دلع المفتي
حينما يصفع المسعف وجه المغمى عليه، فذلك لإعادته إلى رشده ووعيه. وهذا بالضبط ما تفعل بنا الأقدار أحياناً، تصفعنا لنعود إلى وعينا ولنرى الأمور على وجه مخالف.. نعم من الضروري أن يصيبنا السوء لنقدر الخير، ونتذوق المر لنشعر بالحلو، ونعاني القبح لنرى الجمال. هذه الثنائيات مطلوبة كي نعيش.
يقول المثل الكويتي «ربي لا يراويك غلاك»، بمعنى أني أدعو الله ألا تمر بمحنة حتى لا أضطر لإظهار حقيقة مشاعري تجاهك. وهذا بالضبط ما حصل معي، اذ كنت من المحظوظين عندما أراد الله لي أن أتلقى تلك الصفعة الخفيفة كي أرى ما عميت عنه. فأن أتعرض لتسونامي من المحبة والتعاطف والتشجيع والدعم لهو أمر لا يساهم في عملية المداواة والشفاء فحسب، بل يجعل من المحنة «منحة» حب وسعادة.
نحن نتلقى تعاطف الأهل والأقرباء والأصدقاء باعتباره مضمونا ومعتادا، لكن ماذا عن أشخاص لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ ماذا عن مغردة تذهب لجمعية خيرية لتتبرع بمبلغ من المال على نية الشفاء لشخص لا يمتّ لها بصلة؟ ماذا عن سيدة غريبة تستوقفك فقط لتقول لك انها خصصت دعاءها لشهر كامل لك؟ ماذا عن موظفة لم يهن عليها رؤيتك وأنت متهالك من عبء مرضك، فتجلسك وتأخذ أوراقك لتنهي بالنيابة عنك أوراق معاملاتك؟
إنها أمثلة قليلة أدهشتني وأنبتت فيّ إيمانا عميقا بالخير الموجود حولنا، ولكننا لا نركز عليه، أمثلة قليلة جعلتني أعد نفسي بتقييم الحياة بطريقة أكثر إيجابية. سأبحث عن الجمال وأغضّ الطرف عن البشاعة. سأتحسس مكامن الخير في النفوس البشرية، وسأصدق مقولة أن الإنسان خيّر بطبيعته، وأنه ينشأ على الفطرة السوية، وأن الأخيار أكثر من الأشرار، وأن الخير يعمّ والشر يخصّ.
فإلى جانب ما نراه من قبح وألم ومعاناة وفساد وطمع ونفاق وكذب وخداع، مازال هناك في المقابل جمال وحب وعطف ومروءة وشهامة ونبل وإيثار وكرم.. لكننا ولسبب خفي نتداول ونتناقل السيئات ونغضّ الطرف عن الإيجابيات. نتعامى عن الجمال والحب والخير لننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، بل أحيانا لا نرى من الكأس إلا طرفه المثلوم. ما رأيكم أن نفعل العكس؟!
1711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع