علي السوداني
وهذه قراءة ابتدائية عجولة مستعجلة ، في صدر وعجز وحواشي وثنيات وخواصر شاشة الفيس بوك ، وقد جئنا عليها ونحن نسحل خلفنا ، مائة وعشرين يوماً من زمان تلك التجربة المدهشة الجميلة حتى الآن .
بوسعي الليلة أن أخبركم بيقينٍ قد يصل حدّ المطلق ، إنّ أكثر مفردةٍ قد تمّ انتهاك خصوصيتها وحرمتها وفضّ بكارة معناها وجوهرها البديع ، هي مفردة الفعل الفاعل المفعّل " أعجبني " التي تقابلها بلغة الإفرنجة ، المفردة المشعّة " لايك " القائمة على اربعة أحرف انكليزيات ، ليس بمقدور طابعتي ، أن تأتي بهم جميعاً ، وهذه تأتيها الغزاة من كلّ حدب وحدبة وصوب ، فتدوس عليها ، دلالة الرضا والإستحسان والإستئناس ، بالنصّ المكتوب ، أو الصورة المنشورة ، أو الفكرة المطروقة ، ومن فرط دوسات الناس فوق رأس تلك الكلمة الرحيمة ، كاد ينبت لها حلقٌ ولسانٌ تصيح به ، وتتوجّع وتبتغي الرحمة . في باب الصداقات ، عليك أن تقبل كلّ الناس ، من دون النظر إلى وجوههم وخلفيّاتهم ، على أساس أنك إذا حيّيتَ بتحيةٍ ، فمن اللائق والإنسانيّ أن تحيّيها ، أو تردّ بأحسن منها ، ثم ستكتشف بعد حينٍ غير عظيمٍ من الزمن ، أنّ عليك أن تبزل تلك الصداقات ، بغربال الحقّ ، فيسّاقط منها بعض درن ودرنات . عند دربونة المكاتيب التي تسعدك من دون ساعي بريد ، ستصلك رسائل مذيّلة بأسماء وأقنعة مستعارة ، وثانية أنزل الربّ بها سلطانه ونعمته وجماله وعذوبته ولحنه ، وثالثة تقع في صنف الرسائل الجمعية ، ويسمّى مُطيّروها بالمدردشين ومن قَتَلَة الوقت بالجدل المنفّر الذي لا تخلو بعض مقطوعاته ، من " فشار " وعياطٍ مُهين . وثمة صنف رابع من رسائل ، تأتيك مكتوبة بلغة انجليزية سهلة ، أو بعربيةٍ مكسّرة ، وغالباً ما يكتبها أناس من خلق الله الدائحين الضالّين فوق أرضه ، فهذه أرملة جنرال ميت ، كان قبل واقعة موته ، ترك في مدفنٍ ما ، ستين مليون دولار ودولارة ، وهي تريد عونك في اخراجها والمال الحلال ، ومن ثمّ استلام هبرتك وقسمتك منه ، وقد تشمّ في ثنايا مقترح أرملة الجنرال ، تلميحة زواج على حبّ الله ورسوله والمؤمنين أجمعين . في دفتر الرسائل ، وصلني البارحة ، مكتوب من واحدٍ بدا أنه سرسري سليل سرسرية ، كتب أنه يشتغل ضابطاً مع بقايا جيش أمريكا الوغدة في بغداد العباسية ، وقد وقع على كنز عملٍ عظيم في تلك الحاضرة ، ويريد منّي شراكته ، فإن وافقتُ ، سيقوم بخطوة ارسال تفصيلات وافية ضافية عن الشغلة . وعندك أيضأً باب الصور المشرورة ، النابت منها على عروش الصفحات ، وهذه يبدّلها القوم في فترات متباعدة نسبياً ، وصور تتنزّل صحبة نصوص وتغريدات ونعشات منعشات ، فتصلك كاملة مكمّلةً ، فتدوس ساعتها فوق زرّ الإعجاب ، حتى لو كانت الصورة المشهرة ، هي لقطة بائدة لخالة صديق لطيف وسيم ، لكنّ وجه الخالة هنا ، مشتقٌّ من شفايف اسماعيل ياسين الغليظة . ثمة شرائط وفيديوهات تعرّشُ كلّ يومٍ على رأس صفحتك ، فتشغّل ما يعجبك حقاً ، وتنصتُ طرِباً متضعضعاً ، إلى تحفة كاظم الساهر وليلى ، والغرباء الذين استوطنوا البلاد العزيزة ، وتزفّ إلى جوفك العطشان ، كأس عرقٍ سمينة ، ثم تذيّل أوشال الأغنية ، بتغريدة مخلوقة مخطوطة بدم القلب والمخّ ، وما هي إلّا بعض ساعةٍ ، حتى تحطّ على ليلتك ، تغريدة امتنان كبيرة من كاظم ، فيرتفع لديك منسوب النعشة ، وتنام ما تبقى من ليلتك ، مرتاحاً هائماً
مطمئناً ، حتى تأتيك مصادفة قدرية رحيمة ، تفيد بأنّ من غرّدَ معك تلك الليلة المدهشة ، لم يكن كاظم الساهر ، بل هو صاحب دكّان تسجيلات " نغم في حياتي " المزروع في خاصرة مربّع النعيرية والكيارة والعبيدي والكمالية ، في حال غزوتها من صوب منطقة المشتل .
طبعاً هذا لا يعني أنني لا أتهادى الآن ، وانود وادندن بملحونٍ عبقريّ ، مستلّ من حقيبة الفتى الذي لا يهرم ، كوكب حمزة ، وأفلتُ من قفص زهير الدجيلي ، طيور سعدون جابر ، وأستحلفها بالله وبالقدّيسين ، أن تحطّ عصرية الغد ، فوق رأس بغداد أمّي ، وتخبرها أنّ الولد المتبول علي السوداني ، يحبّك ويموت عليك ، ويذوب ويعيط ويثغب ، كلما مرَّ ذكرك العاطر البديع ، مع سطّعش كوشر إعجاب ولايكات . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1465 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع