د.عبدالقادر محمد القيسي
بداية ما دعاني للكتابة بهذا الموضوع والولوج في بعض فنياته وخباياه لما تعرضت له خلال فترة الستة أشهر الماضية من هجمة شرسة على بريدي الالكتروني وصفحتي بالفيس بوك وبطريقة ماكرة جعلتني محط لعدة تأويلات رافقتها اتهامات اضيفت للاتهامات السابقة بالإرهاب والتي جعلتني مشردا طريدا واوصلتني الى اشد الاحكام قسوة واني صابر ونطلب من الله الوقار عند الشدائد والصبر عند المكاره، واني اتناول الموضوع بصورة عامة بعيدا عن الطابع الفني او حتى القانوني البحت واقول:
أن كل ما ينشر عبر الإنترنت، أصبح متاحًا للجميع، فإذا كان الشخص لا يريد أن تكون خصوصياته مشاعًا، فكل ما هو إلكتروني ومرتبط بالإنترنت معرض للاختراق مهما كانت وسائل الأمان الموجودة، كل شيء معرض للسرقة، الهاتف الذكي الذي نحمله بين أيادينا. إيميلاتنا التي تحمل أسرارنا بل حتى الموقع الالكتروني كما حصل في شركات نفطية خليجية كبرى ومواقع حكومية عراقية ودولية عديدة، كلها معرضة للاختراق والسرقة.
هناك استغلال واسع لأجهزة الاتصال الحديثة باستخدامها في الاحتيال عبر الانترنت وسرقة البنوك والتهديد عن طريق أجهزة الهاتف النقال المتطورة والسب والشتم والقذف أو البريد الالكتروني وظهرت المواقع الالكترونية المتعددة الاتجاهات وظهرت الاف المواقع التي عنت بالتواصل الاجتماعي وعرض مقاطع الفيديو والتعارف وهناك مواقع تخصصت في بث الاشاعات والتحريض على العنف والكراهية والفسوق ونشر الكتابات والاتهامات بأسماء حقيقية او وهمية، وتخصصت بعض المواقع في نشر الصور العائلية والشخصية وأنصح الجميع وخاصة الفتيات بالاحتفاظ بصورهن وأشيائهن الخاصة في فلاشات خارجية غير متصلة بالإنترنت ومسح كافة المحادثات فورا، فكثير من الأشخاص يتعارفون على عن طريق الإنترنت ويتجاذبون أطراف الحديث بالدردشات الحية، ومن الممكن أن تمتد هذه العلاقة إلى تبادل الصور والمعلومات وقسم منها انتهى بعلاقات فاسدة و زواجات فاشلة، لان الشخص الآخر ينتحل شخصية لا تعبر عن حقيقة شخصيته واخلاقه.
الإيميل هو البريد الإلكتروني، وهو يختلف عن البريد التقليدي الذي لا يعدو كونه ملكاً للغير ومودع أسرار وممتلكات. أما الإيميل (البريد الإلكتروني) فهو أكثر من ذلك بكثير، حيث يمتزج بشخص صاحبه؛ فعلاوة على أن الاستيلاء عليه يمثل اعتداء على ملك الغير وانتهاكا لحرمة أسرار، فهو انتحال لشخصيته، ذلك أن من أخطر النتائج المترتبة على الاعتداء على الإيميل هو أن الجاني يستعمله في مخاطباته ومراسلاته وكتاباته مع الغير بالاسم الذي يعرف به صاحب الإيميل.
إن واقعة الاعتداء على البريد الإلكتروني تشكل العديد من الجرائم المبينة نصاً في قانون العقوبات؛ وهي تتعدد بتعدد غرض الجاني (القصد الجنائي) وسلوكه الإجرامي، فهو فعل واحد إلا أن الجرائم تتعدد وتتنوع، سواء كانت لدافع إجرامي واحد أم لدوافع متعددة. فبمجرد وقوع الاختراق تتحقق جريمة انتهاك الحرمة، فكما لا يجوز الدخول إلى المساكن والسيارات وتفتيش الحقائب، لا يجوز أيضاً الدخول إلى البريد الإلكتروني.
أما إذا استعمل الجاني البريد الإلكتروني وهو خاص بالغير على اعتبار أنه هو صاحبه خصوصا في مخاطباته مع الغير أو توجيه أو استقبال مراسلات عليه او كتابة مقالات باسمه فهو يعتبر انتحال للشخصية، حيث أن الإيميل يرقى ليتمازج مع شخص صاحبه (كما قلنا) إذ أن العلاقات المميزة للبريد إلكتروني عن غيره هي ذاتها التي تميز الشخص الطبيعي في العالم الإلكتروني, إذ يعرف الشخص بمسمي بريده الإلكتروني (بالرغم من وجود الاف من الايميلات المسجلة بأسماء وهمية), ومن ثم يكون الجاني قد استعمل اسم الشخص صاحب البريد الإلكتروني (المجني عليه) وانتحل شخصيته في العالم الإلكتروني.
س/ هل القواعد القانونية التي تنظم وتضبط جريمة السطو على البريد الإلكتروني من النظام العام؟
من البديهي أن للنظام العام عناصر ثلاثة؛ الصحة العامة، والسكينة العامة، والأمن العام.
كما تنقسم القواعد القانونية من حيث الإلزام، إلى قواعد آمرة وأخرى مكملة؛ والقواعد الآمرة ـ وهي التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، أما المكملة فهي التي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، والذي يتضح من هذا التعريف الموجز وبالرغم من أنه قصير إلا أنه يبين نتيجة هامة، وهي أن القواعد الآمرة هي التي تمس كيان المجتمع ولا تقتصر على شخص معين، بخلاف المكملة التي لا تتعدى الأفراد أطراف العلاقة، وبتطبيق تلك القواعد التي تنظم جرائم السطو على البريد الإلكتروني سواء في التشريع التقليدي، أو التشريع المستقبلي، فإنها من القواعد الآمرة لكون هذه الجريمة تمس الأمن العام الذي هو أحد عناصر النظام العام ، وعلى اعتبار أن ذلك يمس المجتمع فهو من القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ومن ثم فإن هذه القواعد من النظام العام .
والمشرع العراقي نص في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بالمادة 433/1 بان القذف هو اسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شانها لو صحت ان توجب عقاب من اسندت الية او احتقاره عند أهل وطنه ويعاقب من قذف غيرة بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين ، والمشرع العراقي اعتبر ارتكاب الجريمة بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او بإحدى طرق الاعلام من الظروف المشددة التي تستوجب تشديد العقوبة باعتبار ارتكاب تلك الجريمة قد حصل بطريق العلانية والمنصوص عليها في المادة (19) من قانون العقوبات العراقي والذي عد من وسائل العلانية ارتكاب الجريمة عن طريق الصحافة والمطبوعات وغيرها من وسائل الدعاية والنشر.
وفي بعض الأحيان لا تقتصر المسؤولية على الجاني بل تتعداه إلى الغير، وذلك عندما تقع الجريمة من داخل مقهى إنترنت على سبيل المثال ، أو من غير صاحب الخط الخاص ، عندها تكون المسؤولية مسؤولية مركبة، فإن القانون الذي ينظم نشاط مقاهي الإنترنت هو القانون التجاري، سواء من حيث ضرورة الالتزام باستصدار ترخيص، أو من حيث مسك الدفاتر التجارية، دفتر الجرد والميزانية، والآخر دفتر اليومية، وهذا الأخير مهم جداً، إذ من الأحوال اليومية المتعلقة بمحل الإنترنت تسجيل الزبائن، وساعة الحضور والانصراف، وغيرها من البيانات التي تقلل من وقوع الجرائم الإلكترونية وتساعد كثيراً في ضبطها.
ولكن هل التشريعات الوطنية لحالية بإمكانها معالجة وضبط هذا النوع من الجرائم المستحدثة؟ وهل بالإمكان تطويع هذه النصوص لتنبسط على الوقائع المستحدثة؟ وفي حالة إصدار تشريع معاصر لذلك، فما هي الأسس والجذور القانونية لهذا التشريع؟ وما هي التدابير الاحترازية للوقاية والتخفيف من مخاطر هذا النوع من الجرائم؟
اسئلة مطروحة لأصحاب الاختصاص.
يستخلص من هذه العجالة النتائج الآتية: -
1-شدة خطورة جريمة السطو على البريد الإلكتروني لتعدد أبعادها فتصل إلى جريمة انتحال الشخصية والابتزاز وكشف أسرار و..... وإلخ .
2-من الممكن معالجة هذا النوع من الجرائم بما هو موجود في التشريعات التقليدية حالياً مثل القانون الجنائي والقانون التجاري والقانون المدني، وذلك لفترة مؤقتة ولحين صدور تشريع خاص.
3-المشرع العراقي بحاجة إلى إعادة النظر في المادة 433 من قانون العقوبات العراقي وتشديد العقوبة لهذه الجريمة وخاصة ارتكاب جريمة التشهير والتحريض على العنف والكراهية والطائفية عن طريق الانترنت والمواقع الالكترونية.
4-تنشأ على هذا التأصيل القانوني الذي سبق توضيحه من أن القواعد التي تنظم جريمة السطو على البريد الإلكتروني من النظام العام – وذلك شأنها شأن القانون الجنائي – عدة آثار، أهمها :
الاثر الاول/ اعتبار هذه القواعد القانونية من القانون العام : وهي أهم النتائج لأن هذه الجريمة تمس الأمن العام الذي هو أحد عناصر النظام العام الذي يرتبط مع القانون العام ارتباطاً شرطياً .
فالقانون العام بخلاف القانون الخاص (الذي ينظم العلاقة التي لا تتجاوز أطراف العلاقات الخاصة للأفراد أو من في حكمهم)، أما القانون العام فهو الذي ينظم ويضبط العلاقات التي تتصل بالكيان الاجتماعي والتي عادة تتعهد الدولة أو أحد المؤسسات التابعة لها بتطبيقه.
الاثر الثاني/ إن الدولة هي التي تقوم بإصدار التشريعات اللازمة لحماية الأمن العام بواسطة الأجهزة التشريعية، وتنفيذها عن طريق أجهزتها التنفيذية، ولها في سبيل تحقيق هذه المصلحة العامة المبتغاة امتياز التنفيذ المباشر باعتبارها ذات سلطة عامة، سواء قامت بها هي مباشرة أم عهدت بها للغير.
5-إن المسؤولية الجنائية وكذلك المسؤولية المدنية من شـأنهما ردع الجناة والتقليل من غلواء وقوع هذا النوع من الجرائم
6-محو أمية الإنترنت لدى العاملين في مجال القضاء والجهات ذات العلاقة وضرورة تكثيف المؤتمرات وكذلك الندوات واللقاءات في هذا المجال.
7-تقرير عقوبات تأديبية من قبل شبكة الإنترنت أو إدارة الموقع وذلك مثل الحرمان المؤقت أو المؤبد من استخدام الإنترنت للشخص الذي يسيء استعماله واتخاذ تدابير احترازية للعاملين من المهنيين في مجال النت حالة إساءة استعمال المهنة.
وانقل ما قاله الاستاذ الصحفي ابراهيم الزبيدي في مقالته مؤخرا ((أما استحداث المواقع الإلكترونية المجهول مكانها وعنوانها ومديرها المسؤول، واستكتاب مرتزقة يتخفون وراء أسماء مستعارة ليصبوا على السياسيين المنافسين، عربا وكوردا، شيعة وسنة، سيولا من الكلام البذيء والقصص الملفقة التي لا يصدقها عقل سليم. ..حتى أنا العبد الفقير لله لحقني رذاذ من شتائم تلك المواقع، على لسان شتامٍ شجاع جدا يقاتل باسمٍ مستعار، ولفق علي قصصا أقل ما يقال فيها إنها مضحكة لا قيمة لها ولا يصدقها....نحن في زمن العجائب ,, في العراق اللصوص امناء والمأبونين شرفاء والفاسدين عفيفي النفس والأميه اصبحت وزيره والعربنجي صار نائب وسياسي والمومس صارت ملايه وارتدت الحجاب والامير بدأ يكتب روايات الحزن والفقير يكتب روايات الفرح كل شيء بالعراق يسير بالمقلوب وعكس عقرب الاخلاق والشرف)) .
واخيرا نؤكد: ان حق النقد قد رسمه القانون وفق شروط محددة لا يجوز تجاوزها ومنها صحة الواقعة محل النقد أو الاعتقاد بصحتها وإن تكون صياغة عبارات النقد في عبارات مناسبة والقصد منها تحقيق المصلحة العامة وإن القانون لا يسمح التعرض لحياة الناس الخاصة إلا بالقدر الضروري الذي يحقق المصلحة العامة وإن الديمقراطية لا تعني التشهير وذلك إن النقد الهادف والبناء بقصد عرض الحقيقة او كشف جرائم او ممارسات غير شرعية هو هدف الصحافة.
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
4/3/2014
1448 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع