الدبس العراقي يغزو بريطانيا!!
حدثني الاستاذ الحاج صلاح الدين الحطاب العاني عن شجونه وذكرياته قائلا ....
في صيف 1965 هبطت الطائرة الصغيرة المصنوعة من القماش المشمع والاسلاك الحديدية الخفيفة وفيها محركات بقوة محرك الدراجة البخارية و تتسع لشخصيين فقط في مطار بغداد المدني (مطار المثنى حاليا) وفيهما الانكليزي المستر جون وزوجتة وكان هذا الهبوط اضطراريا من اجل التزود بالوقود فقط (الترانزيت – المرور) وكان هذا بحدود الساعة الثانية عشر ظهرا وبعد ان ملئ خزان طائرته بالبنزين الخاص للطائرات ، قدم لهم المستر جون الانكليزي الجنسية ما قيمته على شكل صك صادر من مصرف انكليزي يقع في بريطانيا وكان قيمة الوقود في ذلك الوقت هو ستة عشر دينارا عراقيا فقط لكن المحاسب الذي تسلم الصك شك بعدم معرفتة لهذا المصرف الانكليزي مما يعني عدم قبول المحاسب لهذا الصك وقدمة الى المراقب الجوي المرحوم جميل هرمز فرفضة المراقب الجوي ايظا لمجهولية هذا المصرف الانكليزي لان هذا المصرف لم يكن مشهورا او معروفا في ذلك الوقت مما جعل المستر جون في حيرة من امرة تماما .
جاءني هذا الطيار وطلب مني المساعدة بشكل عفوي مما دفعني الى مساعدته بشكل فوري حيث كنت اعمل في وقتها موظفا في المطار المدني وكان اليوم يوم احد والاسفارة البرطانية لديها عطلة ومغلقة تماما وقال لي انا لا املك نقود عراقية او عملة صعبة والسفارة البريطانية مغلقة بسبب العطلة ولا املك سوى دفتر الصكوك ولا يوجد لدي مال حتى اتمكن من المبيت في احدى فنادق بغداد لذلك اطلب مساعدك ايها الاستاذ رجاءا ، فما كان مني الا ان اتصلت بالمراقب الجوي المرحوم جميل هرمز وشرحت لة الموظوع وقلت لة يا اخي ان المبلغ غير كبير وهو لا يتجاوز الستة عشر دينارا وانا مستعد لدفع الستة عشردينارا في حال عدم صرف الصك لكم وذلك لشؤون انسانية ولسمعة بلدنا العراق .
فما كان من المراقب الجوي المرحوم جميل هرمز الا الموافقة وقال للمحاسب دعة يقدم لنا الصك فنحن بخدمة بلدنا العراق فقدم المستر جون الصك ما قيمتة ستة عشردينارا عراقيا فعلا واخذ يشكرني ويشكرني على صنيعي معه وأعطاني رقم هاتفة في لندن وعنوان مسكنة كذلك بعدها ركب طائرته القديمة هو وزوجته و توجهت بهم الى بيروت ليكمل سفرتة ومن بعدها لندن .
ومن ملاحظاتي ايظا ان الطائرة كانت من النوع القديم وعليها اعلان كبير لشركة سكائر روثمان الانكليزية المشهورة والاعلان قد غطى جميع اجزاء الطائرة تقريبا .
سجلت العنوان ورقم المستر جون في دفتر المذكرات لعلي يوما اذهب الى بريطانيا وما هية الا اشهر حتى جاءتني دعوة من وزارة المواصلات العراقية للذهاب الى لندن للاشتراك في احتفال تسلم الطائرة العراقية الجديدة الترايدنت .
وصلنا لندن وهذة كانت اول زيارة لي الى بريطانيا وقد اخذت معي عشرة علب معدنية من دبس كربلاء الشهير والذي لا مثيل لة من ناحية الطعم والنقاء والنكهة زنة نصف كيلو لكل علبة حتى اوزعها على اصدقائي في لندن وفعلا نزلنا في فندق وسط العاصمة لندن وفي المساء أخذت اقلب دفتر الملاحظات والوقت كان لا يزال مبكرا حتى توقفت امام رقم هاتف المستر جون وذكريات المستر جون هو و زوجته عالقة في ذهني تماما وأتذكر كذلك كم ترجاني في بغداد ان اتصل بة في حال وصولي الى لندن في يوم من الايام ترددت قليلا وبعدها رفعت سماعة الهاتف واتصلت بالمستر جون فكنت اتصور انة يسكن في وسط لندن بعدها رد المستر جون وفرح فرحا شديدا عندما سمع صوتي وعرفني فورا ورحب بي كثيرا وقال لي سوف ازورك في الفندق الذي تسكن به الساعة السابعة صباحا ،وفعلا جاء الصباح واستقبلني استقبالا حارا واخبرت ادارة الفندق باعداد وجبتين للفطور اظافيتين للمستر جون وزوجتة بعدها قال لي تفظل لتناول الفطور عندنا في البيت فقلت لة اني قد طلبت لك فطورا هنا في الفندق فما كان من المستر جون الا الاعتذار لصاحب الفندق على طلبي للفطور وقال لة ان صديقي العراقي سوف يتناول فطورة عندي في البيت فتفهم صاحب الفندق ذلك .
خرجت مع المستر جون وكانت سيارتة من نوع المارسدس الطراز القديم واجلسني بجوارة وزوجتة اجلسها في المقعد الخلفي واتجهنا في طريق طويل خارج لندن بمسافة اربعين كيلو متر بعدها وصلنا الى منطقة كلها غابات ودخلنا في طريق قروي غير معبد مسافة ستة كيلو متر ودخلنا دار استقبلنا صديق المستر جون وتعهد بان يقدم الفطور لنا جميعا . اعطيت صديق المستر جون علبتين من الدبس العراقي واتجهنا بعدها الى دار المستر جون واهديتة اربعة علب ايضا من دبس كربلاء الشهير وتناولنا الغداء ورجعت بالقطار الى الفندق ليلا .
اتصل بي المستر جون في اليوم التالي وقال عرضت هذا المنتوج العراقي ( دبس كربلاء) على اصدقائه وجيرانه وأشادوا به كثير لطعمه الرائع وان احد اصدقائه من التجار الانكليز تذوقة واعجب اعجابا شديدا لطعمة اللذيذ وقال:
اذا وصل هذا الدبس العراقي الى بريطانيا فانة سيوقف تماما استيراد المربيات من اوربا واستراليا ويقظي على جميع معامل بريطانيا للمربيات والحلويات لجودتة ونكهة وطعمة الذيذ جدا فهل بالامكان ان نحصل على وكالة لسحب كميات كبيرة من هذا الدبس ونقلة الى بريطانيا فقلت لة انك وجميع البريطانيين سوف يكون فطوركم صباحا الدبس العراقي الشهير فضحك المستر جون.
وعند رجوعي الى بغداد وكنت متفائلا جدا من اجل خدمة بلدي العراق في تصدير المنتجات العراقية اتصلت بمدير معمل كربلاء فاخبرتة بالموظوع فوضع امامي العقبات والجبال والوديان والبحار والمحيطات بحيث يصعب تصدير عبوة (قوطية) واحدة من هذا الدبس الى الخارج والمستر جون يتصل بي يوميا ليعرف متى يستلمون اول شحنة من الدبس العراقي وحاولت جاهدا لفتح منفذ صغير للتصدير ولكن تصرف بعض الموظفيين حال دون تصدير الدبس الى بريطانيا واتصلت بالمستر جون وافهمتة انة لا توجد امكانية للتصدير فقال لي بالحرف الواحد ... مع الاسف فأنة لو جاء هذا الدبس العراقي الى بريطانيا لسوف تتوقف جميع معامل الحلويات والمربيات في بريطانيا واوربا لجودة ونكهة ومذاق الدبس الكربلائي الشهير الذي عندكم .
984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع