مجيد ملوك السامرائي[*]
الحرب العالمية الثالثة والنفوذ الجيوسياسي الشرق الأوسط والعراق محور التنافس العالمي على الموارد الحيوية
الحرب العالمية الثالثة حدث لايمكن الإقرار به، فالردع النووي للقوى الكبرى يجعل من الحرب الشاملة خيارًا مدمّرًا للجميع، لذلك تتخذ هذه الحرب أبعادا متعددة تشمل؛ الاقتصاد والتكنولوجيا والفضاء وتقنيات الذكاء الاصطناعي. ويشهد العالم تصاعدًا متسارعًا في حدّة النزاعات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية، والمدفوعة بعوامل فكرية وعقائدية وقومية واقتصادية، غير أن التحليل الجيوسياسي الراهن يكشف أن جوهر هذه الصراعات يتمحور حول المنافسة والتنازع للسيطرة على الموارد الطبيعية الاستراتيجية ولا سيما؛ المعادن النادرة، ومصادر الطاقة، والمياه العذبة، (خريطة/ التباين المكاني العالمي للموارد الطبيعية).
المعادن النادرة
تُعد المعادن النادرة أحد أهم الركائز الاستراتيجية للاقتصاد العالمي الحديث، إذ تدخل في صناعات حيوية تشمل الإلكترونيات الدقيقة، وتقنيات الطاقة المتجددة/ تصنيع البطاريات والألواح الشمسية، والصواريخ الدفاعية، والطائرات المسيّرة. ويُظهر التوزيع الجغرافي لهذه الموارد اختلالًا واضحًا في موازين القوة الاقتصادية (جدول/ توزيع المعادن النادرة)؛ إذ تستحوذ الصين على نحو 60% من الإنتاج العالمي، بينما تمتلك أستراليا وروسيا والولايات المتحدة احتياطيات مهمة. إن الاعتماد المفرط على مناطق إنتاج محددة يجعل الدول الصناعية الكبرى في موقع هشّ يفتح المجال أمام صراعات اقتصادية وجيوسياسية، قد تتطور إلى مواجهات عسكرية في حال اختلال التوازن في الأسواق العالمية أو استخدام هذه الموارد كورقة ضغط استراتيجي.
مصادر الطاقة
لا تزال الطاقة تمثل محور الأمن القومي للدول، إذ تتوزع احتياطيات النفط والغاز بصورة غير متكافئة بين مناطق رئيسية مثل الشرق الأوسط، وروسيا، ودول أمريكا الشمالية وأفريقيا (جدول/ توزيع مصادر الطاقة)، ويُشكل التحكم في تدفق الإمدادات النفطية والغازية أحد أبرز أدوات النفوذ الجيوسياسي، فالدول المستوردة للنفط تواجه مخاطر أمنية واقتصادية إذا ما تم التحكم في الإمدادات من قبل دول مصدرة كبرى. وبذات الوقت يؤدي التحول نحو الطاقة النظيفة إلى تصاعد أهمية المعادن النادرة المستخدمة في تصنيع البطاريات والألواح الشمسية، مما يربط التحول الطاقي العالمي بتحديات جديدة في الأمن الاقتصادي. وتُعد الصراعات حول خطوط أنابيب الغاز والممرات البحرية للناقلات من أكثر العوامل القابلة للاشتعال، خاصة عندما تتقاطع المصالح بين القوى الكبرى على الممرات البحرية الاستراتيجية.
المياه العذبة
تُعد المياه العذبة المورد الأكثر حيوية واستراتيجية لبقاء الإنسان والتنمية المستدامة، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 40% من سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من إجهاد مائي مرتفع. وتمثل الأنهار العابرة للحدود مثل النيل، ودجلة والفرات، والسند والكنج بؤرًا محتملة للتوتر بين الدول المتشاطئة، لانها ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي والزراعي والصناعي.
ومع تزايد الاحتباس الحراري والنمو السكاني، من المرجح أن تتفاقم الأزمات المائية لتتحول إلى صراعات سياسية واقتصادية حادة، وقد تُستخدم المياه مستقبلًا كسلاح ضغط جيوسياسي يشبه في تأثيره التحكم في مصادر الطاقة (جدول/ التوزيع العالمي للمياه العذبة).
مكانة الشرق الأوسط والعراق
كلما زادت قيمة الموارد الطبيعية وأهميتها الاستراتيجية ارتفع مستوى التنافس على المعادن النادرة والطاقة والمياه العذبة، وغالبًا ما تشهد المناطق الغنية بهذه الموارد نزاعات داخلية أو تدخلات خارجية تحت ذرائع مختلفة، فيما يفاقم تغير المناخ والنمو السكاني من هشاشة هذه المناطق ويجعلها ساحات صراع مفتوح. وفي معادلة الصراع العالمي على الموارد؛ يُعد الشرق الأوسط القلب الجيوستراتيجي لصراعات الموارد على المستوى العالمي، نظرًا لما يمتلكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، فضلًا عن موقعه الجغرافي الذي يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا عبر ممرات بحرية حيوية مثل الخليج العربي، والبحر الأحمر، وقناة السويس. ويمثل العراق نموذجًا فريدًا داخل هذا الإطار إذ يجمع بين الثروة النفطية الهائلة والموقع الجغرافي المحوري الذي يربط الخليج ببلاد الشام وتركيا وإيران، كما أن المياه العابرة للحدود في نهري دجلة والفرات تضعه في صميم التحديات المائية الإقليمية. هذه المعطيات تُبرز العراق بكونه ليس مجرد دولة غنية بالموارد، انما فاعل جيوستراتيجي مؤثر في استقرار منظومة الطاقة الإقليمية والتوازنات السياسية بين الشرق والغرب. وهذا ما يجعل موقعه المستهدف الرئيسي في أي إعادة تشكيل للنظام الدولي للموارد، سواء عبر التحالفات أو عبر التنافس على النفوذ.
السيناريوهات المحتملة للحرب العالمية الثالثة
تتمثل أبرز ملامح هذه السيناريوهات بالتنافس الجيوسياسي العالمي في الفضائين الرقمي والفضائي، وسباق التسلح التكنولوجي الذي لم يعد سباقا تسليحيا تقليديًا وإنما أخذ طابعًا سيبرانيًا من خلال؛ اختراق الأنظمة الإلكترونية والحروب الرقمية والتجسس الإلكتروني ونشر الأقمار الصناعية العسكرية، والتوسع في برامج تخصيب اليورانيوم، وانتشار صناعة واستخدام الطائرات المسيّرة، وتنامي دور تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا التنافس. ومن السيناريوهات التحولات التحالفية الدولية الكبرى والمتمثلة باصطفافات جديدة بين قوى كبرى كروسيا والصين من جهة والكتلة الغربية من جهة أخرى، والمدعومة بتحالفات إقليمية تعيد رسم خريطة التوازن الدولي. كما تتمثل الحروب الاقتصادية الاحدث بالتحكم في سلاسل الإمداد/ التوريد للموارد الاستراتيجية عالميا، بما في ذلك المخرجات التكنولوجية والرقائق الالكترونية والموصلات، والمعادن النادرة، ومصادر الطاقة. وأخيرا فقد تتحول النزاعات الإقليمية حول الموارد الحيوية إلى مواجهات دولية واسعة بفعل تدخل القوى الكبرى.
بناء على ما تقدم ينبغي تعزيز التعاون الدولي في إدارة الموارد الطبيعية عبر أطر مؤسسية شفافة ومستدامة. وعقد اتفاقيات دولية ملزمة لتنظيم استخدام مياه الأنهار والموارد المائية العابرة للحدود. وتطوير استراتيجيات وقائية لتقليل احتمالات الصراع الناجم عن التوزيع غير المتكافئ للموارد ومنها؛ الاستثمار في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على مناطق محددة. وكذلك دعم مبادرات الذكاء الاصطناعي الأخلاقي لتفادي عسكرة التكنولوجيا الرقمية. وتعزيز دور العراق الإقليمي في مبادرات الأمن المائي والطاقي كمنصة للحوار لا كساحة تنافس، اذ ان استقرار العراق يمثل عنصرًا حاسمًا في منع تحول صراعات الموارد الإقليمية إلى صراعات عالمية مفتوحة. وهكذا يشير التباين الجغرافي للموارد الطبيعية الحيوية إلى؛ أن النزاعات الدولية المحتملة ليست مجرد فرضيات، انما تحديات واقعية تستدعي استجابة دولية كخطوة أولى نحو بناء نظام عالمي أكثر استدامة وأقل عرضة للانفجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*]مجيد ملوك السامرائي، جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.
# ويكيبيديا # المعرفة # الحكمة # أرابيكا # scribd
المراجع
1.World Bank. Climate Change and Resource Conflicts: Policy Implications 2022
United Nations. World Water Development Report 2023.2
International Energy Agency (IEA). Global Energy Review 2024.3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجيد ملوك السامرائي Majeed Malok Al-Samarrai جغرافي، كاتب، مؤلف واستاذ جامعي، ولد في مدينة سامراء – العراق. نال من جامعة بغداد شهادة الدكتوراه في الجغرافية 1996 وحصل على درجة (professor) 2004. شارك في 24 ندوة ومؤتمر، واشرف على 16 وناقش 43 من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه. ألف ونشر 57 كتابا ونشر 80 بحثا، و29 مقالة. استشاري وخبير علمي للعديد من المجلات العلمية، وعضوا في العديد من الاتحادات العلمية. نال 16 تكريما وشهادة تقديــر، ومرشحا متميزا ليوم العلم للسنوات 1997 و 2008. وفي 2024 عده الاتحاد الدولي للمبدعين في العراق من ضمن ابرز ثمانون مبدعا.
783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع