أسامة الأطلسي
نزع السلاح مقابل الإعمار: معادلة صعبة تختبر مستقبل غزة
منذ بداية الحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، عاد سؤال جوهري إلى الواجهة: هل يمكن أن تُعاد إعمار غزة من دون معالجة الملف الأمني؟ يبدو أن الإجابة، بحسب المواقف الدولية والعربية الأخيرة، تميل إلى الرفض القاطع لأي إعادة إعمار شاملة قبل نزع سلاح حركة حماس، في خطوة تعكس تحوّلاً في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع القطاع بعد سنوات من الحروب المتكررة.
الولايات المتحدة، إلى جانب دول عربية مؤثرة مثل مصر وتركيا وقطر، تشارك اليوم في صياغة تصور جديد لغزة ما بعد الحرب. هذا التصور يقوم على مبدأ واضح: لا يمكن ضخ مليارات الدولارات في مشاريع الإعمار إذا كانت هناك احتمالية أن تُدمّر من جديد في حرب قادمة. بمعنى آخر، الاستقرار الأمني أصبح شرطاً مسبقاً للحياة المدنية.
لكن هذه المعادلة ليست بسيطة، فهي تمسّ جوهر التوازن السياسي داخل القطاع. فحركة حماس ترى في سلاحها رمزاً للثبات والمقاومة، بينما يرى المواطنون في غزة أن هذا السلاح أصبح في نظر المجتمع الدولي عقبة أمام حياتهم واستقرارهم. بين هذين الموقفين تتسع الهوة يوماً بعد يوم، ويجد المدنيون أنفسهم في المنتصف — الضحية الدائمة لصراع الإرادات.
من الجانب العربي، تسعى القاهرة وأنقرة إلى لعب دور الوسيط، إذ تدركان أن نزع السلاح بالقوة أمر غير ممكن، وأن أي ترتيبات واقعية يجب أن تمر عبر اتفاق سياسي شامل يضمن الأمن ويمنح الفلسطينيين في المقابل أفقاً سياسياً واضحاً. أما واشنطن، فهي تمارس ضغطاً هادئاً لكنها حازمة، معتبرة أن أي تمويل دولي واسع النطاق لإعادة إعمار غزة يجب أن يُرافقه التزام فلسطيني بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وضمان عدم استخدام الأراضي الفلسطينية لإطلاق صواريخ جديدة.
ورغم وضوح الموقف الدولي، يبقى السؤال الذي يشغل بال الغزيين اليوم: هل سيتحول "شرط نزع السلاح" إلى ذريعة جديدة لتجميد عملية الإعمار؟
الكثير من العائلات التي فقدت منازلها لا يهمها سوى عودة الحياة إلى طبيعتها. أحد النازحين قال في حديث لإذاعة محلية: "نحن لا نريد سلاحاً ولا سياسة، نريد سقفاً فوق رؤوسنا وماءً لأطفالنا."
المفارقة أن جميع الأطراف — حتى تلك التي تختلف جذرياً — تتحدث عن "رغبة مشتركة في إنهاء الحرب" و"إعادة إعمار شاملة"، لكن الفجوة بين الخطاب والواقع ما زالت عميقة. فكلما اقترب الحديث عن التنفيذ، عاد ملف السلاح إلى طاولة النقاش ليؤخر كل خطوة عملية.
في نهاية المطاف، ما يجري اليوم هو إعادة صياغة لمستقبل غزة، ليس فقط من حيث البنية التحتية، بل من حيث من يملك القرار السياسي والأمني داخلها. والسنوات المقبلة ستحدد ما إذا كانت هذه المعادلة — "الإعمار مقابل نزع السلاح" — ستفتح الباب لمرحلة جديدة من السلام النسبي، أم أنها ستعيد إنتاج الأزمة من زاوية مختلفة.
فبالنسبة لأبناء غزة، لم يعد السؤال من يسيطر على الأرض، بل من يمنحهم حق الحياة الكريمة عليها.
723 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع