هكذا ندافع عن العراق...
بقلم / الصقر
تمهيد
قبل ان نطوي ملف عام 1980 هناك حادثة تمثلت بخرق الاستخدام الامثل لسلاح السمتيات حدثت في شهر تشرين ثاني( نوفمبر) 1980 في القاطع الجنوبي حيث كلف تشكيل من طائرتي غزال من السرب 30 بالتغلغل الى العمق الايراني وتدمير ما تصادفه من دروع معادية وكان التشكيل بقيادة الرائد الطيار ( ر ع ) والطائرة الثانية بقيادة الرائد الطيار الشهيد (غضبان احمد معيوف ) ..
وخلال بحثهم عن الاهداف تصدت لهم طائرتين معاديتين من نوع ( كوبرا )المتفوقة تسليحا وسرعة على طائرات الغزال،حيث تتسلح طائرة الكوبرا بمدفع رشاش امامي علاوة على الصواريخ الموجهة بينما تتسلح طائرة الغزال بالصواريخ الموجهة فقط ، حاولت طائرتي الغزال التملص من المعركة الغير متكافئة بالتوجه نحو قطعاتنا البعيدة عن منطقة الحادثة ، لاحقتهما طائرتي الكوبرا بالرمي بواسطة المدافع الرشاشة الامامية بغية اسقاطهما وخلال المناورة اصيبت الطائرة الثانية وسقطت في ارض المعركة واستشهد قائدها الشهيد غضبان احمد واصيب الطيار الثاني اصابة بالغة لم يستفيق من الاصابة الا وهو في المستشفى ، وعاد بعد انتهاء الحرب وتبادل الاسرى،استمرت الطائرات المعادية بملاحقة الطائرة الاولى مع الرمي لحين نفاذ العتاد ، حاولت استغلال التفوق بالسرعة واحاطتا بطائرة الغزال بغية اسرها ،
روى الطيار( ر ع ) بانه استخدم الكلاشنكوف بالرمي على الطائرتين حينما تكونان في الجانب ولحين نفاذ العتاد ، وهنا قرر ان يصطدم اية طائرة وينهي هذه المطاردة وحاول الاصطدام وهم يتهربون وخلالها ( خلع حذائه ورماه على الطائرة التي تحاول تغيير اتجاهه ) لحين الوصول الى الحافات الامامية لقطعاتنا ، اجبرت الطائرتين المعاديتين على الانسحاب ، وبعد الهبوط بسلام وفحص الطائرة وجدت مصابة بعشرات الاطلاقات ونجت الطائرة من التحطم بقدرة قادر .
بعد هذا الحادث توقف طيران طائرات الغزال لمدة 20 يوم تقرر بعدها ان يكون طيرانها مصاحبا لطائرات/ مي 25 التي تحمل مدفع رشاش رباعي السبطانة سريع الرمي .
الواجبات الاولى لعام 1981
يوم 2 كانون الثاني( يناير) 1981 كُلفت باول واجب استطلاع مسلح بطائرتين الوت /3 مسلحتين برشاش جانبي الى منطقة قادر كرم ، غادرنا القاعدة بعد شروق الشمس وتوجهنا الى المنطقة المطلوب استطلاعها ولم نستطيع الوصول الى الهدف بسبب سوء الاحوال الجوية وتم الغاء الواجب بعد طيران لمدة 30 دقيقة ..
قاعدة الكوت الجوية ثم الشعيبة
يوم 8 من ذات الشهر كُلفت بواجب طائرتين الوت 3 مسلحتين برشاشة جانبية الى قاعدة الكوت ( ابي عبيدة ) الجوية واستلام التعليمات من حركات القاعدة ، وبعد وصولها لم يكونوا على علم بالواجب الذي سننفذه فانتظرنا الامر لنبلغ بان واجبنا هو الى قاعدة الوحدة (الشعيبة) الجوية ، فغادرنا صباح اليوم التالي الى قاعدة الوحدة ووصلناها ضحى يوم 9 /1وبسبب المعارك التي كانت تدور في القاطع الاوسط حيث المعارك محتدمة في قواطع الخفاجية وسيف سعد وكيلان غرب فقد تم تفريق الطائرات في منطقة الاثل تجنبا لاحتمال استهدافها في غارة جوية معادية تستهدف القاعدة ، ( شهدت معارك كيلان وسيف سعد اول حالات الاعدام الميدانية للضباط الامرين والاعوان ) .
كانت المعركة الكبرى في قاطع الخفاجية حيث دارت معركة كبيرة تفوق فيها الدرع العراقي ممثلا باللواء المدرع العاشر من الفرقة المدرعة التاسعة وتم تدمير الفرقة المدرعة السادسة عشر المعادية واخراجها من المعركة وقام سلاح السمتيات ممثلا بطائرات مي 25 والغزال باسناد قطعاتنا الارضية بشكل مثالي ودمر العديد من دروع العدو وتعتبر هذه المعركة اول معركة تم فيها تعاون سلاح السمتيات وبشكل جيد مع القطعات المدرعة والمشاة وتحققت بها نتائج رائعة ابدى بها طيارو السمتيات مهارة وشجاعة في استخدام سلاحهم بعد ان اكتسبوا خبرة مقبولة واضعين الاسس الاولية لتعبئة السمتيات ، وكان لتواجد القائد العام للقوات المسلحة في ساحة المعركة دور مهم في عدم زج السمتيات في واجبات خارج امكانياتها مما قلل الخسائر وزاد من النتائج الجيدة ، ونتيجة لهذا الجهد قلد القائد العام اربعة من ابطال السمتيات سربي 61 و66 ( طائرات مي25 ) رتباً اعلى وضعها على اكتافهم في ساحة المعركة واحدهم هو المرحوم اللواء الطيار الركن ( سعدي عبد الرزاق السامرائي ) الذي شوهدت طائرته تصاب وتسقط في ارض المعركة وانقاذ طياريها من قبل القطعات الارضية في اول بث تلفزيوني من ( صور من المعركة ) تُظهر اصابة احدى طائراتنا السمتية ، و ثلاثة آخرين اثبتوا جدارتهم من هذا التكريم من خلال مواقعهم التي كلفوا بها لاحقا، ارفق مع المقال خارطة بصورتين لملحمة الخفاجية كما اصدرتها مديرية المساحة تؤشر للقطعات العراقية في المنطقة.
استمربقائي في قاعدة الوحدة الجوية دون ان اكلف باي واجب لغاية 22 منه ثم استلمت الامر بالعودةالى كركوك
واجبات متفرقة وتدريب الطيارين الاحداث
استمرينا بالواجبات في قاطع الفيلق الاول وكانت لدينا مفارز في الفيلق الثاني بطائرات الوت 3 مسلحة صواريخ AS12 وطائرة واحدة للانقاذ البحري في قاعدة الوحدة الجوية في البصرة وهي مجهزة بطوافات بدلا من عجلات النزول تمكنها من الهبوط بها على المسطحات المائية ( لم يسبق لنا التدريب عليها سابقا ولم نمارس الطيران فوق البحر ) وهذه من الدروس التي ظهرت لنا في بداية الحرب وتم تلافيها مع مرور الوقت وتدريب الطيارين الاحداث على كل الاسلحة التي تسلح بها هذه الطائرات بها .
استغلينا فترة قلة الواجبات في قاطعنا ( الفيلق الاول ) لتدريب الطيارين الاحداث وتطوير مستوياتهم .ونظرا لتعرض كركوك لغارات معادية مستمرة فقد اخترنا مطار الرياض الثانوي(في منطقة الحويجة ) لاجراء التدريب هناك حيث ننتقل اليه صباحا ونعود عصرا بعد تنفيذ المنهج المقرر ، شاركني بها النقيب الطيار ( ع ر ) الذي التحق بالسرب مع بداية الحرب بعد ان انهى دورة معلمي الطيران قبل بداية الحرب باسبوعين .
واجب في منطقة ( رايات ) قرب حاج عمران
يوم 13نيسان( ابريل)1981 استدعيت من قبل آمر جناح طيران K1 لتكليفي بواجب معالجة المتسللين في حوض شمال ( رايات ) بطائرتي الويت3 مسلحة برشاشات 20 ملم و6 طائرات مي 8 مسلحة بصواريخ حرة ، ويمكن وصف منطقة الواجب وكما يلي :
عبارة عن حوض يقع الى الشمال من قصبة رايات يبعد عن قصبة حاج عمران الحدودية بمسافة6كم وعن الحدود الايرانية 9 كم يتحدد الحوض من الشمال جبل برزين الحدودي ومن الغرب جبل كردكو ومن الشرق جبل بزركان ومن الجنوب قصبة رايات وتقع على الطريق العام الى حاج عمران تقابله جبلي كردمند وسرسول ويتم الدخول اليه من شرق قصبة ( رايات ) ، والحوض عبارة عن وادي فسيح كثير الاشجار تؤمن الغش والاختباء الطبيعي من الرصد الجوي ، كذلك توجد مناطق لينابيع الماء يمكن ان تكون مأوى للمتسللين .
ومن خلال عملي في المنطقة اعرف مناطق الينابيع والاماكن التي يمكن ان تكون مقرات لمن يريد ان يتخذ المنطقة قاعدة له ، تم تحديدها وتوزيع التشكيلات لاجل قصفها وبدون رؤية الاهداف وعدم البقاء في المنطقة لمدة طويلة للبحث والتفتيش كي لا نكون هدف للاسلحة المعادية وتحقيق مبدأ المباغتة بالاعتماد على معرفتنا للحوض سابقا لاختيار المناطق المحتمل تواجد المتسللين فيه وقصف هذه المناطق المنتخبة بالاسلحة المتوفرة لدينا .
تم تنسيب الطيارين من الذين هم على معرفة وذوي الخبرة في هذه المنطقة وايجازهم على خريطة المنطقة المفصلة مقياس ( 1/100000 ) التي توضح تفاصيل واضحة للمنطقة ثم تحديد ثلاثة مناطق لقصفها من قبل التشكيلات ( كل تشكيل من طائرتين ) ، تم تحديد مناطق القصف وحسب تسلسل الدخول الى الحوض واشرت النقاط الدالة لكل هدف لاجل تمييزه حسب معرفتي المسبقة للمنطقة واكون انا في المقدمة لقيادة التشكيلات ولم احدد لتشكيل طائرات الالويت منطقة محددة لاكون حرا في اختيار الهدف وحسب ردود فعل العدو لكون تسليح طائرتي رشاشة واتمكن من معالجة الاهداف في مختلف الاماكن واكون اول من يدخل منطقة الهدف وآخر من يغادرها والتنفيذ بصمت لاسلكي تام لايخرق الا عند الضرورة القصوى لقرب الهدف من ايران وعدم وجود مظلة جوية تؤمن الحماية الجوية من متصديات العدو.
تم تأشير الخرائط مع تثبيت الهدف لكل تشكيل ببيان تفاصيله الدقيقة وتثبيت النقاط الدالة له مبنية على معرفتي المسبقة لتفاصيل الحوض ( اكدت على الطيارين استيعاب كل طيار لهدفه ولن اسمح باي استفسار بعد الدخول الى المنطقة الا عند الضرورة القصوى ) ، وبعد ان يكمل كل تشكيل لواجبه يغادر المنطقة ويتوجه الى معسكر ديانة للتزود بالوقود وانتظار التشكيلات الاخرى للعودة الى الى كركوك مجتمعا على ان يكون التشكيل الثالث بانتظاري لحين ترك منطقة الهدف . بعد التأكد من الاستحضارات كاملة تم الاقلاع باربع تشكيلات اكون في التشكيل الاول واقدم طيار من طائرات مي8 في التشكيل الاخير للسيطرة على الرحلة وتم التوجه الى الهدف عن طريق اطراف اربيل – شقلاوة- سبيلك- خليفان- كلي علي بيك- ديانة-جومان – ويكون جبل سكران وكردمند وسرسول الى يمين الرحلة ثم الدخول الى الحوض بعد اجتياز قصبة رايات ، ( تم تحويل الذبذبة من قاطع الدفاع الجوي الى ذبذبة المجسات الارضية حسب الايجاز المسبق باشارة معينة بالضغط مرتين على جهاز الارسال دون كلام ثم الفحص بعد التحويل بنفس الاشارة) ، فور الدخول الى الحوض اتصل قائد التشكيل الثاني يطلب دلالة الهدف ( طياري طائرات مي8 لهم عادة بالكلام الكثير بواسطة اللاسلكي ولم يتحمل هذا الطيار الصمت لمدة اكثر من 50 دقيقة زمن الرحلة فعاد الى طبيعته وخرق الصمت اللاسلكي ) عنفته باختصار (اصمت والهدف مؤشر) توجهت التشكيلات وقصفت اهدافها كل حسب الخطة الموضوعة وبدقة ، واندفعت الى نهاية الحوض الشمالية وراقبت القصف وباشرت بقصف المناطق المحتمل وجود المتسللين فيها وابقيت بعض الاطلاقات للاحتياط وبعد تأكدي من خروج جميع التشكيلات بسلامة من الحوض التحقت بالتشكيل الاخير فوق قصبة جومان ثم بباقي التشكيلات في ديانة للتزود بالوقود و العودة الى كركوك بعد تنفيذ الواجب ، اشتكى الطيار الذي خرق الصمت اللاسلكي من تعنيفي له خلال الواجب فكررت تعنيفه واوضحت له بان هذه حرب نظامية وليست واجبات انزال داخل الحدود كما كان يحصل قبل الحرب. لم يخبرنا احد عن نتيجة هذه الضربة الجوية . وارفق خارطة تبين تفاصيال منطقة الواجب .
البحث عن طيار عراقي في الخليج العربي
في 20نيسان (ابريل)1981 كلفت بواجب تبديل مفرزة في قاعدة الوحدة( الشعيبة) الجوية بمحافظة البصرة حيث تتواجد ثلاثة طائرات اثنتان مسلحة بصواريخ AS12 وواحدة للانقاذ البحري كما نوهت الى ذلك آنفاً ، بعد ظهر يوم 23 نيسان كلفت بواجب البحث عن طيار عراقي اسقطت طائرته وقذف بواسطة المظلة في الخليج العربي وحصر المنطقة بين مينائي البكر والعميق والفاو ، كان معي في المفرزة الرائد الطيار ( ع. م ) وهو من اهالي البصرة وسبق له تنفيذ واجبات في الخليج فكان ضمن طاقم الطائرة كطيار ثاني، لم يسبق لي قيادة الطائرة المزودة بالطوافات ( وهذا خطئي الشخصي فقد كانت هناك فرصة لممارسة الطيران التدريبي عليها قبل التكليف بالواجب ، لم اكن اعلم بان الفارق كبير ومؤثر في قيادة الطائرة ، فوجئت بان ارتفاع مقصورة الطيار كانت عالية وتختلف عن الطائرة المزودة بالعجلات مما يؤدي الى ارتفاع مركز الثقل وكذلك الاحساس ببعدي عن الارض، ( ويمكن تشبيه الحالة بالفرق المحسوس بين عجلات الدفع الرباعي والعجلات الاعتيادية ) ابتدأت بتشغيل محرك الطائرة ثم تزويد المحرك بالطاقة لبدأ المروحة الرئيسة بالدوران ، ومع تزايد سرعة الدوران اخذت الطائرة بالتمايل اكثر مما اعتدنا عليها في الطائرات الاعتيادية ( وهذه حالة خطرة اذا لم يتمكن الطيار من التعامل معها بصورة صحيحة يمكن ان يزداد التموج مع تزايد سرعة دوران المروحة لتصل الى حالة الرنين الارضي وتخرج الطائرة عن السيطرة وقد يؤدي ذلك الى انقلابها وتحطمها ) لكون الطوافات اكثر مرونه من العجلات اعانني الطيار الثاني لحين بلوغ السرعة النهائية للمروحة ، توجهنا الى جزيرة بوبيان ثم الى اقصى جنوبها منطقة ( رأس الكايد ) وابتدأنا التفتيش بارتفاع لا يتجاوز ثلاثون متراً عن سطح البحر لتلافي الكشف الراداري المعادي، استمرينا بالتفتيش بعد ان تم تقسيم المنطقة من جنوب المينائين والى ساحل الفاو الى مربعات كي نؤمن مسح المنطقة بشكل شامل ، وبعد التفتيش لمدة تتجاوز الساعة والنصف لم نعثر على اي اثر للطيار او الحطام او بقايا المظلة وبسبب قرب نفاذ الوقود وتغطية المنطقة بالبحث والتفتيش عدنا الى القاعدة ، قدمت تقرير المهمة الى غرفة الحركات .
يوم 7 ايار(مايو)1981 وصلت طائرة الوت 3من السرب وتم تبديل المفرزة واعادة طائرة من الطائرات استحقت تفتيشها دورياً واعادتها الى السرب وقد حلقت بها عائدا الى قاعدة الرشيد حيث تمتعت باجازة دورية واكمل الرحلة الى قاعدة K1 طيار آخرانتهت اجازته الدورية.
بعد انتهاء اجازتي الدورية التحقت الى مقر السرب في كركوك وكان النقيب ( س ف ج ) والذي سبق وان اصيب في يوم السمتيات تماثل للشفاء وقد التحق بالسرب ليكمل المسيرة معنا ، وكسياق عام عندما يترك الطيار الطيران لمدة طويلة يجب ان يتم فحصه من قبل معلم طيران و منحه الصلاحية بالطيران وهذا ما فعلته معه ومن خلال طلعتين منحته صلاحية الطيران .
واجب اعتقال هاشمي رفسنجاني
صباح يوم 13ايار(مايو)1981 استدعاني آمر الجناح عن طريق امر السرب الى مكتبه وهناك اوجزني بواجب سري للغاية وطلب مني عدم الافصاح عنه لاي شخص بضمنهم من سيكلفون بتنفيذ هذا الواجب وحتى عند الشروع بالتنفيذ .
وخلاصة الواجب بان هناك عملية استخباراتية لاعتقال ( رفسنجاني ) احد كبار المسؤلين في القيادة الايرانية ورئيس مجلس النواب الايراني وذلك بتغيير اتجاه طائرته السمتية التي ستقله الى منطقة في شمال العراق .
المجموعة المكلفة بتنفيذ الواجب تتكون من طائرتين الويت3 مسلحتين بالرشاشة وطائرتي مي8 تحمل مجموعة من القوات الخاصة وطائرتي PC7 مقاتلة للسمتيات وطائرتي ميك 21 لتأمين المظلة الجوية.
يكون تواجد الجميع في مطار اربيل ( عينكاوة ) وتم تخصيص ملجأ في المطار نتواجد فيه مزود بجهاز لاسلكي على ذبذبة قاطع الدفاع الجوي نستلم منه الامر بالاقلاع الى المنطقة التي يحددها الطيار الذي يحلق منذ الضياء الاول الى الضياء الاخير والذي واجبه تأمين الاتصال مع الطائرة التي تنقل ( رفسنجاني ) والطيار هو العقيد الطيار قوات خاصة ( محمد عبدالله ) الذي يعطينا الامر بالاقلاع الى المنطقة التي يحددها،
اقلعنا بتشكيلين الويت3 ومي8 الى مطار اربيل لنجتمع مع طياري الPC7 وطياري الميك21 المتصدية ، و بعد التعارف تم الاختلاء في الملجأ مع جهاز اللاسلكي وعدم السماح لمغادرة اي منا وحتى عند الذهاب الى الحمام يكون بشكل فردي ، كان قائد تشكيل ميك21 اعتقد بان اسمه (ملازم اول .م ) كان عائدا منذ مدة قريبة من دورة في الاتحاد السوفييتي على طائرات ميك25 والتحق بسربه لحين استلام طائرات ميك 25 ، وهو على علم بطبيعة الواجب، وكانت وجبتي الفطور والغداء تصلنا الى الملجأ ، وبطبيعة الحال كان الضجر بائن على الطيارين يريدون معرفة الواجب وما علاقة هذا الجهاز اللاسلكي الذي نتحلق حوله ؟؟؟
قائد الطائرة الثانية الويت 3 هو النقيب الطيار الشهيد (علي خضير) يعرف طبيعتي فكان قانعا لا يسأل اما الباقين يتساءلون عن طبيعة الواجب وصعوبة اقناعهم بالبقاء متهيئين ومتواجدين في غرفة صغيرة لا علم لاحد ماهية الواجب ووقت التنفيذ ومكانه؟؟؟
استمر بنا الحال عدة ايام ، بعد غروب الشمس نذهب الى النادي العسكري للعشاء والنوم وفجر اليوم التالي نعود الى المطار ونفتش الطائرات ونوقع على سجلات الطائرات ،بعدها لا يسمح لاي شخص من الاقتراب من الطائرات كي تكون مهيأة للاقلاع الفوري،بدون اجراءات الفحص الروتيني قبل الاقلاع ، استمرينا على هذا المنوال الى يوم 18/ايار عصرا حيث تم تبليغنا بالغاء الواجب والعودة الى اسرابنا التي وصلناها عند غروب ذالك اليوم. ولم نفصح عن الواجب لاي احد ولحين انتهاء الحرب.
تدمير برج معادي وتكريم قدم ممتاز ستة شهور
يوم 30 ايار(مايو) 1981 كلفت بواجب من طائرتين مسلحة بصواريخ AS12 الى منطقة (طويلة ) لتدمير برج اتصالات مشرف على سهل شهرزور في السليمانية وابلغت بان آمر اللواء المتواجد في منطقة ( طويلة ) سيكون على اتصال مباشر معي على الجهاز اللاسلكي ( المجس الجوي ) للتنسيق معه في تنفيذ الواجب ، اصطحبت معي الملازم الاول ( كاظم ...) وهو ضابط اسلحة معلم ( مدرب ) رمي الصواريخ الموجهة التحق بسربنا من وحدة الصواريخ وكانت لديه امكانية بسيطة لقيادة الطائرة في حالة اصابة او عجز الطيار الاول عن قيادتها ،كانت الطائرة الثانية بقيادة النقيب الطيار الشهيد ( محمود راضي ) استشهد في معركة الفاو 1986، وبصمت لاسلكي سلكنا محور كركوك –بازيان- سيد صادق- وهنا تم تحويل الذبذبة اللاسلكية من قاطع الدفاع الجوي الى ذبذبة المجس الجوي للواء المراد اسناده ، تم تأمين الاتصال مع المجس الجوي في منطقة ( طويلة ) وكان آمر اللواء موجود على المجس وبعد الترحيب السريع(لمعرفة آمري الوحدات في المنطقة بطائراتنا وبنا كاشخاص لكثرة العمل سوية في هذا القاطع )وجهنا الى برج للاتصالات كبير قرب بلدة ( نوسود ) الايرانية يقع على قمة جبل يشرف على سهل شهرزور ودربند خان والمنطقة بكاملها والمطلوب معالجته واسقاطه ، كان البرج واضح امامنا ولكن الصعوبة والخطورة في معالجته تتمثل في انه يجب التسلق الى مستوى القمة او أعلى منها لاجل امكانية اصابته والمنطقة داخل الحدود الايرانية وامكانية وجود مظلة جوية معادية تتمكن من اصابتنا بكل يسر لكوننا نمثل هدف مثالي من حيث الارتفاع والسرعة وكذلك نكون هدف سهل للصوارخ المعادية المضادة للطائرات في حالة تواجدها..
طلبت من الطائرة الثانية الاستمرار بالطيران الواطيء ومراقبتي كي يكون في منطقة آمنة ويمكنه معالجة الامور التي قد تحدث، تسلقت الى المستوى المطلوب واصبح الهدف امامي ونتقرب من المسافة الصحيحة للرمي ابطأت سرعة الطائرة الى السرعة التي تؤمن اقل اهتزاز لها لتأمين السيطرة الجيدة لمسار الصاروخ عند اطلاقه ، واتجهت نحو الهدف،هنا اخبرني الرامي ( ملازم كاظم ) سيدي المسددة لا تعمل !
غيرت الاتجاه وطلبت منه محاولة معالجة المسددة وبعد المناورة بدأت بعملية التقرب من الهدف بالسرعة والارتفاع والاتجاه المناسب واخبرت الرامي باني جاهز عندما نصل الى المدى الصحيح اطلق الصاروخ ، اخبرني بان المسددة لا زالت عاطلة ! ما العمل اجبته ها لنترك المكان والايعاز الى الطائرة الثانية بمعالجة الهدف ، اجابني وبهدوء كلا سيدي هذا الهدف هو حصتنا ولن اتنازل عنه ! كيف؟ اجابني بان الهدف واضح واستطيع السيطرة على الصاروخ بالنظر المباشر ولدي الخبرة برمي عشرات الصواريخ الموجهة ( هل نسيت سيدي باني معلم رمي الصواريخ ؟ ) توكل على الله تعالى اذن ، بلغنا المدى المناسب واخبرني بانه سيطلق الصاروخ باتجاه غرفة السيطرة اسفل البرج للصاروخ الاول ، تم اطلاق الصاروخ مع معالجة اختلال الوزن وتبدل مركز الثقل والسيطرة على مسار الطائرة والصاروخ نشاهده يتجه نحو الهدف يسيطر الرامي عليه بواسطة عصى صغيرة تقع على يمينه (كما في لعبة الاتاري ) وسلك يحمل الاشارة من العصى الى الصاروخ يستمر طيران الصاروخ لمدة 20 الى 25 ثانية لحين الوصول الى الهدف ( وهو زمن طويل يحتاج الى صبر وضبط للاعصاب خلال طيران الصاروخ وتوجه الطائرة باتجاه الهدف وعدم المناورة بها مهما كانت الظروف و لا نستطيع رؤية الرمي المعادي باتجاهنا الا اذا كانت انفلاق جوي ) استمر طيران الصاروخ لحين وصوله اى غرفة السيطرة لتصاب اصابة مباشرة تم تدميرها بشكل كامل ، وهنا هلل آمر اللواء الذي كان يراقب الاداء وبارك عملنا قطع الرامي سلك السيطرة على الصاروخ واستدرنا مع المناورة بالارتفاع لنبتعد عن الهدف ، تسلقنا مرة اخرى ومن اتجاه اخر وبنفس الطريقة تقربنا من الهدف واطلق الصاروخ الثاني باتجاه قاعدة البرج واصيب اصابة مباشرة وسط تهليل وترحيب آمر اللواء ، قطع السلك وتمت المناورة السريعة والانحدار الى مستوى الطيران الواطيء وسألنا آمر اللواء عن هدف آخر لمعالجته ، شكرنا وتمنى لنا سلامة العودة هبطنا في مطار( شيخ وصال) قرب السليمانية للتزود بالوقود والعودة الى مطارk1 في كركوك والى غرفة الحركات لكتابة تقرير المهمة واثناء كتابة التقرير اطل علينا آمر الجناح ليخبرني بوصول برقية بمنح التشكيل قدما ممتازا لمدة ستة اشهر تقديرا لعملنا الناجح.
كان هذا التكريم الاول الذي اناله في الحرب والتكريم الثاني في السرب حيث تم تكريم تشكيل اخر قبل اقل من شهر بقدم لمدة ستة اشهر ايضا لواجب في ( نوسود ) ايضا حيث تم تدمير قوة للعدو واصابة اكداس عتاد استمر تفجرها ليوم كامل حيث تم التكريم بشكل مباشر مع الطلب باعادة الضربة لليوم التالي وبنفس الطيارين وهما ( النقيب الطيار اب.ق ) و ( النقيب الطيار جب ا) والثاني له واجبات سيأتي ذكرها لاحقا .
يوم 1حزيران تمت الاغارة على مواضع العدو في منطقة ( نوسود ) ايضا وعلى هدف اخر لم يستوجب التحليق العالي . وارفق مع الواجب خارطة لمنطقة التنفيذ .
انزال العلم الايراني من على الميناء العميق وتحقيق مع احد الطيارين
في ربيع عام 1981 قام العدو باحتلال الميناء العميق ورفع العلم الايراني عليه ، قامت قوتنا البحرية بالتعرض على قطعاته في الميناء واجبرته على الانسحاب وترك الميناء ، اشتركت في العملية طائرة الانقاذ البحري المتواجدة في قاعدة الوحدة( الشعيبة) الجوية وكانت بقيادة كل من النقيبين الطيارين ( ا م ل .).و(ج ا ) وهو المذكور في الفقرة السابقة الذين اندفعا امام زوارق البحرية وتم لهم الهبوط على الميناء في المنطقة الصغيرة المخصصة لهبوط الطائرات السمتية ( وهذا عمل غير صحيح ) لاحتمال تواجد العدو في الميناء او تلغيمه ولكن اندفاع الطيارين والحماسة الغير محسوبة جعلتهم يسبقون الزوارق ودون اطفاء محرك الطائرة ترجل احد الطيارين وتسلق سارية العلم وانزل العلم الايراني وتم رفع العلم العراقي على السارية فور وصول القوات البحرية الى الميناء ، وعند عودة الطيارين الى السرب اصطحبوا معهم العلم الايراني كذكرى لهذا العمل.
بعد هذا الواجب بحوالي اسبوعين تم استدعاء النقيب الطيار (ا م ل) المشارك في الواجب السابق الى مديرية الاستخبارات العسكرية ، طلب مني آمر السرب كتابة تقرير امني للطيار المذكور ، نفذت ما طلبه مني آمر السرب ودونت سيرته الجيدة كاملة مع ذكر واجب انزال العلم الايراني من الميناء وسلمت التقييم الى آمر السرب والذي ارسله الى المرجع الذي طلب التقييم ، بعد يومين عاد الطيار المذكور الى السرب وبحكم الصداقة الطويلة التي تربطنا استفسرت منه ومعي آمر السرب عن سبب استدعائه ، اجابنا بان ابن شقيقته القي القبض عليه متهما او متهم بالانتماء الى حزب الدعوة وكان كل من له قرابة مع اي منتمي للحزب المذكور من الضباط يحال الى التقاعد فورا ، وعندما فاتحوه بامر ابن اخته استنكر انتمائه الى الحزب المذكور وقال لهم بان له خدمة جيدة في الجيش وغير مستعد لان يتحمل مسؤلية صبي اختار ان ينتمي الى حزب محظور وبانه مستعد لتنفيذ الحكم الذي يدان به ابن اخته ، ارتاح المحققون لهذا الجواب واخبروه بانهم يعرفون سيرته واخبروه بانه قام قبل ايام بانزال العلم الايراني من سارية الميناء العميق وان له ماض مشرف في خدمته وطلبوا منه العودة الى السرب وممارسة مهامه دون التأثر بما حصل ، اخبرني بانه يعجب كيف يعلمون بواجب انزال العلم ( الاستخبارات تعلم بكل شيء ! ) دون ان يعلم او نخبره بمصدر هذه المعلومة وعاد الى السرب لاورطه لاحقا في قضية اخرى اشتركت بها معه سيأتي الحديث عنها في المقال القادم ان شاء الله تعالى .
استمريت في تنفيذ الواجبات في اسناد الفيلق الاول في عدة مناطق بواجبات روتينية للاستطلاع والقتال مع المتسللين ، وتدريب واعداد الطيارين الاحداث للواجبات اللاحقة
وبعد منتصف شهر حزيران (يونيو) 1981 تم الحاقي الى مطار الاسكندرية لتدريب مجموعة من الطيارين الاحداث العائدين من دورة اساسية في فرنسا على طائرات الغزال وهو ما سأبدأ مقالي التالي ان شاء الله تعالى.
797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع