سارة فالح الدبوني
حقاً أن من الكلماتِ في حياتنا ماتتجاوزُ حدودَ كونها مجردَ كلمةٍ في قاموسِ اللغة..!
فمنها ماتمَ التعاملُ معها بجديةٍ فائقةٍ تتجاوزُ كلَ المفاهيم والحدود..! فبدلَ أن تكونَ مُجردَ كلمةٍ عابرة..تمت احاطةُ كلمةِ "مؤامرة" بأُطرٍ هيكلية أصبحت من خلالها أكثر من مُجرد كلمة لتتحول الى أساسٍ لنظريةٍ مُتكاملة "نظريةُ المؤامرة"..!
فالصعوبات التي كان يواجهها فلان في المدرسة وإخفاقاته في الدراسة مؤامرةٌ من الأساتذة..!
زعلُ أصدقائه منه مؤامرةٌ رتبوها ضده..!!
المشاكلُ التي تحتاكُ أيامه مؤامرةٌ دبرها له الناس..!!
وفي البيت..هناكَ مؤامراتٌ تُحاكُ ضده من قِبَلِ العائلة..!!
أبي وأُمي يُحبانِ شقيقي أكثرَ مني..وشقيقي يُدبرُ مؤامراتٍ ضدي كي أُعاقب..الخ والخ من المؤامرات..!
وحتى مشاكلُ البلاد..والمشاكلُ التي تسودُ الوضع الراهن..هي مؤامرة من أجندة خارجية تعبثُ وتعبث في سبيلِ تشويشِ كُلِ لحظةِ هدوءٍ نعيشُها ..!!
كُلُ شيءٍ عبارةٌ عن مؤامرة ما إن ينتهي فصلٌ منها حتى يبدأَ آخر..!!
ولكن..في هذه الحال أصبحَت المؤامراتُ كثيرةً ولاتُطاق..كيفَ لإنسانٍ أن يعيشَ حياةً هادئةً بينما يشُكُ بكلِ من حوله..!!
بالتأكيدِ هيَ ليست مشكلةُ فردٍ أو فردين..!! بل الآلاف والآلاف ورُبما الأغلبية الساحِقة من أبناءِ هذهِ الأُمة يُعانونَ من عُقدةِ المؤامرة..!! تلكَ هي الطبيعةُ لشخصياتٍ تنقُصها الإرادة..وتنقصها الثقةُ بالنفس..فترمي بالملامةِ على الغير..لتهرُبَ من واقعِ التقصيرِ والإخفاق..!
وعندها يسهُلُ القيامُ بأسهلِ خُطة..وهي الالقاءُ بإخفاقاتنا واسبابِ فشلنا على شماعةٍ تُسمى الآخرين..!خصوصاً وأن الإيمان الاعمى بنظريةِ المؤامرة يمنعُ اكتشافَ كافةِ ابعاد الحقيقة..والفهم الصحيح لكافة المعطيات والأسباب التي تكمنُ خلفَ كُلِ حدث..!
فصيغةُ المؤامرة أصبحت تحتلُ مكانةً مرموقةً في وعينا العربي..السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى العلمي..! حيثُ اعتقادنا أن كُلَ مايحدث في كافةِ جوانبِ الحياةِ ليسَ بمحضِ صُدفة..وإنما هو ناتج عن أسباب وقرارات واضحة المعالم للبعض وغامضة للبعض الآخر..!!
بمعنى أن كُلَ مايحدث في بلادنا تكمنُ خلفهُ أيادٍ خفية وشريرة تنسجُ كُلَ شيءٍ كما ينسجُ العنكبوتُ بيته..!
بالتأكيد..العالمُ العربي وعلى مرِّ العصور كان ولازالَ هدفاً لكثيرٍ من الدولِ الأجنبية خصوصاً لما يحتويهِ من ثرواتٍ وموقع جغرافي ولما تمثلهُ حضارتهُ من قيمٍ ومعتقداتٍ تُنافسُ جميعَ الحضارات..!
ولكن..مواجهةُ تحالفاتِ تلكَ الدولِ لاتأتي عن طريق الإعتقاد بمبدأ المؤامرة..بل عن طريق الحد من اسبابِ نسجِ خيوطِ التآمر..
فهُنالكَ من يُحملُ الغير مسؤوليةَ أخطائهِ وإخفاقاته..بل ويُحاول تبرئةَ نفسهِ من الفشل فيخدع نفسهُ بالتالي ويوهم الآخرين بغيرِ الواقع والحقيقة..وهُناكَ من يكتفي برجمِ المؤامرة باللعنِ كما يفعلُ لإبليس..!
إنَ مبدأ نظرية المؤامرة يكاد يقضي على عقولنا وذكائنا وقد سلبنا قدرتنا على التفسير الحقيقي والجدي للأحداث..وتلكَ هي الكارثة..!! فمُجردُ سماعِ لفظِ كلمةِ مؤامرة يجعلُ سامعها يشعرُ وكأنهُ في عالمٍ آخر عالمٌ مجهولٌ مليءٌ بالإرتباكِ والحيرة..
في جميعِ الأحوال لايسعُنا الخوضُ في تفاصيلِ الأسبابِ التي جعلت العقلية العربية ترتمي في احضانِ نظريةِ المؤامرة التي وجدَ فيها أصحابها مهرباً لما يعانونهُ من فشل..ولكن لمعالجةِ هذا الداءِ الخبيث يجبُ أن لانخجل من نقدِ ذاتنا وسلوكنا وأن لانخجل من نشرِ غسيلنا مهما كانَ قذراً وإن رآهُ الناس لأن نشرهُ سيجعلهُ نظيفاً..!
فالإنسانُ العربي دائماً بحاجةٍ لوقفةٍ صادقةٍ معَ نفسه وتحليلِ مشاكلهِ من مُنطلقٍ واقعي بعيدٍ عن نسجِ الخيالِ وبعيداً عن إلقاءِ ملامةِ وقوعهِ في فخِ الفشلِ على الآخرين...
ومن خلالِ ذلك يُمكنُ أن يتجاوز دوامةَ المؤامرة التي يعتقد إنها حُبِكتْ من حوله..!
1441 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع