علي السوداني
مخّي مثل كرة قدم ، تركلهُ ألف فكرة وفكرتان . هطيل الكذب فوق الشاشات أشسع من ناقوط الصدق . مللتُ من لوكِ الذكريات ، وتدخين الأيام المعتقات.
أحتاج قنبلة عملاقة من صنف مسيّلات الدموع السواخن . لم تعد مناحات سلمان المنكوب تنفعني ولا فراقيّات يوسف عمر . اشتريتُ البارحة علبة كبريت باكستانية مكتوب على وجهها المنجّم بالثلاث ، أنّ صعقة بارودها ستكون آمنة ، ودمغة على ظهرها الأحمر ، أنها تحمل ببطنها واحداً وأربعين عوداً سالماً . الأمر لم يكن كذلك أبداً . مع كل شخطة عود ثقاب ، كان عليّ أن أنزف ربع دم قلبي على منظر قميصي الجديد وهو يتلقى شظايا البارود . أمّا عديد عيدان الكبريت فكان فقط سبعة وثلاثين عوداً ، منهم أربعة مكسّرات ، وخمسة بلا غطاء بارود ، واثنان ملتصقان مثل توأم سيامي . قد يتوهّم واحدٌ منكم وواحدة منكنَّ بأنّ المسألة سهلة ولا تستجلب كلّ هذا الحيف والقهر المبين . هنا سأكون من عتاة الصرحاء وأُخالفكم بما توهمتم وذهبتم إليه ، فأرى ما لا ترون وأقرأ ما لم يقرأه سوى من تفتّحتْ عيونهُ بسطل لبن ، أو شهقة تيزاب .
قبل البارحة بثلاثة أيام وساعة ، كنتُ وبعض صحبي في رحلة ممكنة لاستعادة زمان السينما والناس . دار سينما مذهلة من دون رائحة رطوبة عطنة ، ولا سبعة آلاف فأرة تمرّ بين ساقيك كل دقيقة فانية من زمان الفلم ، ولا شائل صينية لفّات بيض وعمبة وصمّون ، ولا صندوق خشب مزروعة فيه أربعٌ وعشرون زجاجة بيبسي وشابي وسفن ومشن وكراش وسينالكو وكندادراي وتراوبي وميراندا ، ولا إصابة عارض الشريط بعارض ثول ، ينقطع معه بثّ الفلم عشر ثواني كانت تكفي لرشق عامل المكينة وارتكيس التركماني المسالم ، بتهة العور .
فلم عصريتي والصحب كان من نوع أفلام السجون . استمتعنا بالأداء والإخراج والإنتاج الفخم والموسيقى التصويرية ، ثم صعدنا إلى مقهى السنترال ، وعلى شفشطة رشفات أوَل من فناجين القهوة المرةّ الطيبة ، انفتح حديث لذيذ بين الفنّ والأدب وتبيّن أنّ انطباعاتنا البكر عن شرائط السجون المشهورة التي منها سجن الكاتراز ، هي أننا كنا قلباً وروحاً وعقلاً ودعاء مع كل محاولة هروب ممكنة لسجناء حتى وإن كان واحدهم من عتاة حرامية البنوك العملاقة . شخصياً ، كنت أدعو الباري العزيز الجليل ، أن ينصر مورغان فريمان وكلينت ايستوود وجاك نيكلسون وروبرت دي نيرو وبرت لانكستر وشكري سرحان وفريد شوقي على حراس السجن ، وأن ينزل عليهم سلطان النوم الجبار ، ويعين مقصاتهم على قساوة السلك الشائك ، ومطارقهم وأزاميلهم وأظافرهم الذاهبة صوب نفق طويل سينفتح حلقهُ بعد شهور ، على نهيرٍ أسود نصف مددهُ ينبع من مِعَد السجناء والسجينات . كان هذا الجدل التلقائي الرحيم قد ساح على مفتتح القعدة ، وفجأة اكتشفنا أننا أدباء وفنانون رحماء طيبون ، نرسم الفراشات الملونات ونكتب البحر ، ونصنع من المزبلة حديقةَ أمل وحب ، ومن تلك اللحظة المشؤومة ، لبسنا أقنعتنا فانفصمت أبداننا وأرواحنا ، وانرفعت أكفنا صوب الله تدعو بالصحة والعافية لمدير السجن والشرطيين ، وبفخاخٍ أرضية عظيمة تأكل من رجل دي نيرو بطّتها ، ومن كفّ آل باتشينو ، الخنصر والبنصر والسبّابة والوسطى ، ليبقى الإبهام قائماً شاهداً على ما جنت يداه .
كنّا مع المجرم ضدّ الشرطيّ ، ثم انقلبنا على ما كنا عليه ، تماماً مثل ما حصل من قبل مع ثنائية توم وجيري الخالدة .
ألقناع في النصّ نعمة وصحة وعشبة خلود ، لكنه في منبت صلاة ، أو سؤال وطن ، سيكون علة وداء . ألم أقل لكم أن الدنيا ليست على ما يرام ؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1215 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع