سعد الأوسي
كثير من قصص الذاكرة القريبة تحضرني الان وأنا اقرأ خبر المدلول مهدي ابن السيد وزير النقل والمواصلات ن.ض هادي العامري وهي قصص من زمن صرنا نسميه الان زمن الديكتاتورية بعد ان عشنا زمن الديمقراطية الجميل وذقنا عسلها على يد الديمقراطي الكبير الحاج نوري المالكي حفظه الله ورعاه وصحبه الميامين من رجالات الدعوة الاسلامية والمجلس الاسلامي و منظمة بدر الاسلامية ( ياجماعة شنو احنا كنا كفار والجماعة جوي يعيدونا للاسلام ,, لبيك اللهم لبيك )
احدى تلك القصص الديكتاتورية الظالمة من ذلك الزمن البائد الذي نكرهه لانه كان يفرض علينا حالة الامن والامان بالقوة الغاشمة والظلم ويوزع علينا حصة تموينية شبه مجانية تحتوي على اكثر من 12 مادة بالقوة والظلم ايضا ولم يكن يسمح لغرام واحد من المخدرات بالتداول على ارض الوطن مما يعتبر نوعا من انواع الاضطهاد ومصادرة الحريات ( اكتفي بهذا القدر من الامثلة خوفا من تهمة الاجتثاث و 4 ارهاب و5 كباب ) , تقول القصة القديمة ان ابن رئيس الوزراء الاسبق الدكتور سعدون حمادي كان معجبا بفتاة تسكن في شقق زيونة وكان يلاحقها ويضايقها كثيرا وربما قضى ساعات تحت شقتها بانتظار ان تظهر من شباك او تخرج لحاجة كي يتعرض لها ,وقد حاول بعض شباب المنطقة ان يتصدوا له بعد ان اصبح وجوده تحديا سافرا لكرامتهم ورجولتهم , لكنهم لم يكونوا يعرفون من هو هذا الوجيه الكاشخ صاحب السيارات الفارهة الذي يبدو انه ردعهم بشدة بعد ان كشف عن هويته الرفيعة وصار ياتي الى الحي بمرافقة سائق مسلح من ذوي العضلات والشوارب المفتولة , وحين اعلمت الفتاة والدها بالامر وعرف الاب ان الشاب المقصود هو ابن رئيس الوزراء شخصيا شعر الرجل بتردد وعجز عن مواجهة مثل هذه المصيبة الكشرة التي تحيق بابنته , وقد حاول استشارة بعض اصدقائه لحل هذا الموقف الحرج الحساس الذي لايخلو من خطورة فأشار عليه احد القريبين بفكرة الاتصال هاتفيا برئيس الجمهورية على رقم مكتبه المعروف والذي غالبا ما يجيب هو شخصيا عليه او ربما واحد من اقرب مرافقيه نيابة عنه, فكر الاب كثيرا بهذا الاقتراح المخيف ولم يجد له قبولا في نفسه خاصة وان الشاب المذكور ابن رجل قريب جدا من قلب الرئيس وثقته التامة وطالما اناط به اكبر واهم المناصب التي كان آخرها اعلى منصب تنفيذي بعد رئيس الجمهورية وهو رئاسة الوزراء ومن غير المعقول ان يعاقب ابنه لهذا الامر البسيط او الذي يبدو بسيطا قياسا للاحداث الخطيرة التي كان يمر بها البلد في الحرب , كل هذه الافكار المتوجسة كانت كافية لكي تجعل الاب يعدل عن الفكرة التي نصحه بها صديقه ولكنه في الوقت ذاته كان يرى في عيني ابنته خوفا وقلقا يعذبانه ويدفعانه للاقدام على اية خطوة مهما كانت خطورتها و نتائجها , وفي لحظة حسم الرجل امره وامتدت يده الى التلفون ليدير الرقم الخاص الذي اعطاه صديقه اياه , لم يرن الجرس في الطرف الاخر سوى مرتين ثم جاء الرد سريعا : مكتب السيد الرئيس تفضلوا .
حبست المفاجأة انفاس الرجل اذ لم يكن يتوقع ان يكون الامر حقا وسريعا هكذا , كان الصوت المتحدث اجشا متينا واضح الحزم بتلعثم واضح اجاب الرجل : مرحبا سيدي انا المواطن
قاطعه المتكلم على الطرف الاخر قائلا :
عفوا , لست السيد الرئيس , نحن مكتبه , تفضل اعرض مشكلتك وسنضعها بين يدي السيد الرئيس عندما يسمح وقته .
همّ الرجل باغلاق الخط خوفا وحرجا من الموقف , كان يتمنى لو ان الرئيس هو الذي اجاب على اتصاله , فالرئيس كما يسمع عنه مستمع جيد لمشاكل الناس بينما هذا الموظف الذي يرد بجمود قد لا يتفهم الوضع او يكون رد فعله خشنا حادا باعتبار ان المشكلة اصغر من ان تعرض على مقام الرئيس في مثل تلك الظروف, لكن الموقف لم يكن يحتمل فكرة اغلاق الخط فمن المؤكد ان الرقم قد ظهر لديهم الان وسيعرفون من المتصل بسهولة .
ـ عفوا استاذ انا المواطن فلان الفلاني والد الطالبة فلانة وهي طالبة في المرحلة الاعدادية , والحقيقة ان ابن احد المسؤولين يعاكسها ويلاحقها ويضايقها ونحن نخاف منه ونخاف ان يتطور الموقف الى اكثر من ذلك .
ما اسم ابن المسؤول هذا وماذا فعل بالضبط .
بصعوبة بالغة قال الاب : انه الاستاذ فلان ابن سيادة الدكتور سعدون حمادي رئيس الوزراء المحترم .
وهل اعتدى على البنت ؟؟
في هذه اللحظة دخل على المكالمة صوت ثالث مخاطبا المرافق الذي كان يرد على المكالمة قائلا : هذا ليس شأنك , حسب التعليمات التي لديك عليك ان تعطي الرجل موعدا ليقدم شكواه مكتوبة خاصة حين يتعلق الامر بمسؤول او ابن مسؤول .
امرك سيدي
اجابه الصوت الثالث آمرا : اغلق الخط ودعني اكمل الحديث مع الرجل .
لم يكن الصوت الجديد سوى صوت الرئيس صدام حسين شخصيا حيث يبدو ان لديه آلية للدخول على المكالمات بين مكتب المرافقين المكلفين بالرد والمواطنين اثناء عرض شكواهم ليطمئن الى سلامة الردود والاجراءات ولكي يبقى المكلفون بالرد على اهبة الاستعداد والتحسب دائما فقد يكون الرئيس في اية لحظة يسمع الى حواراتهم مع المواطنين .
اكمل الرئيس توجيهه لوالد البنت : اكتب كل ماحدث في عريضة وتعال غدا في الثامنة صباحا الى استعلامات المجلس الوطني , لا تخف من احد واذكر كل ماحصل بالاسماء والوقائع .
حين اغلق الرئيس الخط ظل والد البنت ذاهلا من غرابة ماحصل ولم يكن متاكدا من صاحب الصوت الثالث الذي دخل في الخط فجأة ولكنه عرف ان سفينة الامر قد اقلعت ولم يبق من سبيل للتراجع .
في صباح اليوم التالي قدّم الرجل عريضته لاستعلامات المجلس الوطني لكنهم امروه بالانتظار ليجد نفسه في غضون اقل من ساعة امام الرئيس شخصيا في مكتبه الرسمي الذي يدير منه شؤون الدولة, وقد رحب به بحرارة واستمع الى كل التفاصيل ووعده ان يقتص من المذنب في حال ثبوت فعله اذ ليس هنالك من حصين امام العدالة والضمير مهما بلغ مكانه ومرتبته .
بعد ثلاثة ايام فقط اتصلت بدالة القصر الجمهوري بالرجل لتخبره ان يبلغ اقرباءه واصدقاءه ومن يشاء من معارفه وجيرانه وشباب الحي للتجمع امام العمارة التي يسكنها في ساعة محددة من اليوم ذاته لانتظار توجيه من السيد الرئيس , كان الجميع في ترقب لما سيحصل وقد تجمعوا في ساحة امام بناية والد البنت وكان فيمن حضر مختار المنطقة وممثلو الحزب ايضا حين ظهرت سيارات الامن الخاص برئيس الجمهورية ليترجل منها بعض افراد الحماية الخاصة وجهاز الامن الخاص مصطحبين معهم ابن رئيس الوزراء وهو مقيد اليدين الى الخلف , وقد قرأ احدهم على الناس المجتمعين توجيه الرئيس لعقاب هذا المعتدي قليل الادب والاخلاق , كانت عقوبة الرئيس تقضي بان يحلق رأس الولد ( نمرة صفر ) باهانة امام اعين جميع من كان يشاهده يضايق البنت متحديا وجودهم , واشترطت العقوبة ان يجلس ابن رئيس الوزراء على صفيحة ازبال قديمة (تنكة) و يحلق رأسه ( بموس اعمى ) ثم يجلد بعد ان يقدم اعتذاره العلني للعائلة التي سبب لها كل هذا الالم والخوف والحرج امام الناس.
دارت ذكرى وقائع هذه القصة في بالي وانا افكر بموقف دولة رئيس الوزراء نوري المالكي الان من موقف مهدي بن هادي العامري الذي منع طائرة بكل ركابها من الهبوط في مطار بغداد بمجرد اتصال تلفوني لانها لم تنتظر تأخيره وغادرته بعد ان نادت عليه اكثر من مرة في مطار بيروت ولم يجب حضرته . ترى ماذا سيفعل الان دولة رئيس الوزراء رئيس دولة القانون امام مثل هذه الاهانة لعشرات الركاب العرب والعراقيين الذين كانوا على متن تلك الطائرة واضطرهم ابن الوزير للعودة وربما فوت عليهم مواعيد واعمال وارتباطات , اضافة لعشرات الركاب المنتظرين في مطار بغداد للمغادرة على متن الطائرة ذاتها في طريق عودتها الى لبنان , ومن سيدفع الخسائر المالية والعقوبات المترتبة على هذا الفعل الارعن لشركة الخطوط اللبنانية ومنظمة الاياتا العالمية التي تتولى تنظيم شؤون الطيران المدني في العالم , وكيف سنصلح الحال ونعيد الثقة في التعامل مع شركات الطيران التي عادت الى تسيير رحلاتها من بغداد بشق الانفس و( بالتواسيل ) على حد القول العراقي بعد طول مقاطعة .
لا اشك ان السيد وزير النقل سيصطحب ابنه بعد ايام لزيارة عمه الحجي نوري المالكي وسينتهي الامر بـ ( حب عمك و حب خالك ) مع وعد من ابومهيدي بعدم تكرار الامر مرة ثانية , ولان الحجي نوري ديمقراطي وقلبه طيب جدا سيسامح ويعتبر الموضوع ( جوه البساط ) كما يقال في الفصل العشائري اكراما لعيون المجاهد هادي العامري قائد منظمة بدر خاصة وان الانتخابات على الابواب والحاج نوري بحاجة الى كل الائتلافات والتوافقات والاتفاقات والصفقات الانتخابية من اجل عيون ولايته الثالثة , ثم انه ديمقراطي ومتسامح ولايتفق مع الطرق القاسية التي كان يمارسها الرئيس الدكتاتور الطاغية الذي كان يبطش في عقوباته, هل عرفتم الان الفرق بين الديمقراطي والدكتاتور !!!
بصحتك حجي ,,و كاسك ياوطن ,, جعب بداعتي جعب ....!!
1933 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع