حرب غزة وتأثيرها على مستقبل السياسة الألمانية

بسام شكري

حرب غزة وتأثيرها على مستقبل السياسة الألمانية

جرت يوم الاحد 14 سبتمبر انتخابات ولاية شمال الراين ويستفاليا وهي أكبر ولاية من حيث السكان في المانيا حيث ان عدد السكان 14 مليون مواطن لهم ثقل كبير في تحديد مستقبل نظام الحكم في المانيا ويمثلون ربع سكان المانيا البلغ عددهم 83 مليون نسمة، وقد كانت النتائج مرعبة للمواطن الألماني بسبب الفوز الكبير لحزب البديل اليميني المتطرف وصعوده بنسبة وصلت من صفر الى 19% في معظم مدن الولاية وكانت قفزة هائلة عن الانتخابات السابقة وهذه سابقة خطيرة لم تحدث في الانتخابات الألمانية لا وبل في كل أوروبا خلال المئة عام الماضية، فما هو سبب ذلك الصعود؟
صحيح ان فوز الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) في الانتخابات لكن القفزة الهائلة لليمين المتطرف في غرب المانيا وهو المعروف ان معقله ولايات المانيا الشرقية سابقا " حيث تحول سكان تلك الولايات الخمسية من الانتماء الى الحزب الألماني الموحد (الشيوعيين في زمن المانيا الديمقراطية) الى اقصى اليمين".
لقد هزت التغيرات السياسية في المانيا منذ بداية حرب غزة الشارع الألماني فقد وقفت كل الأحزاب الألمانية بدون استثناء من اليمين الى الوسط الى اليسار الى جانب إسرائيل في الإبادة الجماعية ماعدا حزب المانيا البديل وهو حزب اليمين المتطرف، لماذا وكيف حصل ذلك؟
بدأت القصة عندما تفاجأ الشعب الألماني في البداية الحرب من تجاهل وسائل الاعلام الألمانية للإبادة الجماعية في غزة وعدم نشر اخبار تلك الإبادة وفي نفس الوقت صدرت تصريحات من كافة الأحزاب بتأييد إسرائيل بالدفاع عن نفسها وقتل كل سكان غزة لاستعادة الرهائن الإسرائيليين وقامت وزيرة الخارجية الألمانية بزيارات تأييد مكوكية لإسرائيل في الوقت الذي تنتمي هي الى حزب الخضر اليساري وامينته العامة وقد ايد الاشتراكيين تلك الإبادة لا وحتى حزب لنكة الشيوعي ايد الإبادة بضغط من الشركات الكبرى فقامت رئيسة الحزب بالانشقاق عن الحزب وتأسيس حزب جديد حظي بتأييد كبير من الناخبين , وقد كانت عملية الانشقاق وتأسيس حزب جديد فضيحة كبيرة في مجتمع السياسة الالمانية, فلماذا كل ذلك التأييد وكيف حصدت إسرائيل تأييد كل الأحزاب اليمينية واليسارية والوسط ؟
لقد علم الشعب الألماني ( أخيرا) ان كل الأحزاب الألمانية بمختلف اتجاهاتها غير مستقلة و تابعة للشركات الكبرى والشركات الكبرى تتحكم بها إسرائيل لأنها تملك معظم رؤوس أموالها وتلك الشركات التي تمول الأحزاب كافة او تقدم لها الرشاوى تعطي تعليماتها مباشرة لتلك الأحزاب لتأييد الإبادة في غزة ونشر كذبة ان الحكومة الألمانية تقف مع الإبادة في غزة تكفيرا لذنب المانيا في الهولوكوست الذي قام به هتلر وهذه الكذبة غير صحيحة لان النظام السياسي الألماني قد تغير الى الديمقراطية ومضت عشرات السنوات على تلك الجريمة وان المانيا دفعت وتدفع شهريا لغاية اليوم مليارات وملايين الدولارات لإسرائيل , ولهذا السبب ونكاية بالأحزاب الألمانية فقد قام الشعب الألماني بتأييد حزب (المانيا البديل) اليميني المتطرف وهذا رد فعل طبيعي والملفت ان معظم العرب والمسلمين ايدوا ذلك الحزب كذلك نكاية بالأحزاب البقية التي ايدت الإبادة الجماعية في غزة.
اين راس المال العربي في المانيا وأين الاعلام العربي هنا؟
راس المال العربي في المانيا لا علاقة له بالسياسة حتى لو قامت المانيا برمي قنبلة نووية على بيت الله الحرام في مكة المكرمة فرأس المال العربي لا يتدخل لان من يقوم بتشغيل راس المال العربي في المانيا لا يرتبط بالقرار السياسي العربي بل ويرتبط بالقرار السياسي الامريكي وطبعا الذي تسيطر عليه إسرائيل وهذا يعني بالاستعاضة ان راس المال العربي تسيطر عليه اسرائيل.

لماذا الاعلام العربي غائب في المانيا؟
أولا- راس المال الإسرائيلي الذي يتحكم براس المال العربي في المانيا يمنع نقل الاخبار السياسية وما يدور في الشارع الألماني الى العالم العربي، والاعلام الألماني الناطق بالعربية يسيطر عليه الاخوان المسلمين منذ السبعينات وإسرائيل منذ الثمانينات، والاخوان المسلمين ملتزمين كليا بتوجيهات (تحت الطاولة) في المانيا بشكل لا يقبل النقاش ولا ينقلون للعرب في المانيا سوى ما يخدرهم ويقومون بشكل ممنهج بتشويه سمعة كل القادة العرب ونشر مفاهيم تحرض على العنف والكراهية ضد الدول العربية.
ثانيا – الاعلام العربي وفي قلب الوطن العربي مخترق من قبل الاعلام الإسرائيلي وابسط مثال ما جرى ليلة 15-9-2025 على قناة العربية عند استعراض نتائج انتخابات ولاية شمال الراين ويستفاليا في نشرة الاخبار الرئيسية حيث قامت العربية باستضافة شخص اسمه مصطفى العمار وهو عضو مجلس الامن القومي التابع للحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، فمن هو هذا العمار؟ انه لاجئ سياسي عراقي شيعي مولود سنة 1978 في العراق وغادر العراق سنة 1991 وأصبح مواطن الماني سنة 2009 وهو متزوج من يهودية المانية حفيده أحد الناجين من محرقة هتلر وقد تسلق درجات الحزب المسيحي الديمقراطي بسرعة هائلة، ماذا كان تحليل هذا العمار لأسباب صعود اليمين الألماني المتطرف في انتخابات ولاية شمال الراين؟ لقد قال تحليلات كاذبة مظلله على قناة العربية وهي نفس الأكاذيب التي يمارسها الاعلام الألماني ويظلل بها الناس. فلماذا لم تقوم قناة العربية باستضافة شخص محايد غير هذا وكيف عثروا عليه ومن دلهم عليه؟ السبب الأول حسب الأبحاث التي عملتها حول القنوات الفضائية الإخبارية العربية فان هناك ارتباط قناة العربية مع الاعلام الإسرائيلي الذي يوجه ويسيطر على الاعلام الألماني وفي بعض الأحيان حتى لم تكن هناك توجيهات (تحت الطاولة) فان قناة العربية فيها من الاغبياء بحيث لا يتمكنون من متابعة نتائج الانتخابات الألمانية وسؤال محللين عرب في المانيا وليس لديهم سوى هذا العمار.

ما هو حجم راس المال العربي في المانيا؟
حسب بيانات غرفة التجارة الألمانية العربية فان التبادل التجاري الألماني العربي سنة 2023 وصل الى 62 مليار يورو سنويا، وحسب بيانات نفس الغرفة فان استثمارات قطر بصندوقها السيادي في المانيا بلغ 35 مليار يورو سنويا ماعدا حصة قطر في مجموعة شركات فولكسفاغن التي تعتبر اغنى شركة سيارات في العالم 25% ولها حق التصويت بنسبة 17% في فو لكسفاكن. وتملك قطر نسبة 25% من أسهم دويتشة بنك وهو اقوى بنك في أوروبا، فلماذا لم تمارس قطر حقها في الضغط على الحكومة الألمانية لتضغط على إسرائيل لإيقاف الإبادة الجماعية؟ ولماذا مارست قطر ضغطها على دول مجلس التعاون الخليجي عندما قطعوا العلاقات معها سنة 2017 وقامت بإرسال وزير الخارجية الألماني لزيارة دول مجلس التعاون الخليجي للتوسط لإعادة العلاقات؟ اذن قطر قادرة على ممارسة الضغط وقد مارسته.
هذا مثال بسيط عن الاستثمارات القطرية ولم اخذ مثالا اخر وكل دول الخليج مع العراق وليبيا والجزائر وايران وتركيا لديهم استثمارات هائلة في المانيا لكنهم عاجزين عن تكوين لوبي اقتصادي للضغط وتوجيه المواقف السياسية والاقتصادية لصالح دولهم وهم متفرقين ولم تصلهم لغاية اليوم فكرة اللوبي الاقتصادي الذي يخدم الملفات السياسية والمصالح الوطنية, في الوقت الذي تمارس فيه المانيا سياسات الضغط والابتزاز والحصار على اقتصاديات معظم الدول العربية ولا مجال هنا لمزيد من التفاصيل لكي لا اخرج عن هدف هذا المقال وهو تأثير حرب غزة على المستقبل السياسي الألماني في ظل غياب راس المال العربي والإسلامي في بعض الأحيان وتحيزه لصالح السياسة الإسرائيلية في أحيان أخرى.
بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة يجب على قطر ومجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية اجراء تغييرات جذرية في كافة الأصعدة ابتداء من الاستثمارات العربية في المانيا وأوروبا وغيرها من دول العالم وربطها بشروط الحفاظ على المصالح العربية وامتدادا الى الاعلام العربي التي تسيطر عليه إسرائيل وتوجيه الاعلام العربي للدخول الى المانيا حماية للاستثمارات العربية وافتتاح مقرات ومراكز ومحطات فضائية حيث توفر احدث التكنلوجيا واسرعها وصولا للجمهور وعلى العرب اجراء تغييرات جوهرية في القيادات الإعلامية والاستفادة من القفزة التكنلوجية في مجال الاعلام وعدم السماح للإعلام العربي بترويج أكاذيب إسرائيل وابسط مثال على ذلك فقد قام الاعلام العربي بترويج الكذبة التي اطلقتها إسرائيل بان عشر طائرات إسرائيلية قامت بقصف الدوحة في حين ان الضربة كانت من قبل غواصة إسرائيلية في راس الخليج العربي من جهة مضيق هرمز , والاعلام العربي لم يقوم بتوجيه السؤال الى الدول العربية التي اخترقتها الطائرات الإسرائيلية , لماذا لم يكشف الرادارات تلك الطائرات العشرة؟ هذا كانت رادارات الأردن وسوريا والعراق والسعودية والكويت والبحرين وقطر معطلة مثلا؟
كان يفترض توجيه السؤال الى وزراء الدفاع في تلك الدول بدلا من نشر الكذبة الإسرائيلية التي تهدف الى نشر الخوف بين الدول العربية من قوتها الجوية.

وخلاصة القول ان حرب غزة اثرت على كل دول العالم واعادت القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث" بغض النظر عن نوايا حماس وإسرائيل في افراغ قطاع غزة من السكان لصالح إسرائيل لاستغلال الغاز الطبيعي في سواحلها" فان تأثير حرب غزة على الشارع الألماني كان اكبر بكثير من بقية دول أوروبا لما يعانيه الاعلام الألماني من تبعية لإسرائيل وعدم نشر أي اخبار عن حرب غزة طوال السنتين الماضيتين وقد احدث ذلك التعتيم الإعلامي ردود أفعال كبيرة, صحيح ان كل معسكرات الاعتقال في زمن النازية كانت في بولندا خوفا من ان يعرف الشعب الألماني حقيقة هتلر الاجرامية وقد مارست الحكومة الألمانية نفس الأسلوب بالتعتيم الإعلامي على جرائم إسرائيل في غزة خوفا من ان يعرف الشعب الألماني تلك الجرائم وقد قطعت الحكومة الألمانية توريد الأسلحة والذخائر لإسرائيل الأسبوع الماضي فقط نتيجة للضغوطات الشعبية لكنها ساهمت بقتل المدنيين في فلسطين على مدى سنتين, وان سبب كل ذلك الانحياز الألماني الى جانب إسرائيل هو راس المال الإسرائيلي الذي يملك جزء من الشركات الألمانية ويقوم بالسيطرة على الاعلام الألماني في الوقت الذي يملك العرب اضعاف راس المال الإسرائيلي في المانيا لكنهم لم يمارسون حقهم في فرض مصالحهم السياسية والاقتصادية على الدولة الألمانية.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع