مصطفى محمد غريب
الجفاف وعطش المواطنين والدور العدواني لدول المنبع
بعدما أطلقت مؤخراً تركيا المياه بشكل وقتي من السدود التي تحجب حصص العراق المائية بسبب ضغط الطبيعة والخوف من عواقبها وليس رحمة او الاعتراف بالجيرة واخلاقها، نقول لكل حادث حديث وتتحمل الحكومات العراقية السابقة والمتلاحقة بعد 2003 ونهج المحاصصة الطائفية وما حل بالبلاد من دمار وخراب وجفاف وتخلف، وعلى ما أتذكر وبخاصة أواسط القرن العشرين وكنت يافعاً لا افقه بأمور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية ...الخ الا القليل مع العلم كانت هوايتي الشديدة الاطلاع والقراءة الهجينية والشغف بحلم الاسطورة جعلني اقرأ حينها ان نهري النيل والفرات ينبعان من الجنة إضافة الى " كتاب قديم يتحدث عن "بدائع الزهور في وقائع الدهور" حيث أشار الكتاب حول تاريخ مصر، وان نهر النيل والفرات ينبعان من الجنة وحاول البعض ممن يدعون العلم "أنَّ أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض" إضافة الى الادعاء فقد ثبت في حديث أنس بن مالك".. " نعم يعد نهري دجلة والفرات من أنهار الجنة"
للحقيقة اكتشفت تداعيات ابعاد هذه الأسطورة وفي الوقت نفسه اكتشفت أهمية دجلة والفرات بالنسبة لحياة الملايين من العراقيين وللعراق أيضا واكتشفت لماذا هذه القدسية للمياه! وان المياه هي الجنة بالنسبة للطبيعة وفي المقدمة الانسان!
العراق «اوروك" بلاد ما بين النهرين ولقب بأرض السواد وصاحب الاهوار التي كانت تغطي مساحات واسعة من ارض الجنوب ، الفرات ودجلة والعديد من الأنهار والجداول والبحيرات ، تاريخ العراق والماء صنوان متلازمان لم يخطر ببال احد ان يوماً سياتي والعراق بلا ماء وان الجفاف يهدده ويهدد نهري دجلة والفرات، ونستعين ونحن نعتذر للمرحوم الشاعر بدر شاكر السياب ونُحور مقاطع من قصيدة انشودة المطر(وكل عامٍ حين يعشب الثرى نجوع ، ما مرّ عامٌ والعراق ليس فيه جوع ) ، فنقول " ما مر يوم وخوفنا ان العراق يجف من مياهه، وكل يوم ارضه تبور"
نعم ان القلق والخوف أصبحا كالغول يلاحق العراقيين، وان يكون العراق بلا ماء وبلا عشب والصحراء ستلتهم أكثرية أراضيه الزراعية وسيعاني مثلما هو حال الملايين في الجنوب وغير الجنوب من العطش وشحة مياه الشرب وشبح الجفاف الذي أصاب العديد من البلدان في افريقيا وغيرها يلاحق العراقيين بعدما كان من اغنى البلدان بكثرة الأنهار والجداول والعيون، ويعد نهر الفرات ونهر دجلة كشريان الحياة لما لهما أهمية بالغة في حياة الشعب العراقي في مجالات عدة حيث الزراعة التي اصبحت مهددة بفعل عوامل الجفاف ونقصان الموارد المائية وأشار مهدي ضمد القيسي مستشار وزارة الزراعة " ان الخزين المائي في العراق تناقض بشكل كبير " ثم أضاف مؤكداً " الانخفاض أكثر من 10 مليارات متر مكعب بالتزامن مع سنوات الجفاف المتتالية وأضاف مسترسلاً " أن اللجنة العليا للمياه قررت منع زراعة الشلب مع اعتماد 200 دونم لديمومة الأصناف
والاستعمالات المتعددة الأخرى" عند التطرق لمشكلة الازمة المائية التي تحيط بالعراق لا بد من الرجوع الى السياسات الخاطئة والمضرة التي اتبعتها العهود السابقة وعدم الاهتمام بالمستقبل المائي واللجوء الى حلول غير نافعة ولم تهتم الحكومات العراقية السابقة قبل الاحتلال والسقوط بما يكفي لكي تتجنب مستقبل المياه واخطار الجفاف وسياسة الدول المجاورة مثل ايران ثم تركيا اللتان قامتا بأعمال شبه عدوانية تجاه العراق، فإيران قامت ببناء السدود على الأنهار التي تدخل العراق ومنها نهر الكارون المغذي لشط العرب ثم قطع روافد عديدة من بينها نهر الزاب الصغير ونهر الوند إضافة الى تحويل البعض منها من عيون وجداول المياه التي كانت تصل العراق وتمثل " 35% من اجمالي الإيرادات المائية السنوية وقد أدى ذلك الى نقص المياه المتدفقة وتأثيره على الأمن المائي ، اما تركيا فقد قامت بدون أي اتفاق مع العراق او احترام الحقوق المائية المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية في بناء السدود العملاقة مثل سد اليسو الذي كان السبب في خفض كميات الماء من ( 70 مليار مكعب في السنة الة 40 مليار) حيث ساهم في النقص الكبير في الخزين المائي وقد اضر بشكل حاد القطاع الزراعي والصناعي وحتى الاستهلاك البشري لمياه الشرب إضافة الى سدود اخرى على نهر الفرات والكرخ، لابد من الإشارة الى مستقبل العلاقات مع هاتين الدولتين ايران وتركيا، إيران لها سند قوي وتحالف متين من قوى المحاصصة والميليشيات الشيعية التابعة ،مهما ذُكر حول ازمة المياه وتحمل ايران تبعيتها بسب ما ذكرناه حول تحويل او غلق او تغيير الأنهار والجداول فإنها أي قوى المحاصصة لا تبالي ومقتنعة بالأضرار التي اصابت وتصيب حصص العراق من المياه " وكـأنها مكتسبات !!" اما تركيا التي لديها قواعد عسكرية ثابتة ومتحركة على الأراضي العراقية وتتحمل بناء السدود الضخمة على دجلة والفرات وانهار اخرى وتتجاوز على حقوق العراق المائية فهي ماضية في السياسة العدائية للعراق والشعب العراقي وما زالت تحن للماضي واطماعها في الموصل وكركوك باقية كحلم الأسطورة، اما بالنسبة للحكومات العراقية فإن مواقفها عبارة عن سكوت والرضوخ والاعتماد على التوسل وتقديم الاغراءات وفي مقدمتها اغراءات النفط العراقي الذي اخذ يستهلك مثل ما اشارت جريد طريق الشعب إذ تعتمد "الشركات النفطية على المياه العذبة في عمليات الاستخراج وحقن الآبار، ما أثار انتقادات واسعة بشأن استنزاف هذا المورد الحيوي على حساب الاستخدامات الزراعية والاستهلاكية للمواطنين " وهذه قضية اخرى تلتحق بالأزمة العامة وكيفية التعامل معها ؟ وكيف يمكن تحقيق ما يصبو اليه الشعب العراقي من حقوق مشروعة وتوقيع اتفاقيات جديدة تلزم جميع دول منبع الأنهار والجداول التي يشترك العراق معها بعدم المساس بحقوق البلاد المائية، هذه الدول التي ساهمت وتساهم لحد هذه اللحظة في استمرار أزمة المياه وصولاً الى الجفاف التام لتدمير العراق، اما الاطلاقات الأخيرة ووفق مزاجية تركيا ومصالحها الضيقة فهي وقتية ومشروطة، ومع جريدة طريق الشعب أشار الباحث في الشأن البيئي خالد سليمان إن الإطلاقات المؤقتة ليست إلا "عطاءات مشروطة " وأكد "غياب الاتفاقيات الرسمية التي ستقود الى صراعات داخلية" واخيراً وليس آخراً ان الازمة التي تحيط بالعراق وبالشعب العراقي ازمة موت وضياع وفقدان مستلزمات العيش والسلام الاجتماعي وضمان للأمن الغذائي ولهذا نعتقد ان المسؤولية تقع على عاتق الجميع بدون استثناء وليس لها ارتباط بالمحاصصة والتقسيم الطائفي والمراكز الحكومية بل هي مسؤولية وطنية لجميع القوى الوطنية والديمقراطية والشرفاء في البلاد.
708 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع