الشهاب الحسني البغدادي
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ
اعتدنا بين فينة وأخرى ان نتطرق للاخوة القراء عن حوادث تأريخية مضت وتراث حضاري مستمر .. لنريح فيها عن الهموم ، بعيدا عن الحروب والفتن ، قاتلهاالله ،التي سرقت منا أحلى احلامنا وامانينا لنباري بها احبابنا من الاصدقاء.. لو لـم يكن الحال غير هذا الحال لحبرنا مقالاتنا تحبيراً .
وتقبلوا هدية مني لجميع متابعينا الكِرام وأخُص منهم من يدعو بالخير للعراق وشعبه
قـبّاذ بن فيروز(488- 531 م)
تبدأ القصة التي تحلو روايتها ، بعد أن استلم الملك (قـبّاذ) : بن فيروزبن يزدجرد بن بهرام جور بن يزدجرد زِمام الملك وصولجان الحكم بعد وفاة أبيه الملك ( فيروز)، وكان حدث السن من أبناء خمس عشرة سنة، فجاءته الحاشية وشعب مملكته المترامــية الأطراف كي يبايعونه ملكاً عليها ويضعون على رأسه ( تاج الملك ) الذي ورّثه له أبيه الهالك فتسلّم قباذ المُلك..
بعد أن مضى الملك قباذ عشر سنين واستقر له الحكم .. خرج في مملكته عام 490م رجل من أهل إصطخر، يقال له (مَزْدَك بن مازيار)! ادّعى أنه مرسل من السماء فدعاه إلى دين (المَزْدَكية) فمال( قباذ) إليها،وتأثر بما يقول (مَزْدَك) تأثراً كبيراً ....!
المَزْدَكية(*)
كان (مَزْدَك ) يدعو الناس إلى الإباحية والزندقة ،التي يرى فيها بأن سبب كل الاختلافات بين الناس إنما سببه ومنشأه هو لنساء) و (الأموال) وبما أن هذين الأمرين هما سبب كل الفتن والخلافات ،فقد أحل جميع فروج النساء بين بعضهم البعض فلا حرمة لأي امرأة بـيـن الرجال ، ولا حرمة لأخت على أخيها ولا لرجل على أمه ..! وزوجة هذا هي زوجة ذاك وزوجة ذاك هي زوجة هذا ..!! فكل الفروج مباحة وأما الأموال فالجميع يتساوى بها والسرقة فنٌ ومهارة وحلال.
قوى أمر(المَزْدَكية) حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم ، حتى صاروا لا يعرف الرجل منهم ولده ولا المولود أباه.
وهكذا انتشرت الديانة المزدكية حتى عم بلاها وطم أكثر المدن والبلدان آنذاك.. وصار الناس كالبهائم يتناكحون على الطرقات!!
ثم دعا الملك قباذ قومه وحاشيته وامرائه للدخول معه بدين المَزْدَكية والإيمان بالزنديق " مَزْدَك ".وكان لقباذ ولداً شجاعاً ونبيلاً يسمى (أنُوشروان) فابى أشد الإباء ورفض عرض أبيه بشدة ..
المنذربن ماء السماء(**):
الفارس الشجاع ( المنذربن ماء السماء) الذي انتهى إليه ملك الحيرة بعد أبيه (نحو سنة 514 م) كان ممن رفض هذا الدين أشد الرفض وأستنكر تلك الديانة.فأشار (مَزْدَك) إلى (قباذ) بأن يطرده من قيادة الإمارة ونفيه من البلاد ، فتم له ذلك وطرده (سنة 529) رغم انه من أشجع وأخلص أمرائه ..
وحاول الأمير "أنو شروان" أن يثني أبيه الملك (قباذ) من طرد صديقه "المنذر" ونفيه ولكنه لم يفلح في إقناع أبيه حيث أن أباه كان مسحوراً ومتأثراً بالزنديق مَزْدَك ولا يرد له طلباً أبداً .
فدعا(قباذ) " الحارث بن عمرو ابن حجر الكندى" فأجابه، فشدد له ملكه على "الحيرة" ونواحيها. فعظم "الحارث" عند القبائل من "نزار" أتاه أشرافهم، فقالوا: "إنا نخاف أن نتفانى مما يحدث بيننا، فوجه معنا بنيك ينزلون فينا، فيكفون بعضنا عن بعض". ففرق ولده في قبائل العرب. وكان له خمسة أولاد. فملك ابنه "حجرا" أبا "امرئ القيس" صاحب المعلقة على بني "أسد" و"غطفان" وفرق أولاده الأربعة وهم "شرحبيل" قتيل "يوم الكلاب" و"معد يكرب" وهو "غلفي" "سمي بذلك لأنه كان يغلف رأسه" و"عبد الله" و"سلمة" على قبائل العرب يحكمون فيهم.
غير أن الحال لم تدم للحارث بن عمرو. بل قد قلب له الدهر ظهر المجن. فقد نكب ثم قتل بعد ذلك.
خبث مَزْدَك
دخلت يوماً الملكةُ(أم انو شروان) على الملك قباذ وهو جالسٌ مع حاشيته ، ثم دخل الأمير "أنو شروان" وجلس بقرب أمه الملكة وبينما كانوا في البلاط الملكي إذ دخل عليهم رسول الشيطان الزنديق (مَزْدَك ) فقام الجميع هيبة له وإجلالا .. إلا الأمير أنو شروان بقى جالساً في مكانه.. فلما أن جلس (مَزْدَك) أراد أن يُـذل ذلك الأمير ويُحقره لأنه لم يقُم له ويحترمه كما ينبغي أن يحترمه الناس المخدوعين بهِ، فقام (مَزْدَك) وقال للملك (قباذ) أمام الحاشية والحضور:
إيــهٍ يا جلالة الملك قباذ .. كيف ترى إيمانك بي !؟
فقال الملك أنا أؤمن بك أكثر من إيمانك بنفسك..!
فقال إذن ادفع لي زوجتك الملكة (أم أنوشروان) كي أتمتع بها الليلة وأقضي منها حاجتي ووطري فإن السماء قد حدثتني أن أقضي وطري منها الليلة !!
فقال الملك قباذ .. هي لك فاستمتع بها كما تشاء فلعلنا أن نصيب من بركتها بعدك ..!!
فوثب الأمير (أنو شروان) وركض مسرعاً إلى (مَزْدَك) يقبّل له يديه وكتفه ورأسه لكي يبقي له والدته وأن لا يفحش بها..!!
فلم يزل يقنعه ويترجاه و(مَزْدَك) يرفض منه ذلك حتى خر الأمير( أو شروان ) على قدم (مَزْدَك) وأخذ يقبّل له قدمه القذرة راجياً له أن يترك له أمه..!!!
فلمّا رأى مِنه كُل هذه المذلّة أمام حاشية ابيه الملك.. همهم قائلاً حسناً حسناً..!
فتركها بعد ذلك وقال له ( وبحق السماء لو كانت أُختُك بيننا لضاجعتُها ولما نفعك تقبيلك رجلي !!) أي أنه تَرك لهُ أمه لأنه كبيرة وليس إكراماً له!!
فكانت تلك في نفس "أنو شروان".وسكت ولم يتكلم وخرج من البلاط وهو يغطي بعباءته رأس أمه..
كسرى الأول أنو شروان (531-579م)
فلما أتى للملك (قباذ) ثلاث وأربعون سنة مرض مرض الموت ولم يمهله كثيرا حتى هلك .. وهو على تلك الحال من الزندقة وملك بعده ابنه "أنو شروان" (سنة 531 م) وهو الملقب بالعادل،فجاءت الحاشية تبايعه ملكا كسرويا عليها ..
فجلس في مجلس الملك، ثم أرسل فوراً إلى صديقه الأمير المخلوع ( المنذر بن ماء السماء ) ليكون معه معيناً في الحكم .. ولما وصل الأمير المنذر ، نادى الملك الجديد( أنوشروان) بجميع الناس أن يحضروا إلى ساحة الاجتماع الكبرى بالمملكة ليباركوا له تسلّم شئون الدولة بعد أبيه الهالك ..
يوم أنوشروان
بينما كان الملك في مجلسه الكبير وعلى يمينه الملكة أمه وعلى يساره الأمير المنذر بن ماء السماء ... وكان فيمن دخل عليه " مَزْدَك " الزنديق صاحب أبيه وحوله تلاميذه ومريدوه من كل جانب مهنئاً للملك إعتلائه للعرش..
قام (أنوشروان) وقال أمام الملأ : "إني كنت قد تمنيت أمنيتين أرجو أن يكون الله قد جمعهما لي".
فقال " مَزْدَك ": "وما هما أيها الملك؟ "؟
قال الأولى: فإني "تمنيت أن أملك فأستعمل هذا الرجل الشريف "يعني المنذر"، إلى الإمارة وأُؤَمِــرُه على المدائن .
وأما الثانية : أن أقتل هؤلاء الزنادقة" الذين أحلّوا الفروج وجعلوا هلاك الحرث والنسل والفساد هو الدين..!!
فقال له " مَزْدَك ":أو تستطيع يا أيها الملك أن تقتل الناس كلهم؟ ".
قال(أنوشروان): "إنك لههنا يا ابن الزانية؟ ". فورب السماء ما ذهب نـتَـنُ ريح جوربك من أنفي منذ ان قبلت رجلك القذرة إلى يومي هذا". يكفيني أن أبدأ أولاً برأس الأفعى وأقتلك يا عاهر يا ابن الزانـية..!
ثم نادى على الحرس فقيدوه وأُمر به أن يُقطع اربا اربا حتى إذا ما زُهقت روحه الخبيثة أُمِــر به فصُلب بالسوق ..
ثم أمر بعدها بقتل جميع الزنادقة ممن هم على دينه وقوله ، فقتل ما بين "حاذر" والنهروان في ليلة واحدة مائة ألف زنديق وسُمي ذلك اليوم الذي تطهرت به الأرض من هؤلاء الرجس والأنجاس بــ (يوم أنوشروان) وثاب أغلب الناس إلى رشدهم بعدما تطهرت العباد والبلاد منهم .. وذلك قبل البعثة النبوية الشريفة
بخمسين سنة تقريبا .
الخـــــــــاتمة:
مـعاشر السـادة قُراء الگادينيا الكرام
برغم أن الملك (أنوشروان) قتل كل الإباحيين في عصره إلا أن التلاميذ النجباء للمدرسة المَزْدَكية لم ينقرضوا بعد ..!
وأيُ مَزْدَكية أعظم .. من أن يجعل (المَزْدَكين الجدد) طريق الوصول إلى الجنة عن طريق الدعارة
http://www.youtube.com/watch?v=xE8T_sjBFL8
والطقوس الشركية..!
(قبر ابولؤلؤة)
وأيُ مَزْدَكية أعظم .. ان تمادوا على الحوزة الدينية في النجف وحاربوا فيها العنصر العربي, واطلقوا العنان لحوزة ( قم) في تخريج عمائم الكفر بأطروحات يشرف عليها دهاقنة المجوس ممن يتبرقعون بعمائم الشيطان ......
وأيُ مَزْدَكية أعظم .. من مقت مجوس الفرس لمكة المكرمة... لأنها مركز انطلاق الدعوة الاسلامية التي أطفأت نار المجوس وقضت على دولتهم ، ومن حقدهم على مكة المكرمة والكعبة الشريفة انهم قلعوا الحجرالاسود عام 931 م ونقلوه الى الأحساء كخطوة لنقله الى ايران لتوجيه القبلة باتجاهها , وتصريح الشاه عباس الصفوي عام 1571 م بأن ( من زار علي بن موسى "الرضا" فأنه حج 70 حجة , ومن طاف حول قبر الرضا كأنه طاف حول الكعبة ).
وأيُ مَزْدَكية أعظم .. من قول محتال العصرعام2013: إن اتجاه القبلة يفترض أن يكون إلى وجهة كربلاء أثناء تأديتنا للصلوات الخمس كل يوم؟!
ويبدو اننا امام أبرهة آخر خرج علينا في هذا الزمان ببدعة كبيرة هذه المرة لا يمكن أن نهضمها! الغريب أنه بعد فشله في مجال السياسة وظف الدين واستعمله لكسب شعبية أنصار مذهب واحد وليس لكسب جميع المواطنين سنة وشيعة وغيرهم؟!وهو يعرف أن القبلة لن يغيرها شخص مثله لا يفقه في الأمور الدينية ويأخذ التعليمات والأوامر من المَزْدَكية في طهران؟
http://www.youtube.com/watch?v=kb3Pg6ZBA1A
وأيُ مَزْدَكية أعظم .. من شخص مذهبي عنصري لكي يغطي على فشله وإخفاقه في توحيد العراق الذي كان موحداً من قبل بدون مذهبيته المسيسة البغيضة،قوله اننا أمام حرب بين أنصار الحسين وأنصار يزيد بن معاوية؟
http://www.youtube.com/watch?v=sN6wr4fr7MM
والعراقيين تمثل لسان حالهم في احلك الفترات , بالصيحة المدوية التي اطلقتها ساحات الاعتصام عندما اعترضت طريق محتال العصر وقالت له ( ايها الظالم ؛ إن كنت تطلب ثأراً فقد ادركت وزدت . وإن كنت تعمّ قبائل العرب بالقتل , فاعلم أن لهذا قصاصاً ولو بعد حين ). وبذلك تكشف هذه العبارة البليغة عن الثقة العالية بالنفس الناجمة عن البعد الحضاري لتأريخ العرب , وعن قدرتهم الفائقة في احتواء المصاعب والمحن , وهذا ما سيتحقق بثورة الانبار بمشيئة الله.
سنقتلعكم ان شاء الله
المصـــادر:
المحبر - (ج 1 / ص 362)
الكامل في التاريخ - (ج 1 / ص 147)
البدء والتاريخ - (ج 1 / ص 185)
تاريخ ابن خلد
*- المزدكية منسوبة لمزدك بن الموبذان (487 ـ 531م) المولود بـ (نيابور) وهي دعوة إباحية هادمة للقيم وتحريضية فوضوية تقوم على الغريزة ولا تأبه بالعلاقات الأسرية والمعايير الأخلاقية وخارجة عن كل العقائد والأديان، وقد أعلنت هذه الدعوة أن الناس ولدوا سواء، فينبغي أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم وأن أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك عند أصحاب هذه الدعوة هما المال والنساء.قال الشهرستاني: أحل النساء - أي مزدك - وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلاء. اهـ من الملل والنحل للشهرستاني ص 86.
** - ابن ماء السماء:المنذر بن امرئ القيس الثالث ابن النعمان بن الاسود اللخمى(ت نحو 564 م) ثالث المناذرة ملوك الحيرة وما يليها من جهات العراق في الجاهلية، ومن أرفعهم شأنا وأشدهم بأسا وأكثرهم أخبارا. انتهى إليه ملك الحيرة بعد أبيه (نحو سنة 514 م) وأقره كسرى قباذ مدة، ثم عزله (سنة 529) لامتناعه عن الدخول في (المزدكية)، وماء السماء أمه : اسمها ماوية بنت عوف بنت جشم بن هلال ابن ربيعة بن زيد ويقال: بل هي أخت كليب ومهلهل، سميت ماء السماء لحسنها). تاريخ سني ملوك الارض 70 وابن خلدون 2: 265
1916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع