الحياة ...حكايات/كيف تتخلص من الخدمة العسكرية في زمن الحرب
محي الدين محمد يونس
في عام 1987 كنت راقداً في مستشفى أربيل العسكري في جناح الضباط وفي أحد أيام وجودي حيث دخل ذلك الجناح عدد من الأطباء ومعهم جندي استأذنوا مني فحصه في غرفتي وبعد أن أظهرت لهم عدم ممانعتي , استفسرت منهم عن موضوعه ,أجابوني بأنه يدعي تصلب ذراعه وساقه اليمنى ولا يستطيع ثنيهما وبالتالي فإن حركته تكون محدودة في السير وكذلك ذراعه وهم بصدد فحصه وإجراء الكشف عليه للتأكد من صحة إدعائه علماً بأنه عند دخوله الغرفة كان يسير متوتر الساق والذراع اليمنى , وفي حالة ثبوت مصداقيته من خلال الفحص الطبي فإنه يستوجب اتخاذ القرار بإخراجه من الخدمة العسكرية والتي كانت في ذلك الزمن والظرف عصيبة للغاية نتيجة استمرار الحرب العراقية الإيرانية , ومحاولة الجنود التخلص من آثارها المكلفة جسدياً ونفسياً بالطرق الشرعية القانونية أو الهروب والتخلف.
صور للمعارك خلال الحرب العراقية الإيرانية
وقد تم الإيعاز للجندي بالرقود على ظهره فوق أحد الأسرة الموجودة في الغرفة , وبعد حقنه بإبرة مخدر وبعدها بلحظات استفسر منه أحد الأطباء كما يلي:-
الطبيب : شسمك
الجندي: محمد قادر
الطبيب: زين كاكه حمه وين تسكن
الجندي: السليمانية
الطبيب : شكَد عمرك
الجندي: ويجيب بصعوبة واحد وعشرين سنة
كانت إجاباته باللغة الكردية ونقوم بترجمتها إلى اللغة العربية وبالعكس, وبعدها غاب عن الوعي بتأثير المخدر وبدأ الأطباء بتحريك ساقه وذراعه اليمنى وثنيهما فتم لهم ذلك بكل سهولة-
أخذ الطبيب رئيس لجنة الفحص يطبطب على ساق الجندي وهو يردد:(( كاكه حمه يريد يقشمرنا)) استفسرت منه عن نتيجة الفحص فأجابني بأن ادعاء المذكور عاري عن الصحة وهو لا يعاني من أية حالة عوق تمنعه من الاستمرار في الخدمة العسكرية , ترك الأطباء غرفتي وبقي الجندي مطروحاً على السرير , وفي حالة غيبوبة وبعد فترة قاربت الساعة ظهرت عليه بوادر زوال التخدير من خلال حركته وفتح عينيه إلا أنه وبعد أن عاد شعوره ووعيه إليه وبحركة سريعة قام بتوتير ذراعه وساقه اليمنى لغرض العودة إلى الحالة التي كان عليها قبل الفحص.
كان واقفاً بجانبي في الغرفة أحد أفراد حمايتي , خاطب الجندي قائلاً : (( انهض الأطباء كتبوا لك بإخراجك من الخدمة العسكرية فلا داعي لتوتير ذراعك وساقك))
أخذ الجندي ينظر لي للتأكد من مصداقية كلام حمايتي إلا أنني أجبته ضاحكاً بأنه فشل في الفحص ولم يتأييد لرئيس وأعضاء اللجنة صدق ادعائه , والذي لا يمكن أن ينطلي على الأطباء بهذه السهولة ويجب عليه الاستمرار في الخدمة العسكرية.
نهض الجندي من مكانه وهو يحرك جميع أجزاء جسمه طبعاً ومن ضمنها الذراع والساق اليمنى بكل سهولة وهو يردد عند مغادرته الغرفة : (( لا تهمني نتيجة الفحص الطبي ولن أخدم في الجيش العراقي يوماً واحداً بعد الآن والجبل موجود سأنقل خدماتي إليه))
صور مقاتلي البيشمركة في جبال كردستان العراق أيام الحرب العراقية الايرانية
895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع