الغزيون يطالبون بإنهاء "الواقع الجنوني" وسط معاناة إنسانية خانقة

 أسامة الأطلسي

الغزيون يطالبون بإنهاء "الواقع الجنوني" وسط معاناة إنسانية خانقة

في شوارع غزة المدمرة، وفي المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء مكتظة، وفي الأزقة التي يلفها الغبار والدخان، تتردد كلمات تحمل معنى واحداً: "كفى". الناس هنا لم يعودوا يطيقون استمرار هذا الواقع القاسي الذي وصفه كثيرون بأنه "واقع جنوني"، يبتلع حياتهم يوماً بعد يوم بلا توقف. بين القصف المستمر ونزيف الدماء وفقدان المأوى، يتصاعد نداء جماعي يطالب قيادة حماس بالتحرك الجاد لإنهاء الحرب، وإعادة شيء من الأمل إلى حياة فقدت كل مقوماتها.

تتحدث أم فقدت منزلها في شمال القطاع وهي تحتضن طفليها: "لم نعد نحتمل. حياتنا كلها أصبحت خوفاً وتشرداً. نريد من القيادة أن تبحث عن مخرج لهذا الجحيم. أطفالنا لهم الحق أن يعيشوا حياة طبيعية مثل باقي أطفال العالم." كلماتها تعكس إحساساً عاماً بالعجز واليأس، لكنها تحمل أيضاً رسالة واضحة: ضرورة بذل كل جهد ممكن لوضع حد لهذا الواقع.

شاب نزح مع أسرته إلى الجنوب يروي قصته قائلاً: "تركنا بيتنا تحت القصف ولم نأخذ معنا شيئاً. نحن ننتقل من مكان إلى آخر كأننا غرباء في مدينتنا. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وعلى من بيدهم القرار أن يتحركوا. كرامتنا ومستقبلنا على المحك." شهادته تفضح حجم المعاناة الإنسانية، وتعكس أيضاً الإصرار على أن الحل يجب أن يأتي من داخل الصفوف القيادية.

ومع استمرار المعاناة اليومية، يتساءل كثير من الغزيين عن معنى الصمت السياسي وغياب المبادرات. فبينما يعيش الناس مأساة النزوح وفقدان الأحبة، يزداد شعورهم بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة الموت والدمار. أصواتهم اليوم لم تعد تقتصر على الشكوى من الوضع المعيشي، بل باتت نداءً صريحاً يطالب القيادة بالتحرك: "افعلوا كل ما يمكن فعله لإنهاء هذه الحرب."

الوضع الإنساني المتدهور يضيف وزناً أكبر لهذه المطالب. المستشفيات تعمل بأقل الإمكانات الممكنة، الأدوية شحيحة، والماء والغذاء بالكاد يكفيان. أطفال ينامون على الأرض في مراكز إيواء مزدحمة، ونساء يبحثن عن لقمة تسد جوع أسرهن، وشيوخ فقدوا منازلهم التي عاشوا فيها عقوداً طويلة. كل تفاصيل الحياة تحولت إلى معركة يومية من أجل البقاء، ومع كل يوم جديد يتعمق الإحساس بأن هذا الواقع لم يعد محتملاً.

يرى محللون أن هذه الأصوات الشعبية، التي ترتفع بوضوح في غزة، تمثل تحولاً في المزاج العام. فالناس لم يعودوا يكتفون بالصمود الصامت، بل باتوا يطالبون بشكل مباشر بإنهاء الحرب وإيجاد حلول عملية تضع حداً لدائرة العنف. هذا الضغط الشعبي يعكس وعياً متزايداً بأن استمرار الحرب لا يخدم سوى إطالة أمد المعاناة، وأن الأولوية اليوم يجب أن تكون لحماية الأرواح وإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي.

الغزيون، الذين اعتادوا مواجهة الصعاب عبر سنوات من الحصار والحروب، يرفعون اليوم صوتهم ليقولوا إن الكارثة تجاوزت حدود الصبر الإنساني. هم لا يطالبون بأكثر من حقهم الطبيعي في الأمان والكرامة، لكنهم في الوقت ذاته يوجّهون رسائل قوية إلى قيادتهم بأن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات شجاعة توقف نزيف الدم وتفتح الباب أمام مستقبل أفضل.

في النهاية، يبقى صوت الشارع في غزة هو التعبير الأصدق عن حجم المعاناة. أصوات النساء والأطفال والشيوخ والشباب تتوحد في مطلب واحد: "أنهوا هذا الواقع الجنوني". وبينما يستمر القصف وتتصاعد المأساة، يظل الأمل معلقاً على أن تلقى هذه الأصوات صدى لدى من بيدهم القرار، لأن استمرار هذا الوضع لم يعد خياراً يمكن احتماله.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

749 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع