تشكيل حزب سياسي جديد في مدينة كركوك الكوردستانية

                                            

                         د.سامان سوراني

بداية لابد أن أذكر الأسباب والدواعي التي أدت الی الكتابة حول فكرة تشكيل حزب سياسي في المدينة الكوردستانية كركوك. ففي العديد من لقاءاتي مع مجموعة من الأصدقاء الكركوكيين القدامی ، أصحاب الرٶی الكوردستانية المعاصرة المهتمين بالفكر والسياسة ، يتم طرح الموضوع المعنون وبحث جوانبە الجدية.

فهم يبدون دوماً رغبتهم الشديدة في الدعم المادي والمعنوي لتلك الفكرة ، فيما إذا تم التنظير لە. بعضهم يجاملني ، مادحين مؤهلاتي العلمية القاعدية المتواضعة وقدرتي على التعامل مع العلم والثقافة والسياسة بروح علمية تخضع للعقل والمنطق والتأمل ومازحين بالقول: "لماذا لا تقوم بالتنظير لتشكيل حزب سياسي؟"
إن تشكيل حزب سياسي يمتلك القدرة الفكرية علی قراءة الواقع الكركوكي بإستقلالية تامة والإلمام بالزمانية وإستیعاب المفاعیل الإجتماعية والسياسية وتجنب التعثر والإخفاق في مواجهة المشكلات المزمنة والمتراكمة في مجالات التنمية والمعرفة والسياسة ، بإعتبار المجتمع الكركوكي مٶسسة ثقافية تبنی وتتطور من خلال إنتاج المعاني والقيم والأفكار ومعاصرة هذا العصر الكائن بعد أن تبدل نمط الوجود وأساليب العيش بقدر ماتغير نظام العالم ومنطق الأشياء، بالطبع هو قضية مهمة.
فالحزب السياسي الحي ، الذي يعيش في جو واقعي ويفهم مختلف التيارات التي تعترك في كركوك ويكون قادراً علی التوافق بين حيويته كحزب والجوهر الثابت من الأمور ويٶمن بحرية التعبير، والاجتماع ، والاعتقاد ، ومنح الفرص للمواطنين بشكل متكافئ ، والتوزيع العادل للثروات ، ومحاربة الجهل والأمية ، وطلب العلم والمعرفة ، ومجانية التعليم والعلاج ، وإستفادة الشعب بشكل مباشر من ثروات المدينة ، وإرجاع الأراضي الكوردستانية المستقطعة الی حضن الإقليم ، والعمل على وحدتها مهمة إنسانية أولاً وواجب وطني ثانیاً. فليكن حزب سياسي يحترم مبادیء الدیمقراطية ولايحتضن أعضاء يعيشون في الماضي بعقائد سياسية تقليدية أو نخب فاشلة وعقليات كسولة وثقافات فقيرة ، بل يحکتم الی المٶسسات ويكسر إحتكار المجال التقليدي لصناعة السياسة وإدارة وتدبير شٶون الحكم ويستطيع تشخيص الواقع العراقي الراهن بتحولاته وصراعاته و صداماته وإخفاقاته وخططه المستقبلية المخيفة بمنهجية لصوغ معادلات وأساليب وآليات.
من الواضح بأن الدستور العراق الفدرالي المستفتي علیه في ١٥ تشرین الثاني عام ٢٠٠٥ قد نص في المادة ٣٧ علی كفالة حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها دون فرض شروط أو قيود قوية وفعلية على تأسيس الأحزاب السياسية ومن ثم على نشاطاتها ، مما ينعكس على دورها الفاعل في حماية القواعد الدستورية من موقعي الحكم أو المعارضة. إذن تشكيل حزب أو تنظيم سياسي ضمن الشروط المذكورة في الدستور مسألة غير معقدة ، يمكن تحقيقها في فترة قصيرة.
والمادة ٧ - أولاً من هذا الدستور لايحد من تلك الحرية بل يحظر تبني أي كيان لأي نهج عنصري أو إرهابي أو تكفيري أو طائفي أو يحرض أو يروج له. نحن نعتبر هذا الحظر موضوعي و واقعي ، لأنه يفعؔل و ينشؔط دور الأحزاب السياسية ولا يشكل قيداً علی نشاطهم.  
الهدف من تشكيل الحزب السياسي هو فهم الترابط بين أجزاء العملية السياسية وبالتالي تفسير ما يدور بالساحة السياسية كمقدمة ضرورية لاتخاذ القرار بشأن التحرك السياسي الملائم وفتح آفاق العقل للتعامل مع الأحداث بطرق حكيمة وبنظرة واقعية قادرة على تحقيق الأهداف بأفضل النتائج بأقل التكاليف.
ولكي يتمتع الحزب أو التنظيم السياسي بالشخصية الاعتبارية من الناحية القانونية فمن المستحسن أن لايقل عدد طالبي العضوية عن ألفين وخمسمائة عضو كحد أدنى عند تقديم طلب التأسيس ، وعلی ان يكون الأعضاء للمرحلة الحالية من محافظة كركوك.
أما مبادئ واهداف الحزب السياسي الجديد فيجب أن لاتتعارض مع الدستور ويجب أن يتم إختيار قادته على اساس الكفاءة ، لا علی أساس تمييزي للدين او العرق او اللون و أن لا يهدف الحزب ببناء تشكيل عسكري ، وعلیه السعي في سبيل الوصول الی الموقف الواحد بعد رص الصفوف والالتزام بالوحدة الكوردستانية.
إذن نحن هنا إزاء مشروع ، فكراً وعملاً ، يسلط الضوء علی الإمكانات التي تبثق مع العقل التواصلي والعمل المعرفي ، سبراً واستغلالاً ، من أجل التحول من مجتمع النخبة والخاصة أو الرعايا والعامة الی مجتمع المهن والإختصاصات والقطاعات المنتجة والفاعلة ، حيث الأفراد والمجموعات يفكرون ويعملون كفاعلین یتحملون المسٶولية عن تشخيص المشكلات ومعالجتها بقدر ما يسهمون في أعمال التنمية والبناء. والذي يٶمن بالتنوع والإختلاف ويرتهن علی المستقبل و يسعی بجهوده الذاتية لترقية مصلحة كركوك علی أساس مبدأ متفق علیه بين المجتمع الكركوكي للإحتفاظ بالإدارة الشرعية والخروج من الماضي البائس وبٶس المجتمع التقليدي ينجح في مهامه.
فالخروج ينقل المجتمع الكركوكي الی مستوی العصر و يقربه من صناعة الوحدة الكوردستانية وتدبير المصلحة العمومية. إن تحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير الحد الادنى للحياة الكريمة التي تلبي كل الحاجيات والرغبات الانسانية الضرورية من غذاء ورعاية صحية وتأهيل تعليمي وسكن إنساني وفرص عمل كريمة يجب أن تكون من أولويات عمل الحزب السياسي بعد تعزيز ثقافة الديموقراطية بين المواطنين وطرح التصورات الواقعية لحل مشكلات المجتمع فى كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية انطلاقاً من رؤية كركوكية. وهكذا يقع علی عاتق الحزب مسؤوليات جدية في تعرف مشكلات المجتمع الفعلية على نحو موضوعي وتفصيلي ، وتعرف اتجاهات الرأي العام إزاء كل منها، وسبل معالجتها.
الحزب السياسي المعاصر يجب أن يتبنى مفهوم الديمقراطية بأوسع معنى لها، ويعني هذا بصفة خاصة أن الديمقراطية ، حكم الشعب ونفاذ إرادته ، هي القيمة السياسية العليا التي لا تخضع لأية قيود ، والعمل على بناء مؤسسات تضمن سلامة ومشروعية الحكم ، والإنتقال الآمن للسلطة ، وتحقق استقرار العمل العام بما يحقق التداول الطبيعي للسلطة بين التيارات والأحزاب.
ومن المعلوم بأن حيادية مؤسسات الحكومية هي الصمام الرئيسي لسير العملية الديمقراطية بشكل سليم. فالتوجه نحو اللامركزية في إدارة المؤسسات مع المرونة اللازمة لتنوع برامجها ومساعدة المواطنين على إتخاذ القرارات و تعليمهم أساليب أبداء الرأي في كل قضية تحتاج إلى آرائهم حتى يتم إتخاذ قرار سليم بشأنها ، یجب أن يدخل في إطار برامج الحزب.
بالطبع هناك نقاط ومحاور أساسية أخری يمكن أن تطرح بالتفصيل كرؤية الحزب الشاملة وبرنامجه وخاصة محاور السياسة الخارجية والأمن القومي والقضايا الداخلية والإقتصاد والإجتماع والتربية والتعليم والإعلام ومسائل إحترام حقوق الإنسان والحفاظ علی البیئة من التلوث وغيرها ، لكننا هنا أردنا بإختصار أن نشير الی طرح موضوع ضرورة تشكيل حزب سياسي معاصر يخدم قضية كركوك.  
وختاماً: "الحزب السياسي هو البرنامج لا العقيدة. البرنامج الذي يستمد قيمته ومشروعيته ومصداقيته من الجدوى والإنجاز؛ أي من إجابته عن أسئلة الواقع ، بخلاف الحزب الأيديولوجي الذي هو عقيدة ثابتة تستمد قيمتها ومشروعيتها ومصداقيتها من ذاتها فحسب. وفي البرنامج لا شيء ثابت ولا شيء نهائي ولا شيء مطلق ولا شيء يقيني ولا شيء مقدس؛ كل شيء قابل للنقد والمراجعة والتدقيق والتصويب والحذف والتعديل ، بخلاف الأيديولوجية على خط مستقيم."
الدكتور سامان سوراني



  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

572 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع