بقلم: سليم عثمان*
حصل على أكثر من مائة جائزة تكريمية دولية أبرزها نوبل للسلام عام 1993، وجائزة منظمة العمل الدولية لسفراء الضمير عام 2006، إلى جانب العديد من شهادات الشرف الجامعية،
وتلقى عددا كبيرا من الميداليات والتكريم من رؤساء وزعماء دول العالم. وفى عام 2005 اختارته الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة ، هو واحد أعظم من رموز النضال العالمي ضد التمييز العنصريفي أفريقيا في العصر الحديث، انتصر الرجل لشعبه و بلده و قبل ذلك لكل قيم الحرية و العدل و السلام، فكان جديرا بنيل جائزة نوبل للسلام ، بل كان الرجل الأسطورة والأيقونة كان سببا في أن تستضيف بلاده فعاليات كأس العالم عام 2010، ضحي من أجل حرية شعبه بأغلي ما يملك، إرتضي أن يكون مهر حرية شعبه بقاءه خلف غضبان نظام ( الأبارتيد ) لأكثر من 27عاما، أنه الزعيم الأكثر شهرة في التاريخ الحديث، والأكثر بريقا وكاريزمية في العالم إنه نلسون مانديلا الرجل الذي رحل بالأمس القريب عن هذه الفانية في منزله الواقع بأحد ضواحي جوهانسبرغ،عن عمر ناهز ال95 عاما . درس مانديلا القانون بصورة متقطعة لمدة خمسين عاما منذ 1939، وأخفق في نحو نصف المواد الدراسية. ولكن دراسته الدبلوم لمدة عامين بعد انهاء الدراسة الجامعية سمحت له بممارسة المحاماة، وفي اغسطس 1952 أسس بالاشتراك مع اوليفر تامبو اول مكتب محاماة، بإدارة محامين سود في جنوب افريقيا في جوهانسبرغ، وثابر مانديلا حتى حصل على درجة في الحقوق أثناء وجوده في السجن عام 1989وهو ما يوضح بجلاء هذه العزيمة الفولاذية للرجل، كان مانديلا حكيما وبليغا في خطبه، أحببته كل شعوب العالم البيض قبل السود مانديلا الزعيم والأسطورة هو أكثر سجناء العالم شهرة ورومانسية، المعروف بأسماء الشوارع والقاعات، والساحات، والأغاني، والذي ألهمت تجربته العديد من الأعمال الفنية منها مسرحية «اضربوا سارافينا» 1988 عن فتاة طالبة وصل جنونها بمانديلا حَدّ الجنون، لم تتعبه آلة الزمن القاسية، وظلَّ برأس شامخة وعيون مشرعة على المستقبل، داخل سجنه حيث كان يردِّد باستمرار مقطعاً من قصيدة للشاعرة و.ي. هينلي: «أنا سيد قدري.. أنا قبطان روحي». ومن أقواله المأثورة: حاربت ضد سيطرة البيض، وحاربت ضد سيطرة السود، لقد كنت أسعى من أجل مجتمع حر ديمقراطي يعيش فيه الجميع بسلام وتكون الفرص فيه متساوية. هذا هو المثال الذي أتمنى أن أعيش من أجله وأن أحققه." وإذا اقتضت الحاجة، فأنا مستعد للموت في سبيل هذا وقال قال حول صورته العامة في أذهان الناس في كتابه من سيرة مانيلا الثانية – حوارات مع نفسي : "قضية واحدة كانت تقلقني بشدة في
السجن وهي الصورة الخاطئة التي نظر بها العالم الخارجي إليّ وهي "صورة قديس". لم أكن كذلك يوما، حتى استنادا إلى التعريف الدنيوي للقديس بأنه شخص مذنب يحاول أن يتوب."
وقال في خطاب له في جزيرة روبن في أبريل 1971: يوشك قلبي أن يتوقف عن الخفقان في لحظات معينة، ويجعل الشوق نبضات قلبي بطيئة. أتمنى أن استحم مرة أخرى في مياه نهر أومباش كما فعلت في بداية حياتي عام 1935، ومن أقواله أيضا: الشخص الذي يسلب حرية شخص آخر هو أسير الكراهية، يقف وراء قضبان التحيز وضيق الأفق...المضطَهد والمضطِهد كلاهما سلبا إنسانيتهما." وفي إفتتاح مونديال :اس العالم 2010 قال: مواطنو أفريقيا تعلموا الصبر أثناء نضالهم من أجل الحرية. وربما الهدايا التي جاء بها كأس ا لعالم تثبت أن الانتظار الطويل لوصوله إلى أرض أفريقيا كان مستحقا." ومن أقواله: إني أتجول بين عالمين، أحدهما ميت والآخر عاجز أن يولد ! وليس هناك مكان حتى الآن أريح عليه رأسي.
سكبت أحبار كثيرة عن الرجل حيا وميتا وقد أعدت مجلة الدوحة في عددها لشهر ديسمبر الحالي ملفا كاملا عن مانديلا تحت عنوان ماديبا –برقيات عربية كتبت في مقدمة الملف الذي شارك في تحريره نخبة من الكتاب العرب قائلة:( مهما كتبنا فلن نحصر نيلسون مانديلا في نصّ أو ملفّ واحد. شيخ مناضلي التمييز العرقي، ورمز المقاومة السلميّة في العالم الثالث، ترسخ في الأذهان كأيقونة بارزة يصعب تجاوزها. اليوم، تمرّ عشرون سنة على تسلُّمه جائزة نوبل للسلام (مناصفة مع فريديريك دي كليرك) نظير مساهمته في القضاء على سياسة الآبارتيد، ومراهنته الدائمة على الخيار السلمي، والمنهج الأخلاقي في مواجهة الاستبداد. هي مناسبة للعودة إلى أرشيف الرجل، الخوض في ذكرياته الحميمة، إعادة اكتشاف أهمّ الأمكنة والمحطّات التي كرَّست اسمه عالمياً، والأشخاص الذين أحاطوا به. والأهم من ذلك إعادة قراءة تجربة «ماديبا» عربياً، واستقراء نفوذه ماضياً وحاضراً بين الأجيال المتعاقبة، ومدى حضوره بين الكتّاب والمثقَّفين في الداخل وفي الخارج. فكتب الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن في إحدي برقيات الملف : وجَّهتُ إلى بعض الأصدقاء النمساويين سؤالاً مباشراً جداً: «ما رأيكم في المناضل نيلسون مانديلا؟» فكانت إجابة الفنان التشكيلي «بيتر شولنج»: «إنه بطلي»، وأضاف البروفسير رودي على الجملة ذاتها، بأسلوبه المرح: «ولكنه لم يحظ بنساء خيِّرات» وهنا يقصد «ويني» التي قال عنها مانديلا «إن حياة زوجتي في أثناء وجودي في السجن كانت أصعب من حياتي، وكانت عودتي أكثر صعوبة بالنسبة لها، فقد تزوَّجَتْ رجلاً سرعان ما تركها، وصار ذلك الرجل أسطورة، وعند عودة. الأسطورة إلى المنـزل ظهر أنه مُجَرَّد رجل». وأضاف، لقد تعرفت إليه أجيال
أوروبا من خلال أغنية فنان الرُوك والناشط السياسي البريطاني الشهير PETER BRIAN GABRIEL، وأنشطة حزب المؤتمر. سألتُ صديقة يونانية تعمل نادلة بالمطعم الإغريقي، أجابت: لم أسمع بهذا الاسم من قبل، ولها العُذر، فذاكرة اليونانيين مشحونة بالأبطال الأسطوريين، واكتفيتُ بابتسامتها. ويضيف :بالصدفة البحتة قابلت بالأمس القريب رجلاً من مدينة جوهانسبيرج، سليل أسرة من البيض الذين حكموا جنوب إفريقيا بنظام عنصري، رَدَّ وفي عينيه بريق غريب: إنه بطل قومي. فلاحقته قائلاً: ما أعظمُ ما قدَّمه نيلسون مانديلا في رأيك؟ قال، ما فعله كان أشبه بالمعجزة، لأنه استطاع في وقت قصير جداً إنهاء سلطة مركزية قوية عنصرية عنيفة لها مئات السنوات، وأظن ذلك كان عملاً خارقاً للعادة.وأختتم برقيته متسائلا: ماذا تعلَّمنا من نيلسون مانديلا؟ ماذا تعلم الحكّام الوطنيون في كثير من دول إفريقيا من سيرة حياة مانديلا؟ ماذا تعلَّمت منه شعوب العالم؟ ماذا لم نتعلَّم منه؟ وتظل هذه الأسئلة ومثيلاتها تحوم في فراغ فشل المشروعات الوطنية والقومية للشعوب، وخاصة الإفريقية والعربية، وهي ذاتها التي تؤسِّس إما لمحن قادمة، وإما أن تُستلهم من أجل نهضة الشعوب. فاليوم تصبح سيرة مانديلا بُعبعاً مرعباً وكابوساً يقلق مضاجع كثير من الحكومات الوطنية التي تخاف من شعوبها النزّاعة إلى الحرية أن تسلك طرائقه في النضال الدؤوب المتفائل الذي ينتهي، حتماً، بالنصر: «ولم يَدُرْ في خلدي قَطّ أنني لن أخرج من السجن يوماً من الأيام، وكنت أعلم أنه سيجيء اليوم الذي أسير فيه رجلاً حُرّاً تحت أشعة الشمس والعشب تحت قدمي؛ فإنني أصلاً إنسان متفائل، وجزء من هذا التفاؤل أن يُبقي الإنسان جزءاً من رأسه في اتجاه الشمس، وأن يحرِّك قدميه إلى الأمام. وكانت هناك لحظات عديدة مظلمة اختبرت فيها ثقتي بالإنسان بقوة, ولكنني لم أترك نفسي لليأس أبداً. فقد كان ذلك يعني الهزيمة والموت.». ومن تلك برقية أخرى لإنعام كجه جي قالت فيها: لم أُفكِّر يوماً بأن يكون لي أب أسود البشرة. لكنني أظن أن ملايين العرب والهنود والصينيين واليابانيين والروس والأتراك يتمنون أن يكونوا من صلبك. سلالة الإنسان الحر السعيد بحريته وبكونه عاش عاشقاً، وسيمضي إلى ما وراء أشجار الغابة وهو عاشق هل هناك من دليل على البهجة أكبر من ابتسامتك العريضة، أو أجمل من قمصانك الشبابية الزاهية؟ أعرف أن هذا ليس أوان الشعر لأن لغة البرقيات تقتضي المباشرة والتقشُّف والاختزال. لكن الفرصة لا تُتاح لي كل يوم، يا بابا مانديلا، لكتابة برقية موجَّهة إليك. لاسيَّما وأن مدير التحرير سمح ببضع مئات من الكلمات، أظنها كافية لأن أقول لك ما أودّ البوح به من حكاية أنت بطلها، تدفئ خاطري منذ سنوات. وأرجو أن تعذرني لأنها لفتة صغيرة تدور حول القدمين، وقد لا تناسب قامتك العملاقة، ولا تتسامى إلى الذرا التي بلغتها بنضالك. كنت قد تعلّمت أن أستقي دروس الحب من الروايات التي تقع بين يدي ومن الأفلام
التي كانت تُتاح لي مشاهدتها. ولم يكن يخطر على بالي أنّ أرقى درس في العشق هو ذاك الذي سأتعلّمه من مناضل عجوز سجين في بلد بعيد لن تأخذني إليه قدماي ذات يوم. واعذرني، ثانية، على لفظة «عجوز». فأنا من عالم متخلِّف ما زال يقيس العجز أو الفتوة بعدد سنوات العمر، وما زال يعتبر لون البشرة معياراً للتمييز بين البشر.ويكتب عنه عماد أسيتو قائلا: ساكن أبداً في طقوسه كإله قديم، وُلِد في الموت وكَبُر في الموت، هكذا يصف الشاعر السوداني محمد الفيتوري أيقونة جنوب إفريقيا وكل العالم نيلسون مانديلا في إحدى قصائده الرائعة. يزيد الفيتوري قائلاً عن مانديلا: (كيف تكون سجينا/ وأنت هنالك ترسم وجهك/ في شهقات الصبايا/ وأدخنة الغرف المعتمات/ وفوق رماد المناجم/ كيف تكون سجيناً/ وهم يلهثون وراءك/ تحت جسور بريتوريا/ وبناياتها الراعشات/ وأنت تكافئهم بالهزائم) كل شيء في مانديلا كان محفِّزاً على الإبداع: كلماته، وعوده، صموده، تسامحه، صبره، حكمته، كل شيء فيه كان يجعل الشعراء ينطلقون، يبكون بين الكلمات، يصرخون، يثورون، يتمرَّدون، ويغنون، يعانون، ثم ينتصرون في النهاية لفكرة مانديلا. وقد خصَّص الشاعر الإفريقي أمادو إليماني كاني مقالاً شاملاً عن مانديلا كظاهرة فنية وأدبية وشعرية على وجه الخصوص، يقول كالي: «وجه نيلسون مانديلا يفتح الآفاق أمام انبعاث جميع الأنواع الأدبية، من الشعر إلى المسرح، كل عالم الشعر تحوَّل في اتجاه نيلسون مانديلا لأنه واحد من أولئك الذي غيَّروا وجه العالم. لأنه وقف في وجه ما لا يمكن السماح به، هو شجرة الإنسانية» طيلة حياته تميز مانديلا بالحكمة والإلهام والعبقرية أحبّ، باستمرار، بشجاعة ملتزمة وجبّارة. وتزوَّج ثلاث مرات، كانت الأولى في سنة 1944 من السيدة «إفلين نتوكو ماسي» التي أنجب منها ابنتين وولدين، قبل أن ينفصلا في عام 1957، بسبب التزاماته النضالية والثورية التي كانت تأخذ معظم وقته، والتي كانت تتنافى من جهة أخرى مع انتمائها الطائفي ذي المرجعية المسيحية الذي كان يتطلَّب منها نوعاً من الحياد السياسي والسلمي وفي العام 1958، وفي الوقت الذي كان فيه رفاقه ينتظرون منه التقدُّم للزواج من أقرب رفيقاته «روث مومباتي» سكرتيرة مكتب المحاماة لديه، أو «ليليان نغوي» القائدة القومية لرابطة النساء التابعة للحزب، فاجأ مانديلا الجميع بإعلان زواجه من ويني بعدما عاشا لحظات عاطفية قوية وسط أوضاع سياسية متقلِّبة وغير مطمئنة. الإ أن هذه القصة الجميلة لم تدم كما كان يحلم مانديلا إلا حوالي عشر سنوات، حيث سيحكم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عليه بالسجن مدى الحياة ليقضي سبعة وعشرين سنة من عمره خلف القضبان بسجن جزيرة «روبن»، لتتحوَّل معها ويني الجميلة إلى مُجَرّد ذكريات دفء مقطوعة تلهب ظلام زنزانته الباردة كما كاتب يكتب ذلك في يومياته ورسائله
الملتاعة والمكسورة. و في يوليو 1998،وبعد أن أصبح مانديلا ثمانينيا وبعدما لم يتوَّج حبُّه للناشطة الحقوقية «أمينة كشاليا» بالزواج، اختار مانديلا للمرة الثالثة الزواج من السيدة «غراسا ماشيل» أرملة «سامورا ماشيل»، رئيس الموزمبيق وحليف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. غراسا التي انخرطت في سنّ مبكِّرة بداية السبعينات بجبهة تحرير موزمبيق، والتي كانت أول وزيرة للتربية والثقافة بعد استقلال بلدها تقول عن مانديلا بأنه رجل لا يتكرَّر لأنه رجل عظيم بكل المقاييس. هذا ما أكَّدته في إحدى المقابلات الصحافية حين قالت بأنها عندما تنظر إلى حياتها فإنها تستطيع أن تجد تفسيراً لكلّ شيء فيها باستثناء شيء واحد هو «ماديبا» الاسم العشائري لمانديلا. مانديلا الذي كسره الحبّ ،وأتعبته السياسة، رمز وحدة جنوب إفريقيا الأسطوري ورئيسها السابق، العاشق للَّعب بالنار كما سبق أن قال وهو في ريعان شبابه وحماسه الثوري ردّاً على ضابط جاء لاعتقاله محذّراً إياه بأنه يلعب مع النظام لعبة من نار، يقول وهو يصارع المرض بالقوة نفسها التي صارع بها نظامـاً لا ديموقراطياً طيلة حياته، بأن الحياة ليست خالدة أبداً، وبأن الذي يصنع المعجزات العظيمة هو الحُبّ فقبل أن يتزوج من جراسا ماشيل في عيد ميلاده الـ 80 تقدَّم نيلسون مانديلا إلى إحدى الناشطات السياسيات في جنوب إفريقيا ورفيقة الكفاح ضدّ العنصرية لسنوات طويلة، وهي «أمينة كاشاليا»، المرأة الوحيدة التي لم توافق على الزواج منه رغم العلاقة العميقة التي كانت بينهما، كما تَمَّ نشرها في سيرة ذاتية في كتاب تحت عنوان «الأمل والتاريخ على قافية واحدة»وفي حوار تلفزيوني أجرته معه المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري قال مانديلا يصف حياته: قبل دخولي السجن كنت مُجَرَّد ناشط سياسي، بصفتي عضواً في منظمة قيادة جنوب إفريقيا، كنت أعمل من السابعة صباحاً وحتى منتصف الليل، لم أحظَ أبداً بالوقت لأخلو بذاتي، وأفكِّر. في أثناء عملي هذا كنت في قمّة الإجهاد العقلي والجسدي، ولم أكن قادراً على استخدام الحيِّز الأكبر من قدرتي الذهنية، لكن في زنزانتي المنفردة في السجن وجدت الوقت لأفكِّر، أصبحت أمتلك رؤية واضحة لما مضى ولما هو كائن بالفعل، واكتشفت أنني بالفعل ممتنّ لكل ما مررت به في الماضي، سواء في علاقتي بالآخرين أو في علاقتي بذاتي.وحينما سألته عما إذا كان يخشى الموت أجابها بقوله: أعتقد أن شكسبير قد عَبَّرَ عن هذا جيداً عندما قال «الجبناء يموتون عدّة مرّات قبل موتهم» من أغرب ما رأيته من سلوكيات البشر هو خوف الإنسان من الموت. أرى أن الموت هو نهاية ضرورية ستحلّ في وقتها، فعندما يتيقَّن المرء أنه فقط سيختفي وراء سحابة من المجد، وأن اسمه سيظل خالداً هذا هو ما يجب أن ينتظره.وكتب المفكر والمؤرخ المصري د/ محمد الجوادي برقية يخاطب فيها الراحل مانديلا بكلمة سيدي: قلت لك - يا سيدي - إنك تجاوزت غاندي، وحَقَّ لك
أن تفخر بذلك، فقد عشت سعيداً بهذا المجتمع التي تجاوز الانقسام والفصل سعيداً راضياً، ورآك وأنت تتنازل عن مجد الرياسة بعد ما أبليت فيها البلاء الحسن، وقد نثرت حبوب التسامح في أرض خصبة، ولم تتركها تطير أدراج الرياح. وقلت لك إنك تجاوزت تولستوي لأنك علَّمْت كثيرين من المناصرين لك والعارفين بك، فضلاً عمَّن ألهمتهم مع اختلاف الزمان والمكان، وتجاوزت دور الداعية الجميل إلى دور القدوة الأجمل، كما تجاوزت دور الفلسفة إلى دور الواقع الذي يتجدَّد مع كل أزمة تجتازها البشرية من حيث تحتسب، أو من حيث لا تحتسب. إذا قُدِّر لنا أن نتحدَّث في عالم آخر غير هذا الذي نعيشه، وسألني سائل عن نجم العصر الذي عشت فيه فسوف أقول «مانديلا». وإذا سألني عن التاريخ الذي عشت فيه فسأقول له: في التاريخ الذي لا أذكر أرقامه لكني أعرف أنه تاريخ معروف لأن «مانديلا» عاش فيه، وإذا سألني عن الفارق بيني وبينك في السنّ، فسوف أقول إنك وُلِدت قبلي، لكنك عشت حياتك كلّها أكثر شباباً مني. نعم قد كنت فتى العصر حتى وأنت على أعتاب المئة!
نعم مانديلا كما قلت بنفسك :الحياة ليست خالدة أبدا ونحن معشر المسلمين نؤمن يقينا أنها فانية ، رحمك الله رحمة واسعة .
* كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
1498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع