آخر أيام عهد الكوابيس

                                          

                           إبراهيم الزبيدي


لو أن المالكي، في طول حكمه غير الرشيد، صب جلَّ اهتمامه على الطائفة، وأنفق نصف ثروات الوطن المنهوبة على إنصاف محافظاتها، وإعمار مدنها، ولا نقول قراها، ونورها وطورها وحدثها، لوجدنا باريس وجنيف وفينا وروما ودبي وأبو ظبي وجدة والرياض في البصرة والناصرية والحلة والديوانية والنجف وكربلاء،

ولرأينا الآلاف بل الملايين من الزوار والسياح العرب والأجانب يحجون إليها وينفقون فيها أضعاف ما أنفقته عليها الحكومة، ولعرفنا أن رئيس وزرائنا رجل مبدأي نزيه ومخلص لطائفته على الأقل، ولصدقنا دعوته إلى إقامة (دولة آل البيت)، ولما اعتبرناها مزايدة انتهازية انتخابية (واطية) ومخجلة ومعيبة تصدر من واحد يُفترض أنه يقود وطنا لا محل عطارة،  وشعبا لا عصابة.
فعلى امتداد ثماني سنين، لم نجده، ولو في أضيق الحالات وأقلها، باذلا لأبناء طائفته صادق عطفه وحبه وإخلاصه، مساويا بين موالٍ لحكمه ومعارض، لا يلفق على فريق منهم دون فريق ملفات التهم الباطلة، ولا يأمر بمداهمة منازل بعضهم دون بعض فيرويع نساءهم وأطفالهم، ولا يبخل على مدارسهم ومستشفياتهم ومزارعهم وشوارع مدنهم وبيوتهم بالماء والدواء والكهرباء، كما يبخل على (أعدائه) في المدن المشاكسة التي يسكنها أحفادُ يزيد أعداءُ الطائفة وقتلة الحسين.
ولو كان صاحب (مَرجلة)، وقائد أمة بحق وحقيق، لدعا في الحشد الانتخابي في النجف إلى الالتفاف حوله من أجل إقامة دولة (آل مالك)، بصراحة وبالقلم الأخير.
ويكفي للتدليل على أن (آل البيت) أصبحوا بضاعة يتاجر بها هذا السياسي المنافق في حملاته الإعلانية الدنيوية السلطوية العابرة أن مرجعه الديني نفسه، السيد علي السيستاني، رفض استقباله بسبب غضب المراجع كلها من فشله في إدارة البلاد، وتسبّبه بأزمات داخل التحالف الشيعي نفسه.
ومعلوم أن شيعة المجلس الأعلى والمعسكر الصدري وكثيرين من المستقلين في الائتلاف الوطني أعلنوا، بصراحة وصرامة، أنهم لن يسمحوا للمالكي بخداعهم مرة رابعة. هذا إذا صحت رواية الزميل حسن العلوي التي أكد فيها قيام المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم بابلاغ إيران بأنها أعطت الوزارة لحزب الدعوة ثلاث مرات، وأنه لن يقبل بذلك مرة أخرى، وأن الإيرانيين ردوا عليه بالقول: "نحن مع الذي يربح على الأرض". هذه المرة.
ورغم ما في هذه الرواية من خنجر مسموم يُغمد في جسد الوطن، ويحزُّ نصلـُه أعمقَ أعماق الروح الوطنية العراقية العزيزة، لأنه يعلن أن مقدرات الشعب العراقي، بكل تاريخه ومكوناته، صارت من نصيب الباب العالي الإيراني، ومن أسلابه وسياياه، إلا أنها تخبرنا، دون حاجة إلى تكهنات، بأنه نهاية هذا الرجل الذي فقد عقله وأهله وبوصلته أصبحت شبه مؤكدة وقريبة لا تفصلنا عنها سوى أسابيع.
وأملنا الحقيقي أن تصدق النوايا وتثبتت المواقف، فلا تغدر دولة الولي الفقيه، ولا يتراجع المجلس الأعلى والصدريون، ولا يقايض السياسيون المحترفون السنة أهلهم ببعض مناصب وعمولات، ولا يرتكب الكورد نفس أخطائهم الفادحة في الدورتين السابقتين، ثم يتحالف هذا الجمع الكبير مع المستقلين العراقيين الداعين إلى إقامة دولة مدنية عاقلة وعادلة وديمقراطية، وهم بالملايين.
هذه هي الفرصة التي يترقبها القريب والبعيد لهذا الوطن الذي تحمل فوق ما يطيق من قهر وظلم وإفساد وتجهيل وتخريب. وهذا وحده الذي سيسقط الديكتاتور. فنوري المالكي ليس أفضل ولا أمنع على القانون من حسني مبارك ورجال عهده، ولا من محمد مرسي وإخوانه، ولسنا نحن أدنى من الشعب المصري تمسكا بالعدالة، ولا أقل شجاعة في انتزاعها من غاصبها، مهما كان وأيا كان.
فمن ذا الذي ينكر أنه حكمنا بالإرتجال في السياسية والمال والاقتصاد؟! ومن الذي يشك في أن علاقات الدولة الخارجية بجيرانها وكثير من دول العالم ضبابية متقلبة تحكمها العواطف والمصالح، من إيران إلى تركيا وسوريا والسعودية والأردن والكويت وحتى مع الأميركان؟ّ
ومن يستطيع أن يتحمل هوسه بالسلطة وأمراضه النرجسية المتوطنة وميله إلى الهيمنة المزاجية الشخصية على أجهزة الدولة، والتفرد بتعيين رؤسائها وأفرادها، والتحيز لشلة واحدة ولحزب واحد في جني أثمارها وخيراتها اليانعة؟.
ومن يجادل في أنه أشعل، وما زال يشعل، حروبا أهلية مخفية ومعلنة، ويُقربنا شيئا فشيئا من حريق شامل لا يقل ضرارة عن الحريقٍ السوري الذي لا ينتهي؟!
هذا هو عراق نوري المالكي. سبعة ملايين عراقي تحت خط الفقر، وفق بيانات المنظمة الأميركية العراقية لحقوق الإنسان. وأطفالٌ، بالملايين، دون مدارس، هائمون في الشوارع مع الكلاب السائبة. وملايين الفلاحين دون مياه شرب، ودون صحة ولا دواء. وعمالنا العاطلون عن العمل تغص بهم مقاهي الوطن الحزينة وأرصفة شوارعه المحطمة. والمُهجَرون والمهاجرون يكابدون ويصارعون من أجل لقمة عيش في حارات دمشق وعمان وأنقرة والقاهرة وأثينا وبيروت، بلا أمل في عودة أو معين.
علماؤنا وخبراؤنا وشعراؤنا وكتابنا وفنانونا متناثرون في أرجاء الدنيا الواسعة، وسفاراتـُـنا مرابعُ للحبايب والأقارب ومراكز ارتزاق وبذخ وفجور لهذا الزعيم أو ذاك.
وكثير من حبايب دولة الرئيس، من جياع الأمس الذين كانوا يعيشون على فـُـتات معونات دول اللجوء، يملكون اليوم عمارات شاهقة في لندن وعمان وبيروت ومصر ودمشق ودبي، وطائرات خاصة يتنقلون بها من عاصمة إلى أخرى. وما خفي كان أعظم.
أما آن الأوان ليشمر جميع الحقوقيين الوطنيون الشرفاء عن سواعدهم، محامين وخبراء قانون دولي وجزائي وجنائي، ويبادروا، من الآن، إلى تشكيل هيئات متخصصة في ملفات متختلفة متعددة، هيئة متخصصة بالشؤون العسكرية والأمنية، وأخرى بالتجارة والمال والاقتصاد، وثالثة بالشؤون التعليمية والتربوية والثقافية، ورابعة في شؤون الإسكان والماء والكهرباء، وأخرى بشؤون العقار والزراعة والري، وحتى في شؤون العلاقات الخارجية، في انتظار نهاية عهد الكوابيس، مع أواخر نيسان / أبريل الحالي، لمراجعة كل قرار وكل أمر وكل اتفاق وكل عقد، وكل إذن صرف، وكل حالة إعدام واعتقال واغتيال واختلاس وتزوير، كل أمر بمداهمة منزل في قرية أو مدينة، وكل أرض أو نفط أو مياه أو مال قدمت دون حق، ولحسابات شخصية سلطوية، هبة لشخص أو حزب أو جماعة في الداخل أو الخارج، وعلى مدى ثماني سنين من حكمه غير الحميد.  
نريد أن نعرف كم مرة وكيف داس على الدستور، وتطاول على البرلمان وتنكر لجميع شركائه الآخرين. ومن أمر وسهل وغامر بتهريب السلاح والمقاتلين والمال من إيران إلى سوريا، واستخدم طائرات الدولة العراقية ودباباتها ومدفعيتها ورجالها لعبور الحدود وقتل أشقائنا السوريين دون مبرر ولا عذر ولا مصلحة، غير مصالح دولة خارجية، ودون استشارة أحد، لا رئاسة ولا برلمان ولا مراجع.
راجعوا كل جريمة لم تعلن نتيجة التحقيق فيها، ودققوا في كل حكم أصدره قُضاتُه المنافقون. كل تلاعب حدث في مصرف، وبالأخص في البنك المركزي. كل عملية شراء قصور وعمارات وفنادق وشركات أجراها أحد أفراد أسرته أو مساعديه ومستشاريه. كل عمولة دفعت لأحد منهم في صفقة بيع وشراء تخص الدولة ومؤسساتها ووزاراتها وسفاراتها. ثم من الذي أمر وخطط وسهل عملية نسف مرقد سامراء ولماذا. وماذا ومَن في سجونه ومعتقلاته العلنية والسرية معا، وبأي ذنب وبأي حق وتهمة. ثم من أمر بتهريب زعماء داعش والقاعدة من سجن أبي غريب وسهل أمر عبورهم إلى سوريا، وكيف ولماذا.
وقبل هذا وذاك سارعوا، وفور إعلان نتائج الانتخاب، إلى أصدار أمر قضائي عاجل يمنع سفره وسفر جميع وزرائه وقادة مخابراته وأمنه وجيشه ومساعديه ومستشاريه، من أجل تحصين الغد الجديد، وتطعيم الحاكم القادم ضد أمراض الظلم والفساد والعمالة والغرور وجنون السلطة الغاشمة، وليس من أجل الانتقام من حاكم خان الأمانة، وأفقر وطنه ومواطنيه، وجعل أيامهم سبتا أسود وأحدا دامٍيا وأيام اثنين وثلاثاء وأربعاء وخميس وجمعة غارقة في الدماء والدموع. كفاية كفاية. فهل تفعلون؟؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع