومنذ تلك اللحظة تفجرت الموهبة الكتابية للسادات، الذي صدر له عدة مؤلفات من بينها «صوت مصر» و«قصة الثورة كاملة» و«صفحات مجهولة» و«أسرار الثورة المصرية»، وغيرهم.
ولكن الكتابة لم تكن الموهبة الوحيدة للسادات، فقد نقل المؤلف إبراهيم عبد العزيز في كتابه «رسائل أنيس منصور» ما جاء على لسان الأديب الراحل أنيس منصور، بخصوص لقاء جمعه بالرئيس الراحل أنور السادات، وخلاله صرح السادات لأنيس أنه فنانًا في أعماقه جرب أن يمثل ويغني ويقرأ القرآن في شبابه، وهو لم ينكر ذلك بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية، وكان ما دار بينه وبين أنيس كالتالي: «أنا رجل فنان، أحب الفن وأقدره وأجد متعة في لقاء أهل الفن والاستماع إليهم.. ولولا هموم السياسة ما رفعت عيني ولا أطبقت أذني عنهم.. فأنا فنان.. أحب الكلام الجميل والصوت الجميل.. وكنت وكنت.. حاقول لك إيه؟»
– كنت تغني يا ريس؟
– أيوه.. أمال أنت بس اللي بتغني يا أنيس.. أنا كنت باغني وكان من الممكن أن أكون مطربا.. هاها.. هاها.
– طبعا لابد أنك غنيت يا ريس لابد.
– طبعا.. أيوه يا أخي غنيت وأقدر أسمعك دلوقت.
وغنى «السادات» حينها أغنية لسيد درويش.
وفي مذكرات جيهان السادات «سيدة من مصر» قالت إن الرئيس السادات قال لها في أحد أعياد ميلادها: «يا جيهان أنا ما عنديش فلوس أجيب لك تورتة.. ولا عندي فلوس لكي نذهب إلى أحد الفنادق.. أنا حاغني لك»، ثم غنى «يا ريتني طير» لفريد الأطرش، وأشارت السيدة جيهان السادات أن الرئيس الراحل قام بالغناء للملكة ناريمان أغنية « نورا.. نورا يا نورا» حين عرف بحبها الشديد لفريد الأطرش، وكان اسم دلع ناريمان هو نورا، والغريب أن ذكرى ميلادها هذه جاءت في اليوم نفسه الذي نوقشت فيه رسالة الدكتوراه المقدمة من السيدة جيهان رؤوف حرم الرئيس السادات عن الشعر الرومانسي.
كان السادات ضمن فريق التمثيل في المدرسة، ويذكر أنيس منصور أنه في إحدى الأيام جاء مذيع أمريكي يدعى «جورداش» ليجري حوارًا مع السادات وفجأة قال له: «ما رأيك يا سيادة الرئيس لو أننا قمنا بتمثيلية معًا، أنا أقوم بدور السادات وأنت بدور مناحم بيجن، وأن يكون هذا التمثيل مرتجلًا؟».
تكلم «السادات» بلسان «بيجن» مهاجمًا السادات والعرب، ثم طلب أن يعود على نفسه ويرد على الكلام الذي قاله على لسان «بيجن»، وضحك «السادات» وهاجم «بيج» بعنف، مؤكدًا لـ «بيجن» أن مثل هذا التفكير العتيق لن يحقق السلام بين إسرائيل والعرب.
المذيع الذي بدى مزهولًا في نهاية التمثيلية من أداء «السادات» قال المذيع لأنيس منصور: «مصيبة كبرى أن يحكمنا هؤلاء الناس الذين هم أقدر على التمثيل من الممثلين أنفسهم».
313 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع