ليلة الارتباك السياسي: العراق يضع حزب الله والحوثيين على لائحة الإرهاب… ثم يتراجع!

 بقلم: روبيرت ملحم / صحفي ومراقب سياسي


ليلة الارتباك السياسي: العراق يضع حزب الله والحوثيين على لائحة الإرهاب… ثم يتراجع!

لم يكن صباح بغداد عاديًا حين استيقظت الساحة السياسية على قرار هزّ أركان المشهد: إدراج حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في العراق. قرار ظهر فجأة في الجريدة الرسمية، ثم اختفى سريعًا بقدر ما أثار من عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة. ما الذي جرى؟ ومن يقف خلف هذا التحوّل المفاجئ؟ وهل كان الأمر خطأً إداريًا أم رسالة سياسية لم تُكتمل؟
بين الاعتبارات الدولية والضغوط الإقليمية وحسابات الداخل العراقي، تحوّل قرار نشر ثم التراجع عنه إلى واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، فاتحًا الباب أمام أسئلة كبيرة وعميقة تتجاوز حدود القرار ذاته، وتمتد إلى موقع العراق في خارطة النفوذ والصراعات في المنطقة.

يشهد العراق منذ ايام نقاشًا سياسيًا محتدمًا بعد نشر قرار رسمي في الجريدة العراقية (الوقائع) تضمّن تصنيف كل من حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. القرار، الذي بدا منسجمًا مع توجهات بعض الدول الغربية والإقليمية، لم يدم طويلًا؛ إذ سرعان ما أعلنت الحكومة تراجعها عنه، مؤكدة أن الإدراج كان “خطأً غير مقصودًا”، وأمرت بفتح تحقيق في ملابسات نشره.

يأتي هذا التطور في وقت تتجه فيه عدة دول لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا تجاه الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران. فقد أعادت الولايات المتحدة في مارس 2025 تصنيف جماعة الحوثي كـ“منظمة إرهابية أجنبية”، متهمة إياها بتنفيذ هجمات تهدد الملاحة الدولية وأمن المدنيين. كما صنفت دول أخرى، بينها نيوزيلندا، كامل هيكلية حزب الله والحوثيين ضمن قوائمها الإرهابية، وليس فقط الأجنحة العسكرية.
هذه الموجة من التصنيفات خلقت بيئة سياسية ضاغطة في الشرق الأوسط، حيث تُراقَب مواقف الحكومات من هذه الجماعات بوصفها مؤشرًا على اصطفافاتها الإقليمية.

وفق النسخة التي نُشرت في الجريدة الرسمية، جاء إدراج حزب الله والحوثيين ضمن قائمة ضمّت 24 كيانًا متهمًا بالإرهاب وتمويله. وأشارت الوثيقة إلى تجميد الأصول المالية ومنع التعاملات المصرفية مع الجهات المذكورة.
إلا أن إعلان الحكومة التراجع عن القرار لاحقًا فتح الباب أمام تساؤلات عديدة:
هل كان الأمر خطأً إداريًا فعلًا؟ أم محاولة لاختبار ردود الفعل الداخلية والخارجية؟
عدد من القوى السياسية في العراق اعتبر القرار “غير مبرر”، مشيرة إلى أن حزب الله، خصوصًا، يُنظر إليه في قطاعات من الشارع العراقي كـ“حركة مقاومة” لا “منظمة إرهابية”. كما رأى مراقبون أن التراجع السريع يعكس حساسية بغداد تجاه موازنة علاقاتها بين واشنطن وطهران في المرحلة الراهنة.

الجدل الداخلي كان العامل الأكثر تأثيرًا في التراجع. فقد اعتبرت قوى سياسية ذات نفوذ كبير أن القرار يمسّ بمكونات عقائدية وسياسية ترتبط بعلاقات وثيقة مع العراق. كما أثار نشر القرار دون إعلان مسبق تساؤلات حول آليات عمل لجنة تجميد أموال الإرهاب وكيفية اتخاذ القرارات ونشرها.
التداخل بين العوامل السياسية والأمنية والدبلوماسية جعل الموقف العراقي هشًا، فالتصنيف بدا وكأنه جزء من توجهات خارجية أكثر منه قرارًا مبنيًا على معايير وطنية واضحة.

رغم التراجع، تبقى القضية مفتوحة على احتمالات متعددة. فالعراق يواجه ضغوطًا دولية لإعادة تقييم علاقاته مع الجماعات المسلحة غير الحكومية، بالتزامن مع الضغوط الداخلية التي ترفض المساس بما يُعتبر “قوى مقاومة”. هذا التناقض جعل العراق ساحة للتجاذب بين مراكز القوى الإقليمية والدولية.
ويبقى السؤال الجوهري:
هل يحتاج العراق إلى إعادة صياغة واضحة لسياساته تجاه المنظمات المسلحة الخارجية، أم أن الظرف السياسي الحالي لا يسمح بذلك دون دفع ثمن باهظ؟


خلاصة
قرار التصنيف ثم التراجع عنه يعكس عمق التعقيد في السياسة العراقية الحالية. فالعراق يقف بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان التوازنات الداخلية، ليجد نفسه مجددًا في قلب صراع أكبر منه، بين رؤيتين:
إحداهما تعتبر هذه الجماعات “منظمات إرهابية”، وأخرى تراها “قوى مقاومة”.
المشهد لم يُحسم بعد، لكن المؤكد أن ما حدث كشف هشاشة المنظومة الحكومية في التعامل مع ملفات حساسة، وأظهر حجم التأثير الذي تمارسه عوامل السياسة الإقليمية على القرار العراقي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع