ثقافة جيل "الانا"

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 07 تشرين2/نوفمبر 2025 07:40

كتب بواسطة: د. يسر الغريسي حجازي

د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة
دكتوراه في علم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
07.11.2025

ثقافة جيل "الانا"

ثقافة النرجسية أم توليد الذات؟ لماذا يزدهر معظم الأفراد فقط تحت الأضواء؟ هل هي "الأنا العليا المتضخمة"؟ أم بناء اجتماعي جديد يريد الاعتراف بالوهم والمعتقدات الاستثنائية؟ النرجسية بالتأكيد فعل جريء، وطموح ذو صورة تتجاوز التسامي.
ببساطة، قد تكشف النرجسية عن اضطرابات مرضية، غالبًا ما يصاحبها التدني في تقدير الذات ليعكس شعور مبالغ فيه بأهمية الذات. ظهر مصطلح النرجسية في الأساطير اليونانية (قصة أوفيد) في علم النفس الكلينيكي والتحليل النفسي. لقد كشف هذا العصر الطويل عن تحولات أجساد البشر، والحيوانات، والجمادات، عبر تاريخ العالم. وصاغ الالماني «بول ناكه" المتخصص في علم النفس وعلم الإجرام، مصطلح "النرجسية" عام 1899 لوصف السلوك النرجسي الذي يتميز باهتمام مفرط بالنفس واحتياجاتها، غالبًا على حساب الآخرين (مجلة التطور النفسي، 2020. المجلد 90، العدد 2، الصفحات 399 -414).
ثم أدرج سيغموند فرويد مصطلح "النرجسية" في نظريته التحليلية في علم النفس عام 1914، وطُرحت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. أما مصطلح "المنحرف النرجسي" فقد طُرح بكثافة عام 1986 على يد المحلل النفسي الفرنسي بول ركامير. ويشمل المصطلح مفهوم الانحراف في التحليل النفسي لفرويد، ومصطلح النرجسية الذي ظهر في الأساطير اليونانية لمصطلح "نرجس".
وأصبح هذا المصطلح يستخدم على نطاق واسع في الاواني الاخيرة، وذلك لوصف السلوك النرجسي ولتلاعبي (بول كلود راكامير. 2012.الانحرافات النرجسية).
في خرافة "نرجس" التي كتبها لافونتين (1668)، تروي قصة رجل وسيم، فخور، يقع في غرام صورته في نبع ماء. فيموت لأنه لا يستطيع الوصول إليها. كان "نرجس" وسيما، لكنه مغرورا أيضًا. في أحد الأيام، بينما كان يصطاد، شعر بالعطش فذهب إلى نبع ماء ليشرب، وهناك رأى صورته في الماء الصافي، فوقع في الغرام أمام جمالها.

لكنه لم يستطع لمس صورته في الماء، ولم يستطع الابتعاد عن النبع. العبرة من الخرافة هي أن حب الذات المفرط شكلٌ ضارٌ من الحب، لأنه يمنع المرء من حب أي شخص سوى نفسه. وقد اعتُبر هذا لعنةً قادت الرجل الوسيم إلى الوحدة والعزلة الاجتماعية، وكان سببها الغرور (جان دي لافونتين، 1668.النرجسية، حب الذات، الغرور. خرافات، الكتاب الأول). اما القيادة النرجسية، فهي تتميز بقائد مغرور ومتكبر، متعطش للسلطة ومتغطرس. في كتابه "القادة النرجسيون"، استند عالم الأنثروبولوجيا والمحلل النفسي الأمريكي مايكل ما كوبي (2007)، إلى المنهج النفسي الديناميكي لسيغموند فرويد. وذلك من اجل تحليل السمات الشخصية للنرجسي. وهكذا، يتسم القائد النرجسي بالأنانية، فهو لا يحب أحدًا، ولا يعرف كيف يحب، ويسعى دائمًا للسلطة والإعجاب من حوله. وقد يكون مدمرًا أيضًا، ولا يُولي أهمية للآخرين حتى لو كانوا مقربين منه. يتميز هؤلاء القادة بالحاجة إلى الإعجاب الدائم، والتلاعب بالآخرين، والسيطرة عليهم. إنهم يجتهدون ليكونوا محط أنظار الجميع، وينظرون إلى كل من حولهم كأدوات في خدمتهم. هناك أيضًا شريك الحياة (الراجل او المرأة) النرجسي، وهو يعاني من الاضطراب الشخصية النرجسية. ويمكنه أيضًا جعل الحياة لا تُطاق للشريك والأسرة. انه يبالغ في تقدير نفسه، حتى في التجمعات مع الأصدقاء أو العائلة. وبكل جراءة، يمكنه مقاطعة الجميع عن الحديث، ليسيطر على الحديث وجذب الانتباه إليه. هؤلاء الأشخاص مصابون بجنون العظمة، ولديهم أوهام التفوق معتقدين أن كل السلطة ملك لهم، وهم لا يهتمون بأحد سوى أنفسهم. يمكن لأي شخص نرجسي أن يصبح طاغي، ويمكنه تدمير كل من هو من حوله لأنه لا يقبل النقد أو التحدي..
وبشكل عام، كل واحد منا محتاج الي العمل على تطوير الذات. وذلك، لمعرفة أنفسنا بشكل أفضل. مما يُسهم في تشخيص نقط القوة ونقط الضعف. هذا التقييم هام لتنمية الثقة بالنفس، وتحقيق الرضا الشخصي. ويتطلب مراجعة القيم والتجارب، التي يمر منها الانسان ويستفيد منها حتى تكون عبرة له. من الضروري أن كل واحد منا يجري تأملًا ذاتيًا، لتحديد النقط التي تحتاج التغيير. على سبيل المثال، الاعتراف بالأخطاء المرتكبة والاستفادة منها حتى لا تتكرر.
يعني ان في كل فترة زمنية من الحياة، نحتاج الي تقييم شخصي حتى نستطيع تحسين جودة الحياة والتعلم وتنمية قدراتنا الحياتية. لتحقيق ذلك، من الضروري أن تتعلم فهم مشاعرنا وتحديدها، والتمييز بين ما يناسبنا وما لا يناسبنا.

لا شك أن الشهرة رحلة تدريجية، بخطوات مدروسة بعناية ومنظمة. لكننا نحقق الشهرة عندما يعرفنا الجمهور ويُقدّر منتجنا؛ قد يكون ذلك في سياق نبيل كالعمل الإنساني، أو الخبرة الإدارية، أو التأثير الإيجابي في مجال مُحدد سواءً في التسويق أو غيره..

كما أن الانخراط في مجتمعات كبيرة، يعني الحفاظ على موقف واعٍي وصورة عامة إيجابية.