القيم والسلوكيات الجديدة لحماية المشروع النهضوي العربي

د.علي محمد فخرو

القيم والسلوكيات الجديدة لحماية المشروع النهضوي العربي

في المشروع النهضوي العربي بمكوّناته الست، الوحدة العربية والاستقلال الوطني والقومي والديموقراطية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتجدد الحضاري، والتي طرحها ويطرحها الإصلاحيون كمقترحات تكوينية ضرورية لايديولوجية عروبية تغييرية شاملة، هناك حاجة ملحة مفصلية للاشتراط وللتأكيد بأن كل تلك المكونات ستكون معرضة للانحراف والتراجعات إن لم تحكم تطبيقاتها في الواقع مرجعية أخلاقية وقيمية وسلوكية مجتمعية سامية ومتجدّدة مرنة.

وبالطبع فإن هذا الشرط مرتبط أشدّ الارتباط بالشعار السادس، شعار التجدّد الثقافي والحضاري.
لنبدأ أولاً برسم الصورة للجوانب البائسة في الأخلاق والقيم والسلوكيات التي تهيمن على حياة الفرد والجماعات في المجتمعات العربية الحالية، والمراد إحلال الجديد محلّها. وهي صورة تحليلية نقدية صادقة لا تجامل ولا تخاف القفز إلى التغيير التجديدي.

بعض ما ورثناه من إرثنا القيمي والسلوكي المشوّه أو المتلاعب به بعد إنطفاء وهج وحيوية حضارتنا العربية الإسلامية. وهو كثير ويستوعب المجلدات، ولذا سنذكر المهم الشديد الضرر منه بإيجاز شديد.
أولاً - إن بعضها قيم قبلية وعشائرية غير حميدة قد تتعارض مع الدين أو القومية، وبعضها قيم مذهبية طائفية تعصبية، وبعضها قيم عائلية أبوية تسلّطية مهيمنة على الأطفال والإناث، وبعضها قيم فكرية تعلي من الخرافة والنزعات الغيبية وعدم التسامح وتقديس التراث وتدعو إلى الانكفاء إلى الأصول كحقائق مطلقة مقدسة وبالتالي تمارس الجمود الفكري، وبعضها قيم وسلوكيات اجتماعية تحتقر العمل والنظام وحمل المسؤولية، وبعضها قيم عرقية تخاف وتحذر من الهويات الثقافية المشتركة الجامعة، وبعضها قيم دينية تعلي المزيد من ممارسة الشعائر الطقوسية دون أن تؤكد أن قيمة ممارستها لا تكتمل إلا إذا تمت جنباً إلى جنب مع العيش اليومي للقيم الأخلاقية الكبرى الإسلامية التي تسمو بالإنسان وتزكّيه وتغني وتحكم الحياة الثقافية والعلاقات الإجتماعية.
إنها قيم مازالت مغروسة في المجتمعات العربية وفي الشخصية العربية.

ثانياً – ما تجمّع من قيم حداثية مشوّهة نتيجة احتكاك الوطن العربي بالحضارة الغربية عبر القرنين الماضيين. ولقد ساعد في ذلك ممارسة التقليد الثقافي والاجتماعي للغرب دون ممارسة للنقد الندّي ودون القدرة على الانتقاء العقلاني المتوازن، وبالتالي دون السقوط في عادة تقديس كل مكونات حضارة الحداثة الغربية. ولقد نجم عن كل ذلك تبني قيم وسلوكيات الفردانية المفرطة في الانغلاق على ذاتها، والإنغماس في الغرائز المادية وغير الأخلاقية، والتفكّك الكبير في العلاقات الأسرية والمجتمعية، وإعلاء عيش الحياة الاستهلاكية النّهمة، بل وأحياناً تبنّي المقولات الاستشراقية الاستعمارية الكاذبة عن الشخصية العربية والدين الإسلامي وتاريخ العرب.

نحن إذاً أمام واقع قيمي وسلوكي بالغ الحاجة لمراجعته ونقده والتخلّي عن كثير منه، وهو ما سيستدعي عمليات إصلاح فكرية وسلوكية عميقة كبيرة سنحاول تسليط الضوء على بعض منها، ومن ثم تسليط الضوء على القوى والجهات والمؤسسات التي ستقوم بذلك. ذلك أننا أمام مشهد معقد التركيب، ممتد عبر القرون، ومرتبط بمصالح سياسية ودينية واجتماعية متنفّذة، ومترسخ في النفسية الفردية والجمعية العربية.

ولذلك فان مواجهة ذلك المشهد لن تجديه جهود فردية إصلاحية متناثرة ومتباعدة، كما حصل خلال القرنين الماضيين وكما حاول القيام بها في الحقل الإسلامي الثقافي مفكرون إصلاحيون أفذاذ من أمثال الشيخ محمد عبده والكواكبي ومالك بن نبي وعبدالكريم سروش وطه عبدالرحمن وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي وعلي الوردي وغيرهم كثيرون، والذين سنبرز بعضاً مما قالوه في مقالات قادمة.
وبالطبع يماثل هؤلاء الألوف من المفكرين الذين تعاملوا مع القسم الثاني من المشهد المتعلق بالتفاعل العربي مع قيم حضارة الغرب.

المهم أن ينقلب كل ذلك الفكر الإصلاحي إلى تيار مجتمعي كبير ينادي بتلك الإصلاحات ويسعى إلى إقناع الملايين بها لتصبح في النهاية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية.
والأهم هو أن ترسخ تلك الإصلاحات القيمية والسلوكية الجديدة في ذهن ونفسية الفرد العربي منذ طفولته في العائلة، مروراً بالمدرسة والجامعة وبمؤسسات الثقافة والإعلام والدين، أي طيلة حياة الإنسان العربي.
تلك مهمة هائلة تحتاج أن تسير جنباً إلى جنب مع تحقق المشروع النهضوي العربي لتحميه من أي انتكاسة أو تشويه كما حصل له في الماضي القريب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع