خطة الرئيس ترامب (للسلام) حل دائم للمشكلة ام تكريس للاحتلال؟ كيف وضِعَت المقاومة في موقف لا تحسد عليه؟ ما هو المطلوب من الأطراف الفلسطينية المختلفة والمتخالفة؟

د. سعد ناجي جواد

خطة الرئيس ترامب (للسلام) حل دائم للمشكلة ام تكريس للاحتلال؟ كيف وضِعَت المقاومة في موقف لا تحسد عليه؟ ما هو المطلوب من الأطراف الفلسطينية المختلفة والمتخالفة؟

بعد انتظار وترقب لزيارة نتنياهو للبيت الأبيض وتكهنات، وصلت إلى حد ان اعتبر البعض ان الاخير اصبح يواجه خيارين لا ثالث لهما، فإما ان يقبل بما يعرضه الرئيس ترامب من وقف للحرب والانسحاب من غزة او يتعرض لغضبه إذا ما رفض، في حين ان كل الدلائل كانت تشير الى ان ذلك لن يحصل اعتمادا على ما حدث منذ ان وصل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض. وبالفعل عندما تمت الزيارة خرج نتنياهو منها منتشيا مرة اخرى وتحدث بنفس الطريقة المتعالية السابقة. والسبب في ذلك ان الخطة التي عرضت عليه لبت كل رغباته وكل ما يخطط له، باستثناء ايقاف مجازره اليومية الصريحة والإستعاضة عنها بمجازر تنفذ بطرق اخرى، حيث ان الخطة منحت اسرائيل الحق في السيطرة الامنية على كل القطاع بصورة شبه دائمة.

لا احد يريد للمجازر ان تستمر في غزة بصورة خاصة، والأرض المحتلة بصورة عامة، ولا احد يريد لمعاناة ابنائها الإنسانية والصحية والأمنية، التي فاقت كل الحدود، ان تتواصل بدون توقف، ولا ان يشاهد عملية ترحيلهم المستمرة، ومساكنهم وخيامهم تدمر وتحرق وتقصف يوميا. ولكن السؤال يبقى هو هل ان المشروع المقترح بمواده العشرين التي تضمنها سيحقق ذلك؟ الجواب بصورة واضحة ومباشرة كلا، وذلك لأسباب موضوعية وبعيدة عن الأهواء الشخصية:
ـ اولا: ان مواد المشروع بصورة عامة جاءت مطاطية وقابلة لتفسيرات وإجتهادات عديدة، وكلها في صالح الإحتلال والأهم انها لا تلزمه بأي شيء، بل ولا توجد آلية لمعاقبته اذا رفض الإلتزام.

ـ ثانيا: الإلزام الوحيد الذي ورد في الإتفاق هو ذلك الذي فُرِضَ على المقاومة (فقرة 4) حيث طالبها بإطلاق سراح جميع الاسرى (الرهائن) احياءا وأمواتا، خلال 72 ساعة، والزمها بتسليم اسلحتها مع توفير ممر آمن لخروجها من القطاع! اذا أرادت!
ـ ثالثا: منح الإتفاق قوات الإحتلال الحق في البقاء في غزة، وان يكون إنسحابها على شكل ثلاث مراحل (غير محددة) تنتهي بإحتفاظ إسرائيل بشريط عازل دائم حول غزة، (بمثابة طوق يخنقها من كل جانب ويسيطر على جميع المعابر والمنافذ التي من خلالها تدخل شاحنات المساعدات او التي تنقل ما يحتاجه ابناء غزة من مواد غذائية واحتياجات إنسانية).
ـ رابعا: والأهم ان المقترح لم يتحدث عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، حيث نصت المادة 19 على ما يلي: (وفي الوقت الذي يتقدم فيه إعمار غزة ويُنفَّذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بجدية، قد تتوافر [التشديد من قبل الكاتب] أخيراً الظروف اللازمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية، وهو ما نعترف به باعتباره أملاً [وليس حقا] للشعب الفلسطيني).

هذا الكلام المطاطي كما ظهر ربط قيام الدولة بأمور يمكن لإسرائيل او الولايات المتحدة ان تتحجج بها لرفض الفكرة في اية لحظة، مثل ان السلطة الفلسطينية لم تنفذ برنامج اصلاحي، اوان الإعمار لم يستكمل الخ. علما بان هذه المادة عمليا، جعلت من إعترافات الدول بالدولة الفلسطينية التي حصلت من على منبر الأمم المتحدة، وقبل ذلك والتي قد تحصل، لا قيمة لها.
ـ خامسا: من وجهة نظر واضعي الخطة، التي تمت بالتشاور مع إسرائيل ولم يستشر الفلسطينيون بها، ان حكم غزة يجب ان يكون من قبل (هيئة إنتقالية دولية جديدة تسمى “مجلس السلام”) مع تطوير “قوة استقرار دولية”، واستثنيت حتى السلطة الفلسطينية من ذلك. والأدهى ان السيد ترامب لم يجد بين ملايين الفلسطينيين والعرب والمسلمين من يمكن ان يقوم بذلك، واختار لهذه المهمة مجرم حرب آخر (رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، الذي إرتكب جرائم حرب يندى لها الجبين في العراق ثم في أفغانستان)، مما حدا بالحكومة البريطانية ان تتهمه بتوريط البلاد بمآسي كبيرة من قبل لجنة تحقيق رسمية، ورفضت منحه الوسام الذي يمنح عادة للذين تنتهي فترة رئاستهم للوزراة، ولم يتم ذلك إلا بعد 15 عاما من تركه المنصب، وبقرار شخصي من الملكة آنذاك، وإعتراضات رسمية وشعبية كثيرة. بالاضافة لجرائمه التي كان من المفترض ان تُخضِعه لمحاكمة كمجرم حرب (هو ومثيله بوش الأبن)، فانه أتجه الى ممارسة أدوار تجارية ملتوية اكسبته ملايين الدولارات، غالبا من دول عربية وإسرائيل. بكلمة اخرى انه اصبح يتعامل مع كل الأمور بصورة مادية ويخدم من يدفع له أكثر. هذا (الحاكم) الجديد (على طريقة بول بريمر في العراق)، سيحكم تحت (إشراف) الرئيس ترامب، والإثنين لا يؤمنون بقيام دولة فلسطينية.
ـ سادسا: اعتبر ترامب ان المشروع نهائي وغير قابل للتعديل او تقديم اي مقترحات بشأنه. والخطورة ليست هنا فقط، بل فيما قاله الرئيس الأمريكي ونتنياهو في المؤتمر الصحفي. حيث قال الأول ان رفض حماس له، او التلكؤ في تنفيذه سيجعل الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه للإستمرار عسكريا في عملية القضاء على المقاومة، اما نتنياهو فلقد قال كلمات أخطر، فهوإبتداءا ابدى إرتياحه الشديد وسعادته لأن الرئيس ترامب أكد له رفضه فكرة إقامة دولة فلسطينية، ولم يعترض الرئيس على ذلك. واضاف ان رفض حماس سيجعلنا نستمر فيما نقوم به وبصورة اعنف حتى نخضع غزة تماما وبدعم الولايات المتحدة، بمعنى آخر ان كل ماذكر من كلمات وعبارات ملتوية في المشروع هو في حقيقته لقتل فكرة قيام الدولة الفلسطينية التي اكتسبت زخما كبيرا بعد طوفان الأقصى، ولتخليص إسرائيل من المأزق الذي أصبحت فيه منذ أكتوبر 2023، وان فكرة إنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة تطبيقا لقرارات الأمم المتحدة لم تعد مطروحة بتاتا.
في التقييم الأخير يمكن القول ان المقاومة الفلسطينية، بل وكل القضية الفلسطينية باكملها، قد وضعت بعد الإعلان عن المشروع في موقف لا تحسد عليه، وانها اصبحت مهددة من كل الجوانب وحتى عربيا. حيث ان الجميع الآن ملزمين بما يقترحه الرئيس الأمريكي او عكس ذلك سيعرضون انفسهم لعقوبات، وخير دليل على ذلك البرقيات التي انهالت من قادة العالم على الرئيس ترامب بعد المؤتمر الصحفي، واهمها تلك التي جاءت من دول عربية وإسلامية معبرة عن التاييد لمقترحه. وكان الرئيس الأمريكي قد إستبق ذلك بقوله ان المشروع (جاء نتيجة لحواره وإتفاقه مع قادة دول عربية وإسلامية). في حين ان الحقيقة تقول ان المشروع وضع بالأساس من قبل ثلاثة اشخاص فقط هم: ستيف ويتكوف (مبعوث الرئيس الى الشرق الاوسط) وجاريد كوشنر (صهر الرئيس وعراب فكرة السلام الإبراهيمي) وتوني بلير، وبالتشاور مع إسرائيل. كما ان ما جرى يمثل صورة اخرى لما عرف بصفقة القرن التي روج لها الرئيس الأمريكي في فترته الأولى، والتي كانت مبنية على فكرة الحصول على إعتراف الدول العربية بإسرائيل فقط لاغير. المواقف الوحيدة المميزة هي تلك التي جاءت من قبل رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس المجلس الأوربي انطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الاوربية الذين اكدوا، بعد ترحيبهم بالاتفاق، ان حل الدولتين يبقى هو الأساس لحل المشكلة الفلسطينية.
وفي كل الأحوال، تبقى الحقيقة والوقائع تقول، ان كل هذه التطورات لم تكن لتحدث لولا طوفان الأقصى، الذي اجبر العالم على الإعتراف بوجود حق فلسطيني لا يمكن ان يطمس، وحتى قبول نتنياهو بهذا المشروع جاء نتيجة لإخفاقه في القضاء على المقاومة وإخضاع غزة بالكامل رغم كل جرائم الإبادة التي ارتكبها، كما انها اجبرت الرئيس ترامب على التراجع عن فكرته في تهجير كل سكان غزة وإفراغها من سكانها (لمدة 15 عاما او قوله أنهم لن يعودوا)، في حين ان المشروع تحدث عن عدم تهجير احد وان شعب غزة سيساهم في الإعمار، وكذلك اجبره على التوقف عن منح نتنياهو المهلة تلو الأخرى للقضاء على المقاومة.
كلمة اخيرة لكل الأطراف الفلسطينية. ان هذا المشروع يشكل تهديدا لكم جميعا ولقضيتكم المركزية، بل انه لم يضع اي اعتبار لأي منكم، وحتى اولئك الذين ظلوا على إستعداد لتنفيذ ما تطلبه الإدارات الأمريكية منهم، وانه آن الأوان لتوحيد صفوفكم لمواجهة الخطر القادم، فهل ستكونون على مستوى هذا التهديد والمسؤولية؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1448 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك