عامر عبد الرزاق الزبيدي
هناك أسئلة كثيرة تراود فكري عن الزيارة المرتقبة للبابا:
ماذا يعني قدوم شخصية مثل بابا الفاتيكان إلى مدينة في أقصى الشرق مثل الناصرية؟ وماهو الترابط والصلة بين الشخصية والمكان؟ ومن يحلم بقدوم من؟ ومن الذي ينتظر أكثر على أحر من الجمر الأخر؟.
فلو أخذنا شخصية البابا ومكانتها الروحية والاجتماعية والسياسية في العالم نرى أن تلك الشخصية تحضا باحترام الجميع وقدسيتهم له فهو أعلى شخصية روحية عند الشعب المسيحي, وخاصتا إن الديانة المسيحية تعد الغالبية العظمى على وجه الكرة الأرضية, والجهة المسيطرة على إدارة السياسة العالمية, وأن الواعز الديني لدى جميع الشعوب محرك أساسي لاتجاهاتهم و اديولوجياتهم الفكرية وميولاتهم العاطفية , فإذا ذكر البابا شخصية معينة يجب أن تلتفت جميع الأنظار آلية ودراسة ذكر البابا له, وإذا زار البابا مدينة ما فجميع الشعب المسيحي ترتسخ في ذهنيته أهمية تلك المدينة التي زارها البابا, أذن البابا قطار قدسي تتمنى جميع المحطات العالمية أن يقف عندها ولو لبرهة قليلة, وكيف لا يكون ذلك وهي تلك الشخصية الكرازمية الهادئة المهيبة المحترمة التي تفرض احترامها على الجميع بمختلف الأديان والمذاهب والطوائف, فيعد البابا رجل السلام والمحبة والوئام, وهو الذي يدعوا إلى تجنب الحروب في كل مناسبة ولا تكاد تخلو خطاباته الروحية من ذكر الحب والتعايش السلمي لجميع الأديان في الأرض, ووضع الإنسانية المحرك الأساسي لأحترم الآخر, ويتصف البابا أيضا باحترام الرأي الأخر وعدم مصادرة آراء الغير كما تلاحظوه في المسيرة البابوية طيلة تلك السنين , ووجوده يعتبر صمام أمان يستطيع أن يحرك نحو الأفضل , وتهدأت العواصف وبذل الجهود لتحويلها إلى نسيم رقيق لا يضر.
أما الناصرية تلك المدينة الواقعة جنوب العراق فترجع الرقعة الجغرافية لتلك المحافظة إلى أقدم من عشرة آلاف عام تلك المدينة الضاربة بالقدم ففيها أقدم مدينة متحضرة في العالم وهي أريدو , وبها أول دويلة وحدة بلاد وادي الرافدين (اوما) , وبها أقدم إصلاحات بشرية , و أول تعبير لكلمة الحرية (امارجي) في لكش , و أول كاتب في البشرية (دودو), وأول مدون , وأول مشروع أروائي , وأول مدرسة , و أول معبد , وبها المدينة الثانية التي نزلت بها الملوكية من السماء (بادتبيرا) , وأقدم تل أثري يرجع الى العصر الحجري الحديث (تل ألعويلي), وبها مدينة العبيد , ومدينة لارسا , ومدينة كرسو , ومدينة زابالام , ومدينة كيسيكا , ومدينة نينا , ومدينة كي ــ ان, وبها أكبر وأقدم إمبراطورية شهدها العالم القديم وهي أور التي أسست بها إمبراطورية أور الثالثة تلك الحاضرة السومرية ومدينة القمر, أنه سحر المكان في أور , وترنيمة الخلود التي عزفها شولكي وبقى صداها إلى يومنا الحاضر نسمعه في زقورتها ومعابدها ومقبرتها ,فتلك الامبراطورية التي دامت أكثر من قرن وسيطرت على أجزاء واسعة من المنطقة أسسها أورنموفي عام 2112 قبل الميلاد , ففي أور أول فكرة للبناء المدرج (الزقورة) , فهي أقدم من الاهرامات المصرية وأهرامات الانكا والمايا في بيرو والمكسيك, وفيها قصر شولكي الذي نقل به ادارة السلطة من المعبد الى القصر والذي أسس به دار لتعليم الموسيقى , وبها أول متحف في التاريخ في معبد (كيك ـ بار ـ كو) الذي يعود زمن بناءه الى الملك امار سن وعثروا الاثاريين في أحدى قاعاته على قطع اثرية تعود الى عصر أقدم من بناءه ,وكما ذكرت الكتب السماوية وكتب البلدانيين القدماء في اور ولد إبراهيم(ع) وعاش بها وهذا ما أعطى للمدينة قدسية خاصة.
وفي أور يوجد أول دار عدالة في التاريخ في معبد (( دب ـ لال ـ ماخ )) , وأول قانون في العالم خط من أور (قانون اورنمو).
جميع هذه الأمور في المحافظة (ذي قار) وفي (أور) خصوصا دعا أن يفكر بابا الفاتيكان جديا بزيارتها منذ سنين طويلة , وبدأت عام 1997 عندما أراد البابا زيارة أور لكن النظام البائد أراد أن يحولها إلى زيارة سياسية ومكاسب خاصة للنظام آنذاك مما اضطر البابا لإلغاء تلك الزيارة.
وبعد سقوط النظام ألصدامي وجهة دعوه رسمية من السيد رئيس مجلس محافظة ذي قار(الأستاذ قصي ألعبادي) ولقاءه ب بابا الفاتيكان , وقد حضي هذا الطلب وهذه الدعوة باهتمام لجنة الأساقفة البابوية في الفاتيكان , وبعد فترة من الزمن أتت الموافقة الرسمية من قبل البابا بزيارة الناصرية ومتحفها ومدينة أور الأثرية.
ولدى البابا خطة لبداية مواسم الحج المسيحي لمدينة أور الأثرية التي سوف تستقبل مئات الآلاف من الحجاج المسيح بعد زيارة البابا , الذي سوف يلقي كلمة من على زقورة أور , وحسب المخطط له ستكون كلمة سلام والدعوة للتعايش السلمي بين كل الأديان ونبذ العنف والطائفية. وبذلك سوف تكون أور قبلة العالم الجديد التي تهفوا النفوس لزيارتها من كل حدب وصوب .
وعلى الحكومة المركزية في بغداد والحكومة المحلية في المحافظة عليها أن تستغل تلك الزيارة المرتقبة ونوظفها التوظيف المثالي لها ونحول مدينة أور إلى محطة لأنظار جميع العالم , والاستمرار في تنقيب المدينة فكل تلك المواقع المهمة الموجودة في أور والاف القطع الاثرية التي أستخرجت من المدينة وملئت المتاحف العالمية لا يتجاوز التنقيب بها سوى 5% من مساحة المدينة وما خفي تحت التراب سيكون بلا شك تكملة لما موجود وقصة عظمة يصعب تصديقها , وأستكمال لحقائق غابت طويلا .
وقد أتخذ مجلس محافظة ذي قار قبل أيام خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح بعد أن خصصت مليار دينار عراقي لتأهيل متحف الناصرية ومدينة أور الأثرية , وقد أطلق مجلس المحافظة حملة وطنية كبرى لتأهيل وصيانة وتنقيب مدينة أور , وجعلها مدينة سياحية عالمية.
وقد اهتمت وزارة السياحة والآثار بهذا الحدث العالمي فقد خصصت مبلغ مالي قدرة مليار دينار لمدينة أور وتأهيلها لاستقبال السياح العالميين , ومن ضمن خطط وزارة السياحة والآثار هو إنشاء متحف في مدينة أور يكون مخصص للقطع الأثرية التي يعثر عليها في المدينة أثناء عمليات التنقيب, وقد أرسل معالي وزير السياحة والآثار الدكتور لواء سميسم وفد رفيع المستوى لمدينة أور لتحديد أهم ما تحتاج إلية المدينة.
وهذا الأمر من تأهيل أور ومتحف الناصرية سوف يولد اقتصاد بديل مهم للمحافظة وللعراق لان هناك واردات كبيرة سوف تجنى من السياح القادمين , وفرص العمل الكثيرة التي من شأنها أن تتوفر أذا أصبح لدينا مدينة سياحية عالمية. علما أن العالم الان يعيش صناعة السياحة حيث يوجد 126 دولة في العالم تعتمد الان في اقتصادها على السياحة الاثارية .
وقد سجلت دائرة اثار ذي قار توافد أعداد كبيرة من الزائرين لمدينة أور في شهر اذار من عام 2012 بلغ خمسة عشر الف زائر عراقي وأجنبي , وهذا يعد أكبر عدد يزور المدينة منذ سقوطها في 2006 قبل الميلاد الى الان .
وندعو الجميع من الحكومات المركزية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات لدعم هذا المشروع والترويج له وإنجاحه , وهذا يعني أبراز الوجه المشرق لحضارة بلاد وادي الرافدين , وتنشيط السياحة الاثارية في المحافظة التي تظم (1200)ألف ومأتي موقع أثري وهي بذلك تعد أكثر من آثار فرنسا وايطاليا مجتمعتان.
وفي الختام أقول لو استغلت اثار ذي قار ومدينة اور الاستغلال الحقيقي وتهيأتها كمدن سياحية لعاش العراق بأكمله من خيرات تلك الموارد بدون الحاجة الى قطرة بترول ؟؟؟.
عامر عبد الرزاق الزبيدي
مدير آثار محافظة ذي قار
1334 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع