
بسام شكري
لغز الدكتورة الجاسوسة
من خلال خبرتي في عملي كمساعد بحث لعدد من طلبة الدكتوراه فاني اعتقد ان ما قامت به الباحثة الإسرائيلية اليزابيث تسوركوف في العراق سيكون اقوى بحث دكتوراه في إسرائيل منذ تأسيسها على ارض فلسطين سنة 1948 , بحث الدكتوراه باختصار هو براءة اختراع يأتي بفكرة أو فلسفة أو اختراع علمي لشيء لم يكن موجودا من قبل ويستغرق بحث الدكتوراه أربع سنوات.
البحث الذي قامت به الباحثة الإسرائيلية في العراق من خلال جامعة بريستون الأمريكية العريقة لدراسة جماعة مقتدى الصدر سوف يعتبر من افضل الأبحاث في تاريخ إسرائيل, لان الباحثة قد غامرت بحياتها من اجل إنجاز البحث الميداني و العراق و إسرائيل مازالت في حالة حرب مع العراق إضافة الى الوضع الأمني الخطير في العراق, حيث الميليشيات الإيرانية تسيطر على جميع مفاصل الدولة وموضوع البحث خطير جدا لأنه يبحث في موضوع ميليشيات وهذا يتطلب إجراء مقابلات مع أعضاء في ميليشيا الصدر ومعايشتهم يوميا وطبعا لغتها العربية ضعيفة لأنها درست في الجامعة اللغة العربية باللهجة الشامية لكنها تحدثت بلهجة عراقية ممتازة في مؤتمرها الصحفي بعد اطلاق سراحها وهذا يدل إن فترة اختطافها قد تعلمت اللهجة العراقية.
هل ستقوم الباحثة بإكمال البحث في نفس الموضوع؟
لا اعتقد ذلك، لان تجربة اختطافها ستكون موضوعا أكثر أهمية ودسامة من موضوع البحث الأصلي لذلك أتوقع شخصيا أن تقوم بتحويل موضوع البحث الى موضوع اختطافها وما جرى لها بحيث تخرج بتجربة جديدة فريدة من نوعها وهي كيفية تعامل الميليشيات مع المختطفين وأساليبهم وعلاقاتهم فيما بينهم وسوف تستنتج أسلوب مكافحة الميليشيات في ظل نظام ميليشياوي, أو سيكون موضوع ميليشيا مقتدى الصدر فصل واحد من عدة فصول من بحث الدكتوراه.
الفوائد الشخصية التي حصلت عليها الباحثة الإسرائيلية هي تعلم اللهجة العراقية وتقوية لغتها العربية ومن جانب أخر تعرفت على أساليب الخاطفين وتجربة الأسر التي عاشتها بتفاصيلها تجعلها خبيرة في مكافحة الإرهاب ومكافحة إرهاب الميليشيات في المستقبل، والنقطة الأهم إنها تعرفت على أحدث سيكولوجية وأنثروبولوجيا المجتمع العراقي, والفائدة المادية ستكون كبيرة جدا لأنها ستقوم بنشر تجربة اختطافها في كتاب ستبيع منه ملايين النسخ, وستكون خبيرة في مكافحة الميليشيات.
خفايا الموضوع
الجهة التي خطفت الباحثة الإسرائيلية لها سوابق عديده في الاختطاف فهي نفس الميليشيا التي اختطفت26 صياد قطري سنة 2015 وكان بينهم شيوخ من أل ثاني الكرام, حيث قام 100 مسلح في 70 سيارة دفع رباعي باحتلال مخيم الصيادين في بادية السماوة العراقية واستمر الاختطاف 16 شهرا وقد حصل حزب الله العراقي على مبالغ 700 مليون تو توزيعها بين حزب الله العراقي وحزب الله اللبناني لأنه من قام بالتوسط لعقد صفقة اطلاق الرهائن وقسم الى نظام الأسد, وإضافة الى مبلغ الفدية فقد طلب الخاطفين إجلاء وتبادل عرقي وطائفي بين اربع بلدات سورية من مناطقهم واحتلال تلك المناطق من قبل قوات الأسد وتم نقل مجموعة من تنظيم داعش وجبهة النصرة بالباصات وبحماية حزب الله اللبناني من مناطق كانوا محاصرين فيها قرب الحدود العراقية السورية في القائم والبوكمال الى مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة السورية في إدلب , وقد شارك قاسم سليمانية وحسن نصر الله ونظام بشار الأسد في إتمام تلك الصفقة وكان عراب تلك الصفقة حيدر العبادي رئيس وزراء ميليشيات العراق.
هناك تساؤلات عديدة حول قضية اختطاف حزب الله العراقي للقطريين:
أولا-إذا كان حزب الله العراقي الذي قام باختطاف القطريين وتمت إعادتهم مقابل فدية ومقابل تطهير عرقي لأربع بلدات سورية فكيف للقضاء العراقي ألا يصدر امر بمنع حزب الله العراقي من ممارسة نشاطاته؟ وكيف يبقى يعمل لغاية الآن والأغرب من ذلك يشارك في الانتخابات الأخيرة في العراق وفاز بمقاعد عديدة؟
ثانيا- كيف لدولة معترف بها دوليا مثل العراق أن تقوم باختطاف أجانب وعمل صفقات إطلاق سراحهم بعملية تطهير عرقي واستلام فدية مالية قدرها 700 مليون دولار دون أن يصدر عليها عقوبات دولية أو عربية، في الوقت قامت السعودية والأمارات والبحرين بقطع علاقاتها مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها بتهمة تمويل الإرهاب" لمجرد إنها دفعت فدية ذهبت الى حزب الله اللبناني وفرعه العراقي"؟
تقول الباحثة الإسرائيلية المختطفة إن من حقق معها هو ضابط إيراني وهذا يؤكد إن الحرس الثوري الإيراني هو نفسه حزب الله العراقي , صحيح إن هناك الكثير من أجهزة المخابرات الدولية والعربية دخلت الى ساحة التحرير في بداية ثورة تشرين للتعرف على ما يجري وحتى من جهاز الموساد الإسرائيلي دخل منفردا أو مع شخصيات عراقية تعيش في لندن لكنها انسحبت جميعا من ساحة التحرير عندما تم اختراق الساحة من قبل الشيوعيين المشاركين في نظام الحكم تلاهم الصدريين وتدريجيا دخلت كل الميليشيات بحيث أصبحت الساحة محتلة من قبل الميليشيات وتلاشت ثورة تشرين من الساحة, السؤال هو لماذا بقيت الباحثة الإسرائيلية في العراق بعد انسحاب كافة أجهزة المخابرات الأجنبية؟
كانت الباحثة الإسرائيلية ستعتبر أفضل باحثة خلال هذا القرن وسيكون بحثها اقوى بحث في هذا القرن لان تجربتها البحثية كانت بتعريض نفسها لخطر الموت وتعرضها الى التعذيب الجسدي والنفسي والاختطاف لأكثر من 903 يوم لولا نقطة واحدة وهي إن الأوساط الأكاديمية العالمية ستعتبرها جاسوسة أكثر مما تعتبرها أكاديمية، لأنها اعترفت للخاطفين واعترفت لأجهزة الإعلام بعد إطلاق سراحها إنها كانت قد عملت في المخابرات الإسرائيلية.
لقد دخلت الباحثة الإسرائيلية بجواز سفر روسي الى العراق في بداية 2019 وشاركت في ثورة تشرين ودعمت الناشطين وتم اختطافها في الشهر الثالث من سنة 2023 وأطلق سراحها في 9-9-2025 وفترة الاختطاف هي 903 يوم, والفترة التي قضتها بين أول دخول لها الى العراق وتاريخ اختطافها هو خمس سنوات وهذا يعني إنها تجاوزت السنوات الأربعة المخصصة لبحث الدكتوراه سنة كاملة فلماذا خسرت سنة كاملة لو إنها كانت تقوم فقط بعمل بحث الدكتوراه؟, وعند اطلاق سراحها لم يتم دفع أي مبلغ الى حزب الله العراقي فلو كانت قد قضت في فندق تلك الفترة واكلت وشربت سنتين ونصف لكان هناك مبلغ كبير كان يجب على الجانب الإسرائيلي دفعه الى حزب الله العراقي فكيف تمت صفقة اطلاق سراحها بدون مقابل مادي وما هو المقابل الذي حصل عليه حزب الله العراقي التابع لإيران لإطلاق سراحها؟
عملية إطلاق سراحها بحد ذاتها كانت مهزلة لان الخاطفين وضعوها في بيت في داخل بغداد وابلغوا الشرطة بعنوان البيت وجاءت الشرطة العراقية وأخذتها، كيف لدولة ذات سيادة أن تقوم بتسهيل عمل عصابة اختطفت اجنبيه سنتين ونصف؟
رسميا العراق في حالة حرب مع إسرائيل وحتى التطبيع مع إسرائيل يعتبر حسب القانون العراقي جريمة فكيف لجاسوسة إسرائيلية تدخل العراق وتبقى خمس سنوات تسرح وتمرح وتشارك في تظاهرات تشرين وتلتقي بالناشطين العراقيين بدون علم جهاز المخابرات العراقي؟ والأكثر استهتارا بالسيادة العراقية أن تقوم تلك الميليشيا باختطاف تلك الجاسوسة وإعادتها والمخابرات والدولة العراقية نائمة؟ بالمختصر انه العبث بمقدرات الشعب العراقي.
لقد كان موضوع الباحثة الإسرائيلية المختطفة في العراق قد أعاد فتح ملف تورط الدولة العراقية في دعم الإرهاب ومماسته بشكل علني من خلال تذكر العالم ما قامت به الدولة العراقية في موضوع اختطاف الصيادين القطريين مقابل 700 مليون دولار إضافة الى جريمة التطهير العرقي في سوريا ومشاركة العراق فعليا ورسميا فيه وهذا يضع الدول العربية قبل دول العالم أمام مسؤولية حماية العراقيين وحماية شعوبها من العصابات التي تحكم العراق وفرض عقوبات رادعة على ذلك النظام وحرمانه من الاستمرار في جرائمه بحق الشعب العراقي, وسلوك نظام الميليشيات ذلك هو تهديد للأمن القومي العربية , المضحك المبكي إن حزب الله العراقي شارك في الانتخابات الأخيرة وله مقاعد في البرلمان العراقي ’ فأي نظام سياسي أعضاء برلمانه ميليشيات مسلحة ؟
المصيبة الكبرى إن كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات تملك ميليشيات مسلحة تحكم قبضتها على الشعب العراقي بالنار والحديد، والدستور العراقي ينص على حرمان أي حزب له ذراع مسلح من المشاركة في الانتخابات.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

1018 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع