بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
٢٨ إيلول ٢٠٢٥
العقوبات عبر “Snapback” أيران بين القنبلة والوكالة
١. اليوم دخلت المنطقة منعطفاً جديداً مع إعادة تفعيل آلية الزناد “snapback”، أي العودة التلقائية للعقوبات الأممية على إيران بعد أن كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق النووي عام 2015. هذه الخطوة تعني أن طهران أصبحت مجدداً تحت طائلة قيود دولية واسعة تشمل حظر الأسلحة، والأنشطة النووية الحساسة، والقيود المالية والمصرفية. لكن الأخطر ليس في النصوص القانونية وحدها، بل في التداعيات السياسية والأمنية التي يمكن أن تترتب عليها.
٢. التحدي الايراني : لوّح بعض المسؤولين بخيار صناعة القنبلة النووية أو حتى الانسحاب من وكالة الطاقة الذرية. هذان الخياران لو تحققا سينقلان الصراع من ساحة الدبلوماسية والاقتصاد إلى مشارف مواجهة مفتوحة، وربما غير محسوبة العواقب نتائجها قد تتمثل بمايلي :.
أ. العودة إلى دائرة العزلة الاقتصادية: العقوبات الجديدة ليست مجرد قرارات على الورق، بل هي منظومة معقدة من القيود المالية والمصرفية والتجارية. إعادة فرضها ستؤثر على قدرة إيران في التعامل مع النظام المالي العالمي، وتزيد من صعوبة تصدير النفط والمردود المالي .لكن في المقابل، التجربة السابقة تشير إلى أن إيران قادرة على الالتفاف عبر قنوات غير رسمية، مستفيدة من الصين وبعض الأسواق الرمادية. هذا يعني أن الضغوط ستكون مؤلمة لكنها ليست خانقة إلى حد الانهيار الفوري. ومع ذلك، ستزداد معاناة المواطن الإيراني عبر التضخم وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، ما يضع النظام أمام تحديات داخلية أكبر.
ب. مأزق الشفافية النووية: الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت على الدوام صمام أمان يتيح للعالم متابعة البرنامج النووي الإيراني. أي انسحاب من الوكالة أو تقليص للتعاون يعني دخول المنطقة في دائرة غموض نووي.كما ان غياب الرقابة سيؤدي إلى ارتفاع الشكوك، وزيادة احتمالات الحسابات الخاطئة لدى القوى الإقليمية مثل إسرائيل أو حتى بعض دول الخليج قد ترى في هذا الغموض تهديداً مباشراً،
ج .احتمالات التصعيد الإقليمي:إعادة العقوبات ليست مجرد رسالة إلى طهران، بل هي أيضاً رسالة إلى المنطقة. فالقوى الكبرى تعلن أن الملف النووي لم يعد قابلاً للإهمال، وأن الصبر قد نفد. في هذا السياق، يمكن أن تتوسع المواجهة إلى جبهات أخر قد يسهل من إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل لمواصلة عملياتها ضد مواقع عسكرية أو نووية إيرانية.
د.القرار قد يدفع دول الخليج لزيادة تسليحها وبناء منظومات دفاعية أكثر تقدماً.كل ذلك يجعل من أي خطأ صغير شرارةً لحريق أكبر. وكما اعتقد ان ذلك هدفا اقتصاديا لامريكا واوربا .
٣. خيار السلاح النووي ومأزق التعقيد : صناعة القنبلة النووية ليست قراراً تقنياً فقط، بل هي قرار سياسي استراتيجي. إيران تملك البنية التحتية والخبرة، لكنها تدرك أن الذهاب نحو هذا الخيار سيجلب عليها عزلة خانقة وربما حرباً مفتوحة.الإعلان عن القنبلة النووية قد يُعتبر لحظة ردع قصوى، لكنه في الوقت ذاته لحظة مخاطرة عليا، إذ قد يدفع خصومها إلى شن ضربات استباقية قبل أن تكتمل الدورة النووية العسكرية.
٤.إلى أين يتجه المشهد: اليوم يمكن القول إننا أمام ثلاثة سيناريوهات هي:
أ.التصعيد التدريجي: تستمر العقوبات وترد إيران بخطوات رمزية (رفع نسب التخصيب، تقليص التعاون مع الوكالة) دون الوصول إلى صناعة القنبلة.
ب.الانسحاب من الوكالة: خطوة ستُفقد أي شفافية وتفتح الباب لعمليات عسكرية أو استخباراتية ضد طهران.
ج .المواجهة الكبرى: إعلان السلاح النووي أو الكشف عن برنامج عسكري سيؤدي إلى ردود إقليمية ودولية قد تخرج عن السيطرة.
٥. العراق الى اين في هذا المشهد : الاحداث تقول من المتوقع ان التداعيات قد تصيب العراق بشكل مباشر، بحكم الترابط الاقتصادي والسياسي والأمني بين البلدين وكما يلي :.
أ. التإثير على الاقتصاد والطاقة: العراق يعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز والكهرباء من إيران (حوالي 40% من احتياجاته ). أي تشديد للعقوبات قد يعطل هذه الإمدادات والتي هي معطلة اصلا بامر امريكي قد تضغط أكثر على العراق لتقليل اعتماده على الطاقة الإيرانية وحتى التي تستورد من دول اخرى وتمر بالارض الايرانيه ومن خلال انابيبها، مما يضع الحكومة في مأزق البحث عن بدائل سريعة .
ب. بما ان السوق العراقية تغرق بالمنتجات الإيرانية مع هذه العقوبات سيزداد تهريب البضائع عبر الحدود، مما يضر بالاقتصاد العراقي ويعزز اقتصاد الظل.
ج .السياسة الداخلية: الاحزاب السياسية المقرّبة من إيران ستجد نفسها تحت ضغط أكبر، مع احتمال إدراج مزيد منها على قوائم العقوبات.كما ان القوى السياسية المعارضة ولحراجة الموقف ستطالب بإعادة التوازن في السياسة الخارجية العراقية، بين واشنطن وطهران.بالاضافة لذلك احتمالية ان يتجدد الانقسام بين من يطالب بالحياد الكامل، ومن يصرّ على التمسك بالمحور الإيراني.
د.الأمن والاستقرار : أي تصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة قد يجعل العراق ساحة مواجهة بالوكالة، سواء عبر قواعد أميركية أو تحركات فصائل مسلّحة.
ه.الدبلوماسية العراقية: سيكون أمام الحكومة العراقية فرصة صعبة لكنها مهمة أن تتحرك لتقديم نفسها وسيطًا دبلوماسيًا بين إيران والغرب.لان استمرار المراوحة بين الطرفين من دون استراتيجية قد يجعل العراق في مرمى الضغوط الاقتصادية والعسكرية معًا.
٦. السيناريوهات المحتملة للعراق:
أ.استمرار الوضع الهش: العراق يوازن بين واشنطن وطهران لكن بثمن سياسي واقتصادي باهظ.
ب . تصعيد داخلي: تزايد الضغوط على فصائل المقاومة يؤدي إلى توترات أمنية قد تهدد الاستقرار.
ج . فرصة للتحول: إذا استغل العراق الظرف لبناء استقلاله في الطاقة، قد يكون ذلك بداية مسار جديد نحو ذلك .
٧. الخلاصة: إعادة تفعيل الـ“snapback” ليست مجرد إجراء قانوني، بل عودة إلى لحظة التوتر القصوى بين إيران والعالم. العقوبات ستضغط على الداخل الإيراني لكنها لن توقف البرنامج النووي ما لم يقترن ذلك بمسار تفاوضي جديد. في المقابل ان الانسحاب من الوكالة أو إعلان السعي نحو القنبلة سيجعل المنطقة أمام مشهد “اللاعودة”.
وبين العقوبات والتصعيد، يبقى الخيار الوحيد الأقل كلفة هو العودة إلى المفاوضات والشفافية، قبل أن تتحول الضغوط السياسية والاقتصادية إلى مواجهة نارية شاملة لن ينجو من أثارها أحد..اما العراق اليوم أمام اختبار عسير. العقوبات على إيران قد تكون سيفًا ذا حدين إما تزيد من تبعيته للأزمات الإيرانية، أو تدفعه لإعادة صياغة خياراته الاستراتيجية داخليًا وخارجيًا.
932 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع