ذكريات من معارك الشرف

   


         ذكريات من معارك الشرف...

  
 
                        بقلم:الصقر

   
تمهيد

حاولت الكتابة  بالاسلوب العسكري الذي نصحني به اللواء فوزي البرزنجي في تعليقه على مقالي السابق (يوم السمتيات)،ورغم محاولتي التدوين بهذا الاسلوب لكني  فشلت وفكرت بالاستعانة باحد الاخوة ضباط الركن من القوات البرية  كي يظهر المقال بالاسلوب المهني العسكري لكني لم اتقبله كونه بدى لي وكانه لم يكتب بشكل عفوي كما هي طريقتي في ما ادلو به دون الدخول في المصطلحات واساليب الكتابات العسكرية ،اسلوبي في التدوين  نابع من احساسي وذكرياتي بدون تزويق ورتوش،لذلك ارجو المعذرة من اخي  اللواء فوزي البرزنجي وساكمل ما بدأت به وبنفس الاسلوب وحسب تسلسله التاريخي

  

نتائج فعاليات يوم السمتيات
انتهت فعاليات يوم السمتيات وبكل ما رافقها من تداعيات وفخر بما تم انجازه وعادت الطائرات الى اماكن تواجد اسرابها مساء يوم 27/10/1980 ، وبقيت المفارز المخصصة الى الفيالق في اماكن تواجدها  وتم ارسال مستشاري السمتيات من الضباط الاقدمين في مديرية طيران الجيش الى مقرات الفيالق وبشكل دوري ولفترة محدودة (حدث هذا قبل ان يتم اضافة ضابط ركن حركات لطيران الجيش الى نظام معركة الفيلق) رغم قلة فعالياتهم لعدم وجود تعبئة واضحة لاستخدم  السمتيات لدى قواتنا البرية وعدم تعايش الطيارين بشكل جيد مع مقرات الفيالق بسبب التبدلات المستمرة للمستشارين الجويين  دورياً   وقبل تمكنهم معايشة ضباط ركن الفيلق وادامة المعلومات فيما بينهم  .
ولكن رغم ذلك كان هناك تغيير ملموس في اساليب مناقشة الواجبات قبل الموافقة على تنفيذها لكنه لم يصل الى المستوى المطلوب الذي نطمح ان يكون سببه عدم المام الجميع بطبيعة استخدام هذا السلاح الجديد ( السمتيات ) كما اشرت،ولكن كان لنا سندين مهمين كما اسلفت في المقال السابق وهما مستشاري وزير الدفاع الشهيد العميد الركن سمير احمد ايوب الذي تسلم منصب (مدير طيران الجيش ) لفترة قصيرة قبل ان يستشهد في حادثة طيران في مطار التاجي والعميد الطيار قوات خاصة محمد عبدالله  الذي تسلم منصب مدير حركات طيران الجيش وبعض من ضباط ركن الفيالق وقادة الفرق الذين عملنا وتعايشنا معهم أثناء حركات الشمال  1974- 1975  ونمت صداقات شخصية بيننا،ومع ذلك فقد كنا نرجو قادة الفيالق لتكليفنا بالواجبات القتالية عندما تمر ايام دون القيام بمهمات تعرضية على العدو .
استمريت بتنفيذ الواجبات التي كلفت بها في قاطع الفيلق الاول انطلاقا من مقر جناح طيران الجيش الاول في كركوك من مطار K1 ، في مناطق ميدان وسر قلعة وقلعة دزة وغيرها على الحدود مع ايران.

العودة الى معسكر المنصورية وواجب على سربيل زهاب
في 7 تشرين ثاني( نوفمبر) 1980 تم تكليفي بتبديل المفرزة المتواجدة في الفيلق الثاني (معسكر المنصورية ) ووصلتها مساء نفس اليوم مع الطيار الثاني وتم تبديل طاقم طائرة واحدة (المفرزة مكونة من طائرتين ب4طيارين مسلحة بصواريخ AS12 )،ويكون تبديل طاقم طائرة واحدة وتتداخل مع الطاقم الثاني لكون الطاقم السابق قد نفذ عدد من الواجبات وعليه يكون على اطلاع ومعرفة في قواطع العمليات  مما يسهل مهمة التشكيلات عند تنفيذ الواجبات ,وهكذا يتم تبديل المفارز.

        


 صباح يوم 10 منه تم تكليفنا بالتوجه الى مقر الفرقة الثامنة ومقرها في  (مخفر مجيد قادر اغا ) شمال خانقين،اقلعنا طائرتي الويت 3 بصواريخها الى المخفر لتلقي الايجاز بالواجب ، كان الواجب  التعرض على تجمع لدبابات العدو مقابل حجابات احد افواج الفرقة في منطقة (سربيل زهاب )،بعد الايجاز وتاشير الخريطة  وتثبيت الاهداف عليها ودراستها جيداً (وهي عبارة عن منطقة قريبة جدا من اول واجب كلفت به واصابت مقاوماتنا الارضية طائرة قائد التشكيل الشهيد النقيب جميل عبد درويش مما ادى الى تحطم الطائرة واستشهاد طاقمها كما جاء في مقال سابق ) .
وصلنا الى منطقة الواجب وتم رصد الدبابات المعادية وهي مكشوفة خارج الملاجيء وبذلك  تكون هدف سهل جدا لنا ، تقربت الى المدى المناسب وكما اخبرني الطيار الثاني (وهو الذي يطلق الصاروخ ويسيطر عليه  بواسطة المسددة وعصى السيطرة على سلك الصاروخ الرابط بين حمالة الصاروخ والصاروخ  نفسه لحين اصابته الهدف ) فكان جاهزللرمي واخبرني بانه سيطلق الصاروخ ، وفجأة اهتزت الطائرة بشدة  ترافق مع سماع صوت انفجار شديد في الطائرة لحظة انطلاق الصاروخ مما جعلني استدير بالطائرة بشدة لكون ارتفاعي كان قليلا فوق سطح الارض ولا يمكنني المناورة بالارتفاع  ليسقط الصاروخ امام الطائرة بمسافة قريبة دون ان يجتاز مسافة الامان لينفجر لذلك سقط على الارض دون ان ينفجر،وهنا صرخ الطيار الثاني ( الرامي ) وهو النقيب الطيار (ي ن ع )  بعد ان قطع السلك المسيطر على الصاروخ  ماذا فعلت ؟ اجبته لقد اصيبت الطائرة  ولكنه ،  قال هذا صوت انطلاق الصاروخ والاهتزاز هو بسبب التغيير في مركز الثقل بعد انطلاق الصاروخ واختلال الوزن بين جانبي الطائرة  ولم تصاب الطائرة،وبذلك فقدنا الصاروخ ، وهو الصاروخ الاول الذي اطلقه ولم يسبق لي ان اطلقت صاروخ سابقا بالتدريب او خلال معركة،وهذا ما اخبرت به الطيار الثاني (وكان عليه ان ينبهني على ذلك ،وكان علي السؤال حول رد فعل انطلاق الصاروخ قبل تنفيذ الواجب)
هنا تنبه العدو لوجودنا فتحركت دباباته الى الملاجيء قبل تمكن الطائرة الثانية من الدخول الى منطقة الرمي وابتدأت المضادات المعادية تتوجه نحو طائراتنا باطلاق قنابر الانفلاق الجوي وبقية الاسلحة رافقها القصف بالهاونات على المنطقة وبشكل كثيف مما اثر على قطعاتنا الارضية المتواجدة،الطائرة الثانية لم تستطع معالجة الاهداف بسبب كثافة الرمي المعادي كما لم استطيع الدخول بطائرتي  منطقة الرمي لاطلاق الصاروخ الثاني  .
كاجراء احترازي قمنا بالمناورة وتغيير منطقة التقرب للاهداف وحاولنا الدخول لها من زوايا اخرى رغم الحاح عامل اللاسلكي (المجس الجوي) بان نغادر المنطقة لانهم يتعرضون الى قصف شديد بسببنا ولكننا اصرينا على رمي الاهداف رغم شدة القصف ، وبعد عدة محاولات اخبرنا المجس الجوي بان نغادر المنطقة وبامر قائد الفرقة والتوجه الى مخفر مجيد قادر اغا (مقر الفرقة ) ، وكان موقفاً محرجاً  جدا لي فهذا اول صاروخ اطلقه ويفشل بسبب الجهل باستخدامه ادى ذلك الى فشل اصابة اهداف (دبابات ) مكشوفة وسهلة المنال وكاننا في ميدان الرمي.
هبطنا في مهبط مخفر مجيد آغا وتوجهنا الى غرفة الحركات لنجد قائد الفرقة المرحوم العميد الركن عبد الرحيم  طه الاحمد التكريتي ، وهو يعرفني شخصيا من خلال عملي باسناد قطعات فرقته في حركات الشمال، ورحب بنا وقال لي ما بالك على غير طبيعتك وزعلان ، فشرحت له الموقف ، وبَسّط لنا الحادث وقال لاتهتم فغيرها كثير، تعالوا معي الى غرفتي لنجده قد اوعز بعمل انواع المشويات وقدمها لنا وشاركنا في الفطور وهو يهون علينا الامر ، وبعدها ودعنا قائد الفرقة لنعود الى مقر الفيلق ، كان هذا اول واجب اطلق فيه الصواريخ وكان درس جيد تعلمت به طريقة انطلاق الصواريخ وكان من المفروض ان نعلم كيفية عمل هذه المنظومات قبل دخول الحرب.

             

بعد العودة الى مقر السرب القيت علينا عدد من المحاضرات عن اساليب الاستخدام التعبوي للصواريخ للطيارين الذين لم يجتازوا دورات استخدامها  بعد الطلب من مديرية طيران الجيش تنسيب المعلم الاقدم في وحدة الصواريخ الملازم الاول اسلحة (كاظم ...) بالالتحاق بالسرب حيث فتح لنا الدورات اللازمة ونفذ معنا بعض الواجبات القتالية كما سيأتي الحديث عنها لاحقا.
 
تحقيق حول الواجب واستخدام الصواريخ
بعد العودة الى مقر الفيلق كتبت تقرير المهمة شرحت بايجاز تفاصيل الواجب وفي فقرة التوصيات والاقتراحات دونت ملاحظات حول استخدام الصواريخ المسلحة بها طائرة الالويت3 ذكرت بها ان الصواريخ المسلحة بها طائرة الالويت3 هي نوعان الاول (AS11) المضاد للدروع وهو من جيل قديم تم تحويره من صاروخ يطلق من قاعدة ارضية ضد الدروع الى ان يحمل على الطائرة الويت3 بعد تحوير قاعدة الاطلاق وتثبيتها على الطائرة ، (مدى الصاروخ  3  كلم يطلق من مسددة من الجيل القديم  ويكون مساره  منذ الاطلاق ولحين وصوله الهدف غير مستقر ، اما الصاروخ الثاني (AS12) فهو مضاد للمنعات والبنايات وتجمعات الاشخاص ويطلق بنفس الطريقة ولكن من مسافة  4كلم ويكون مساره مستقر وافضل من الصاروخ (AS11)  ووزنه وكتلته التدميرية  اكبر من الصاروخ الاول ونحن نستخدم الصاروخ الثاني ضد الدروع وهذا غير صحيح.
مساء ذلك اليوم استدعيت الى بهو ضباط الفيلق وهناك وجدت عدد من الضباط بامرة العقيد الركن علي حسين العويد(الذي اصبح قائد فرقة وتم اسره في معركة حلبجة) ، وهو يسألني عن المعلومات التي اوردتها في تقرير المهمة  وبشكل يوحي بانه تحقيق وهذا ما فهمته لاحقا بانه فعلا مجلس تحقيقي بحقي كوني اشكك في السلاح كي لا نكلف بواجبات في الجبهة (علما بان العقيد علي حسين يقرب لي بعلاقة مصاهرة )،فاجبته بما احمله من معلومات بشأن منظومة اطلاق هذا النوع من الصواريخ ، وكذلك تم استجواب  بقية طياري السرب المتواجدين في المفرزة حول الموضوع ، وكما علمت لاحقا  بان قائد الفرقة الثامنة العميد الركن عبد الرحيم طه الاحمد قد ادلى بافادة تضمنت  بان الذين نفذوا الواجب هذا اليوم هما فلان وفلان(المقصود انا ومن معي في الواجب الجاري التحقيق بشانه) واكد بانه يعرفنا شخصيا منذ سنوات ولا يوجد شك في اخلاصهما واندفاعهما في الواجبات.(وللعلم انني قد اوفدت الى فرنسا لتجربة هذين الصاروخين لتسليح  القطعات الارضية بهما وكانت نتيجة الفحص فاشلة لصعوبة السيطرة عليهما من القواعد الارضية فما بالكم من ان تطلق من الطائرات) ،بعد الحصول على رأي مديرية طيران الجيش  الذي ايد ما جاء في افادتي ضمن المجلس التحقيقي  ثم  اغلق التحقيق .
عند سؤالي للطيارين الذين اجتازوا دورة الرمي لماذا لم تدونوا هذه الملاحظات في تقارير المهمة سابقا كانت الاجابة بان ما نقوله يعرضنا  للمسائلة وان القطعات الارضية تريد منا ان نقول بان صواريخنا قد دمرت كذا وكذا اهداف لتسجل لصالحهم!

   

اسلوب عمل واطلاق صواريخ طائرة الالويت3
لاجل اطلاع القاريء الكريم على اسلوب معالجة الاهداف بهذه الصواريخ والتي هي من الجيل القديم مع جهاز التسديد والرمي سأوجز عملها وبشكل موجز وكما يلي :
بعد تعيين الهدف المطلوب معالجته نقوم بتقدير المسافة بالعين المجردة وحسب تراكم الخبرة نقوم باختيار الاتجاه الاسلم للدخول الى الهدف وقبل الوصول الى نقطة اطلاق الصاروخ  يجري تقليل سرعة الطائرة الى الحد الذي يكون اهتزاز الطائرة اقل ما يمكن (كلما كانت السرعة الامامية للطائرة عالية يقل الاهتزاز وفي حالة تعلق الطائرة (السرعة صفر ) يكون الاهتزاز شديد ايضاً) لذلك يجري الرمي بسرعة امامية مقبولة كما اشرت،يكون واجب الطيار الاول السيطرة على مسير الطائرة باقل اهتزاز وتثبيت الاتجاه وعدم المناورة ويقوم الطيار الثاني ( الرامي ) برصد الهدف بواسطة المسددة ( وهذا يعني عدم ادراكه لما يحدث خارج الطائرة ) ، يضع علامة المسددة ( + ) على الهدف وعند بلوغ المسافة المطلوبة يطلق الصاروخ باتجاه الهدف ويقوم بالسيطرة عليه بواسطة عصا صغيرة علماً ان الصاروخ يرتبط  بسلك الى قاعدة الاطلاق وبواسطة هذه العصا يجلب الصاروخ الى علامة (+ ) ويسيطر عليهما ويضعهما على الهدف (وكما في لعبة الاتاري) ولحين اصابة الهدف فيقوم بقطع السلك ويترك المسددة ، الخطورة والصعوبه في هذه العملية يشعر بها الطيار الاول حيث يجب عليه الحفاظ على وضع الطائرة رغم المقاومات التي تطلق عليه مع التقرب نحو هذه المقاومات ومدة طيرن الصاروخ تستغرق من 20 الى 30 ثانية وهذا زمن طويل في هذا الظرف وتحتاج الى اعصاب قوية واما الطيار الثاني ( فلا يرى اي شيء سوى الهدف) ، وللقاريء الكريم تقدير صعوبة هذه العملية.
اما  ما يستخدم الان في الطائرات الحديثة ومعداتها  من الجيل الحديث فيجري التسديد على الهدف ضمن المدى الصحيح ويطلق الصاروخ وهويمسك الهدف ويلاحقه  لحين اصابته دون الحاجة لاستمرار التوجيه من الرامي،اما الصواريخ الحرة فاستخدامها اسهل حيث يسدد على الهدف ثم تطلق الصواريخ ضمن المدى الصحيح ودون التوجيه بعد اطلاقها  وبذلك لا تقترب من العدو ولا تكون عرضة لاسلحته لمدة طويلة .
واجب اخر على گيلان غرب
يوم 13 تشرين ثاني(نوفمبر)1980  كلفت بواجب التوجه الى مخفر ( الغافقي ) لتلقي الايجاز بالواجب،وبنفس التشكيل السابق وصلنا المخفر وتم ايجازنا بمعالجة مواضع وتحصينات للعدو في منطقة گيلان غرب ، تم الايجاز  ودراسة الخريطة بشكل جيد والقرار على خط الرحلة الى الهدف وتوكلنا على الله وكان خط الرحلة ضمن منطقة خالية من قطعات العدو وبعد عبور سلسلة  جبلية غير ممسوكة من دفاعات العدو وصلنا مدينة گيلان غرب( سيطر اللواء الخامس من فرقة المشاة الرابعة بقيادة العقيد الركن سلطان هاشم على مدينة گيلان يوم 28 ايلول 1980 وانسحب منها في نفس الليلة تنفيذا للامر الصادر اليه ) , وتم التنفيذ بالتعرض على المعسكر المعادي هناك بالدخول عليه ومباغتته باول صاروخ من طائرتي وبوقت واحد  مع صاروخ من الطائرة الثانية ورمي المعسكر بصاروخ ثالث من الطائرة الثانية وخلال اطلاق الصاروخ الثاني من طائرتي لم ينطلق رغم المحاولة لاكثر من مرة .
اجتيازنا السلسلة الجبلية استفسرت من الطيار الثاني (الرامي ) ما العمل مع الصاروخ الذي لم ينطلق؟ خشية من انفجاره داخل المنصة او انطلاقه عند الهبوط ,فلم يجد الجواب الاكيد لذلك قررت التخلص منه واسقاطه في منطقة خالية  والعودة الى مقر الفيلق مباشرة وتقديم تقرير المهمة الذي تم تأييد نتيجة الضربة من قبل المراصد الارضية.
يوم 19 منه تم تكرار الضربة على الهدف ولكن بشكل مباشر من مقر الفيلق وتم  الوصول الى الهدف بسلوك  خط رحلة مختلف بالدخول من منطقة امام حسن وسلوك المحور الى مدينة گيلان فوق قطعاتنا المتواجدة في الوادي المؤدي الى المدينه , وخلال مرورنا فوق المواضع كان الجنود يلوحون لنا  بايديهم وهم يحملون (كروصات السكائر وبعض الاغذية وكأنهم يدعون لاستضافتنا )  وتم رمي تواجد العدو في المدينه الخالية من السكان ويتخذها العدو معسكر لقياداته الميدانية  باربعة صواريخ (AS12 )وبنتيجة ناجحة  بتأكيد المراصد والعودة مباشرة الى مقر الفيلق في المنصورية ،ولا اعلم لحد الان لماذا كلفنا بهذين الواجبين ( غير الأساسيين ) فهل هو لاختبار مصداقيتنا ام لغاية اخرى بعد انتهاء التحقيق ؟!
 ونتيجة للتحقيق لم يكلف السرب باي واجب ضد الدروع المعادية باستخدام النوعين من الصواريخ المشار اليها آنفاً  وانما تم تنفيذ واجبات ضد الاشخاص والمنعات المعادية فقط.
انتهاء وقت المفرزة والعودة الى الجناح الاول
انتهى وقت مفرزتنا وتم احلال طاقم اخر يحل مكاننا  وتمتعت بالاجازة الثانية خلال الحرب مباشرة من المنصورية والتحقت الى كركوك اوائل شهر كانون اول ( ديسمبر )  1980 ، لاجد  تنسيب آمر سرب جديد لسربنا بعد التحاق امر سربنا السابق في كلية الاركان مع اثنين من طياري السرب ، آمر السرب  الجديد المنسب الرائد الطيار ( ج ع م ) هو زميلي في دورة المعلمين وفي السرب/ 22 التدريبي ( الويت3) في مطار الصينية (K2)  وكان آمره الشهيد الرائد الطيار فاروق عبد المحسن الكرم( استشهد عام 1988 بصاروخ معادي على الطريق السريع في منطقة بغداد الجديدة ) وهو من طياري اسراب طائرات/ مي8  وبذلك يكون غريب عن السرب مما جعله يبقيني في مقر السرب كمساعد له لحين التأقلم مع طبيعة علاقة طياري السرب المتميزة عن بقية الاسراب.

واجب واصابة الطائرة
ظهر يوم 8 كانون اول( ديسمبر) 1980 استدعاني امر الجناح  الى غرفته  و ابلغني بواجب ، حيث يوجد عدد من المتسللين الى حوض قرة داغ ومشتبكين مع قوة في المنطقة والمطلوب اسناد هذه القوة ومنع تأثير المتسللين عليها ويكون التنفيذ بطائرتي الويت3 مسلحة بمدفع رشاش جانبي عيار 20 ملم ،اخرج خارطة المنطقة بدأ يضع الاحداثيات على الخريطة لايجاد المنطقة كي اتوجه اليها ، وبعد ان اسقط الاحداثيات وجدت بانها قرب قرية ( خيوة) فقلت له كنت تخبرني باسم القرية من البداية فانا اعرفها جيدا وسبق وان اصيبت طائرتي فيها اصابة شديدة واصيبت طائرتي البديلة ايضاً مرة اخرى في اليوم ذاته قبل بداية الحرب بشهر في عملية تحريرخبراء اجانب ، توجهت بعد الايجاز بتشكيل من طائرتين الى منطقة الواجب ومن خلال مدينة ( قرة هنجير) وجمجمال والوصول الى مضيق (باسرة) حيث امنت الاتصال مع المجس الجوي لمقر الفوج في المضيق( وهذا يعني قطع الاتصال مع قاطع الدفاع الجوي بسبب استخدام ذبذبة مختلفة على جهاز الاتصال اللاسلكي) وتوجهت الى الهدف  مباشرة وبدأت برمي المنطقة حسب دلالة القطعات المشتبكة على السفح القريب من قمة السلسلة الجبلية  الفاصلة بين حوض قرة داغ وحوض سنكاو المطلة على قرية (خيوة )، والمنطقة وعرة وكثيفة الاشجار مما تحجب الرؤيا  وتؤمن امكانية اختفاء جيد للاهداف وهنا اتصل المجس الجوي يحذرني بوجود طائرات معادية دخلت القاطع مما دعانى الى الانحدار السريع نحو الوادي لحين انتهاء الغارة المعادية وبعد انتهاء الغارة ابلغني المجس بخلو المنطقة من التهديد المعادي عاودت التسلق نحو الهدف الذي تركته وخلال التسلق والتقرب اخبرني قائد الطائرة الثانية باني قد اقتربت جدا من الموقع المعادي وطلب مني الابتعاد  وتغيير الاتجاه لكوننا في منطقة خطرة جدا (لم اكن اسمح لقائد الطائرة الثانية  سابقا بالتدخل) ولكن قائد الطائرة الثانية النقيب الطيار ( ح و ع ) اخبرني بعد انتهاء الواجب بانه تحمل وصبر كثيرا وهو يراني وقد  اصبحت قريبا جدا من العدو وساكون هدفا سهلا لهم وسكت ولكنه قرر الكلام ومهما كان ردي قاسيا استجبت لطلبه ( على غير عادتي ! )  فقد كنت اتقدم واقترب من الهدف مباشرة (مما يعني بان المدفع الجانبي غير موجه نحو الهدف) وكان المتسللين ينتظرون اقترابي اكثر لحين ان اكون هدفا سهلا لهم ، استدرت نحو اليمين مما جعل المدفع بمواجهتهم،فتهيأ لهم باني كشفتهم وسابدا بمعالجتهم فاسرعو باطلاق النار على طائرتي،اصيبت طائرتي بقذيفة (فاز) انفجرت قرب الطائرة مما ادى الى اهتزاز الطائرة وانتشار الدخان في المقصورة  وتكسر زجاج المقصورة وشعرت بانها تحترق والتفت الى الخلف حيث مقعد الرامي لاجده فاقد الوعي , وفور الاصابة ادخلت الطائرة بالدوران الذاتي ( الهبوط السريع بدون قوة رفع ) وهو العمل الصحيح في مثل هذه الحالة  واتجهت نحو الوادي وبدأت خلالها اتفحص المؤشرات فوجدتها طبيعية ثم بدأت اتفحص قوة المحرك بزيادة  قوة الرفع ببطىء مع مراقبة المؤشرات وتأثير كل عمل على الطائرة فوجدتها طبيعية ، كل هذا وقائد الطائرة الثانية يصرخ ويناديني ( سيدي سيدي كيف انت الطائرة تحترق  وتهوي اجبني ) وانا اسمعه ولكني كنت افحص الطائرة وعندما انتهيت اجبته بان الطائرة تحت السيطرة وساهبط بها في مضيق ( باسرة ) مقر القوة ولا يوجد حريق داخل الطائرة وانما دخان نتيجة الاصابة وهنا بدأ المقاتل ( الرامي ) بالاستفاقة من غيبوبته ويتسائل ماذا حدث فطمأنته ، وصلت الى المضيق وهبطت في منطقة النزول بسلام وتفحصت الطائرة لاجدها مصابة اصابات بالغة  في الجسم ومقصورة الطيار وتحطم الزجاج واصابة البدن والريش الرئيسية والذنبية مما يستدعي اصلاحها بشكل اولي لاجل نقلها الى السرب  واكمال تصليحها واعادتها الى الخدمة .
عدت مع الطائرة الثانية الى الجناح وتم تكليف طائرة اخرى لاكمال الواجب بدلالة قائد الطائرة الثانية واقلع التشكيل الثاني بقيادة الشهيد الرائد الطيار وليد عبد المجيد راضي ( استشهد في منطقة بنجوين عام 1983 )  لاكمال الواجب .
توجهت الى مكان هبوط الطائرة المصابة بطائرة مي8 مع مهندس السرب ومفرزة فنية ومواد احتياطية حيث تم تصليح الطائرة وتبديل الاجزاء المتضررة بما يؤمن امكانية نقلها الى مقر الجناح  في ( K1 ) , وعدت بها  الى الجناح في اليوم ذاته مع الغروب كي لا تبقى في المنطقة الخطرة لامكانية التعرض المعادي عليها لاجل تدميرها ، وصلت الى الجناح مساءا لاجد آمر الجناح ينتظرني ويهنئني على السلامة مع التوبيخ لتعدد الاصابة وبواجبات كثيرة قبلها وبكل محبة يكرر قولته ( ما راح اتجوز..ماذا اقول لاهلك لو حصل لك مكروه ؟! )
استمريت بتنفيذ الواجبات المختلفة في قاطع الفيلق الاول الى نهاية الشهر لتختتم سنة 1980 بواجبات استطلاع وقتالية في مناطق جوارتة واغجلر  وعسكر وديانة وغيرها. على الحدود مع ايران...

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع