البشير شو امتداد لتاريخ طويل من الضحك العراقي وسط البكاء

بسام شكري

البشير شو امتداد لتاريخ طويل من الضحك العراقي وسط البكاء

تاريخ العراق الحديث مليء بالكوميديا الحزينة وكان أبرز رموز الكوميديا الحزينة خلال فترة الحكم الملكي هو الملا عبود الكرخي الذي كان ينظم الشعر الشعبي بسليقة عفوية ومعاني عميقة وكان يستعمل السخرية في معالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية وكان صديقا للشاعر معروف عبد الغني الرصافي، ولقب الرصافي أطلقه عليه معلمه وشيخه عندما بدأ حياته في دراسة العلوم الشرعية اعتقادا من شيخه بانه سيصبح شيخا صوفيا وقال له أنت الشيخ معروف الرصافي في الرصافة مثلما هناك الشيخ معروف الكرخي في الكرخ ولو انصفنا شخصية الشاعر الرصافي لادركنا انه كان يعيش حياتا متناقضة بين الدين والفسوق وبين الفقراء والأغنياء وكانت حياته خير تمثيل لحالة الكوميديا الحزينة التي تمثل ابرز سمات الشخصية العراقية , وبعد الحرب العالمية الأولى كان ابرز كتاب الفكاهة الحزينة هو ميخائيل تيسي الذي تخرج من مدرسة الإباء الكراملة فاصدر مجلة كناس الشوارع في 1 نيسان سنة 1925 ثم اغلقها اثر تعرضه لإطلاق نار أصابه ولم يقتله وهو جالس في صيدلية وقد منعه أهله من الاستمرار خوفا على حياته فأغلق المجلة وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية برز نوري ثابت الذي كان يكتب بتوقيع حبزبوز وبدأ يكتب في جريدة الكرخ لصاحبها الشاعر ملا عبود الكرخي وقد كتب في جريدة البلاد تحت توقيع ( خجة خان ) وخجة هي مختصر بغدادي لاسم خديجة وحيث إن خجة خان كانت امرأة بغدادية معروفة عاشت في العشرينات في محلة راس الكنيسة بأسلوبها الفكاهي ونقلها للأخبار بسرعة فائقة وتسمية خجة خان اطلقت بعد وفاة خجة خان الأصلية على الشخصيات الساخرة التي تعيش في قاع المجتمع البغدادي, وفي سنة 1929 وفي 29 سبتمبر سنة 1931 اصدر نوري ثابت مجلة حبزبوز وبوفاة نوري ثابت اغلق المجلة الى الأبد .
وفي 12 أكتوبر سنة 1950 صدرت مجلة الفكاهة التي كانت سياسية اجتماعية ساخرة وتوقفت عن الصدور بعد فترة قصيرة ثم أعيد إصدار مجلة بنفس الاسم في الستينات بنفس الاسم لكن من قبل شخص أخر وصدرت كذلك مجلة المتفرج لصاحبها مجيب حسون المعروف أبو سليم.
بعد الغزو الأمريكي للعراق صدرت تعليمات أمريكية لكل دول العالم وخصوصا الدول العربية بالاعتراف بنظام الحكم الجديد في العراق وطلبت حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ومن بعدها حكومة الرئيس باراك أوباما من الدول الأوروبية القيام بحملة إعلامية لدعم النظام الذي أسسه الأمريكان في العراق لكن تلك الحملة سرعان ما تحولت الى بروباغاندا ودعاية تمجيد وصلت الى حد وضع رموز النظام السياسي الجديد في العراق بموضع الأنبياء والقديسين ونفخ أي إنجاز أو اجتماع صغير في العراق وجعله أضعاف حجمه الحقيقي وكنا كمغتربين عراقيين في أوروبا نعاني من فوضى وضوضاء تلك الدعاية الكاذبة في إعلام وصحافتي بريطانيا وألمانيا على وجه الخصوص وعشنا صراعا مريرا فمن جانب كنا نسمع الأخبار التي تصل من داخل العراق كالفساد ونهب ثروات العراق والقتل على الهوية والتطهير العرقي والطائفي خصوصا خلال الحرب الأهلية 2006- 2009 ومن جانب أخر كنا نسمع تمجيد الصحافة البريطانية والألمانية لنظام الحكم الجديد في العراق وقد تواصل معظم المثقفين العراقيين المغتربين بوسائل الإعلام البريطاني والألمانية وأرسلنا لهم الأف الرسائل لتوضيح الحقائق لكننا كنا نجابه بالتجاهل التام, الى أن جاء الرئيس ترامب في ولايته الأولى توقفت حملات تلميع صورة النظام السياسي في العراق وهدأت عواصف البروباغاندا التي كانت تضربنا في جميع نشرات الأخبار, ولست متأكدا شخصيا هل إن ذلك التوقف جاء نتيجة لتعليمات الرئيس ترامب أم لتغير السياسة الأمريكية تجاه النظام السياسي العراقي والإيعاز لوسائل الإعلام الغربية والعربية بالتوقف عن تلميع صورة النظام السياسي في العراق.
تزامنت تلك الحملات الإعلامية الكاذبة مع نشاطات السفارات العراقية في الخارج وأصبحت جزءا لا يتجزأ منها ومازالت حملات العلاقات العامة للسفارات العراقية من اجل تجميل صورة النظام السياسي مستمرة لغاية كتابة هذا المقال من نشاطات لا علاقة لها بالعمل الدبلوماسي فالسفير العراقي يشترك في كل الأحداث في البلد الذي يعمل فيه حتى لو تم افتتاح سوبرماركت في عاصمة تلك الدولة تشاهد السفير العراقي حاضرا مع طاقم السفارة ونشر أخباره مع كمية كبيرة من الصور كنوع من الحملات الدعائية والنشاطات الفنطازية التي تكلف ميزانية الدولة الكثير وتحرم العراقيين في ذلك البلد من الخدمات لان سعادة السفير وطاقم سفارته مشغولين بحملات العلاقات العامة.
برنامج البشير شو تطورا كثيرا عن بداياته الأولى واحدث تأثيرا كبيرا في الراي العام العراقي سواء في الداخل أو الخارج وفضح الكثير من مافيات ولصوص وصفقات الفساد , البرنامج حسب متابعتي وتحليلي ببساطة جاء نتيجة الصراع بين الحقيقة والأكذوبة, فالإعلام داخل العراق بمحطاته الفضائية الطائفية والتي يزيد عددها على 56 محطة وصحافته الصفراء وجيوشه الإلكترونية يبث الأكاذيب التي تصطدم بحقيقة الواقع اليومي للعراقيين الذي تحول فيما بعد الى صراعات بين المافيات التي تحكم العراق وهذه حالة طبيعية لكل منطقة في العالم تحكمها المافيا, فالذي يتابع صراع الحقيقة والأكذوبة تظهر عليه اعرض الكوميديا الحزينة لأنه يلمس معاناة الناس وفقرهم وقتل من يطالب بحقه منهم ويشاهد كمية الأكاذيب التي يبثها إعلام النظام الميليشاوي فيقوم بالتعبير عن ماسات الناس بمزيج من الفكاهة المخلوطة بالحزن, والبشر شو يستهزأ من أكاذيب النظام الميليشياوي ويفضح رموزه ويقوم بعرض الحقائق بوثائق وإحصائيات وأفلام تعطيه مصداقية أمام الجمهور في حين إن ماكنة الإعلام الكاذبة للنظام الميليشياوي أصبحت مسخرة من العراقيين وهذا النوع من الاستهزاء قد اصبح رد فعل يومي للعراقي كلما سمع عن الإنجازات الكاذبة أو المشاريع التي تكلف المليارات والتي سوف لن يتم تنفيذها وستذهب تخصيصاتها المالية الى جيوب رؤساء المافيات .
برنامج البشير شو يعرض حقائق أسبوعية لأبرز الأحداث والسرقات والأكاذيب والجرائم لكنه لا يتمكن من رصد كل الأحداث فهناك مئات الأف العراقيين يتم قهرهم واضطهادهم يوميا وهناك جوانب عديدة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والدينية لم يتمكن من تغطيتها لكن تطور البرنامج الهائل يجعل مستقبله إعلاما يطلبه العراقيين وقد يصبح أسلوبا إعلاميا أكثر تطورا من الإعلام التقليدي عراقيا وعربيا، وقد يتطور الى منصات أو محطة فضائية ترصد وتحلل وتقدم البدائل التي يحرص احمد البشير شخصيا على تقديمها للجمهور, ومن جانبه الجمهور العراقي فقد تأثر بالبرنامج وأصبحت لديه رؤية نقدية ساخرة للمعاناة التي يعيشها وانتشرت عبارات احمد البشير وما يطلقه من أسماء على المافيات بين العراقيين وأصبحت مسميات جديدة لهم.
نحن كإعلاميين عراقيين مغتربين شاهدنا الساحة الإعلامية عبر المتغيرات السياسية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق لغاية اليوم وقدمنا الدعم الذي نتمكن من تقديمه لكل الأصوات الحرة التي تساهم في حماية الشعب العراقي لكن برنامج البشير شو يبقى في القمة ويحظى باهتمامنا وفخرنا لان معاناة العراقيين هي التي خلقت ذلك الإبداع الراقي والأسلوب الفني إضافة الى قدرة احمد البشير الشخصية في تقديم البرنامج.
خلاصة الموضوع إن كمية الكذب التي مارسها الإعلام العراقي الذي قامت قوات الاحتلال بتأسيسه سنة 2003 وعلى راسه مصنع تفرخ الكذابين (هيئة الإعلام العراقي) قد جابهتها ردة فعل الشعب العراقي بعدة وسائل تطورت ووصلت الى برنامج البشير شو، يكفي العراقيين فخرا إن في ساعة بث حلقة البشير شو الأسبوعية في يوم الجمعة تصبح شورع المدن في العراق شبه خاليه لان العراقيين يتسمرون إمام شاشة التلفزيون ساعة كاملة ليشاهدوا أحدث مهازل النظام السياسي ويقضون اسعد الأوقات بالضحك على النظام السياسي وهذا ما يزرع فيهم الأمل أسبوعيا مع كل حلقة جديدة ويعطيهم الشعور من انهم أقوياء ولا ينخدعون بأكاذيب الميليشيات والدليل ما يعرضه برنامجهم الجماهيري البشير شو.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع