تاريخ الخطوط الجوية العراقية ١٩٤٥-٢٠٠٣
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
ارتبط تاريخ الخطوط الجوية العراقية بتاريخ الطيران المدني فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 كان الطيران المدني تابعا لوزارة الدفاع وكان من قبل تابعا لسلطات الاحتلال البريطانية . وعندما أنشيء أول مطار مدني في العراق سنة 1933 ، عد الميناء الجوي في بغداد من اروع ثلاث موانئ جوية في العالم من حيث السعة ، والكفاءة ، والتجهيزات وكان يقع في غربي بغداد .
افتتح الملك فيصل الاول 1921-1933 " المطار المدني " في احتفال كبير وقد أعجب بالمطار عدد كبير من الزوار من مختلف بلدان العالم . والحقت ادارة المطار بوزارة الاقتصاد والمواصلات ولكن ذلك تغير في السنة 1934 عندما تم الحاقه بوزارة الدفاع . وكان المطار مؤلف من طابقين يحتوي كل منهما ثلاث صالات كبيرة وغرف اخرى عديدة يشغل بعضها الدوائر العائدة للمطار والدوائر الملحقة به كدائرة للبريد والبرق ودائرة للكمرك واخرى للشرطة ورابعة للصحة وللرصد الجوي ولللاسلكي .
وكان في المطار كذلك مكتبة وفندق ضخم على الطراز الغربي مجهز بكل اسباب الراحة يؤمه المسافرون بالطائرات وكان في الفندق غرف كثيرة للنوم والراحة والانتظارعدا الحمامات الساخنة والبارد وقد اعتنت ادارة الفندق بحدائقه وساحاته ، وجاء في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 ان ادارة المطار زودته بمصابيح وهاجة قوية جدا تضيء ساحة المطار ليلا وقد استخدمت في المطار أحدث التجهيزات التي عرفتها المطارات الدولية آنذاك .
كان في المطار ثلاث شركات للطيران هي :
1." شركة الطيران الامبراطورية" وتسير طائراتها بين مطار كرويدن في لندن واستراليا لنقل البريد والبضائع والمسافرين وتستبدل طائراتها في باريس وكراجي والاسكندرية وسنغافورة .
2." شركة الطيران الهولندية " وتسير طائراتها بين امستردام وبتافيا في جاوة وهي ايضا تنقل البريد والبضائع والمسافرين.
3." شركة الطيران الفرنسية" وتسير طائراتها بين باريس والمستعمرات الفرنسية انذاك في الهند الصينية وتبدل طائراتها في بيروت .
وكانت هناك شركات اخرى عديدة تؤم طائراتها المطار الجوي العراقي في الثلاثينات بأوقات مختلفة ومنها طائرات شركة النفط الفارسية وطائرات شركة النفط العراقية وطائرات شركة نيرن .
كان المطار المدني العراق يتقاضى اجورا مختلفة تتوقف على حاجة الطائرة اليها ووقت وصولها .وعلى العموم تتقاضى دائرة الطيران المدني العراقية اجرة على نزول الطائرة في الارض العراقية بالنسبة الى مساحة الطائرة المربعة ومدة بقائها في الحظيرة او وكر الطيران واذا وفدت الطائرة ليلا فتضاف الى الاجور اجرة الانارة الكهربائية .
كان مدير المطار المدني سنة 1936 (فؤاد خياط ) .وكان الى جانبه مدير الحركات (بيير لورانس ) ومساعده ( بدر خالد البدر ) .
ثمة وثائق تشير الى ان الجهود لانشاء خطوط للطيران المدني العراق إبتدأت عندما قررت الهيئة الادارية لجمعية الطيران العراقية بتاريخ 18-5-1938 اسثمار فائض حملة التبرعات الوطنية لشراء طائرات حربية عددها 15 طائرة في شراء ثلاث طائرات مدنية من بريطانيا من نوع de-Havilland DRAGON Rapid وصلت بغداد في 10-1-1938 وباشرت رحلاتها الى ايران وسوريا .وكانت هذه الطائرات تابعة لجمعية الطيران العراقية.
يقول الاستاذ عبد الرزاق الهلالي في "معجم العراق " 1956 ان الخطوط الجوية العراقية تمتلك تاريخا ثرا فهي تعد في مقدمة شركات الطيران المدني في الشرق الاوسط التي تسير طائراتها داخل العراق والى البلدان المجاورة والتي اكتسبت شهرة وسمعة طيبتين جعلتاها موضع ثقة واطمئنان الجميع من عراقيين واجانب .
في 20-10-1955 قدم كنعان العسكري مدير ما كان يسمى في الخمسينات (مصلحة الطيران المدني ) خلاصة عن تاريخ الخطوط الجوية العراقية وقال انه قبل سنة 1945 لم يكن هناك في العراق شركة اهلية او مصلحة رسمية تتولى مسؤولية تسيير مصالح جوية داخل العراق او خارجه .
الا انه وفي السنة 1945 خولت ادارة سكك حديد الحكومة العراقية بتأسيس مصلحة فرعية لها بإسم ( مصلحة الخطوط الجوية العراقية ) لتقوم بهذه المهمة. وكان لجمعية الطيران العراقية دور كبير في تأسيس هذه المصلحة والتوعية بأهميتها في النقل الجوي .
ومنذ الاول من كانون الثاني سنة 1946 تخلت جمعية الطيران عن مهمتها في ادارة الطيران الى ادارة سكك حديد الحكومة العراقية فبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الطيران المدني .
ويضيف الاستاذ عبد الرزاق الهلالي في معجمه الى ذلك فيقول ان العراق لم يكن يمتلك طيارين عراقيين حائزين على المؤهلات اللازمة للمباشرة في تأسيس شركة للطيران المدني لذلك طلبت الى شركة الخطوط الجوية البريطانية لماوراء البحار ( B.O.A.C )اعارتها بعض الطيارين وغيرهم من الفنيين والقيام بإسداء المشورة الفنية .
كانت الاتفاقية المعقودة بينهما لهذا الغرض تنص على وجوب تدريب العراقيين في جميع فروع المصلحة لكي يتسنى التخلي عن الموظفين المعارين تدريجيا واحلال عراقييم محلهم .
قامت شركة الخطوط الجوية العراقية بإستئجار خمس طائئرات من نوع ( دي هافيلاند رابيد )حيث جيء بها الى بغداد وفي 29 كانون الاول 1946 بوشر بتسيير مصلحة جوية بين بغداد والبصرة تقوم برحلتين يوميا .
وفي شهر اذار 1946 تم فتح خط جوي بين بغداد وبيروت وفي السنة ذاتها استؤجرت طائرتان من نوع (داكوتا ) ودد الخط بحيث بلغ مجموع ماقطع من الاميال خلال السنة المالية 1946-1947 زهاء 670 الف ميل .
وفي سنة 1947-1948 استخدمت ثلاث طائرات جديدة من طراز ( فيكرز –فايكنك ) وثلاث طائرات من نوع ( د هافيلاند –دوف ) .
من خلال السعي بإتجاه تدريب الطيارين العراقيين والحصول على شهادات الجدارة الجوية فقد تم الوصول الى انجازات مهمة منها انه صار لدى الخطوط الجوية العراقية (23 ) طيارا مدنيا عراقيا .كن لدى الخطوط الجوية العرقية سنة 1946 (11) طيارا بريطانيا وقد تقلص عددهم سنة 1955 الى (5 ) فقط .كما تمكن العراقيون من تدريب عدد من المساعدين والفنيين وضباط للمخابرة اللاسلكية وكان قسم الهندسة عند تأسيس المصلحة يتألف من (10 ) فنيين بريطانيين دون ان يكون معهم عراقي واحد بينما توفر سنة 1955 (13 ) فنيا عراقيا يعملون الى جانب الفنيين الانكليز .
في سنة 1947 أوفد للتدريب في انكلترا عدد من الطيارين العراقيين كما استمر تدريب العراقيين في اعمال هندسة الطائرات وفي معاملات النقل الجوي وقد انيطت بهذه المصلحة وكالات عامة لـ(6 ) شركات من شركات الطيران العالمية .
ازاء اقبال الناس على السفر جوا،ومن هؤلاء الالاف من الحجاج الذين اقبلوا منذ سنة 1950 على ركوب الطائرات اهتمت مصلحة الخطوط الجوية العراقية بشراء طائرات جديدة . ولم تحل سنة 1953 الا وتم شراء ثلاث طائرات حديثة نوع (فايكاونت) من شركة (فيكرز –ارمسترونغ ) وهذه الطائرات التي وصلت سنة 1955 وبوشر باستخدامها في الخطوط مابين بغداد وعواصم الشرق الاوسط منذ تشرين الثاني 1955 ذات اربع محركات (توربينية) مكيفة للضغط الجوي في داخلها وتسير بسرعة 320 ميلا في الساعة وترتفع في طيرانها الى علو عشرين الف قدم وهي تتسع لجلوس (50 ) راكبا .
في نيسان 1956 قامت (مصلحة الخطوط الجوية العراقية ) في نيسان سنة 1956 بتسيير رحلة جوية بين بغداد ولندن وبين كراجي وبومبي وبغداد .
وهكذا وضعت ( مصلحة الخطوط الجوية العراقية ) منذ 1956 وحتى 2003 قدمها على الطريق الصحيح ومما زاد من شهرة هذه الخطوط انها امتلكت تاريخا نظيفا من ساعات الطيران حيث لم تتعرض لاية مشاكل او كوارث وكان متميزة ولها تاريخ مجيد في تأمين سلامة السفر الجوي وعنصري الاعتماد والدقة في المحافظة على المواعيد .
كان العميد الطيار ناصر حسين الجنابي 1916-1973 اول مدير عام للخطوط الجوية العراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 . وهو من خريجي كلية الطيران البريطانية في كرانويل ومن اوائل الطياراين العراقيين الذين تدرجوا في مناصب مهمة في القوة الجوية العراقية وقد احيل على التقاعد بعد ثورة مايس 1941 لكنه اعيد الى الخدمة بعد ثورة 14 تموز1958 وعين اول مدير عام للخطوط الجوية العراقية واستمر في الخدمة ليتقاعد ثانية سنة 1963 توفي في 4-1-1973 .
لم تتأثر الخطوط الجوية العراقية بالحرب العراقية –الايرانية 1980-1988 ولكنها تأثرت بـ(حرب 1990) اذ توقفت رحلاتها بصورة شاملة نتيجة فرض الحصار الدولي على العراق وكان العراق يمتلك اسطولا من الطائرات وصل الى 17 طائرة لنقل المسافرين تم نقل معظمها الى اماكن سرية او الى دول العراق المجازرة ومنها الاردن وتونس وايران .
للاسف تعرضت الخطوط الجوية العراقية بعد الاحتلال الاميركي البغيض 2003 للتفكيك والدمار وكان للحصار الذي فرض على العراق خلال التسعينات دور في هذا الضعف وعند كتابة هذه السطور فإن مديرية الطيران المدني تسمى "المنشأة العامة للطيران المدني " وتتبع وزارة النقل ونأمل في ان تستعيد الخطوط الجوية العراقية مجدها السابق .
1139 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع