الحياة .... حكايات /لواء الشرطة الحقوقي حسين ظاهر علي
محي الدين محمد يونس
ولد المرحوم ( حسين ظاهر علي ) في محافظة بغداد عام 1938 بعد أن كانت عائلته قد نزحت من محافظة ديالى - قضاء مندلي في بداية القرن الماضي واستقرت في بغداد من أصول كردية ترجع إلى قبيلة الهماوند وهي من القبائل الكردية الكبيرة والتي تقطن في مناطق شمال شرق العراق والمناطق المحاذية لها في إيران والقبيلة هذه وبسبب نشاطاتها المعادية للسلطة العثمانية والتي قامت بتجهيز حملة عسكرية كبيرة ضدها في نهاية القرن التاسع عشر كانت نتائجه تهجير أعداد لا يستهان بها من اتباع هذه القبيلة إلى المناطق في وسط وجنوب العراق بالإضافة إلى تهجير أعداد أخرى منهم إلى دول شمال أفريقيا وخاصة إلى ليبيا , وربما تكون جدة الرئيس الليبي السابق ( معمر القذافي) واحدة من مهجرات هذه القبيلة إلى ليبيا حيث كان الرئيس الليبي يدعي بأن جدته كردية.
الرئيس الليبي السابق معمر القذافي
اندمج هؤلاء المهجرون في المناطق التي استوطنوها وتطبعوا بطبائع المجتمعات التي عايشوها بمرور الزمن بحكم البيئة والاختلاط والمصاهرة وتأثير ذلك على جذورهم القومية والمذهبية ولغتهم الأصلية .
نعود لاستكمال حكايتنا عن هذا الرجل والذي أكمل الدراسة وبمراحلها الثلاثة وكلية الشرطة في بغداد وتدرج في الرتب والمناصب في سلك الشرطة وفي مختلف مناطق العراق.
اتصف الرجل بمزاج وطبيعة خاصة نادرة لا مكان فيها لمراعاة الظروف والحالات الخاصة والمهادنة والرحمة حيث جل اهتمامه هو تنفيذ القانون والواجب حرفياً دون مراعاة للواقع السياسي والاجتماعي والإنساني في بلد كالعراق مر بمختلف التقلبات السياسية منذ تأسيسه ولحد يومنا هذا.
تعود معرفتي به إلى عام 1974 حيث جاءنا نقلاً إلى مديرية شرطة محافظة أربيل وكان برتبة رائد ونسب بمنصب ضابط حركات المديرية وكنت حينئذ برتبة ملازم أول وبمنصب معاون مدير الدائرة القانونية , توطدت العلاقة بيننا بحكم العمل سوية في دائرة واحدة , نقل بعد ذلك إلى منصب مدير شرطة قضاء كويسنجق واستمرت خدمته فيها لنهاية عام 1976 حيث نقل خارج ملاك مديرية شرطة محافظة أربيل وعمل في مختلف المناطق العراقية لغاية استلامه منصب قيادة شرطة محافظة المثنى ( السماوه) في عام 1983 وكنت طيلة هذه الفترات على اتصال دائمي معه بالزيارات أو عن طريق الهاتف , أفرحني صدور أمر نقله إلى مديرية شرطة محافظة أربيل في عام 1985 وكنت حينئذ برتبة مقدم وبمنصب نائب مدير شرطة المحافظة , استمر في قيادة شرطة المحافظة إلى بدايات عام 1987 حيث صدر أمر نقله إلى منصب مدير شرطة محافظة دهوك , طيلة فترة اشتغاله في شرطة أربيل مديراً لها لازم طبيعته المعتاد عليها في الجدية وعدم التسامح وإثقال كاهل المنتسبين بكثرة الواجبات المملة المسببة للقلق وعدم الارتياح ...
في اليوم المقرر لانفكاكه من شرطة أربيل لغرض الالتحاق إلى شرطة دهوك دخلت عليه لكي أودعه وكنت الوحيد حيث لم يحضر أي منتسب آخر للقيام بهذا الواجب الذي اعتاد عليه الموظفون عند نقل مدرائهم بعد أدائي التحية العسكرية له طلب مني الجلوس وهو يردد: (( أي هاي هي الوظيفة يوم هنا ويوم هناك ))
أجبته : (( كلامك صحيح يوم هنا ويوم هناك ولكن الحالة تختلف معك تعال شوف بأربيل فرح وعرس وبدهوك حزن وعزا ))
أجابني: (( شوف محي هذا طبعي وما أغيره ))
أجبته: (( أنا على يقين بأنك لن تستطيع تغير طبعك والذي يلحق الأذى بالآخرين كما ولا يستبعد تعرضك للمسائلة أو الانتقام ))
أجابني ثانية وبإصرار : (( هذا طبعي وما أغيره ))
صدق توقعي فبعد أربعة أشهر من استلامه لمهام قيادة شرطة دهوك وقع في مطب كاد أن يؤدي بحياته لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى من خلال تدخل بعض الخيرين وإنقاذ رقبته من حبل المشنقه
أصدر ( علي حسن المجيد) عدة قرارات وتعليمات باعتباره أمين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث بعد تخويله من قبل الرئيس العراقي السابق ( صدام حسين) بقرارات من مجلس قيادة الثورة والتي كانت تخص المجال الأمني والعسكري في تلك الظروف التي عاشها العراق عامة وكردستان بشكل خاص ونقصد بها ظروف الحرب العراقية الإيرانية ونشاطات قوات البيشمركة ضد السلطة العراقية في كردستان وكان أقسى هذه القرارات على مواطني المحافظات الثلاث ( أربيل – دهوك – السليمانية ) هو ترحيل ساكني الشريط الحدودي مع إيران وتركيا والعديد من المناطق الأخرى إلى مجمعات قسرية قرب مراكز المدن والقصبات الكبيرة بعد هدم مساكنهم في مدنهم وقراهم وتجريف بساتينهم ومزارعهم , اعتبرت هذه المناطق المرحل عنها سكانها مناطق محظورة أمنياً حيث يمنع التواجد البشري والتجوال قيها من قبل المواطنين وأعطى القرار الحق للقوات العسكرية والأمنية إلقاء القبض أو قتل أي مواطن يخالف هذه التعليمات والتعامل معه باعتباره خارجاً عن القانون ومخرباً وضد السلطة الحاكمة , صادف قيام أحد مراتب أمن محافظة دهوك بإطلاق النار على أحد المواطنين وقتله في الحال وعلى أثر ذلك تم إلقاء القبض عليه وأودع التوقيف من أجل التحقيق معه.
وبعد فترة تقارب العشرة أيام من الحادث اتصل امين سر فرع دهوك لحزب البعث(طارق كافي) بمدير شرطة المحافظة اللواء (حسين ظاهر علي) طالباً منه إطلاق سراح منتسب الأمن بدعوى أن حادث القتل قد وقع في منطقة محظورة أمنياً لا يستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتهم فيها استناداً إلى قرار مجلس قيادة الثورة بهذا الخصوص , وكان رد مدير الشرطة بعدم جواز إطلاق سراحه إلا بعد استكمال الإجراءات التحقيقية في الحادث والتي تجري بإشراف من الجهة القضائية في المحافظة , ولكن أمين سر الفرع لم يقتنع من إجابة مدير الشرطة وتمسك من خلال اصراره وتكراره الاتصال به وطلب اطلاق سراح منتسب الأمن واعتبار الإجراءات التي يقوم بها خاطئة ومخالفة لأحكام قرارات الدولة بهذا الشأن ....
خلال تلك الفترة الزمنية صادف عقد اجتماع طارئ لمكتب تنظيم الشمال في محافظة كركوك بدعوه من أمين سره ( علي حسن المجيد ) دعي لحضوره جميع أمناء سر فروع حزب البعث للمنطقة الشمالية ومدراء الأمن والمخابرات والاستخبارات والشرطة وقائدي الفيلق الخامس والثاني , لقد كان الغرض من عقد الاجتماع هو التأكيد على ضرورة الالتزام بتنفيذ القرارات والتعليمات الصادرة من الجهات العليا والمكتب المذكور في مجال الوضع العسكري والأمني للمنطقة وكان حديث (علي حسن المجيد) في المجتمعين ينطوي على التأكيد على تنفيذ قراراته والتهديد بمحاسبة المقصرين بشدة ودون هوادة.
هنا انبرى أمين سر فرع دهوك لحزب البعث مخاطباً المذكور وأمام المجتمعين موضحاً بوجود أشخاص في موقع المسؤولية لا يلتزمون بهذه القرارات, قاطعه(علي حسن المجيد ) وهو يصرخ بأعلى صوته : ( منو هو هذا المسؤول؟؟ ) وهنا أشار أمين سر الفرع بيده نحو مدير الشرطة قائلاً : (( رفيقي هو مدير شرطة محافظة دهوك الجالس معنا في هذه القاعة , لقد قام بتوقيف أحد منتسبي الأمن في محافظة دهوك بسبب قتله لأحد الأشخاص في منطقة محظورة أمنياً وبالرغم من طلبنا منه لمرات عديدة اطلاق سراحه ومرور ما يقارب الشهرين على توقيفه بدون وجه حق وخلافاً للقانون إلا أنه أصر وتمسك بإجراءاته هذه ))
نهض مدير الشرطة وهو في حالة لا يحسد عليها طالباً السماح له بالكلام وتوضيح الموقف والحالة إلا أن ( علي حسن المجيد ) لم يسمح له بالكلام وموجهاً أوامره لعناصر حمايته المنتشرين في جوانب القاعة قائلا لهم : (( تعالوا أخذوه والله لو ثبت عليك هذا القول لأفصل رأسك عن جسدك ))
تدافع أفراد الحماية لتنفيذ الأمر بحده توازي حده الأمر الصادر من مسؤولهم , انقطعت أخبار المذكور فترة تقارب الستة أشهر حين وصل علمي وجوده في موقف وتسفيرات الرصافة في بغداد , قررت زيارته ولدى وصولي إلى المكان المذكور وكان يوماً ربيعياً مشمساً ودخولي باحة الموقف شاهدته جالساً وبيده صحيفة يقرأها وفور مشاهدته لي ابتسم قائلاً : (( ها محي هاي جيت ))
أجبته: (( سيدي شسويلك ما تجوز من سوالفك )).
لواء الشرطة محسن خليل
جلست معه لبعض الوقت ونحن نتجاذب أطراف الحديث عن محنته التي وقع فيها والتي كادت أن تودي بحياته لولا تدخل بعض المسؤولين في الدولة وفي مقدمتهم لواء الشرطة ( محسن خليل ) مدير الشرطة العام في تلك الفترة , والذي بذل جهود استثنائية من أجل إطلاق سراحه , ولولاه لأمضى بقية حياته في السجن على أقل تقدير حيث أطلق سراحه وأعيد لممارسة مهام الوظيفة في مقر مديرية الشرطة العامة , اللواء الحقوقي ( حسين ظاهر علي) كان ضابطاً متمرساً في جميع تفاصيل العمل الشرطوي الإداري والإجرائي وذو ثقافة عامة واسعة قويم الأخلاق نزيهاً إلى أبعد الحدود إلا أن تعامله الجاف الصعب مع العاملين معه بإمرته جعلت الجانب السلبي يطغى على الجانب الإيجابي من سيرته وعمله , وأخيراً نذكر القراء الأعزاء بأنه على علاقة قربى ومصاهرة مع الملحن والمطرب العراقي الشهير ( رضا علي ) وأخيراً لا يسعنا إلا أن ندعو له بالرحمة والغفران من الله سبحانه وتعالى حيث وافاه الأجل في عام 2009 ونقول :(( اللهم إن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته وإن كان محسناً فزد في إحسانه)).
المطرب و الملحن العراقي رضا علي
3007 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع