كتاب معالم بغداد وخططها في العصر العباسي لقصي اسماعيل الفرضي

سمير عبد الحميد

كتاب معالم بغداد وخططها في العصر العباسي لقصي اسماعيل الفرضي

اثناء زيارتي لمعرض الكتاب في دورته الاخيرة في بغداد اقتنيت هذا الكتاب حبا وشغفا بدراسة خطط بغداد العباسية، وقبل ان اغوص بدراسة وتقييم الكتاب لابد ان اقتنص ملاحظة قيمة ذكرها الاستاذ حسين محمد عجيل في تقديمه للكتاب :((على ان هذا النوع من الكتب يظل غير مكتمل ابدا،وبه حاجة دائمة الى الاستدراك والاضافة والتصحيح والتعديل ،سواء من مؤلفه او من جمهرة الباحثين والمهتمين،ومن اسباب هذا ان مصادر مثل هذه الكتب هي اوسع نطاقا بكثير من القائمة المتخصصة الطويلة التي وضعها المؤلف في نهاية كتابه،ذلك ان اشارة خططية قد تردعرضا ضمن خبر عابر ،او وصف لحدث سياسي او عسكري ،او ترجمة لاديب او فقيه او امير،في كتاب يرقى تاليفه الى عصر الدولة العباسية او بعيد سقوطها ،يمكن ان تتخذ قرينة –او ربما دليلا مرجحا-لتعيين هذا المعلم المندثر او ذاك في مكان جديد غير ما استقرت عليه اراء المشتغلين المعاصرين في خطط بغدادوقد يترتب على ذلك تغيير في مواضع جملة من المعالم المندثرة القريبة منه او المرتبطة به وظيفيا وتتكرر امثال هذه الحالات كثيرا في اعمال خططي بغداد الابرز العلامة الدكتور مصطفى جواد)) وعلى هذا الاساس ستكون ارائي في الكتاب وفقا لما استحدث من مصادر وما امتلكته من اطلاع لخطط بغداد العباسية بغية الخروج باسس محكمة للمادة الخططية واعتمادها مرجعا لا لبس فيه للدراسات المستقبلية لخطط بغداد.
1- ابتداءا ان هناك التباسا يتعلق بدار الخلافة العباسية والتي هي الشاهد الاكبر لخطط بغداد، جعلت الباحثين في حيرة من امرهم مما ادى الى جعل المواقع الخططية تبعا لذلك في غير مواقعها الصحيحة. فعندما يبحثون في رحلة ابن جبير يقفون عند قوله:(ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده مجلس الشيخ الفقيه الامام الاوحد جمال الدين ابي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره –يقصد مدرسته-على الشط بالجانب الشرقي وفي اخره على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصلية اخر ابواب الجانب الشرقي).فهذا يعني لهم ان دار الخلافة تقع في منطقة السنك، وعندما ينظرون في كتاب المنتظم لابن الجوزي بمناسبة الانتهاء من عقد جسر بهاء الدولةسنة383هـ هو يقول :(في يوم الاربعاء لاربع بقين من جمادى الاولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد)). وقد حدد مكان دار مؤنس الدكتور مصطفى جواد:(مشرعة القطانين تقابل اليوم شريعة بيت الايلجي قرب دار النواب على شاطيء دجلة الغربي وعلى هذا يكون الطرف الشرقي للجسر في شارع المحاكم المدنية المعروف بشارع المتنبي –كتاب دليل خارطة بغداد المفصل - وفي مكان اخرمن الكتاب، يقول:(اقام الامير مؤنس المظفر دارا ضخما وفي قسم من هذه الدرار الضخمة انشئت فيما بعد المدرسة النظامية على عهد السلاجقة).المعنى ان المدرسة النظامية تقع في شارع المتنبي ثم ياتي الدكتور بشار عواد عند تحقيقه لكتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ليقول استناد لابن الجوزي في المنتظم ان الخطيب:(قد استقر في حجرة بباب المراتب بدرب السلسلة جوار المدرسة النظاميةوالمعروف ان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة ثم ياتي ابن الصابي في كتاب رسوم دار الخلافة صفحة 136 ليقول:(ان معز الدولة البويهي كان نازلا في دار مؤنس المجاورةلدار الخلافة) وهذا يعني ان هناك دارا اخري للخلافة في المنطقة المحصورة بين الباب المعظم والميدان.
2-وفي كتاب دليل خارطة بغداد المفصل صفحة127:(وكان يتفرع من الجانب الايسر لنهر موسى فوق الفروع الثلاثة المذكورة فرع خاص يسمى نهر الزندورد كان يروي منطقة الزندورد القديمة التي اشتهرت ببساتينها الغن وديرهاالعتيق المعروف يدير الزندورد فجذب جمال هذه المنطقة الامين فانشا قصر جميلا فيها قرب ضفة نهر دجلة وقيل انه اقام جسرين في هذا الموضع على دجلةوهذا بداية تاسيس دار الخلافة في منطقة السنك.
3-اثر تحقيقه لكتاب الجامع المختصر لابن الساعي في الصفحة 203 في مادة باب الخاصة نقل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله عن معجم البلدان لياقوت الحموي عن باب الخاصة:(باب الخاصة كان احد ابواب دار الخلافة المعظمة ببغداد احدثه الطائع لله تجاه دار الفيل وباب كلواذا ،واتخذ عليه منظرة تشرف على دار الفيل وبراح واسع واتفق ان كان الطائع يوما في هذه المنظرة فجوزت عليه جنازة ابي بكر عبد العزيز بن جعفر الزاهد المعروف بغلام الخلال فرأى الطائع منها ما اعجبه، فتقدم بدفنه في ذلك البراح الذي تجاه المنظرة وجعل دار الفيل وقفا عليه).وقد نبه الاستاذ عبد الستار درويش رحمه الله في مقالته الموصوفة (دار الخلافة العباسية وجامع القصر ....مرة اخرى)المنشورة في مجلة المورد الصفحة 244 كون الخليفة هو المطيع وليس الطائع قال:(قال الخطيب البغدادي في ترجمة غلام الخلال ،توفي يوم الجمعة لسبع بقين من شوال سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ودفن عند دار الفيل. وقد قلد الطائع الخلافة في ذي القعدة من تلك السنة فيكون صاحب المنظرة المطيع لا الطائع .اما ابن الساعي فقد ذكرها في كتابه المقابر والمشاهد بجانب مدينة السلام الصفحة 46 على الوجه الاتي:(فمنها مقبرة الفيل وتعرف بمقبرة الخلال.يحكى انه لما مات عبد العزيز غلام الخلال وكان من اعيان الحنابلة وزهادهم ،اختلف اهل باب الازج في موضع دفنه،فقال بعضهم:في مقابرالامام احمد.وقال اخرون :بل يدفن عندنا هنا ،وجردوا السيوف ،فثارت الفتنة.فأمر الامام المطيع لله ان يدفن في دار الفيل .وهو موضع مقابل لدار الخلافة في اول في اول شارع البصلية ولم يكن دفن هناك احد،فهو اول من دفن فيها وذلك في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة .وصار الموضع مقبرة سابلة يقصدها الناس بموتاهم طلبا لمجاورة غلام الخلال، وكذلك اشار صاحب كتاب مضمار الحقائق وسر الخلائق المنصور الايوبي في الصفحة81 عن داود مشرف ديوان الزمام ان استاذ الدار ابن الصاحب:(قد نقله الى دار في القرية المعروفة بقصر الخلافة).قال ياقوت:(القُرَيَّة بالضم ثم الفتح، تصغير القرية: محلتان ببغداد إحداهما حريم في دار الخلافة وهي كبيرة فيها محالّ وسوق كبير. والقريّة أيضا محلة كبيرة جدّا كالمدينة من الجانب الغربي من بغداد مقابل مشرعة سوق المدرسة النظامية..
.
.
مما تقدم تبين وجود موقعين لدار الخلافة العباسية في رصافة بغداد الاول في القرية من باب الازج لها باب يسمى باب الخاصة وعليه منظرة تشرف على مقبرة غلام الخلال في منطقة السنك الحالية تمتدالى الشط وحدودها قبر ابن الجوزي المزعوم في موقف السيارات شمالا والى جنوب جسر السنك الحالي وقبل جسر الجمهورية جنوبا والاخرى بين الميدان والباب المعظم وتحديدا بين جامع المراديةالى جرف دجلة والى موقع امانة العاصمة القديمة امام باب القشلة الحالية..
اما الدكتور مصطفى جواد فقد حدد دار الخلافة بين شارع السمؤل شمالا والمربعة قرب جامع سيد سلطان علي جنوبا متخذا المدرسة المستنصرية ركيزة للتعيين ومعتمدا على ابيات شعرية قالها ابن ابي الحديد شارح نهح البلاغة وذلك في مجلة المجمع العلمي العراقي الصفحة 101 من مقال له بعنوان دار الخلافة العباسية ((تعيين موضعها واشهر مبانيها))قال ابن ابي الحديد::
مخيمة على نهر المعلى فدجلة لا المنيفة فالضمار
فالمستنصرية يقول الدكتور:مخيمة على نهر المعلى ودار الخلافة كانت على شاطيء دجلة تحت نهر المعلى فهي تحت المستنصرية بالتحقيق واصح الشوارع مطابقة لمبدأ سور دار الخلافة هو شارع السومءل الممتد من شارع الرشيد والمنتهي الى المشرعة عند قهوة الشط ...ويمتد السور شرقا على خط نصف دائرة حتى ينتهي في الجنوب عند شط دجلة ايضا ....فسور دار الخلافة من جهة الجنوب كان يصل الى محلة المربعة.
نقول اذا كانت دار الخلافة تحت المستنصرية وبالتحديد بين شارع السومءل والمربعة كما حدد الدكتور مصطفى فما معنى قول ابن الجوزي في المنتظم عن الحريق الذي شب في سنة 510هـ
قال ابن الجوزي:(فمن الحوادث :انه وقعت النار في حضائر الحطب ،ودكاكين الحطب التي على دجلة ،واكلت النار الاعواد الكبار وجذوع النخل،وتطاير النار الى دروب باب المراتب فأحرق كناسها، واحرقت الدور التي بدرب السلسلة،والدور الشارعة على نهر دجلة من جملتها دار نور الهدى ابي طالب الحسين بن محمد الزينبي،ورباط بهروز الذي بناه للصوفية،ودار الكتب التي بالنظامية الا ان الكتب سلمت،وحملها الفقهاء الى مكان يؤمن فيه من النار،وهذا الحريق كان بين العشائين.)
من هذا نرى ان المدرسة النظامية وباب المراتب الذي هو الباب الجنوبي لدار الخلافة ودرب السلسلة كلها تقع في مكان واحد،وبما ان المدرسة النظامية تقع قي شارع المتنبي وقريبة من باب المراتب فان دار الخلافة تقع في مكان وزارة الدفاع في الباب المعظم وتنتهي عند بابها الجنوبي(باب المراتب المقابل لباب القشلة الحالية قرب دجلة
السؤال هنا هل استعرض الدكتور مصطفى رواية ابن الجوزي هذه؟
الجواب نعم ففي مقالة له بعنوان المدرس النظامية المنشورة بمجلة سومر قال :(وعن ذكر الحظائر الواردة في خبر قتل الوزير كمال الملك السميرمي نقول ان الحظائر اي السكلات الحطبية كانت قريبة من المدرسة النظامية فكانت مصدرا لخطر الحريق ،ففي سنة 510هـ شبت النار في الحظائر المجاورة للمدرسة النظامية ببغداد كما جاء في الكامل فاحترقت الاخشاب التي بها واتصل الحريق الى درب السلسلة يعني سوق البزازين الحالي الملاصق لخان جغان المنتهي عند جامع القبلانية فاحترقت منه عدة دور واحترقت دار كتب النظامية،ولكن الكتب سلمت لان تلامذتها لما احسوا بالنار نقلوها الى مكان يؤمن فيه من النار .وزاد ابن الجوزي في المنتظم ان النار احرقت الدور الشارعة على دجلة،من جملتها دار نور الهدى ابي طالب الحسين العباسي الزينبي الحنفي النقيب الفقيه المدرس ورباط بهروز الذي بناه للصوفية وكان في موضع قهوة الشط والبنك البريطاني للشرق الاوسط على ماحققناه. .)
مجلة سومر المجلد التاسع الجزء الثاني ص 317
لاحظ انه رحمه الله لم ينقل كلام ابن الجوزي حرفيا لان فيه ذكر باب المراتب وهو الباب الجنوبي لدار الخلافة حتى لاتسقط فرضيته القائلة ان باب المراتب يقع في محلة المربعة قرب جامع السيد سلطلن علي وبالتالي تنهار نظريته القائلة ان موقع دار الخلافة في شارع المستنصر بين شارع السومءل ومحلة المربعة.
وبعد ان تبين وجود دارين للخلافة قي بغداد وجب تعيين المواقع وفق هذا المعياروعدم اخذ كتاب دليل خارطة بغداد المفصل مرجعا لتحديد المواقع الخططية لبغداد العباسية والا الضياع بعينه ،فالرجل قد حقق عدة كتب تاريخية ومخطوطة نشرت في وقته منها كتاب الحوادث الجامعةلمؤلف مجهول اعتقد الدكتور جواد في وقته انه لابن الفوطي فنشره ونسبه الى ابن الفوطي سنة1932 رغم اعتراض بعض العلماءفي وقته ولفتوا نظره الى انه ليس لابن الفوطي لاسباب عدة وانما هو لكاتب مجهول ولكنه اصر على رايه بانه لابن الفوطي ثم رجع عن هذا الراي وبذلك ستحل كل معضلات المواقع الخططية التي شابها التخبط نتيجة عدم الدراية..
وسابدا بمواقع القصور لخلفاء بني العباس
1-دار المسناة او القصر العباسي :القصر العباسي ليس هو دار المسناة كما ادعى السيد مؤلف الكتاب ان القصر العباسي هو من بقايا قصر التاج مركز الحكم العباسي لقرون بناه الخلبفة المكتفي وبنى جامعا ملاصقا للقصر سمي بجامع القصر وهو غير جامع الخليفة الذي بناه الخليفة المستنصر سنة633هـ في سوق الغزل ،وقد توالي الخلفاء بعد المكتفي على تجديده وتوسيعه واخرهم المستضيء حيث بنى مسناة عظيمة على دجلة للقصر. اما دار المسناة فهو قصر خاص بالخليفة الناصر للراحة والتنزه والفرجةوبينت على طرف السور مما يلي دجلة وهنا تلاحظ ان القصر العباسي بعيد عن سور بغداد بينما دار المسناة بنيت على طرف السوراي بقرب السور.
2-دار الامير مؤنس:قد اثبتنا انه يقع في شارع المتنبي وقد بنيت على ارضه المدرسة النظاميةفليس موقعه في ارض المدرسة المستنصرية وسوق العبي وسوق دانيال وجامع الخفافين.
3-قصر الامين او قصر الزنورد قد بينا موقع القصر في اعلاه وانه نواة دار الخلافة البديل او الثاني في قصة المطيع وغلام الخلال وان موقعه في السنك جنوب ما يسمى قبر ابن الجوزي في ساحة موقف السيارات شمالا وحتى اقصى من جسر السنك جنوبا.وليس في جسر الجمهورية وثانوية العقيدة.
4-جسر باب القرية في الصفحة116 قال هو جسربنفشا بين ضفتي دجلة بين باب الغربةوبين القرية في الجانب الغربي انشاته السيدة بنفشا حظية الخليفة المستضيءسنة570هـ وموقعه تقريبا بين نهاية شارع السموءل الحالي في الجانب الشرقي ومحلة الشواكة في الجانب الغربي وهذا خطا حيث اننا قد برهنا ان دار الخلافة تقع في بنايات وزارة الدفاع القديمة بين الميدان وباب المعظم وحيث ان باب الغربة هو اول باب من ابواب حريم دار الخلافة فان ما يقابله من الجانب الغربي بساتين ومتنزهات رقة ابن دحروج وليس القرية الواقعة في الشيخ بشار.
5-جسر سوق الثلاثاء:ليس صحيحا ان الجسر يقع بين مشرعة القطانين ومصب نهر عيسى فرواية ابن الجوزي في المنتظم هي: وفي يوم الاربعاء لاربع بقين من جمادى الاولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس ،واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد فلا يوجد ذكر لنهر عيسى علما
ان مصب نهر عيسى يقع قرب قصر عيسى في محلة خضر الياس التي هي جزء من محلة الرملة وقصر عيسى بني على مسناة قصر سابورقرب الجسر الحجري الذي عبره القائد المسلم النسير بن ديسم سنة13 هـ كما في فتوح البلدان للبلاذري. وهنا نكتة فقد اخطأ الدكتور مصطفى جواد حين قسم نهر عيسى الى فرعين يقول الدكتور عماد عبد السلام في كتابه خطط بغداد في دراسات المؤرخين والمحدثين صفحة 66:ولعل اهم ماتوصل اليهالبحث من الناحية الخططية انه لم يثبت وجود نهر اخر يحمل اسم عيسى ايضا،في نهاية القسم الجنوبي من غربي بغداد استنادا الى سكوت المصادر الكامل عن مسالة وجوده فنقض بذلك الدكتور صالح احمد العلي وان لم يصرح تصريحا اهم ما كان مصطفى جواد واحمد سوسة قد اثبتاه في دراستهما لخطط هذا الجانب وردهما على دراية ليسترنج التي تفرق بين النهرين.
الخلاصة: رغم الجهد المبذول في هذا الكتاب الضخم التي بلغت صفحاته 672والذي يشكر عليه الاان الكثير من مواد الكتاب تحتاج الى مراجعة حفظا للمعالم والخطط الثابة لبغداد العباسية .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1041 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع