
الدكتور رعد البيدر
ٱلِٱنْتِخَابَاتُ ٱلْعِرَاقِيَّةُ نِصْفُ أَمَل وَنِصْفُ وَجَل
نِصْفُ العراقيِّينَ توجهوا إلى صناديقِ الاقتراعِ أملاً بما يطمحونَ له، والنِّصْفُ الآخرُ فضلَ الابتعادَ، متجنِّبين ما يخشونَ منه. صناديقُ مليئةٌ بالاستمارات، قلوبُ تترنّحُ بينَ الرجاء والخوف، وآمال تتصارع بينَ حلمٍ وحقيقةٍ.
أكثرُ من 21 مليونَ ناخبٍ كان لهم الحقُّ بالتصويتِ، لكنَّ 55% فقط مَن اشتركوا في الاقتراع. ليظلَّ نصفُ الشعبِ يضع ثقتهُ في التغييرِ، ونصفُهُ الآخرُ يراقبُ، مثقَّلاً بخيبةِ سنواتٍ طويلةٍ من وعودٍ لم تُنفَّذ وأحلامٍ معلّقةٍ على رفوفِ الانتظارِ.
في الشوارعِ والأحياءِ، يتهامسَ الناسِ حول معانتهم في ظروف حصار ما قبل الاحتلال، وما تزايد عليها من مآسيهم بعد الاحتلال. بينَ العجز على معالجة تلك وهذهِ المُنَغِصات اليوميةِ، تنافسَ 7,744 مرشحاً على 329 مقعداً في البرلمانِ، منها 83 مخصصةٌ للنساء بحسبِ كوتا الـ 25% .
الأرقامُ ضخمةٌ، لكنها لا تكشف عن حجمِ الأملِ والوجَلِ في قلوبِ الناس، ولا تعكس عن تطلعاتهم للعيشِ الكريمِ.
أما التصويتُ الخاصُّ للقواتِ الأمنيةِ والعسكريةِ والنازحين، فقد شهدَ 82.42% مشاركةً من نحو 1.31 مليون شخصٍ، إضافةً إلى نحو 26,500 نازحٍ.
في مشهدِ كهذا يُحَّدِث العراقيُّ نفسهِ: أن من اختبرَ الفوضى عن قربٍ، يعرف قيمةَ كلِّ صوتٍ، وكلِّ رقمٍ، وكلِّ لحظةِ استقرارٍ؛ فالفرقُ واضحٌ بين من يراقبُ الفوضى من بعيدٍ، ومن يواجهُها يومياً على أرضِ الواقعِ.
بعدَ فرزِ الأصواتِ، يظهرُ واضحاً أنَّ الطموحاتِ معلقةٌ بينَ الأملِ والقلقِ. كلُّ ناخبٍ يدرك أن صوتهُ ليسَ مجردَ رقمٍ، وأن النتائجَ ستُتَرجمُ إلى سياساتٍ تمسُّ حياته اليوميةَ أو لا تمسُّها.
الأملُ في التغييرِ يرافقهُ وَجَلٌ من خيبةٍ متكررةٍ، فتتحولُ كلُّ خطوةٍ انتخابيةٍ إلى اختبارٍ صادقٍ بين المواطنِ والدولةِ، بينَ ما يُؤملُ فيه وما يُخافُ منه.
تحليلُ الأرقامِ يكشف الحقيقةَ المرةَ: الديمقراطيةُ موجودةٌ، لكنها لا تنبضُ إلا إذا آمنَ الناسُ أن صوتَهم يحدث تغيراً. وقد أدركَ العراقيون بأن الفوزَ الحقيقيَّ يبدأ و ينتهي خارجَ الصندوقِ، وأن متابعةَ النتائجِ وتحويلَها إلى إجراءاتٍ فعليةٍ هو الاختبارُ الصادقُ لمصداقيةِ السياسيين ووعيِ المواطنين.
توقعي أن العراقَ سيدخل مرحلةً تفاوضيةً طويلةً ومعقدةً اعتباراً من ظهور نتائج الانتخاباتِ، حيث يُعادُ خلطُ الأوراقِ لتشكيلِ حكومةٍ توافقيةٍ قد ترضي البعضَ، لكنها غالباً لن تغيّر الواقعَ الجوهريَّ بسرعةٍ.
مع الواقع المرتبك والنفوس المتباينة، تنامى في الشارعِ وعيٌ جديد، أكثر صبراً، أكثر تمسّكاً بحقوقهِ، وأكثر استعداداً للمحاسبةِ، رغم كلِّ الإحباطاتِ المتراكمةِ، دورة انتخابية بعد أخرى . اليوم يقف العراقُ بين ما يريد وما يخشى، بين صندوقٍ لم يكن مقدساً وشارعٍ لم يعد ساكتاً.
كشفت الأرقامُ عن نصفَ أملٍ ونصفَ وَجَلٍ، والرهان الحقيقيُّ الآن على من سيحوّل هذا التوازنَ الهشَّ إلى عملٍ حقيقيٍّ ومسؤوليةٍ صادقةٍ، إلى عراقٍ يرى المواطن فيه أحلامَه اليوميةَ تتحقق، ولا يكتفي بالمشاهدةِ من بعيد.
أختتم مذكراً بقول الله تبارك في علاه ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ بأن من انتُخب سيُسأل، ومن صوّت سيُسأل، وأن الوطن لا يُبنى بالأرقام، بل بالضمائر الذي تفسّرها، وبالقلوب التي لم تفقد الأمل رغم كل وَجَل، وبالأيادي التي تبني يومياً ما انتظرته الأجيال من سنوات كَثُرَ عددها .

741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع