أيام زمان - الجزء / ٣٠ النساجة
يوتّو UTTU إلهة العنكبوت السومرية، كانت راعية الحاكة والحياكة والكسوة. هي ابنة الإله “إنكي “، لقد عرف عن مدينة أريدو أنها كانت مركز النسيج في وادي الرافدين، وفي مدينة أور متخصصة في صناعة الملابس، ومثل هذه الورشات كانت تابعة إداريا واقتصادياً إلى المعبد، وكان أحد الملوك السومريين يمتلك ورشات خاصة لعمل النسيج والحياكة والصناعة وصناعة الملابس، وكانت بعض قطع الملابس المنتجة تسمى باسمه، ويذكر أيضا أن بعض الخيوط المستعملة من الصوف الملون كانت تخلط مع خيوط الكتان.
والحياكة والنِّساجة كلمتان مختلفتان، تعبّر كل منهما عن نوع مختلف من الأقمشة، من حيث التكوين، وتتفقان معاً في أغلب الأحيان من حيث المظهر السطحي، والنسج هو ضرب من فنون النسيج، ونَسَجَ النَّسّاجُ الثوبَ (يَنْسِجُه ويَنْسُجُه) أي ضَمَّ السَّدَى إِلى اللُّحْمة. فالسدى هي خيوط نسيج الثوبِ الَّتي تُمَدُّ طولاً، وهو خلاف اللُّحْمَة التي تمتد عرضًا. إذن، يتشكل النسيج من تشابك مجموعتي الخيوط مع بعضها وفق زاوية قائمة عادة. ينسج النسيج على النول، وهو آلة تضع خيوط السدى في وضعية محددة بحيث يمكن إدخال خيوط اللحمة خلالها، المِنْسَجُ هو الخشبة والأَداة المستعملة في النساجة التي يمد عليها الثوب للنسج. وكانت الخطوة الأولى لنشأة صناعة الحياكة، بتقاطع عدة خيوط على شكل خصل تتجه اتجاهاً واحداً، ويلتف بعضها حول بعض التفافاً ويتقاطع تقاطعاً، بخلاف الحال في النسج الذي هو تقاطع خيوط السدى مع خيوط اللحمة تقاطعاً منتظماً.
أما الخامات المستعملة في النسيج تتكون من الخيوط القطنية. خيط الكتان، خيوط الصوف، خيوط حريرية، الجريد، القش، الخرز، شرائط ملونة، حبال، وغيرها.
وكان النول الخطوة الأولى التي احتاجها الإنسان لتوفير لباسه، وقد تطور بتطوره الفكري والاجتماعي نحو المدنيَّة، وقطع فيها أشواطاً متعاقبة تتفق مع مقدار احتياجاته من الأقمشة لكل زمن، ومع إمعان النظر في أنواع الأنوال وتطورها منذ العصور القديمة، يتبين مدى ذلك التطور الذي انطلق من مجرد إطار خشبي، تجرى عليه عملية النساجة بأبسط الطرق وأقل الاستعدادات بحيث تتقاطع خيوط السدى الطولية، المشدودة على الإطار مع خيوط اللحمة العرضية المتراكبة معها لتكوين ذلك المنسوج المسطح الرقيق التكوين.
لقد عرف نسيج الكتان المستخدم في صناعة الملابس، من قبل السومريين والبابليين والأشوريين، وكذلك استخدمت الأصواف كمواد أولية في صناعة الملابس، بجميع أنواعها ودرجاتها وألوانها إضافة الى شعر الماعز وشعر الغزلان، وكذلك كميات الأصواف التي كان يستحصل عليها بعد عمليات الجز الجماعية، وفي مواسم معينة ومنها كان يجمع خلال حفلات الجز الجماعية، لقد كانت معرفة سكان وادي الرافدين بنوعيات الأصواف وأصول تصنيعها كبيرة، وذلك بفعل ذكرهم لخواص الصوف، وتمييزهم للأنواع الجيدة، التي يستحصل عليها من الخراف الصغيرة، وكيف أن صوف الحمل في أول عملية جز يشابه الحرير.
لا نستطيع على وجه التحديد أن نعرف تاريخ نشوء هذه الصناعة، لكنها كانت عريقة في قدمها، فقد كانت معروفة قبل الميلاد بكل تأكيد، كما اختلف الكثير من العلماء حول موقعها الأول، فهناك رأي قائل من أن سكان أسيا الصغرى والصينيين هم أول من عرفها، وكذلك بالنسبة إلى المصريين القدماء فيقولون أن ملوكهم من الفراعنة كانوا قد استعملوها ، لكننا نستطيع القول أن السومريين والبابليين، كانوا قد عرفوا هذه الصناعة نتيجة العثور على بعض المخلفات المادية، التي خلدتها رسومهم وبعض النصوص الكتابية المكتشفة أثناء الحفريات ، فقد ذكر أن كليوباترا كانت تلف جسمها بسجادة من صنع بابلي عندما قابلت القيصر ، كما عثر في مقبرة تعود الى مؤسس المملكة الفارسية على سجادة من صنع بابلي ، فمن هذه القرائن يتضح لنا أن ارض العراق الخصبة في كل شي، لابد من أنها كانت لديها مجموعة متخصصة بمثل هذه الصناعة، وقد جاء اسم مدينة بغداد على لسان الكثير من الرحالة الأجانب، التي وطأة أقدامهم أرضها وشاءوا أن يتجولوا في أزقتها ليروا الكثير من آلات الحياكة (الجومة) اليدوية موزعة هنا وهناك.
في البداية تعلم الناس كيفية نسج الحصائر البسيطة من الفروع الأغصان والقصب، بعد إتقان تقنية النسيج، فكروا في إمكانية لف الخيوط، وبدأ تصنيع الأقمشة الأولى من الصوف والكتان في العصر الحجري الحديث، قبل أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وفقًا للمعلومات التاريخية في مصر وبلاد الرافدين، ظهر المنوال في العصور القديمة، ومن بين العديد من الشعوب أوروبا وآسيا وأمريكا، كان المنوال الأول عموديًا، وإطارًا بسيطًا تمدد فيه خيوط السداة، علقت الأطراف السفلية لهذه الخيوط بحرية تقريبًا على الأرض، لمنعهم من التشابك، تم سحبهم من قبل المعلقات، ويحمل النساج بين يديه مكوكًا كبيرًا بخيط وربط السداة، كررت هذه الطريقة حرفيا وتقنية النسيج طلبت الكثير من الوقت، ثم لاحظ النساجين القدماء أنه يمكن تبسيط هذه العملية. إذا كان من الممكن رفع جميع خيوط الالتفاف الزوجية أو الفردية في نفس الوقت، فيمكن للنساج تمديد المكوك من خلال
الالتفاف بأكمله، لذلك تم اختراع جهاز بدائي لفصل الخيوط.
تميز التطور في إنتاج النسيج بأربع مراحل تاريخية، كان للزمن والعنصر الإنساني دور حاسم فيها، فكانت المرحلة اليدوية التي استمرت حقبة زمنية طويلة، كان الإنسان هو الحاسم فيها، وفيها يقوم النسَّاج بإعداد المادة ويحيكها يدوياً، ومع اختراع النول اليدوي البدائي انتهت هذه المرحلة. ومرحلة المكننة التي تطور النول اليدوي بمرور الزمن، وازدادت بنيته وأشكاله تعقيداً في القرن السابع عشر تحديداً، ومع تطور الصناعة في بلدان أوربا واختراع الآلات الصناعية أدخلت تحسينات كثيرة على الأنوال اليدوية، واستعيض عنها بعناصر الحركة الميكانيكية، فظهر النول الميكانيكي. ومرحلة التشغيل الآلي التي تزايد الاهتمام بتحديث الآلات المختلفة وتطويرها وأدائها، كما أدخل عليها عنصر المراقبة بهدف تحسين أدائها الذاتي، فتراجع الدور الأساسي للعنصر الإنساني إلى درجة كبيرة. والمرحلة الراهنة التي بلغ التحديث والتطوير مداه الأقصى في العصر الراهن، وتلاحقت الابتكارات النوعية التي أدت إلى تحسين نوعية المكنات من جهة وتجميلها من جهة ثانية، والارتقاء بمستوى أدائها ورفع إنتاجيتها بجودة عالية. وهكذا نلمس في كل يوم تحسينات نوعية وزيادة في الإنتاج، كما دخلت الحواسيب ونظم المعالجة الإلكترونية على صناعة النسيج، فغدت تشغيل آلي بالكامل.
استخدمت العديد من الشعوب النسيج منذ القدم، في العديد من الصناعات الهامة بحسب عصرهم، فعلى سبيل المثال اشتهر الإفريقيون وشعوب البيرو بنسج القش والقصب وسعف النخيل، لصناعة السلال والأواني، كما استطاع الإنسان القديم في عصر ما قبل التاريخ نسج ملابسه بيده، ويقال أن مصطلح النسيج بدأ بالظهور الفعلي في مصر القديمة، حيث قاموا باستخدام ألياف القطن والحرير كمواد أولية لصناعة النسيج الخاص بهم، بالإضافة إلى ذلك ذكرت بعض المصادر التاريخية أن الهنود والصينيين أيضًا قد قاموا بنسيج الأقمشة، وبحلول العصور الوسطى تفنن الأتراك والفرس في صناعة السجاد، والمناشف، وبعد أن قام الفرنسيون بغزو صقلية في عام 1266م لجأ عدد من النساجون إلى إيطاليا، والتي أصبحت نتيجة لذلك مصدرًا للأقمشة الحريرية المعروفة، وبحلول القرن السادس عشر وصل ازدهار الأنسجة إلى ذروته، مع ابتكار المخمل والتفنن في أشكال الزهور والألوان في هذه المنسوجات وفي عام 1638م أنشأ الإنجليز أول مصنع متخصص في إنتاج الأقمشة القطنية والكتان في ماساتشوستس. يعد النسيج بوابة واسعة للعديد من المجالات التي استفاد منها البشر على مر العصور، فعلى سبيل المثال جميع الملابس التي يرتديها البشر مصنوعة من الأنسجة، بالإضافة إلى الملحقات الشخصية مثل الأوشحة، القبعات، الأحذية والحقائب، بالإضافة إلى ذلك تستخدم الأنسجة في المفروشات وتحديدًا في الأسرة،
الأرائك، الستائر، السجاد، المناشف، وأغطية الطاولات وغيرها، ومن الشيق للذكر أن بعض المطاعم الفخمة تقوم باستخدام نسيج يشبه الشاش لاحتواء الليمون وعصره دون تساقط بذوره على الطعام، وقد استخدم القدماء نوعًا محددًا من النسيج لصناعة الجبن أيضًا، وفي المقابل استخدم النسيج في المجالات الطبية وذلك في صناعة الشاش القطني الذي يستخدم في الضمادات، بالإضافة إلى ذلك يستخدم النسيج في صناعة المظلات والملابس الرياضية، وكل ذلك يعني أن النسيج أصبح من العناصر الأساسية التي لا يمكن أن يستغني الإنسان عنها.
في القرن الواحد والعشرين، ابتكر الخبراء أنواعًا أكثر غرابة من المنسوجات، مثل المنسوجات المتخصصة في صناعة الملابس الرياضية، والتي تقوم بدورها في إزالة العرق عن البشرة عن طريق تبخيره والحفاظ على انتعاشها، مما ساهم في مساعدة الرياضيين على مقاومة الطقس الحار، بالإضافة إلى اعتماد العديد من التقنيات الأخرى في الملابس الشتوية وذلك للحفاظ على حرارة الجسم الطبيعية وحمايته من البرودة.
والنول اليدوي يتكون من عدة أنواع، منها النول البسيط (والنسيج البسيط)، والنول البسيط ذو النسيج المتصل. والنول الخشبي ذو النسيج المتصل من الجانبين والقاعدة. والنول الخشبي المستدير. والنول البسيط المستدير. والنول ذو الإطار الخشبي. النول الخشبي المستدير.
أما استخدام النول البسيط وعمل النسيج، الذي تكون من قاعدة خشبية مستديرة من الخشب قطرها حوالي 8 سم، تثبيت عدد من المسامير الصغيرة (يفضل أن يكون برؤوس صغيرة) على سطح محيط القطعة على أبعاد متساوية حوالي 1.5 سم. وتثبيت مسمار في مركز الدائرة تماما.
وعند استعمال خيوط السداء مثلا صوف أو كتان أو غير ذلك. يثبت في مسمار الدائرة ومنه إلى الحواف حول المسمار ثم لفه حول المركز ثم حول المسمار ثم إلى المركز ... وهكذا حتى تتم خطوط الدائرة ثم ربط نهاية الخيط حول الخيوط المجمعة في المركز الدائرة. وتبدأ عملية النسيج باستعمال خيوط اللحمة بنفس خيط السداء أو بلون أخر ينضم في الإبرة ومن حول المركز (المركز الدائرة) ينسج بطريقة النسيج البسيط دائريا حوالي خمسة أسطر أو أكثر حسب الرغبة ويمكن استعمال عدة ألوان، وطريقة رفع النسيج يسحب طرف الخيط من حول المسامير بعناية تحصل على زهرة من الصوف أو شكل مستدير مفرغ. يمكن استعمال هذا النول في لوحات التزيين أو في الفساتين أو أي عمل حزام بعدة زهور متشابكة. وهناك من الناس لا تلبس إلا الملابس المصنوعة من قماش المصنوع يدويا، وهناك متاجر خاصة تهتم بهذه الصناعة، وتزدهر تجارتها في المناسبات العامة والخاصة، ويتم توفيرها في المعارض للاستعمال.
للحديث تكملة يتبع في العدد القادم
المصدر:
وكالات –تواصل اجتماعي–نشر محرري الموقع
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/mochtaratt/54117-2022-05-31-09-50-26.html
1134 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع