في ذكرى ثورة أكتوبر

                                               

                             خالد القشطيني

مرت ذكر الثورة البلشفية، أو ما يعرف بثورة أكتوبر (تشرين الأول) قبل أيام. لم أتعرض لذكرها في هذا العام ولا في أي عام. ولكنها مرت في هذه السنة أثناء قضاء إجازتي في منطقة أرض البحيرات، شمال إنجلترا.

هذه منطقة ساحرة بجمالها وجبالها ومياهها، فاتخذتها الجن وطنا ومسكنا لها. وهناك أوحت جنياتها بأعاظم الأعمال الأدبية والفنية في بريطانيا. ومن ذلك أنها اقترنت بثورة الأدب الرومانطيقي، فعشش فيها قادة الشعر الرومانطيقي وعلى رأسهم الشاعر الخالد ويليام وردسورث. وأوحت أزهارها بأشهر قصيدة له في الشعر الإنجليزي، قصيدة «السفرجل» The Daffodils.

يظهر أن إحدى جنياتها قد لمستني أيضا بينما كنت آكل الأكلة المألوفة في أرض البحيرات، «فش آند شبس» (السمك والبطاطس). بيد أن هذه الجنية لم تجنني وتوحِ لي برائعة من روائع القصائد أو لوحة زيتية تبهج النفوس. حركتني للتفكير في ثورة أكتوبر. جاءت بشلة من العمال الذين كنا نصفهم بالبروليتاريا الكادحة. نزلوا من سياراتهم الخاصة، «فولفو» و«بيجو» وحتى «مرسيدس». جلسوا معي في مطعم الفندق. وراحوا يطلبون طبقا بعد طبق من أطيب الطعام وأنفسه. جاءهم النادل بمثل ذلك من الشراب المعتق.

لم أسمع في حياتي ضحكا وقهقهة كما سمعت منهم. السعادة والرضا باديان عليهم. مضت الجنية فذكرتني عندئذ بالشعار الذي خاض به هارولد مكملان المعركة الانتخابية ضد حزب العمال. خاطب عمال بريطانيا قائلا: «لم تعرفوا حياة أحسن من حياتكم هذه». وهو طبعا ما لمسته في هذه المجموعة من الشغيلة، سمكرية وتنكجية وميكانيكجية، وكناسين وزبالين وصباغين، يأتون مع زوجاتهم في آخر ما في الموسم من موضة، يسوقون سياراتهم الفارهة.

قالت لي هذه الجنية: انظر يا ساذج! يا من ضيعت حياتك في الجري وراء الاشتراكية! انظر! ثم ذكرتني بكلمات صاحبي المهندس غازي المفتي. حدثني ذات يوم فقال لي: حقا يا أبو نايل، لقد فشلت ثورة أكتوبر في الاتحاد السوفياتي. ولكنها كانت كافية لترعب العالم الرأسمالي وتحذره بما يمكن للشغيلة وكل المحرومين والمستضعفين أن يفعلوه إذا استمر ظلمهم واستغلالهم وتجويعهم. احذروا من هذا البركان!

وعلى خلاف مسؤولينا الغاطين في المنام، استيقظ الرأسماليون من سباتهم وطيشهم، فأسرعوا لإصلاح الأمور بسلسلة من التشريعات.. ضمان صحي، ضمان اجتماعي، مساكن حديثة للعوائل العمالية، تعليم مجاني لأولادهم ولكل أبناء الشعب، منح دراسية جامعية للجميع، أجور عالية ومعاشات تقاعد سخية ومخصصات للعاطلين والمقعدين. وسياسة تقوم على الحوار والمشاركة. وأخيرا هتفت الجنية في أذني: يا عمال العالم الغربي، اهتفوا بصوت واحد: «تعيش ثورة أكتوبر الفاشلة».

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1507 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع