وفاة "غابو" خالق "مئة عام من العزلة" و"الحب في زمن الكوليرا"

                                       

                           د.سامان سوراني

           

وفاة "غابو" خالق "مئة عام من العزلة" و"الحب في زمن الكوليرا"

  

بالأمس فاجئنا نبأ رحيل الروائي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، الملقب بـ"غابو" ، صاحب الرواية الأشهر في القرن العشرين "مئة عام من العزلة"

، المولود في اراكاتاكا التابعة لمقاطعة ماجدالينا الكولومبية والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، في مكسيكو سيتي عن عمر يناهز 87 عاماً.
روايات ماركيز التي أثرت تأثيراً قوياً علی الكتاب في أكثر من موقع جغرافي حملت في طياتها جماليات وخامات سردية قديمة نابعة من التراث الكولومبي الفالتة من الواقع المعيش و ينابيع الأسطورة وطفولة العقل البشري الخارقة لآفاق عجائبية سحرية ميتافيزيقية.
هذا الكاتب العالمي بدأ عمله مراسلاً لصحيفة إلإسبكتادور الكولومبية اليومية (El Espectador) قبل أن يساهم بدوره العظيم في إغناء فن السرد الروائي في العالم الدافع لأدب أمريكا اللاتينية نحو القمة.
في روايته "مئة عام من العزلة" (١٩٦٧) الرائعة ، التي إستغرت مني شخصياً سنوات لقرأتها بسبب (خوسيه اركاديو بوينديا) وهو شخصية رئيسة في الرواية يخلق ماكيز عالم يسبح بين الواقع والخيال ، بشخصيات تتكرر في اسمائها واقدارها ويسافر بنا مع قريته (ماكوندو) ليزرع الاحداث والشخصيات بمنطقية وعبثية ممزوجة ورائعة ثم يمحيها ويقتلها.
الهدف من روايته "مئة عام من العزلة" بنظري هو تعرية الكائن البشري وكشف حقيقتة الباطنه ومشاعره المهيجه الثائرة مهما كان منصبه وجنسه امراة كانت أو رجلاً. أراد الكاتب إيصال القاریء فكرة تقول بأن الزمن لا يسير في خط مستقيم بل في دائرة ، فكلما تلاشت الاحداث من ذاكرتنا اعادها الكون لكن في شخصيات وأزمنة مختلفة وأن الماضي لم يكن سوى كذبة وأن لا عودة للذاكرة وأن كل ربيع يمضي لا يمكن أن يستعاد وأن أعنف حب وأطوله وأبقاه لم يكن في النهاية سوى حقيقة عابرة. غابريل ماركيز كان يردد دوماً بأنه متعلق بشخصيات روایاته حد التعلق ويعزؔ عليه ان يميت شخصية محاولاً أن يبقيها عمر لا ينتهي لتغلبه الشخصية أخيراً وتختار قدرها. رغم أن "مئة عام من العزلة" رائعة مكتوبة بأسلوب بسيط تقودنا نحو نسيان الذات لساعات  وساعات لكنها تمتاز بسمتان لايمكن أن لانراهما ، إحداها هي سمة العزلة التي اتخذها الكاتب عنوانا لروايته والثانية هي حتمية الاحداث. لكن هل ياتری بأن الانسان في هذه الدنيا مسير بالمطلق أو مخير بالمطلق ، أم أنه يعيش بين الاثنين؟ وهل ياتری بأن إشباع الغزائز بلا كبح لايٶثرعلی حياة الإنسان ونجاحه‌ أو أنه بالفعل أمر مقبول من المجتمع؟  
ماركيز إستمد قوته من الواقع بطريقة غرائبية مشوقة أظهر فيها كمن يمارس الهروب من الواقع نحو واقعية من نوع آخر.
أما روایته "الحب في زمن الكوليرا" بالإسبانية (El amor en los tiempos del cólera)  (١٩٨٥) المليئة بالزخم والأحداث فإنها تربط التباعد بالتنافر. يقدم فیها التحولات في بلده كولومبيا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في مكان لا يسميه قرب نهر ماغدالينا. هنا لايسعنا إلا أن نعيد قول الشاعر الإسباني الشهير وعضو الأكاديمية الملكية للفنون، خوسيه كارثيا نيثيو: "إن أهم ما فى رواية الحب فى زمن الكوليرا هو تلك الحيرة التى نجد أنفسنا غارقين فيها منذ بداية الرواية حتى آخرها، والدهشة التى أصابتنا فى رواية مائة عام من العزلة لكفاءتها العالية تصيبنا مجدداً عند قراءة هذه الرواية بالرغم من إنها قادمة من طرق أخرى، هنا كل شىء ممكن، كل شىء يتحرك إلى الممكن ، ويظهر بعد معرفة الأحداث بأنه لم يكن بالإمكان حدوثها بشكل آخر".
روایتە التي تعد واحدة من أفتن ما كتب الإنسان فى تاريخ الأدب عبر كل العصور، تنقل لنا قصة حزينة في وسط حزين ، قصة رجل وامرأة منذ المراهقة وحتى ما بعد بلوغهما السبعين ، استلهمها الكاتب من قصة حب أبيه لأمه ووضع فيها عصارة موهبته وخبرته ومدرسته الأديبة التى أسس لها في النصف الثاني من القرن العشرين.
وختاماً يقول ماركيز: "تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه".
الدكتور سامان سوراني

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

951 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع