ميسون نعـيم الـرومي
تعاقبت على حكم العراق سلالات مختلفة جعلته ولاعوام طوال ميدانا لصراعاتها على النفوذ والسيطرة ، واستمر العراق على هذه الحال تتلاقفه الايدي وتلعب به الاطماع حتى قدرله ان يقع فريسة لجهة اكثر دموية جرّته الى الكثير من الويلات والمآسي على مر تأريخه الذي حكم به العراق الا وهو حزب البعث ، الذي أحال البلد الى رماد ،
وجعل الشعب يعيش واقعا مريرا مملوءا بالظلم ، والقهر والحروب والحصار ، والمقابر الجماعية والموت والحرمان والـذل ، وبكل الـطرق والوسائل المشروعة ، وغير المشروعة ، ومن ثم سلـّمه الى أسياده على طبق من فضة .
واستمرت المأساة ، والخراب ، والمذابح ، وببدع جـديدة أخرى تخالف كل الشرائع ، تقشعر لها الأبدان من تصفيات لكل ماهو خير وسام تحت عباءة الدين وهو منهم براء ، ورداء المحاصصة المـقيتـَـة ، والطائفية البغيضة ، وتصفية المثقفين ، والعلماء ومحاولة اخلاء البلد من اقلياتة ، واصوله القومية ، والدينية المختلفة
عـّم الفساد ، وسادت الرشوة ، واستفحل الفقر والجهل والتخلف ، وانتشر الخراب ، فــَـتـَـريـّـفـَـت المدن ، وعاد مهد الحضارات الى الوراء سنين وسنين
استمرت هجرة الشعب افرادا وجماعات وعوائل ، وتفرق العراقيون في ارجاء المعمورة تتقاذفهم أيـاد المهربّين الجشعة لتمتص ماتبقى لديهم حتى النخاع
واصبحت العائلة الواحدة كل منها في طريق ودولة ، ولكل منهم قصة يشيب لها الوليد وتقشعر منها الأبـدان
العوائل المحضوضة من هذا الشعب استقرت في دولة واحدة ، ومنهم من تشتت في دول متباينة ، وهناك الكثير منها واثناء محاولة العثورعلى وطن جديد بلعه
بحر لايرحم ، فتاه اسمه وعنوانه ليترك قلوبا ملتاعة تحاول العثور له على اثر
وصلت أعداد من هاجر الى حوالي اربعة ملايين , تقطعت العائلة الواحدة بلا أشلاء , واستمرت الآلام والمعانات مبتدأة بالغربة والتشتت وضياع الهوية ومعاناة تلومعاناة مرة اخرى ومن نوع مختلف .
لم تعد الأعياد أعيادا.. ولا الملابس ملابسا ولا الأعراس أعراسا ، ولا حتى الخبز خبزا بل ولا الماء ماء ، فتعلـّم المهاجر أن يبكي بلا دموع ، وحتى الدموع تحجرت في احداق العيون , ويتألم بلا صوت ، و ينزف بلا دماء ، ويصرخ بصمت ويبتسم وصخور تجثم على صدره , تعلـّم ان ينسى له شهادة طويلة عريضة دفع سنين عمره وشبابه ثمنا لها ليبدأ من تحت الصفر ، وتمض الأيام والسنون ولم يتعلم الا الصمت ، والسكوت ، وهو في مكانه غريبا تائها حتى عـن نفسه بل ضائعاَ في نفسـه
شـبّ الأطفال مع مفاهيم وقيم حضارية ، وتقاليد جديدة تناقض وتضاد فكر ومفاهيم وأعراف الآباء ، وبلغة اخرى يتكلمون ، عجز اباؤهم عن اتقانها ... فضاع التفاهم والتواصل ، والقاسم المشترك الذي يلتقون عنده , وأصبح افراد العائلة غرباء عن بعض ، تجمعهم امور حياتية بسيطة فليس هناك حوار مشترك فكل منهم يعيش بنفسه ولنفسه فقط ، وأحيانآ يعيش الأنسان غريبآ حتى عن نفسه أو في داخل نـفسـه .
ونتيجة للإستيطان في دول متباينة ، برز مفهوم جديد للمواطنة , فقد أصبح للأبناء لغات متباينة ، وأوطان متعددة ، وبهذا انقطعت الروابط العائلية بينهم ، وذابت بل انصهرت العائلة العراقية ، وسوف تنتهي بانتهاء الجيل الوسيط الذي يربط ماضيهم بحاضرهم
سؤال يطرح نفسه ترى هل سيستقر هذا البلد المعطاء يوماَ ؟ هذا البلد الذي يعوم على بحر من الذهب الاسود ، وابنائه جياع تتلاقفهم المصائب والضياع والابادة المخططة المرسومة .
هل سيخجل الحكام يوماَ ويكفـّوا عن سرقة اموال شعب اعتاد الحياة البدائية ليعيش في ظلمة وقهر وضياع ؟ لقد نسي شعبنا العظيم انه كباقي شعوب العالم له كل الحق في العيش الرغيد ، ونسي أنه وحده من له الحق في الثورة والنهوض من جديد ليصحح الميزان ، ويرمي الحكام المستبدّين في مزبلة التاريخ فالحقوق كما هو ثابت تنتزع انتزاعا
والشعوب كما هو معروف هي وحدها أداة التغيـيـر .
2125 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع