عبد القادر ابو عيسى
حكمة المقال :~ أنما ألأمم الأخلاق ما بقيت * فأن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ساتر العيوب :
كان احد السلاطين مصاب بداء الكآبة ’ صفاته انهُ يحب شعبه عادل يحترم ويجل الأدباء والعلماء ’ في يومٍ ما اشتد عليه المرض رافقه أرق وقلق منعه من النوم وفي ساعة متأخرة من الليل خرج ممتطياً جوادهِ ألأدهم ’ هائماً يتجول بين احياء عاصمته ِ الجميلة وحدائقها الزاهية وأشجارها الوارفة الظلال , وحرّاسه يتبعونه ويعلمون بحاله وحزينين لأمره يدعون لهُ بالعافيةَ في سرائر نفوسهم , وفجأة ظهر له بناء كبير وضخم روعة في الهندسة والجمال , تفاجئ بهِ ’ نادى على رئيس حراسهِ سألهُ عن هذا البناء الرائع وماذا يكون . أجابهُ رئيس الحرس .. مولاي .. أنه احد منجزاتك العظيمة .. دار العلوم والمعرفة .. في سلطنتكم العامرة المحفوظة .. يأمه ُ طلاب العلم من كل ألأمارات المجاورة لمكانته العلمية الرفيعة ففيه خيرة المدرّسين في كل العلوم علاوة على الامتيازات التي تكرمتَ بها على الدارسين من سكن ومأكل ومساعدة مالية للأساتذة والدارسين .. فتعجب السلطان .. وقال .. أحقاً هذا .. ومنذ متى .. فردَّ رئيس الحرس .. منذ زمن بعيد يا مولاي .. فطلب السلطان من رئيس الحرس أن ينادي على حرّاس الدار لفتح بابهِ .. أتو الحراس مهرولين وفتحوا باب دار العلوم . كانت باب ضخمة من خشب الصاج ألأبَنوسي منقوش عليها عدد من الآيات القرآنية وبعض الابيات من الشعر والحِكم تليق بالبناء الظخم العالي . دخل السلطان وحرسهَ من خلفه يتجولون في صحنه الكبير الذي تحيطه الصفوف وغرف منام الدارسين المتكوّنة من طابقين تعلوها سقوف تحتها شُرف جميلة مثبتة على أعمدة خشبية مزخرفة غاية في الروعة تطل على ساحة الدار الواسعة . كانت اضوية غرف الدارسين مطفية والجميع نيام الا غرفة واحدة أثارت أنتباه السلطان . سأل حرّاس الدار عن السبب . رد الحراس .. قديكون الطالب يطالع دروسه .. قال السلطان ايعقل ان يبقى طالب علم مستيقظاً حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل .. لا لا أبداً .. قد يكون مريظاً .. ؟ أتجه السلطان الى الغرفة المضاءة . نظر من ثقب مفتاحها الواسع . رأى الطالب جالساً وأمامهُ قارورة خمريتناول منها وبجانبهِ رف عليه عدد من الكتب السميكة تغطي في حجمها القارورة كونها مكتوبة على رقع من جلود الحيوانات ’ أمتعض السلطان وهو يحدثُ نفسهِ كيف لهذا الطالب أن يفعل هذا مستغلاً مساعدتنا لهُ . طرق السلطان الباب وهو يراقب رد فعل الطالب . عند ما سمع الطالب الطرق على الباب أستغربَ واندهش بادياً عليه الارتباك ويسأل نفسه يا ترى من يأتيه في هذه الساعة . لابد من أن هناك أمرٌ جلل .. ويردد في سرهِ الله يستر الله يستر . وفي سرعة أخفى القارورة خلف أحد الكتب الموضوع في نهاية الرف ووضع كتاباً مفتوحاً مكانها موحياً بالمذاكرة والمطالعة وأحرق شيء من البخور . فتح الطالب الباب اندهش عند رؤيتهِ السلطان .. سألهُ السلطان عن حاله وبلده القادم منها وأثنى على سهرهِ لغرض المذاكرة لهذا الوقت المتأخر من الليل . شكرهُ الطالب على كرمهِ ورعايتهُ للعلم وللدارسين , وقال بلادي تبعد مسيرة شهر عن عين الشمس بأتجاه الصين ويقصد بكلامه الدلالة والمديح لبلد السلطان . اقتربَ السلطان من الكتب الموضوعة على الرف وتناول أحدها وسأل الطالب عن الكتاب . فأجاب .. مولاي أنهُ كتاب المثالب في شعر عثمان ابن طالب . واستمر السلطان بسحب الكتب وسؤال الطالبُ عنها والطالب يجيب السلطان عن اسئلتهِ في هذه الأثناء فطن الطالب بأن امره قد انكشف وأن السلطان يظمر له شيئاً . الى أن وضع السلطان يده على الكتاب الذي يخفي القارورة فسأل السلطان الطالب عن الكتاب دون ان يرفعهُ . فأجاب الطالب السلطان بذكاء قائلاً .. مولاي أنهُ ساتر العيوب لأبي الطيب المنسوب . ولم يكن اسم الكتاب كذلك . ضحك السلطان وفهم قصد الطالب .. فرد السلطان على الطالب قائلاً .. سترنا عيبك .. سألهُ أيظاً .. وماذا يخفي وراء عنوانهِ هذا .. فأجاب الطالب .. أذا بُلِيتم بالمعاصي فأستتروا .. وعفوكَ للراجي عظيمٌ لهُ أثرُ .. فرد السلطان على قول الطالب أحسنتَ القول والعذر.. نظر مرافقي السلطان بأندهاش الى السلطان والطالب والمحاورة التي دارت بينهما دون ان يفهموا شيئاً .. غادر السلطان الدار وقد خفّت الكآبة عليه . عاش الطالب حالة من القلق والذعر منتظراً نهاية الأسبوع ’ موعد توزيع المنحة المالية التي يرافقها في العادة ما يتخذ بحق الطلاب من عقاب وثواب . نوديَ على اسم الطالب الذي كان يتوقع عقوبة الجلد وحجب المنحة عنه وطرده من الدار .. تقدمَ الطالب وهو في أشد حالات القلق والهلع يقدم رجلٌ ويؤخر أخرى . نادى عليه صاحب ديوان المنحة مرة أخرى طالباً منه الاسراع . والتوقيع على استلام ما مقرر له .. خاطبهُ الطالب متسائلاً .. سيدي هل هناك عقوبة .. ؟ اجاب صاحب الديوان .. كلا بل تمت مضاعفة منحتكَ المقررة .. فتسائل الطالب مندهشاً عن السبب .. فرد صاحب الديوان عليه .. لاأدري لماذا .. لكنها بأمر سلطاني يقول الزيادة جاءت ( لأمورك المستورة ) هنا انفعل الطالب وهتف بصوت عالِ .. يحيا السلطان يحيا السلطان .. ياريت كل السلاطين مثلك يا سلطان . يحيا سلطان السلاطين . ومن يومها لقّبَ هذا السلطان بـــسلطان السلاطين .
الحاكم الجائر والذباب :
يحكى أن حاكم جائر جاهل كان يعامل شعبه بقسوة ويمنع عنه كل خير . ويكره العلم والعلماء ويستكثر عليهم الفرح . أنتشر الذباب يوماً في أمارة هذا الحاكم على حين غرة وبشكل غير مسبوق . تضايق الحاكم من ذلك . وفقد اعصابه وساء مزاجه حتى مع اقرب الناس اليه واصبح لايعرف كيف يتصرف . نادى على وزراءه وسألهم عن الحل لهذه المعظلة المزعجة . أجابوه بأنهم مثلهُ منزعجين وعاجزين عن ايجاد مخرج لهذه المشكلة .. سألهم لماذا خلقَ الله الذباب .. فردوا عليه بأنهم لايعرفون جواباً لسؤاله ونصحوه بسؤال علماء الأمارة . طلبَ منهم ان يستدعوا كل علماء الأمارة ومن يدعي العلم . فتم لهُ ذلك وأجتمع بالعلماء وطرح عليهم سؤال ( لماذا خلق الله الذباب ) وأخبرهم بأن من يجيبُ على سؤالهِ ويقنِعهُ لهُ مكافئة مقدارها خمسون ديناراً ذهبياً , وهذا المبلغ يساوي ثروة طائلةٌ في ذلك الزمان . ومن يعجز عن الأجابة سيجلدهُ خمسون جلدة . فعجزوا ولم يستطع احد منهم الأجابة واقناع الحاكم . فجُلدوا جميعاً . وأزداد غيضاً واستشاط وصاح بأعلى صوتهِ على وزيره الأول .. هل بقي أحدٌ في الأمارة يدعي العلم ولم يحضر فأخبره الوزير بأن هناك شخص يدعى المجذوب الناس منقسمين عليه قسم مقتنع بأنهُ عالم وحكيم والقسم الآخر مقتنع بأنهُ مجنون .. فقال الحاكم مخاطباً وزيرهُ وماذا يقول هو عن نفسه .. فأجابَ الوزير .. يدّعي بأنهُ أعلم من كل علماء الأمارة . فصرخَ بعصبية .. أحضروه أمامي .. فقال الوزير مولاي أنهُ نزق وقد تسمع كلاماً منه لايليق بمقامك العالي .. فقال الحاكم أحضروه امامي .. وما هي الا لحضات وحضر الشخص المطلوب .. وقف امام الحاكم رث الثياب اشعث الشعر حافي القدمين . سألهُ الحاكم لماذا انتَ على هذا الحال السيء .. أجابهُ على الفور .. هذا من كرمكم وجزيل عطاياكم وخيركم الجزيل الذي حملتهُ مطاياكم . قال السلطان .. سنسألك سؤال أن اجبتنا وافيناك بجائزة نضاعفها لك مقدارها مئة دينار وان لم تعرف الاجابة على السؤال جلدناك مئة جلدة . فماذا تقول .. نسأل أم تنصرف وتستر حالك ولا تدعي العلم بعد ذلك . فما تقول يا مجذوب .. فردَ المجذوب أسأل وهل لعالم مثلي أن يخشى سؤال من مثلك . فقال الوزير لا عليك سيدي فليس على المجنون من حرج .. فقال المجذوب على الفور .. نعم ياسيدي ليس عليكم حرج أسأل .. فضجّ المكان بضحك الحاضرين .. فستشاط الوزير قائلاً تأدبوا في مجالسكم .. فقال المجذوب دعهم دعهم مجانين ليس عليهم حرج .. فزدادوا في ضحكهم مستغرقين .. ..فعاد الحاكم السؤال ..لماذا خلق الله الذباب .. فقال المجذوب .. سميّ الذباب ذباباً لأنهُ ذبَ فآبَ ( أي كلما نبعدهُ يعود ) فقال الحاكم نعرفُ ذلك ..! . جاوب على سؤالنا . لماذا خلق الله الذباب .. فقال المجذوب .. خلق الله الذباب ليذل به خشوم الجبابرة .. فضج ديوان الحاكم بكلام وهمهمة غير مفهومة مع استغراب الجميع من جواب مجذوب وجرأتهِ .. وقال رئيس الحرس أمرك يا مولاي لأجلدنهُ .. وساد الهرج والمرج ومجذوب يضحك بصوت عال ٍ فقال الحاكم ماذا قلتَ يامجذوب فرد المجذوب وما في ذلك ..! أأنتَ منهم ..؟ اي الجبابرة . فضجّ المكان بالضحك من رد مجذوب . فنظر الحاكم الى وزيره قائلا لهُ أعطوه الجا ئزة وأبعدوه عنا وأكفونا شره . فرد المجذوب أثنان لايجتمعان في مكان واحد حكيمٌ عالم وجاهلٌ حاكم ظالم . وخرج المجذوب بعد أن قبض الجائزة وخاطبَ الوزير ألأول حاملاً كيس النقود رافعاً يده بوجه الوزير ويفرها يميناً ويساراً وهو يقول ألم أقل أنكم مجانين وهو يقهقه ويعيد القول .. ليس عليكم حرج ..؟
شكراً على قراءتكم المقال أتمنى أنه ُقد نال رضاكم
عبد القادر ابو عيسى ~ 18 / 3 / 2014
1710 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع