شعاع بين حمورابي وعمر و علي

                                          

                       عبد القادر أبو عيسى

شعار المقال

السيف أصدقُ أنباءً من الكتبِ * في حدهِ الحد بين الجد واللعبِ

من الغريب أن لا نجد تفسيراً للكثير من الأمور . منها الألتزام ( الأخلاقي ) بين الماضي والحاضر . الماضي بزمنه العميق منذ اكثر من خمسة آلاف سنة , عندما يشرّع حمورابي القوانين وينقشها على مَسلّته المشهورة , يحق الحق ويعطيه لأصحابه . القوانين التي فيها تعتبر ما نسميه اليوم دستوراً ملزماً للناس في ذلك العصر . من رقيّها ومنطقيتها التي لا تسطيع حكومة العراق وحكومات العالم أن تجاريها أو تستوعبها أذا ما قارنا امكانات تلك الفترة بالحاضر والمفاهيم المتداولة في كل مجالات الحياة على بساطتها . أذكر شيئ منها . أذا سرق مواطن على الشرطة ان تعثر على السارق وان فشلت في ذلك عليهم تعويض الشخص المسروق من مالهم الخاص . والحالة الأخرى اذا اتلف مواطن أهمالاً أو متعمداً زرع مواطن آخر , فيؤخذ زرع الجاني ويعطى للمجني عليه . واليوم كيف نرى الشرطة العراقية والقوانين العراقية بهذا الخصوص

عندما حدث السبي البابلي لليهود : أهل بابل لم يقتلوا اليهود أو ينكلوا بهم أثناء جلبهم الى بابل . بل سمحوا لهم بالسكن في المناطق المحيطة بأسوارها وسمحوا لهم بمزاولة الزراعة والأعمال التجارية وعاملوهم معاملة حسنة .

نأخذ مثلاً آخر منذ الف واربعمائة سنة , لماذا ابعد الخليفة الثالث عمر بن الخطاب ( رض ) { سعد بن زيد } ولم يرشحه للخلافة مع بقية الصحابة المُختارين , رغم انه مؤهل لذلك ومات سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلّم وهو راضٍ عنه ..؟ فَهمَ الجميع قصد عمر العادل من ذلك , لا يريد ان يرشح احداً من اقربائه لأنهم  من نفس القبيلة . وعندما سُأل الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) وهوجريح ينازع الموت بعد أن طعنهُ المجوسي الملعون ( أبو لؤلؤة فيروز ) لعنه الله ولعن من يحبه ويشيد به ويوافقهُ على فعلته الخسيسة تلك . سألهُ الصحابة هل يوصي لأحدٌ من ابنائه او أهله بالخلافة , قال قولته ُ المشهورة { يكفي واحداً من بني الخطاب يقف بين يديّ الله }

( و عقيل أخو علي بن ابي طالب ) وكان ضريراً سألهُ بأن يعطيه شيئٌ من بيت المال , سألهُ الخليفةعلي ( رض ) الم تأخذ حقك أسوة ببقية المسلمين . قال بَلا ولكني أطمح بالمزيد . فقال علي لماذا .. رد عقيل .. لأنك أنت الخليفة وبيدك أمور العباد , وكانا جالسين حول موقد من النار . فقال الخليفةعلي .. أبسط كفّيك يا عقيل فظن عقيل بأن الخليفة علي سوف يعطيه شيئ من المال . لكن علي ( رض ) وضع حفنة من الجمر في كفي عقيل . . فصرخ عقيل قائلاً ماهذا يا ابا الحسن .. أطلبُ منك مالاً فتضع في يدي جمراً .. فردَ عليه الخليفة قائلاً..أنك لم تتحمل نار الدنيا.. فكيف تريدني أن اتحمل نار الآخرة يا عقيل .!

أو في حرب الخليفة علي بن ابي طالب مع الخوارج ومعركة الجمل أمر أتباعه أن يصلّوا على قتلى أعدائه وعدم أخذ أموالهم . فأستغرب اتباع علي .. وقالوا لهُ .. وكيف ذاك .. وهم يقاتلوننا . . فرد عليهم قائلاً .. أنهم مسلمين أجتهدوا فأخطئوا .

هذه المفاهيم وما تحتويه من قيّم وعدالة والحرص على الرعية وعلى الأمانة والمصلحة العامة ونكران الذات وتجنب الخطأ. هذا التراكم من المفاهيم والتقاليد الراقية الرحيمة وما تحويه خَلق اساس البناء الانساني للبشرية واتخذ كمسطرة للقياس من قبل كل الأمم دينية أو غير دينية  .

في مرة دخل  علي على  الخليفة عمر رضي الله عنهما ليلا في بيت مال المسلمين وكان يقرأ في ديوان بيت المال على ضوء شمعة . فأطفئها الخليفة عمر . فسأله علي لماذا أطفئها .. فرد الخليفة عمر .. أن هذه الشمعة ملكاً للمسلمين وليست لي . فأن كان حضورك لغرض شخصي فلا يحق لنا استخدامها .. وأن كان لأمر يهم المسلمين سنوقدها .

ولا ننسى قصة الخليفة عمر وهو يحمل الطعام على ظهره للعائلة التي لا معيل لها ومقولته المشهورة { لو أن بغلة عثرت في العراق وأنا في المدينة سأكون مسؤولاً عنها أ مام الله }

أو قصة سيدنا علي كرم الله وجهه الخليفة الرابع مع درعهُ واليهودي . وكيف وقف أمام القضاء ثم تنازل عنهُ لليهودي . وهذا الخلق العظيم والمفاهيم الانسانية التي تنم عن وعي وادراك لقيم غاية في الرقي , ليس بين المسلمين فقط بل بينهم وبين الآخرين .

نأخذ مثل آخر . عندما أعتديّ على أمرأة مسلمة من قبل الروم وصرخت (( وا معتصماه )) جييش المعتصم الخليفة العباسي جيشاً جراراً لنصرتها . { لم يقتلوها لكنهم تجاوزوا عليها , ولم تكن قرية أو مدينة . بل فردٌ من أفراد المسلمين من عامة الناس } وهذه ايظاً قيمة حضارية ومفهوم راقي يجسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتراكم اخلاقي وشعاع ممتد من نبوخذنصر وحمرابي مروراً برسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم و بعمر وعلي والمعتصم بالله وما بعدِه من نماذج خير راقية

هذا التراكم العظيم من المفاهيم والقيّم (( والقدرة على العمل بها )), لم يتناسب بشكل صحيح مع التراكم الزمني على مدى التاريخ البشري من اكثر من خمسة آلاف  سنة قبل الميلاد , ولحد ظهور الرسالات والأديان السماوية التي نعرفها وآخرها الاسلام وتاريخه المعروف , البعيد والقريب ومقارنته بالحاضر المر .

من هذا كله نستخلص حكمة عظيمة : يحاول أعدائنا طمسها وتشويهها ومسحها من أذهاننا . وهي العلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم والنموذج الذي يجب على الجميع الألتزام به . البشر الذين عاصروا ذلك الزمن وما نسميه اليوم ( الشعوب )

تهمهم العلاقة الجيدة بين من يديرون دفة الحكم . لكن الأهم وأوكد على هذه النقطة , هي العلاقة بين الحاكم والمحكوم . ( نفرض أننا معاصرين للخليفة عمر والخليفة علي ) تهمنا العلاقة الجيدة بينهما , وهي كانت كذلك , لكن مايهمنا أكثر هي العلاقة بينهما وبيننا أى بين المسؤول وشعبه . يحاول الأعداء جاهدين ان يطمسوا هذه الحقيقة وان يلغوا هذا المفهوم . وليكن هناك خلاف بين الأثنين عمر وعلي , لكن كيف كانت بين الاثنين وعموم المسلمين . وهذا المبدأ ينسحب على من أتى بعدهما

ألأسلام ليس العامل الوحيد الذي يجمع العراقيين : تجمعهم عوامل عدة , التاريخ والجغرافية والمواطنة وقومياتهم ودياناتهم ضمن الهوية العراقية وكذلك اللغة والمصير المشترك .

ألمواطنة مستهدفة : أنا لاأتكلم بالمفهوم القُطري لكن عندما تُستهدف ( المواطنة ) لأنها طريق لحالة ابعد ( شمولية الوطن العربي والأنسانية العالمية ) نظطر للدفاع عن وطننا وعراقيتنا ومفاهيمنا والعوامل التي تجمعنا وتميزنا عن الاخرين( لأننا نخوض قتالاً داخل مواضعنا بالخناجر) لسنا جزء من ايران او تركيا ( يقول رفسنجاني القومية والمواطنة حالة سخيفة ) يريد بذلك الاحتيال للدخول الى ( قلعة الوطن وتخريبه والاستيلاء عليه وأستخدام الاسلام المشوّه كحصان طروادة ) عملاء أيران ممن يحكمون العراق والاحزاب الشيعية المرتبطة بأيران اين هم اليوم من حمورابي والنبي محمد ( ص ) وعمر وعلي الذي يؤكدون على الولاء لهُ باليوم الواحد مليون مرة .

هم يعرفون تماماً بأن الحسن بن علي بن ابي طالب تنازل عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين . يا لعظّمة هؤلاء الرجال القادة الأوفياء لشعوبهم . نكران ذات وتضحية في سبيل شعوبهم .

نسأل ملالي ايران والمالكي وبشار أين انتم ممن ذكرناهم . وكيف تُغالون في قتل الشعب العراقي والشعب السوري وبقية المسلمين . وموالاتكم لأميركا والصهيونية كيف تحسبونها ..؟ التاريخ يعيد نفسه .. لا بل الحقد يعيد نفسه .. أتفق العيلاميون بقيادة كورش مع اليهود ودمروا بابل وقتلوا آخر ملوكها ( بابونيد ) وأتفق الطوسي وأبن العلقمي مع الوثنين المغول بقيادة (هولاكو) ودمروا دولة بني العباس الأسلامية . واليوم يتفقون مع مجرمة العالم ( اميركا واتباعها والصهيونية العالمية وايران ) لتدمير دولة العراق ودول المنطقة الأسلامية . وأبادة السنة بحجة الارهاب وتنكرون على اميركا واسرائيل وايران هذه الصفة . من يقاومهم للدفاع عن دينه ووطنه وشرفه تعتبرونه مجرم وارهابي . يالها من مقاييس مشوهه . تزوير هائل وتزييف للحقائق وتلويث للقيم الطاهرة .

من هذا كلهُ نستخلص . أن الحاكم الذي يقتل شعبهُ ليس منا . والذي يضطهد شعبهُ ليس منا . وبريْ منه حمورابي ونبوخذنصر ومحمد (ص) وعمر وعلي والمعتصم بالله . ونحن ايظاً براء منه ولا يمت الينا بصلة .

علينا كعراقيين أن نكون مثل خلايا النحل الصادق : والذي يتغذى على رحيق الأزهار فقط على رحيق الأزهار لا على فضلات العنب أو دبس التمر وسكر الشاي . غير ذلك سينتج شيْ حلو المذاق ( لكن ليس عسلاً ) أذاً علينا كعراقين أن نَرد من مواردنا لامن موارد غيرنا مواردنا أنقى و احلى واعذب وأطيب .

أشكركم على قراءة المقال

عبد القادر أبو عيسى في 24 ~ 2 ~ 2014

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1280 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع