
د.مازن سلمان حمود
ماجستير تغذية علاجية—جامعة لندن
الماء ضروري للحياة
الحديث الشائع عن ضرورة شرب ثلاثة لترات من الماء يومياً تحوّل مع مرور الزمن إلى ما يشبه “وصيةصحية” تُردد دون تمحيص، بينما أصل الفكرة مختلف تماماً.
ففي منتصف القرن العشرين، حين أصدرت لجنة الغذاء والتغذية الأمريكية تقديراً لحاجة الإنساناليومية من الماء، ذكرت بوضوح أنّ مجموع ما يحتاجه الجسم يقارب لترين ونصف إلى ثلاثة لترات، لكنالجزء الأكبر من هذه الكمية يأتي من الطعام نفسه: من الخضروات والفواكه والحساء وسائر الأغذيةالغنية بالماء. غير أنّ هذه الإضافة الجوهرية ضاعت مع الزمن، وبقيت العبارة مبتورة لتُفهم على أنهاإلزام لكل إنسان أن يشرب ثلاثة لترات من الماء الصافي كل يوم.
العلم الحديث أكثر دقة ورحابة من هذا التبسيط. التوصيات الأوروبية والأمريكية تضع مدى تقريبياً لاقاعدة جامدة: حوالي لترين للنساء، وحوالي لترين ونصف إلى ثلاثة للرجال، وهذا يشمل كل ما يدخلالجسم من ماء عبر الطعام والشراب معاً، إضافة إلى ما يُنتج في التمثيل الغذائي الداخلي (حوالي ٢٥٠مل) . والواقع أنّ الحاجة تتغيّر بشكل واسع وفق النشاط البدني والجو والمجهود العضلي والعرق، فلايُقاس الإنسان القاعد في مكتب مكيَّف على العامل تحت شمس الصيف أو الرياضي في مضمار الجري.
الجسم نفسه يمتلك جهازاً معقداً لضبط العطش وإفراز الهرمونات المنظمة للماء والأملاح. هذهالمنظومة تعمل بدقة مدهشة لتحافظ على تركيز الصوديوم والأسمولالية في الدم ضمن نطاق ضيّق. فإذا بالغ الإنسان في شرب الماء أسرع مما تستطيع الكلية طرحه (٣ - ٤ لتر في ساعه أو اثنين) وقع فيتسمم الماء، وهو نقص خطير في الصوديوم قد يؤدي إلى تشنجات أو غيبوبة. وإذا أهمل عطشه وقع فيالجفاف وما يصاحبه من خلل في الوظائف الحيوية.
النصيحة العلمية الواضحة إذن ليست في ترديد رقم ثابت يُطبق على الجميع، بل في الاستجابة لآليةالعطش الطبيعية، ومراعاة الظروف الخاصة لكل شخص. ولمن يريد مؤشراً عملياً سهل الفهم: لونالبول هو العلامة الأدق في الحياة اليومية، فإذا كان بلون أصفر فاتح فذلك دليل على توازن جيد، وإذا صارداكناً دلّ على حاجة إلى المزيد من الشرب.
إنّ الاعتدال هو القاعدة الذهبية. فلا الانسياق وراء شعار “ثلاثة لترات للجميع” يعكس حقيقة العلم، ولاتجاهل الحاجة الفعلية للجسم يُعتبر حكمة. العلم يقول بوضوح: اشرب حين تعطش، زد بقدر مجهودكوحرارة بيئتك، واجعل ميزانك هو وعيك بلون البول وبإشارات جسدك. هذه هي النصيحة القائمة علىالدليل، البعيدة عن الإفراط والتفريط.

777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع